ليس هناك معنى للوباء، إذ تؤدي قفزة جسيّم صغير غير حيوي من كائن إلى آخر بقلب كل شيء بقوة عشوائية ومرعبة. لكن بالنظر إلى المعنى في الطريقة التي نستجيب بها، وتزجية الوقت بصحبة أحبائنا، والتفكير في الطريقة التي نريد أن نعيش وفقها عندما ينتهي الوباء، والالتفاف بأنفسنا حول الكتب المناسبة، قد تجدون أنه من الممكن تحمّل الفوضى

أفضل الكتب للحفاظ على التوازن النفسي خلال وباء كورونا

سيري رادفورد

 

عند كتابة هذا المقال، كنتُ في الأسبوع الرابع من حالة الإغلاق في مكان إقامتي في سويسرا. المدارس مقفلة، وكل يوم هو عبارة عن جولة جحيمية ممتعة متعدّدة المهام، إذ أفشل في أداء عملي ومهام الأمومة في الوقت ذاته، بينما تبخّرت بعض الخطط لقضاء عطلات مميزة، إضافةً إلى قلقي على المستقبل. بشكل عام، أعرف أنني واحدة من الأشخاص المحظوظين لمجموعة كبيرة من الأسباب. فعائلتي بصحة جيدة. يمكنني إرسال طفلي إلى الحديقة. لا أنتمي إلى مجموعة الأفراد الضعفاء. ومع ذلك، أعتقد أنه إذا كان هناك أي موقف يمنحنا جميعاً الحق في إبداء ضعفنا والاعتراف بأن القدر قد أوهننا بضربة على رؤوسنا بجورب صوفي مليء بالحصى، فهذا هو الظرف المناسب.

وبطبيعة الحال، فقد حان الوقت للّجوء إلى الكتب، ليس فقط لأنها تحتوي على خلاصة الحكمة البشرية، ولكن لأننا نفضلها أيضاً بشكل كبير على الخيارات الأخرى من الإدمان على الكحول وهواية الأعمال اليدوية ومتابعة المدرب الرياضي جو ويكس على الإنترنت والمماحكة. لقد كتبتُ من قبل عن قوة القراءة المريحة، وبالتأكيد الآن هي اللحظة المناسبة لتهدئة أعصابنا المتهالكة مع الكوميديا اللطيفة لجين أوستن أو بي جي وودهاوس. لكن في حين أن الأعمال الخيالية المشرقة والمطمئنة هي المعادل الأدبي لقطعة من الحلوى، وهي مثالية لرفع معنوياتكم في يوم سيّئ، فقد وجدتُ كذلك إحساساً صحياً ومفيداً في فكرة إعادة قراءة الكتب التي تطرح الأسئلة الكبيرة عن كيفية التحمل. في مكان ما، يجب تحقيق نوع من التوازن العقلي بين السماح لأنفسنا بالشعور بالحزن لما يحدث، والبحث عن الوسائل التي تبقينا هادئين وإيجابيين قدر الإمكان. يمكن للكتب أن تساعد بشكل هائل.

الكتاب الذي أقترح عليكم قراءته أولاً إذا كنتم غارقين لفترة طويلة في الشفقة على أنفسكم، لدرجة أنكم بتّم متجهمين مثل فاكهة جافة، هو: "بحث الإنسان عن المعنى"، وهو مذكرات من أيام المحرقة اليهودية كتبها الطبيب النفسي فيكتور فرانكل. الكتاب الذي أُلّف عام 1946، يغطّي تجربة الحياة التي عاشها المؤلف في معسكر اعتقال نازي، وتطويره لـ "العلاج المنطقي" كوسيلة لعلاج الضائقة النفسية من خلال التركيز على المعنى. إنه كتاب حيوي بحد ذاته بالطبع: فهو تذكير عميق بالقسوة والإرهاب المنهجي الذي تعرض له ملايين اليهود وغيرهم من الضحايا في الذاكرة الحية. إذا قُرئ في سياق اليوم، فإنه يدفعكم إلى إدراك أن كل يوم من الأيام التي نعيشها تحت الإغلاق هو يوم في الجنة.

فقد عانى فرانكل وزملاؤه من الضحايا بؤساً متواصلاً: كانوا يخوضون في الثلج عند الفجر هزيلين، مرتجفين، مضروبين ومرتدين أحذية بالية ليبدأوا يوماً آخر من الأشغال الشاقة. وبحسب ما كتب: "أتذكر أنني قمتُ في أحد الأيام بتدوين حالتي النفسية ووجدت أنني في عددٍ من الأسابيع الماضية، اقتصرت متعتي على لحظات فقط". كان أحد أولئك الرجال طاهياً يوزّع حصص التجويع "العادلة" من حساء أقرب إلى الماء. يجعلكم هذا الوصف تدركون بسرعة أن حياتكم اليومية مليئة بالمتعة، ولا يجب عليكم حقاً أن تتذمّروا لإلغاء رحلتكم إلى برشلونة. الرسالة الشاملة، على أي حال، هي أن المتع البسيطة ليست هي التي تشعركم بالرضا، ولكن الإحساس الأعمق بالغاية من وجودكم. فعمل فرانكل كطبيب في معسكر الاعتقال لرعاية المرضى، حتى عندما كان يعرّض نفسه لمخاطر قاتلة، ساعده، في رأيه، على البقاء.

التصحيح العقلي المفيد الآخر الذي حصلت عليه من الكتاب هو التوقف عن التركيز على متى سينتهي هذا الوضع. يكتب فرانكل عن سجين كان يحلم في أن تنتهي الحرب في 30 مارس (آذار). وعندما اقترب ذلك اليوم وانتشرت أنباء سيئة عن استمرار الصراع، مرض السجين ومات في 31 مارس. وكتب فرانكل: "بالنظر إلى كل العوامل الخارجية، لقد مات بسبب التيفوس"، في حين كان يتكهّن بأن السبب الحقيقي كان يأسه، ما أدى إلى ضعف الاستجابة المناعية للعدوى الكامنة.

من الممكن أنها كانت مصادفة بحتة: أشعل فرانكل بعض الانتقادات لاستنتاجه أن ضحايا المحرقة كانوا بأي حال من الأحوال مسؤولين عن مصيرهم. لكن هناك انتشاراً واسعاً لفكرة أنه من الأفضل تجنّب التركيز على الأطر الزمنية الخارجة عن سيطرتنا، انطلاقاً من تعبير "لك اليوم الذي أنت فيه" إلى ذلك الشخص في رواية "عناقيد الغضب" للكاتب الأميركي جون ستينبيك، الذي كتب: "عندما كنتُ في السجن، لم أفكر أبداً بلحظة التحرير. كنتُ أفكر في يومي فقط، وربما في مباراة كرة القدم التي ستُقام يوم السبت التالي، ولم أفكر في ما هو أبعد من ذلك". قد تكون هذه النصيحة شائعة، لكن لا يزال تطبيقها صعباً جداً: فأنا أحتاح إلى رافعة كي تفصلني عن تصور البيانات التي تجسّد طريقة تطور منحنى انتشار الوباء في سويسرا.

 

في هذه المرحلة، اللجوء إلى الفلسفة مفيد، إذ يمكنها سدّ الفجوة في الأوقات العصيبة بالنسبة إلى الأشخاص غير الميّالين إلى الدين. في حين تُستخدم الرواقية كاختزال للقمع العاطفي الضيق المتحامل، فإن الكلمة تعبر في الوقت ذاته عن مدرسة فكرية كلاسيكية تغذي السكينة، وتمرّ في حالة شبه إحياء لها بعد ألفي عام من تشكّلها.

من بين الكتب الحديثة والمفيدة: "كيف تفكر مثل إمبراطور روماني" لدونالد روبرتسون، و"العقبة هي السبيل" لريان هوليداي، و"التحدي الرواقي" لوليام إيرڤن، إذ يعتمد جميعها على مواد أصلية مثل خطابات الفيلسوف الروماني ابكتيتوس، وتأملات الإمبراطور والفيلسوف الروماني ماركوس أوريليوس.

أحد المواضيع البسيطة لكن القوية التي يتم تناولها في هذه الكتب هو الحاجة إلى فصل ما يمكنكم التحكّم فيه عن ما لا يمكنكم التحكم فيه، وتركيز كل أفكاركم وجهودكم على الأمور ضمن الفئة الأولى. يكون قول هذا الكلام أسهل من تطبيقه عندما تكون الأمور التي لا يمكنكم التحكم بها تتدفّق عبر تحديثات حساباتكم على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها بشفافية نصيحة معقولة. فيمكنكم التحكم في سلوككم من خلال: اتّباع قواعد الانغلاق وإنجاز أفضل عمل يمكنكم فعله ضمن هذه الظروف، أن تكونوا أصدقاء أو جيراناً محترمين، وغسل أيديكم بإخلاص وهمّة. وانسوا كل ما تبقّى، خذوا استراحة من تويتر.

من الممكن بسهولة السخرية من المقاربة الرواقية - إذا كنتُم تقرأون بي جي وودهاوس من أجل الحصول على الراحة، فقد تصادفون "بيرتي ووستر"- الشخصية الخيالية الشهيرة في سلسلة القصص الكوميدية القصيرة للكاتب التي تحمل عنوان "جيڤس" - وهو يعبّر عن امتعاضه، بينما يقتبس"جيڤس"، صاحب الشخصية الهادئة دائماً وأبداً قولاً لماركوس أوريليوس، مستنتجاً أن ذلك الفيلسوف - الملك لم يكن في الواقع سوى "حمار". ومع ذلك، كان حماراً يتمتع على ما يبدو بقوة شخصية كافية لمواجهة الطاعون والقبائل المتحاربة باتّزان يفوق ما يظهره بعضنا اليوم عند مروره أمام قسم المعكرونة شبه الخاوي في السوبرماركت. من بين التقنيات الرواقية الأخرى هي ما وصفه إيرڤن بـ "التصور السلبي": تخيّلوا نقص الأشياء من حياتكم، كي تقدّروها بشكل أفضل. في بعض النواحي، يُعدُّ الإغلاق المصاحب لفيروس كورونا تجربة نفسية على نطاق مشابه ولكنه ضخم: سنستمتع أكثر بالأمور التي نفتقدها في الوقت الراهن عندما تُستأنف الحياة الطبيعية - إلى حدّ ما على الأقل.

ليس هناك معنى للوباء، إذ تؤدي قفزة جسيّم صغير غير حيوي من كائن إلى آخر بقلب كل شيء بقوة عشوائية ومرعبة. لكن بالنظر إلى المعنى في الطريقة التي نستجيب بها، وتزجية الوقت بصحبة أحبائنا، والتفكير في الطريقة التي نريد أن نعيش وفقها عندما ينتهي الوباء، والالتفاف بأنفسنا حول الكتب المناسبة، قد تجدون أنه من الممكن تحمّل الفوضى أكثر بقليل.

 

اندبندنت عربية