يكتب الكاتب الدنماركي من أصل عراقي الشاب "صلاح إبراهيم" معاناة جيل المنفى والتباس العلاقة بماضي الأب القادم من أوطان الحروب والدكتاتوريات، فالطفل يعيش في دولة مؤسسات تهتم بالإنسان وترعاه، وفلا يستوعب ماض الأب التراجيدي فيقسو عليه بالتصرف، ومن هذه النقطة يدخل الكاتب ثيمة نصه العميقة وهي تتأمل الأب وعنفوانه وصبره.

حوض السمك

صلاح إبراهيم

ترجمها عن الدنمركية: سلام إبراهيم

 

أحب أبي جداً

لقد كنت قاسيا عليه عندما كنت طفلا، فقد كان متقاعدا وهو لا يزال قويا ويلعب رياضة كل يوم، فكنت أطالبه كي يعمل فكان يبتسم ويحضنني ويهمس:

- لما تكبر ستعرف القصة.

نضجت وفهمت الحكاية فندمت. أدركتُ جراحه وتراجيديا تجربته وما عانى فيها، فَقَدَ أخاه الذي يصغره في أقبية وسجون الدكتاتور، قضى تحت التعذيب حكي لي القصة كاملة حينما كبرت قليلا وسألته عن أفراد عائلته الكبيرة في العراق. وعرفت أيضاً عن ظروفه في بلده، كانت حياة أبي وقتها مهددة ومجهولة المصير. اعتقالات متكررة، ثم جندي في الحرب، هرب إلى الثوار، فأصيب بقصفٍ بقنابل الكيمياء وتعرض مرات كثيرة للموت ونجا.
متى ما تعرف ما مرَّ به والدك وما تحمّله من عناء وصعوبات بحياةٍ مهدد فيها بالموت وبنفس الوقت هو أب حنون، مسالم، لم يمسسنا نحن أبنائه الثلاثة، بل كان يحاورنا، ويحكي لنا قصة بالعربية كل ليلة قبل النوم، وعلمنا العربية في البيت، والسباحة بالمسبح، وسياقة الدراجة الهوائية، وعلمنا القراءة لا بل جعلنا بالأخير مدلهين بها، وكنت أتهرب من القراءة فقد كنتُ متعلقاً باللعب أكثر، لكن لديه وسائل عجيبة يجعلني أقرأ بواسطتها بالرغم من ضيقي بالكتاب،

سأروي لكم إحداها

عندما كان عمري 7-8 سنوات أخبرته أنني أريد حوض سمك، فقد حصل زملائي في الفصل والمحلة أحواض كهدية من آبائهم. كنا نسكن في قرية تبعد أربعة كيلو مترات عن مدينة غوسكلدة
أجاب:
- طيب
كان يقف أما مكتبته الكبيرة، نظر نحوي ومدّ يده وناولني مجلد قصص وحكايات هوسي أندرسن وقال:

- اقرأ هذا، ولخص ثلاث قصص لا على التعيين من المجلد بعد إتمام قراءته ".

أتفقنا. اشترى الحوض أولاً بدون أسماك أو ضوء أو مضخة أو حجر. بدأت بالقراءة كان الكتاب ضخماً وحكاياته مغامرة تلو المغامرة والوقت يمر بطيئاً وكنت استعجل إنهائه فرحت أغش بتخطي العديد من القصص. قرأت على ما أتذكر تسع مائة من صفحات الكتاب البالغة ١١٠٠ألف ومائة. عملت ثلاثة ملخصات وسلمتها له، قلّبها ثم أشار إلى قصة، من الصدف أني لم أقرأها وطلب مني الحديث الشفوي عنها، أخذت الكتاب وصعدت إلى غرفتي أغلقت الباب وقفلتها خائفاً من أن يكتشف كذبتي. قرأتها على عجلٍ. نزلتُ وقدمتُ الملخص الشفوي. نظر إليّ وحك رأسه بطرف أصابعه قليلاً، ثم قَلّبَ بالكتابِ وأشار إلى قصةٍ أخرى وقال بصوتٍ منخفض:
- أحكي عن هذي القصة أيضاً
اشتعلتُ غضبا وقلت له:
- ماذا تقصد يا أبي ؟ يبدو أنك لا تريد شراء السمك، وسوف لا تشتريه!
فضحك بصوتٍ عالٍ فتملكني الغضب واليأس واعتقدتُ أن أبي يخونني.
تركته غاضباً وأنا أصرخ:
- لا أريد الحوض ولا السمك!

فهدر بضحكة أقوى. ركضتُ إلى غرفتي وقفلتها عليّ.
في اليوم التالي تفاجأت حال عودتي من المدرسة أذ وجدت الحوض كاملا مع عدته، كان لدي أسماك ملونة، أضويه تحت الماء وووو وكل شيء.

هذه واحدة من ذكرياتي الكثيرة مع والدي المُحِب والحساس.
والذي تجاوز حياة العنف والقسوة في تجاربه في العراق وأرسى علاقة حوار واحترام مع أولاده والعائلة، حياة ملهمة، أبي شخصية ملهمة تعلمت من إرادته وفكره الكثير

أبي أحبك جداً

جداً

5-6-2020