تقدم الكلمة ديوانا شعريا من مصر، تأملات تفضي الى الشعر والى تقصي مداركنا للأشياء والتفاصيل، ليست لعبة تعريفات شعرية بقدر ما يشكل الشاعر، وعبر محاولاته استقصاء مداركنا المختلفة للأشياء، تشكيلات مصغرة دون أن يحتاج الى تعريفها، الأثر الذي تخلفه وتأويلها المزدوج، ومعرفتنا الأخرى بكثير من التفاصيل والتي قل ما تثير رؤى العين، بل تستفز النصوص رؤى الإدراك التي تتجاوز الحسي وترصد استعاراتها في الوجود.

ديوان العدد

تأملات مراوغة

مصطفى جاد الكريم

 

الساعة
الساعة الحجرية..
تَصِفُ فى حَسْم..
لحظةً لَمْ تَأْتِ..
وتنعى فى قلق..
لحظةً مشكوكاً فيها..
وتُقَلِّبُ أوراقًا..
لَمْ يَلْمَسْها أَحَدٌ مِنْ قَبْلْ..

 

الشلال
ينحدر شلال اللآلئ
من رحم أمانٍ مستعصية
تحاصر مصلوبا
بسوط
لا يعذِّب
إلا الأقوياء
يَغرَقُ بعد انتظار
مسافرون
إلى لحظة مسلوبة
يندم فجأة
قلب لم يعرف الندم

 

الذهول
يرتبك عقلى
وهو يقاوم ذهولا
يخيم على حقول
تنبت فيها أشواك
تجرح قلوبا مناوئة
يتعظ عقلى
وهو يعاين ذهولا
خيم على دخان الكون
فأرسل سحبا
تغذى مجرات متتالية
ونيازك متشائمة
تهدد الكواكب

يندهش عقلي
وهو يصافح ذهولا
استوطن في أرواح مباغتة
تستيقظ كل يوم
على صياح ديكة فطنة
ينكفئ عقلي
وهو يستسلم لذهول
يفسر الكثير
ويقول القليل
في قاعات ممتلئة
بالضباب

 

السكون
السكون الصاخب
يتعجب
من الصرخات المفهومة
ويأمر أتباعه
بنحر أى صوت غريب
لتنعم أنت أخيرا
بنوم هانئ
لا يعكره
إلا كابوس قديم
رأيتَه
ألف
ألف
ألف
ألف
مرة

 

دماء
دماء لزجة
تغطى الأحلام
وطعنات غير مؤكدة
تفاجئ قلبا
يملؤه حب
غير مكتمل
والخفافيش الأرجوانية
تتمايل فى صالات غير مغلقة
وأنتَ
ما زلت هناك
بقعةً على صفحة خضراء
يحرثها فلاحون
من أماكن سحيقة

 

السحر
السحر الصامت
فى أحشاء كلمة مراوغة
يحاصر معابد حمراء القباب
ترصع وديانا ذهبية
تتردد فيها ترانيم لا تنقطع
وموجة خرساء
ترصد بحذر
أنباء سفينة معاندة
يرجم الثلج
صواريها الهازئة
وقلوب النوارس
تنبض نبضا
تهش له النجوم

 

الوَحْش
تلمع
عَيْنَا الوَحْش
خَلْفَ
السِّتارِ المُمَزَّق
وتضطرب
أَنْفاسُ الضَّحِيَّة
وتمتدُّ يَدٌ
لِتَشُدَّ
السِّتار

 

اغتراب
في هذه البلاد البعيدة كل البعد عن وطنى..
تتساقط علىَّ اللحظات الغريبة..
كما تتساقط ثمرات شجرة معمرة..
فجأة وبغير توقع..
فى ليلة ضبابية غامضة..
ذات ألوان كثيرة فاقعة..
وتهاجمنى الكائنات العجيبة..
بقسوة ليس فيها ندم..

 

الوتر الصامت
الوتر الصامت .
يحتضن صمته..
ويرتجف متطلعا..
للألحان السماوية..
التى سيعزفها يوما..
عندما تلتقى السماء بالأرض..
فى المهرجان القريب..
البعيد..

 

الوتر الصامت..
يحب صمته..
ويكرهه..
لأن فيه..
يولد لحنه القادم..
ولأنه فى جوفه..
يحمل آلام المخاض..
الوتر الصامت..
يعرف سره..
ويجهله..
ففى كل يوم..
تقابله الدهشة..
تخرج حتى من داخله..
الوتر الصامت..
يحمل ألمه..
يسير به فى الطرقات..
يعرضه للفرجة..
للبيع.
للرثاء..
للإعجاب..
الوتر الصامت..
يحكى قصته..
لمستمع لاهٍ عنه .
ويعيدها كل يوم..
بدأب..
وملل..

 

النجم
النجم المتوحد..
فى أعماق الفضاء..
ينشج ضائعا..
ويخاف من صوته..
النجم المتغرب..
يصنع غربته..
وتصنعه..
النجم المتصبر..
يراهن صبره..
على جواد الزمن..

 

الجبل
الجبل الضخم..
تتناثر حوله اللآلئ الجميلة..
كدمعات رقيقة..
سقطت من عيون ذات كبرياء..
والآلام التى تركت علاماتها..
على الروح القوية.
نبتت أشجارا..
على جانبي الطريق الصاعد..
وتبلورت كلمات محددة..
على الشفاه الصادقة..
والنظرة الثابتة..
على الأفق المبتعد..
تَشْخَصُ بتصميم..
وأمل..

 

حكاية
أحكى للأصداف الزرقاء
ما فعلته الأمواج الحمراء
وأغوص خلف كلمات
تمتمت بها
آفاق قديمة
وعبثت فيها ذاكرة مترنحة
بنظام الألوان
وأنادى بصراخ خافت
كل جنود الأرض
كى يعودوا
من غزواتهم الظافرة
ليحاصروا قلعة
لم تسقط بعد
ويقاتلوا فارسا
لم يستسلم بعد
فى معركة جديدة
لم تذكرها الملاحم
و لم تلملمها الأقلام
لكن ربما رسمتها ريشة
على لوحة خفية
معلقة منذ ألف ألف عام
خلف الشمس

 

الطبول
الطبول تدق فى كل مكان
تدق خلف الجبال العالية
تدق داخل الغابة الكثيفة
تدق بجوار أذنى
تدق داخل قلبى
تدق تنبهنى
إلى زلزال
لم يسمع بمثله أحد
يبتلع الطرق المزدحمة
يبتلع القلوب القلقة
يرسم على شاهدى
بداية جديدة

 

الإدراك بعد فوات الوقت
الزهرة الصغيرة..
الحزينة..
تعطى رحيقها بتراخ..
للنحلات المتسكعة..
وترقب رحيل الشمس..
بقلب مكسور..
وتفسر أحداث النهار..
بتشاؤم..
وتؤلف عبارات مأثورة..
لم يعد هناك وقت..
لتطبيقها..

امتنان
تغسلنى السماءْ
بمطرٍ لَمْ يَنْزِلْ مِنْ قَبْلْ
تَهُزُّ قلبى
برعدٍ لَمْ يَصْدَحْ من قبل
تكشف بصيرتى
ببرقٍ لَمْ يَبْزُغْ من قبل
تأخذنى
إلى طريقٍ لم يطرقه أحد
ترفعنى
إلى مدار لم يبلغه أحد
تؤنسنى
بحنانٍ
لم يَطْعَمْ مثلَهُ
أحدٌ قَبْلى
فأذوبُ
امتناناً

 

رحلة

التمعت الحمم الأرجوانية

على جوانب الطريق الملتوى

إلى جوف الأرض

فى رحلة إضافية

تُحسب للإنسان

تحدثت الصخور

بكل الألوان

 

تَكَشَّفَتِ الكنوز

فى حياء

تَطامَنَ المسافر

فى رَحِمٍ مسحور

انبثقت أسرار

من ينابيع لازوردية

وصل المسافر

وسلم الرسالة

واستلم الوديعة

ووضع علامات

ليعود

 

أعشاب البنفسج

أعشاب البنفسج

تطل من نافذة أجمل حديقة

وتلقى بوريقاتها اليانعة

على طريق عذب

يمتد بين أشجار متوهجة

يطرقه أحبة

منذ عصور ما قبل الحب

تفرشه قبلات

تنبت حولها القلوب

يبدأ حيث ينتهى

يظهر حيث يختفى

لكن دائما

ترقبه بحنان

أعشاب البنفسج

مشاهد

تتصاعد من المداخن

رسائل غامضة

تحمل بين سطورها

دفء سنين طويلة

تتعانق فى السماء

سحب عابرة

تحمل مغتبطة

أحلاما قديمة

تتقاطع فى حبور

طرق حزينة

تأتنس بالزحام

تتلاقى فى دهشة

أيادٍ منهكة

انتهت لتوها

من معركة مألوفة

تتحاب فى صمت

قلوب مؤجَّلَة

تنبض صابرة

منذ الأزل

تتراص فى سلام

كائنات وديعة

يلعب فى حمايتها

أطفال قلقون

لعبة الحرب

 

أنشودة

أنشودة الضياء

تعزفها على الشعاع الفوقى

ذبذبات مسافرة

منذ دهور

لتلمع فى عيونٍ وليدة

ألوانٌ متوثِّبة

تنام مطمئنة

فى لوحات متداخلة

تدور فى دوائر عديدة

على حوائط غير متناهية

لمعرض الكون

 

رؤيا

تقاطعت خيوط

تربط بين أحلام متواترة

وتنسج بصبر

فخا لأرجل متعثرة

تخجل من الطريق

أتى من بعيد

قطار غير منتظَر

يحمل راكبا لا يحمل متاعا

لا ينتظر محطة منتظَرة

نما بتسرع

حقل ظمآن

أثمر فاكهة محرمة

ملأت أسواقا غير مطروقة

مَسَحَ دمعةً مفاجئة

حزينٌ من قَبْلِ التاريخ

تنتظره بشوق

أحداثٌ غريبة

حَذَفَ سطورًا شائكة

قلمٌ مسترسل

يخاف

من قارئٍ شامت

صَعَدَ إلى قمّةٍ باهتة

مغامرٌ صامت

خَرَجَ لتوِّه

من كهوفٍ آمنة

قَتَلَ لحظةً جامدة

محاربٌ قديم

غَرَقَ سيفُه

فى طوفانٍ لاحق

سَجَّلَ رقمًا فريدا

متسابقٌ عجوز

أقنعَ حكاما

غادروا المنصة

 

الضياء

الضياء المتوهج داخلى

يمنح قلبى سفرا غير متناه

إلى أحلام أكيدة

يعطى إشارات عطرة

لقافلة أزلية

يبدأ سويعات مطلوبة

لائتناس مفاجئ

ينصر زحفا مقدسا

إلى حدود غير محدودة

يضبط ساعة كونية

تدق فى عقل منبهر

يغمر كل شيئ

بعد ظلام

لا أذكره

 

مهرجان الألوان

غازل الشعاع الأخضر

البقعة الصفراء

فاستيقظ الوهج الأحمر

على وسادة زرقاء

وابتهج الأرجوانى

فى احتفالية وردية

وغرد البنفسج

على غصون برتقالية

وغار الأبيض

من وقار الأسود

ورقصت الألوان

معلنة بدء المهرجان

 

السلام

لاحَتِ الذُّبالة فى فَمِ قِنديل

أَشْعَلَتْهُ يَدٌ مُشاكِسَة

انْخَرَطَ المؤقَّت فى زُمْرَة الأبدى

فاكتسى بالدَّوْرِى

انْسَحَبَ السَّحَاب

من سماءٍ صافية

فضَحِكَ المَطَر

ارْتَعَشَ الكلام

على لسانٍ حَذِق

لَهَاتُهُ مَسْتَعْصية

انْسَكَبَ الرَّحِيق

مِنْ زهورٍ أَزَلِيَّة

فَحَلَّ السَّلام

المؤكد وغير المؤكد

الشمس

تبهر عيون الأرض

والأرض تدور

ولا تصاب بالدوار

والمجرات تموج

ولا تسقط قطرة منها

فى العدم

والوجود

يغير جلده

ويؤكد هويته

واللحظة

تتأرجح

على بندول جامد

والمؤكد

يعطى وعدا صادقا

لغير المؤكد

 

الوهم

الوهم الموغل

فى أدغال

أحلام موحشة

يستنبت حشائش

غزيرة الخضرة

تنمو على

ممرات متاهية

بين أشجار متلاحمة

فى قيظ موجع

تسوطه صيحات وحوش

تكمن تحت ظلال

كائنات هلامية

تملأ فراغا

سميكا

يحجب

رغبات

ضارعة

 

شعاع

شعاع أرجوانى

هارب من حديقة المستحيل

يناجى نجوما متباهية

ويقص عليها

رحلته السعيدة

عبر زهور الأحلام

فتبتسم غير مصدقة

ولا يمل من التنقل بروايته

من نجم إلى نجم

 

لحظة

الأمل الملتوى

يصدح بغير صوت

فى حدائق التراخى

والملل العنيف

يمزق السكينة

والتحمل يتراجع

ليفسح الساحة

لانهيار وشيك

والصداع المطارِد

يثبت الصلة

بين المادة

والروح

 

أفعال مضارعة مثناة

الكلمة والألوان

ينتزعان منى اعترافا صعبا

ويمجدان ألما لا نهاية له

ويمحصان هوية غامضة

ويرتبان لقاء أخيرا

ويسويان حسابا قاسيا

ويحاوران لسانا مقيدا

ويبعثان أملا ثقيلا

ويمزقان روابط شائكة

ويتحدثان بلغة مهجورة

ويخيطان ثوبا باليا

ويَسْبَحَان فى نهر جاف

ويقطفان ثمارا حزينة

ويضعان قواعد منتهكة

ويخصمان حسابا مرتبكا

ويرضعان من ثدى بلا أبناء

ويَخْصِفَان عليهما مِنْ وَرِق الجَنَّة..