يخصنا الشاعر المغربي بنص شعري جديد، بعمق رؤيوي لافت، يحفر عميقا في ثنايا تفاصيل الكينونة كما تجلت في الأصل، وكما عاشت في الديمومة على غير إرادتها وضدا على كل ما ظل العالم يذكرنا به، ويلات تلو أخرى، هي أحوال الإنسان والذي طالما أدرك في عمقه، هذا القلق السديمي والذي يشعره دوما بالحاجة الى السؤال.

أحْوالُ آدمَ

فتح الله بوعزة

 

لم يأتِ آدمُ وحيداً إلى هذا العالمِ

كان معهُ الليلُ، والنّهارُ

والخوفُ من الخلاءِ الواسعِ

ومزاجِ امْرأة لم تقرّرْ، بعدُ

ماذا ستفعلُ بالأرضِِ

وآدمَ

ولسانِه الشّائكِ جدّا !

لم يأتِ وحيداً

كان على كتفيْهِ شتاءٌ خفيفٌ

بضْعُ حمَاماتٍ، وبقايا رعافٍ حادّ

بين حاجبيْه رشّةُ برْقٍ نادرٍ

وكانَ الليلُ أحبّ إليهِ، وأبهى

من رَخاوةِ الموجِ بين ذراعيهِ

فأهْرقهُ في كلّ مكانٍ

ومشى بين المواقيتِ والجهاتِ

مثل ذئبٍ مسْتوحشٍ

قليلِ الْكلامِ

وكانَ، كما شاءَ الرّبّ أن يكونَ

مشّاءً دافقا بالحبّ، والسّهوِ

بالكادِ يرشدُ الماءَ العالي

إلى غرقٍ كاملٍ في هديلِ الأوّلينَ

رحيما بمِزاج امْرأةٍ

تقيس المسافةَ بين أنْفاسها

وذاكرةِ العطْرِ في مِزَقِ الهواءِ

بين كفّيْها، ومعابرِ الفرحِ المتَردّدِ

ولا تفْصحُ عمّا ستفعلُ بالأرضِِ

وآدمَ

ولسانِه الشّائكِ جدّا

وكانَ، كما شاءَ الرّبّ أن يكونَ

صُلبا بحوافرَ من إسمنتٍ

يدُه سريرٌ ليتامى الحُروبِ

يده الأخرى مرْجُ قمْحٍ متموّجٍ

لمديحِ الضّالينَ، وآخرِ الجياعِِ

فرِحاً، كان، بسنابلِ أنثاهُ

قلِقا من مُبْهمٍ آتٍ

حمّالَ حريق، وأنهارٍِ

مؤْمنا، وشَكّاكا

باسْمِ الرّبّ

يجرحُ العائدينَ إلى الرّبّ

كان معهُ وردٌ لأعيادِ جميلتِه

ونشيدٌ مرْبكٌ لجبْر خاطرِها

وكُسورِ العواصمِ ِفي محْجريْهِ

كان لهُ حرسٌ لترْويضِ المكائدِ

ورشّة برقٍ لهتْكِ أقْنعةِ النّهارِ

وذئبٌ مستوحشٌ

قليلُ الكلامِ

وشاءَ الرّبّ أن يعيش أطولَ

من ساقِ وردةٍ

وأقصرَ من بسْمةٍ طارئةٍ

قبل أن يتشظّى العالمُ

ويمْضى وحيدا

ورخْوا

مثل دمْعةٍ ضالّةٍ

في فراغٍ عميقٍ !

 

خنيفرة في 4 يونيو 2020