يهدي الشاعر الجزائري، وتهدي مجلة (الكلمة) معه هذه الدراسة للكاتب الجزائري الكبير متمنية له الشفاء في رحلته العلاجية. وتقارب هذه الدراسة روايته الأخيرة مقاربة سيميائية وسياسية معا، كاشفة عن دلالات العتبات، ومحتوى البنية الروائية، وعن طبقات المعنى المتوارية من ورائهما.

«الوليُّ الطَّاهر يعود إلى مقامه الزَّكي» للطَّاهر وطَّار

مقاربة سيميو ـ سياسية

بشير ضيف الله

إهداء: إلى صاحب «اللاز».. في رحلته العلاجية الطويلة.

ما يشبه التقديم:
«الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي» هي محاولة لتأريخ ظاهرة ارتبطت بالمشروع والفكر الإسلامي انطلاقا من حادثة قتل "خالد بن الوليد" للشاعر "مالك بن نويرة"، والتي اختلف بشأنها خليفتان من خلال "حكم عمر بن الخطاب" ـ رضي الله عنه ـ القاضي برجم "خالد بن الوليد" وحكم "أبي بكر الصديق". المؤسَّس على أن من اجتهد ولم يصب فله أجر واحد! والسؤال المطروح الآن: ما علاقة هذه الحادثة بأحداث وتجليات النص الروائي المطروح أمامنا، والذي حاول من خلاله الروائي "الطاهر وطار" تأسيس نظرة جديدة لما يعرف بالأدب السياسي؟! ولعل هذا ما يثيره الروائي في مقدمته، حيث يقول: "أنا فخور بكوني كاتب سياسي..." مما يعني أننا أمام نص ذي أبعاد سياسية على غير ما يظهر للكثير من أنه ذو بعد صوفي تراثي نتاجا للحادثة السابقة التي أشرنا إليها، إضافة إلى الدلالات والرموز والإيحاءات ذات الطابع الديني التي كان النص مخمولاً لها وفقا لتنامي وانزياحات الحدث الروائي، وأنساق الرؤى التي اعتمدها الكاتب كتقنية روائية تصب أسئلتها وتداعياتها المتجذرة والمكبوتة والظاهرة والمستشرفة أحيانا بما يتلاءم وطبيعة المحتوى.

غير أن المؤكد من خلال قراءاتنا المتكررة لهذه الرواية، أن هناك أسئلة ظلت ولا تزال تبحث عن إجابة لها، والكاتب هنا يحاول أن يقدم بعض الإجابات والأفكار انطلاقا من رصيده الفكري والأدبي مستثمرا الكثير من الوقائع التي عاشها، وذلك موضوع دراستنا هاته بعد أن نحوصل أحداث هذه الرواية وتفاعلاتها وتراكماتها أيضا!

«الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي».. مقاربة سيميائية:

1 ـ توصيف الرواية:
قسم الروائي "الطاهر وطار" مراحل وأحداث هذه الرواية إلى مراحل مختلفة، هي:

ـ تحليق حر.
ـ العلو فوق السحب.
ـ السبهلله.
ـ في البداية كان الإقلاع.
ـ محاولة الهبوط:

ـ أولى.
ـ ثانية.
ـ أخرى.
ـ اضطراري.

وهذه المراحل تترجم أحداث ومعطيات تتلاصق رغم أنها تبدو متنافرة لتشكل في النهاية الهاجس الأكبر، الذي يظل يبحث عن إجابات قابلة للتمشهد، وعليه سارت فعاليات هذه الرواية وفق:

ـ تحليق حر:
المشهد ممشكل ومرتب وفق معطيات هي: العضباء المتوقفة فوق التلة الرملية، والزيتونة، والمقام الزكي المنتصب هناك بشكله المربع وطوابقه السَّبع، ووفق كل هذا تعبير "الولي الطاهر" المنطلق من الأعماق حمدا لله على عودته إلى أرضه دون أن يدري أين كان، وهو لا يزال مستعليا أتانه قبل أن يقرر النزول والصلاة، مع أنه لم يستطع تحديد قبلته... فصلى... لكن شيئا لم يتغير... فالشمس ثابتة والظل منعدم.. وهنا كان تداعي الأحداث والعودة للوراء حيث الغيبة، الأخوات.. وأخيرا العضباء.. هي مرحلة ذهول وانزياح ذاتي بين المد والجزر، بين التوارد والشرود.. فوضى المكان وملابساته تستنفر كل شيء حتى هو نفسه القصر، الطوابق السبعة، بلارة، والوباء الفتاك.. نعم إنه الوباء بعد أن غادر "الولي الطاهر".. الشباب أو هكذا يتصور، لكن رغم ذلك كانت أياما جميلة.. الخلق الكثير حلقات الدراسة، الشبَّان والشابات وتلك الشابة!؟ فعلت ما فعلت في "القناديز" رغم حصانة الأبواب.. أتراها شيطانا؟!.

ـ العلو فوق السحب:
هي مرحلة ثانية في مسار هذا العمل تُجسِّدُ عنوانها تساؤل "الولي الطاهر" عن أبواب ونوافذ المقام الزكي الذي طاف به سبعا ليخر مرفوع السبابة.. هي حالة الهذيان الأولى حيث أولئك الذين لا يحسنون سوى إطلاق الرصاص، وسدل لحاهم وجلابيبهم.. إنها الحرب الدائرة، الجثث، الدماء، "الولي الطاهر" لا يزال يصنع المعركة بكراماته، لقد هلل الناس لقدرته.. سلموا على رأسه! كان "الولي الطاهر" يهذي والشمس لا تزال في مكانها والدعاء ينطلق من بين ثناياه! "يا خافي الألطاف نجنا مما نخاف" مرة ثانية يحاول أن يجد ضياعه، يستعلي أتانه، وينادي فيما حوله، إنه صوتها، وتستمر حالة التداعي إنه "مجاعة" يستجير أم "متمم جارته" وها هي تستجير به أيضا لمن جاء يهم بقتلها إنه جار لها.. لم تعد ساقا "الولي الطاهر" تسعفانه، لقد خر مصروعا من شدة النزال أو الهذيان ربما.. لقد كبر الناس هللوا لشجاعة الولي ساعدوه على النهوض لكن البنات كن يبكين.. ما السبب؟ ماذا حل بهن؟ إنه الوباء.. ولا علاج إلا الذكر! آن "للولي الطاهر" أن يبت في الأمر لقد كان الذكور مالكا "بن نويرة" وكانت الفتيات كلهن تترقبَّنهُ وكيف أن "أم متمم" لم تحزن عليه؟

هنا استعاد "الولي الطاهر" يقظته على جدار القصر.. لا باب ولا منفذ أصوات هنا وهناك.. مكبرات صوت.. ما الذي يحدث؟ الأصوات تتسارع والصور تتداعى: الحرب الطاغوت والرصاص.. ولا يزال القصر معلقا.. تبا لهذه القصور الفاجرة التي لا يعرف لها مدخل يحلولون يحاولن منافسة "الولي الطاهر".. فنعلن الجهاد والفتوحات.. تلك هي الرغبة الملحة.. أيمكن ذلك؟

ـ السبهللة:
وهي حالة "الولي الطاهر" التي انتابتهُ أمام القصر الثالث ووضع الشمس لم يتغير دائما إلا من تداعي الصور التي ميزها دخول الولي مكتبة ومساءلة الفتيات بعد أن أقر المقدم بأن يدخل عليه البنات واحدة، واحدة، لكم كانت تلك البنت رائعة وتتكرر الصورة تتجسد روح الشاعر الجميل "مالك بن نويرة" في كل تعابيرهن ويحدث الالتصاق ـ التناسق لقد كان "الولي الطاهر" سر المساءلة! كل الوجوه واحدة.. ومن يأتيهن واحد.. كلهن "أم متمم" والولي الطاهر "مالك بن نويرة".. أهي الحقيقة، أم مجرد فعلة من الوسواس الخناس؟! "يا خافي الألطاف نجنا مما نخاف" وحان موعد زواج الطيبين للطيبات، والمائتا طالب سيتزوجون المائتي فتاة، وبقيت واحدة.. الشيوخ المقدم.. "الولي الطاهر".. من؟! إنها السبهللة لا نوم ولا يقظة فمن "بلارة هنالك بعيدا في الطابق السابع تفعل فعلها".. إن "الولي الطاهر" يتخصفها، الحالة حالة سبهللة.. "يا خافي الألطاف نجنا مما نخاف" الثياب يكاد ينزع، وبلارة تـ.. و "سجاج"، أو أم "متمم" ماذا تفعلن؟! إنها جنية.. أكيد.. هكذا يقول "الولي الطاهر" يقرر معاقبتها بدفعها تحذره.. وسال الدم.. إنها تغيب.. تغيب..

ـ في البداية كان الإقلاع:
كان يحلم إنه يستيقظ، الأتان ما تزال مرابضة وكان الدم عالقا بيديه.. "لنواصل سبيلنا إلى المقام الزكي"، إننا الآن أمام القصر الرابع، والصراخ ينطلق: أطفال، رجال، نساء، إنها الجزائر النور ـ الملهى ـ الكهف ـ الظلمة بكل تناقضاتها.. الرصاص يحاصر منطقة الرايس.. الألغام الأشلاء تتناثر الدخان، القنابل يا للهول! الفؤوس تعمل في الأجساد والقلوب بلغت الحناجر الرؤوس تتطاير من كل مكان.. حتى الأبقار.. والدجاج، والـ.. هم في حاجة إليها.. النساء يا للمصيبة.. لا يبقينَ أحياء عدا اللواتي نهودهن عالية، يصلحن للبذخ، للـ..، لم يسلم من هذه المجزرة إلا الكلب الذي يعوي عواءً قاتلا، وقط كأنما يحاول تعديد أنفاسه، وطفل في الخامسة عشر وبعض الشبان المذعورين حكاية لا تنتهي!!، ولكن بلارة تخيم على هذه التراجيديا، تحدث النقلة بابتسامها، بفتنتها إنها تحذره من سفك دمها، تختفي.. ببصرها، ولا يراها وأخيرا وجد نفسه أمام المقام الزكي.. يحاول أن يفتح ثغرة في الجدار، أن يكون وبلارة عروسين ينجبان جيلا جديدا، رؤى جديدة.. جيلا طاهرا من الأوبئة والضغائن.. إنه يحفر وروح "مالك بن نويرة" لا تزال تراوده، الصندوق العجيب وما يحمله.. قصف أمريكي، "الإمام الخميني"، المجرم الخطير "عيسى لحيلح" الشاعر.. رغم أنه يحب التسامح، يحب الجمال.. ولكن هذا الوباء حرمة نعومة الشعر.. إنه يختلس اللحظات كالسارق! اتفاقات الهدنة تدخل حيز التطبيق، وصندوق النقد الدولي يصادق على جدولة ديون "الجزائر" ورغم أنه لم يكن يفقه الكثير عن هذه الجدولة، ولكنه يريد تصفح ذلك مع "بلارة" لقد راح يحفر ويحدث ثغرات في الجدار.. لقد خاض معارك، وأحداثا من "دمشق" إلى "القدس".. إلى زمالة "الأمير عبد القادر" إلى الطالبان.. "البوسنة والهرسك، كوسوفو"، لقد قتل كثير.. ومات كثير.. بل هو "مالك بن نويرة".. وأخيرا ها هي "بلارة" بأنوثتها.. لم يكن في الجدار أي ثقب أو منفذ ولا تزال "العضباء" تعلف الشعير، والشمس تتوسط السماء، والظلال معدومة.

ـ محاولة الهبوط:
بحول الله وحمده ها نحن من جديد نرجع إلى أرضنا! لقد قرر "الولي الطاهر" أن ينزل ويصلي ركعتين تحية لله.. وقرر أن يؤدي صلاة الكسوف.. لأن الشمس كانت لسبب ما سوداء.. لم يجد في ذاكرته سوى "الفاتحة" وسورة "الأعلى" فاستعان بهما.. "ثم لا يموت فيها ولا يحيا"

2 ـ سيميائية العنوان:
إن العنونة "titrologie" بمفهومها السيميو ـ دلالي عتبة "seuil" يلج من خلالها القارئ إلى النص انطلاقا من علاقة المكونات الدلالية للعنوان الذي يحتم علينا كدارسين فك شفراته ورموزه، واستغلال كل الوضعيات المتاحة، فهو المفتاخ الإجرائي الذي يمدنا بمجموعة من المعطيات المساعدة على تسهيل عملية تقصي الحيثيات النصية، "بل إنها تسهل مأمورية الدخول في أغواره وتشعباته" ـ كما يقول الدكتور جميل حمداوي.

أو لنقلْ أنه جواز عبور النص في بنيته الأولى بما يحمل من إغراء، أو رتابة(1).

يقول الأستاذ محمد مفتاح: "العنوان معرفة لضبط انسجام النص وفهم ما غمض منه، إذ هو المحور الذي يتوالد ويتنامى ويعيد إنتاج نفسه، وهو الذي يحدد هوية (الرواية) فهو إن صحت المشابهة ـ بمثابة الرأس للجسد، والأساس الذي تبنى عليه، غير أنه إما أن يكون طويلا فيساعد على توقع المضمون الذي يتلوه، وإما أن يكون قصيرا. وحينئذ فإنه لابد من قرائن فوق لغوية توحي بما يتبعه"(2).

وفي رواية "الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي" نقف أمام عنوان مركب وطويل يحمل شقين أساسيين أولهما "الولي الطاهر" وثانيهما "يعود إلى مقامه الزكي" مع وجود الرابطة "يعود" ممثلة في فعل تضارع له مدلوله وتفريعاته ـ كما سنرى ـ وإن بدا للوهلة الأولى أن هناك توازيا، إلا أن الوحدات المكونة لها ترتبط ارتباطا وثيقا، وتحمل توصيفا مقارباتيا أكثر انسجاما، "فالولي، والطاهر، والمقام، والزكي" كلمات أربع لها دلالة أشبه ماتكون نفسها إذا ما أعدناها إلى مصادرها الأصلية، فالولاية والطهارة والإقامة والزكو دلالتها الرفعة والسمو والتقديس، وهي في مجملها نسيج جمالي ملفت للغاية يتقاطع مع فعل "العودة" التي لا تكون إلا بعد غياب وانقطاع واشتياق أيضا، وكثيرا ما مثلت العودة
في المتخيل السردي والموروث الشعبي دلائل البشارة والفرح، فهي بشارة بلا شك، وما استحضار هذا الفعل إلا دليل على أن ثمة هامشا مكانيا يتمثل في "المقام" وهو موصوف هنا وصفا ذي بعد صوفي يعطي انطباعا أوليا بأجواء الرواية، فالمحددات السابقة تصب كلها في سياق مشترك وإن بدا للوهلة الألى أنها تختلف، وما يستوقفنا في هذا المتن هو اختيار تسمية بطل الرواية "الطاهر" فالإسم علم لكنها تحافظ على مسار المتن المتعلق بالعنوان، فيمكن اعتباره صفة بكل ماتحمل من سمو وتصوف، واختيار العنوان هنا لم يكن اعتباطيا أبدا لأن "العنوان كما هو معروف هو اسم الكتاب، ومن حيث هو كذلك، فهو يستخدم لتسميته أي لتعيينه بأكبر قدر ممكن من الدقة مع تفادي أي خطأ في الخلط. ولذا من الضروري معرفة تبريرات استخدامه" ـ كما يقول جينيت(3)، ولا بروتوكوليا، بقدر ماكان عملا مدروسا له ترتيباته وتفريعاته كما هو الشأن بالنسبة للعناوين الفرعية الني تخللت الرواية في خروج عن النظام المتعارف عليه المتمثل في الفصول، فنجد:

ـ التحليق حر: دلالة واضحة على عدمية القيد، والرغبة في التجاوز.
ـ العلو فوق السحاب: تقصي الـ.. ماهو غير محدد، أو غير مدرك.
ـ السبهللة: حالة من الضياع أو التيهان الشبيه بفقدان الوعي.
ـ في البداية كان الإقلاع: حالة أولى تضع "الولي الطاهر في مساره"..
ـ الهبوط الاضطراري:ـحالة افتراضية غير متوقعة، لكنها تفتح باب التأويل..

"إن عملية العنونة عند هذا الروائي الجزائري ليست اعتباطية بل هي واعية، تخضع لاستراتيجية معينة قوامها البحث عن التجديد، سواء في الشكل أو المضمون، فرغم أن العناوين ـ بصفة عامة ـ تصنف ضمن خارجيات النص أو ما اصطلح عليه بالعتبات (seuils). فقد أبدى عناية في اختيار عنوان لروايته جعلت منه مؤشرا خارجيا أوليا، ومفتاحا معلنا عن هوية نصه.."(4).

3 ـ زمن القصة:
ما يهمنا في هذه المقاربة زمن القصة تحديدا للوقوف على الخلفية السياسية للرواية، وكما هو معلوم فإن عنصر الزمن في الخطاب الروائي مفصلي لا يمكن الاستغناء عنه للربط بين متواليات الرواية وتمفصلاتها ونشير هنا إلى أن أول من اهتم بعنصر الزمن في الرواية الشكلانيون الروس الذين كان لهم السبق في هذا المجال وسار على منوالهم اغلب الدارسين منهم: "تزفيطان تودوروف، ميشيل بوتور، جيرار جينيت"، وفي العالم العربي كان لدراسات "سعيد يقطين، وسعيد بن كراد، ورشيد بن مالك، وسعيد بوطاجين، وعبدالمالك مرتاض.." الأثر الطيب. لقد قسم تودوروف الزمن إلى قسمين داخلي وخارجي، والذي يعنينا الزمن الداخلي الذي قسمه بدوره إلى أقسام ثلاثة:

ـ زمن القصة
ـ زمن الحكاية
ـ زمن القراءة

وبالعودة على الرواية المتناولة وتقصي إحداثياتها الزمنية التي ناور بها "الطاهر وطار" ـ كما تقول الأستاذة "نعيمة فرطاس"، فإننا نجد أن أحداث الرواية تمتد لفترة ست سنوات على الأقل بدءا من سنة1993م أي بعد تجربة "الشمعة والدهاليز". إن الأحداث التراتبية بكل تفاعلاتها في رواية "الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي" تضعنا في السياق التاريخي الحقيقي دون شك، والروائي لم ينف ذلك، بل قدم مفاتيح نلج من خلالها الفكرة ـ الموضوع دون وسائط كثيرة، ولو أنه استغل بعض التقنيات السردية "كالفلاش ـ باك"، و "الإسترجاعات"، و "الإحالات" واللوازم، "والاسترجاع ـ بالقياس إلى الحكاية الأولى التي ينضاف إليها ـ حكاية ثانية زمنيا.." كما يقول جينيت(5).

4 ـ فوضى المكان.. عبثية الزمن:
تبدو للوهلة الأولى الأمكنة متضاربة سرعان ما تتركز في موقع واحد ظل يتسع ويمتد وما يلبث أن يضيق لنجد أنفسنا أمام اتساق العمل الزمني في رحلة بحث أو تقصي فيما يشبه الحلم عن فضاء مكاني هلامي هو مقام "الولي الطاهر" حتى أن "الولي الطاهر" لم يحقق مستقرا راهنا ولم تتضح له الصورة كاملة وبقي في رحلة بحث وتيهان دائم لا يتيه إلا ليعود، ولا يعود إلا ليتيه مرة أخرى، غير أن الثبات في كل هذا هو الارتباط بالمكان رغم صعوبة القبض عليه، صعوبة تحديده أو نفيه وندرك هذه الحقيقة من العبارة: "ها نحن من جديد نعود إلى أرضنا". وأضع سطرين هنا على كلمة "أرضنا" لأن ذلك دلالة واضحة على أن المكان رغم هلاميته فهو الملاذ المرجو أولا، وأخيرا. إن تيمة الموقع العاملي واقتضاءات المد السردي الحافل بالأحداث المتنامية تناميا هفهافا تضع للمكان هالته وتنميطاته كضرورة فاعلة لتوليد نسق هادف.

وعلى العكس فإن عامل الزمن يبدو أكثر جاذبية واتساقا انطلاقا من الحادثة التاريخية التي سبقت الإشارة إليها وصولا إلى راهن مليء بالتقلبات والمتناقضات تعاقبت سجالا ترصف في راهن اللحظة تقاطعاتها نظرا للأنا الموضعي الذي كان "الولي الطاهر" محركا له شيئا فشيئا بما يكرس ذلك التقاطع في الأحداث والأنساق الزمنية، فمن حادثة قتل مالك بن نويرة إلى فتح "دمشق" إلى "الأمير عبد القادر" إلى أحداث الرايس وما فعلته "الجيا" بالعزل.. الخ. كل هذه الأزمنة تبدو باهتة المدلول غير منسجمة إنما الفكرة التي أراد الكاتب أن يوصلها هي أن هناك خيطا رفيعا زمنيا يربطها ببعضها، واللحظة أحيانا تكاد تكون نفسها لولا عامل الزمن المتدفق.

ـ "الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي".. قراءة جمالية:
الرواية في سياقها الفني العام عرفت مجموعة من التجليات ومن الترسبات أيضا، بحيث أنها لم ترق في بعض الأحيان إلى مستوى فني يضاهي ذلك الذي عرفناه في رواية "الشمعة والدهاليز"، والحقيقة أن الجانب الفني لم يكن هاجسا للكاتب بقدر ما كان محاولة تجسيد ظاهرة ما وهو ما سنتناوله. فيا ترى ما هي الإيحاءات والدلالات المميزة في الجانب السردي لهذه الرواية بعيد عن الموضوع؟!

1 ـ الحلول والانزياح:
يتجسد ذلك في الحالة التي كان عليها الولي الطاهر، حيث يتفقد مقامه والتي اتسمت بالفوضى أحيانا وبالتيه أحيانا أخرى، وهو ما ترجمه إلى حالة "السبهللة" والتي تعتبر حادثة موضوعية جاءت لتفسير ذلك التداخل والتنافر في بعض الأحيان لأن هذا التداعي المهرب خلق توالدا ونسقا متواردا أعطى الرواية بعدا صوفيا لولبيا متناميا لتعدد الرؤى والمعطيات رغم أنها في النهاية تصب في أتون واحد، لقد ترك الكاتب لعامل الانزياح العكسي كل الحرية وهو ما يشعر القارئ أحيانا بأنه خرج عن الموضوع أو بأنه يقف أمام ظاهرة أدبية وإنما هو مجرد قارئ متلقي يتشبث بناصية فقاعية لا مستقر لها، لكن كل هذا يتلاشى بمجرد أن يعود "الولي الطاهر" إلى حالته الطبيعية وهو ما عبر عنه الكاتب "ولما استفاق".

2 ـ الحادثة وهاجس الذات:
رغم أن الرواية تتناول ظاهرة ما إلا أننا نجد هاجس الذات الأنا يكاد يكون محورا لها بمعنى أن العمل الفني انطلق من النسق الأحادي أو بعبارة أخرى كان "الولي الطاهر" هو الهاجس وهو الذات وهو الواحد السردي خلافا لكثير من الأعمال الأدبية للروائي "طاهر وطار" وهو ما يجعلنا نطرح علامات استفهام كبيرة عما كان يحاول إيصاله أو تبليغه خاصة أن الرواية تشعبت أحداثها وتداخلت أو تنافرت فأعطت صبغة فنية مميزة. إن العامل الذاتي برز بوضوح بل قيد مجالات الرواية في موضوع يفترض أن لا نغرقه في الرؤى الأحادية، المهم أن هذا الهاجس الأنا الذي كان "الولي الطاهر" أوله وآخره، ظاهره وباطنه "كرس تلك التلقائية المفرطة الفوضى والتداخل، التنافر والانسجام بما يتلاءم وترسبات الظاهرة عموما".

3 ـ العامل الديني أنساقه وضروراته:
لعل من التبريرات التي قدمها الطاهر وطار في مقدمته أن طبيعة الموضوع تجعلك تستخدم مصطلحات معينة: "أن لكل موضوع مواده وأدواته فأنت لا تستطيع أن تكتب عن إيديولوجية في مسجد، أنت مجبر ليس فقط على استعمال لغة دينية بل على الوعظ والإرشاد كذلك.." ومن هنا فإن الروائي يحاول ربما إيجاد بديل إقناعي لذلك الكم القرآني الهائل الوارد في الرواية وتلك الدلالات والرموز وحتى الحادثة محور الرواية مبدؤها ومنتهاها صبغتها الماثلة.

أ) ـ الحادثة: وهي قتل الشاعر "مالك بن نويرة" واختلاف "عمر بن الخطاب" و "أبي بكر الصديق" ـ رضي عنهما ـ بشأن حكمهما على تصرف "خالد بن الوليد"، وهذه الحادثة في سياقها التاريخي لا تنفصل في الحقيقة عن الموروث الديني ولا عن طبيعة الموضوع الذي يحاول أن ينظر للحركات الدينية الأصولية وأن يوجد أسباب الفرقة والاختلاف المؤدي إلى حد التناحر أحيانا.

ب) ـ الزخم القرآني: تشعر وأنت تقلب أحداث النص الروائي أنك أمام كاتب ذي ثقافة دينية لا متناهية يبدو ذلك في الآيات المستعملة بدءا من سورة "الأعلى" والتركيز على مقطع "سيذكر من يخشى.. ولا يحي" حيث تردد هذا المقطع كثيرا وظل يلازم حيثيات الرواية وكذا "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل" "بسم الله مجراها ومرساها".. إلخ كل هذا الزخم أراد الكاتب من خلاله أن يجعل ثوبا للرواية في قالب صوفي وكأن به يقول: "أيها الناس إنني لست ضد.. إنني أتناول موضوعا دينيا.. لست كما تدعون.." إننا أمام تجربة تتعدد خلفياتها وحتمياتها أيضا والطاغي عليها ذلك التصوف المبتذل لسنا ندري إن كان ضرورة أو حتمية؟!

ج) النزعة الصوفية: تبرز بصفة واضحة من خلال الدعاء الذي تردد أكثر من عشرين مرة "يا خافي الألطاف نجنا مما نخاف" إضافة إلى بعض المصطلحات مثل: المقدم، القناديز، الكرامات، التصوف، المقام الزكي، التكبير.. "كل هذه الدلالات والإيحاءات لم تخرج عن الإطار العام الذي وضعت له أساسا"، مما ولد جوا خاصا بالرواية ذي إحالات تاريخية أو موضوعية أو استشرافية في ضوء تنامي الأحداث أو تراجعها وفق مقتضيات النسق الدلالي.
إن هذه الدلالات تعطي صورة واضحة عن الثقافة الدينية السائدة التي نشأ فيها الكاتب "الطاهر وطار" حيث الزوايا والكتاب، وشيوع التصوف ورغم الطابع اليساري الذي عرف به الكاتب إلا أن الخلفية الثقافية الدينية برزت وبقوة في روايته.

4 ـ فاتحة النهاية.. ضبابية الآتي:
كما أشار إليه الكاتب في مقدمته: "فلم أصنع نهاية وإنما اقترحت نهايات، واكتفيت بخاتمة، هي هبوط اضطراري ومحطة لإقلاع جديد". ومن هنا فإن الكاتب لم يشأ الاستشراف أو إبداء آراء معينة انطلاقا من تجربته وتحليله للمعطيات التي رصفها في هذا العمل ولكن ترك النهاية مفتوحة ربما ليجنب نفسه مغبة بروز أسئلة أخرى أو تجليات مضادة قد تحكم مصير الرواية كعمل تناول الحركات الإسلامية بشيء من التحليل. والظاهرة الأصولية بصفة خاصة، كل هذا جعل النهاية المفتوحة منظورا حتميا في ظل تسارع الأحداث وتواترها، وما يفرضه الراهن الفعلي وحتى الحضاري والفلسفي، إن النهاية المفتوحة التي ميزت هذه الرواية كانت تخلصا ذكيا من مطبة الوقوع في التحليل الذاتي والإغراق في إعطاء رؤى باهتة قد تفرغ العمل من محتواه وأبعاده الفكرية وحتى الفنية، ولو أن المحتوى العام يؤرخ لظاهرة مستديمة مستغرقة في التشكل بدل التنحي وهو ما يعطي للعمل الأدبي صبغة خاصة تضعه في إطار معين قد لا يكون فنيا إبداعيا بالدرجة الأولى.

إن الروائي "الطاهر وطار" في عمله هذا وضع النهاية كامتداد للبدء بل هي ذاته، تلولبه حركة الهبوط الأولى، والثانية، والثالثة،.. فهاته الحالة أشبه إلى حد بعيد بحالة التحليق الحر، فالشمس هي الشمس والصلاة هي الصلاة لكنها صلاة كسوف بعد أن اسودت هذه الشمس.. وهذه الصورة الأخيرة أراد من خلالها ـ رغم أنه وضع نهاية مفتوحة ـ أن يبرز قتامة الآتي وفي حركة استشرافية وليدة اللحظة لأن كسوف الشمس يرتبط دائما في المتخيل السردي بالقتامة، والسواد.. بالمجهول الحالك، بالخوف مما يأتي.. كل هذا كان حاضرا في الهبوط الاضطراري وهو ما يكاد يكون بمثابة فكرة أراد أن يمررها الكاتب اضطرارًا ورغبة في نفس الوقت "والفكرة لا تكون فكرة ما لم يعبر عنها" كما يقول "كروتشه".

لقد استطاع الروائي إلى حد ما إيصال فكرته بشيء من الضبابية والسواد قد تكون نتيجة خلص إليها كما أنها قد تكون نهاية للعمل الذي أمامنا رغم أنه لم يشأ أن يضع نهاية وأراد أن تكون مفتوحة كما يقول، وعليه يمكن القول إنَّ موضوع الرواية غلب على العمل الفني والبناء الجمالي لها، وهو ما عبر عنه الروائي ضمنيا في مقدمته رغم طابعها الصوفي لها وتظافر المتخيل السردي، إلا أن الجرد التاريخي والمتن السردي كان حاضرا وبقوة.

ـ الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي.. قراءة سوسيوـ سياسية:
لقد حاول الكثير من النقاد مناقشة الاتجاه الصوفي للروائي "الطاهر وطاهر" ولا نراه كذلك لأن الكتابة عن الظاهرة الأصولية لا تعني دائما توجها صوفيا بقدر مانراها تدخل في الواقعية الأدبية التي دأب الروائي على التبشير بها حتى وإن أراد الأستاذ "حفناوي بعلي"(6). التأكيد على الاتجاه الصوفي الذي بدأ "الطاهر وطار" ينحوه، وهو ما نحاول توضيحه في هذا المجال..

ـ الخلفية السياسية:
كتابة النص كما نعلم ـ كانت في شهر أوت من سنة 99، وهذه السنة عرفت تحولا كبيرا للأحداث في الجزائر وخارجها في إطار الطرح العام للنص الروائي الذي كان يحاول الارتكاز على تفسير مقنع لتنامي وتطور الحركة الأصولية ـ الراديكالية خصوصا ولا يخفى أن سنة 99 شهدت عودة الرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة" وطرح فكرة "الوئام المدني" الذي ارتبط في ذهن الكاتب بعودة الرئيس، وهو ما يجعلنا نربط هذا العامل بعنوان الرواية المقترح: "عودة الولي الطاهر.." أما على الصعيد الخارجي فقد اتسم ببروز التيار الأصولي كظاهرة عالمية لها وزنها وأقطابها وردود أفعالها وهو ما حاول الكاتب الإشارة إليه في هذه الراوية عرضا.

إن الدافع السياسي يظهر بوضوح إذا ما حاولنا الربط بين الأحداث والمعطيات، وحتى تاريخ كتابة النص مما يوحي بأن الرغبة في استهلال الأحداث وتناولها ومعايشتها إبداعيا.. كانت رغبة ملحة لسبب ما قد يكون إبداعيا، وقد يكون لشعور ما بضرورة التأريخ لهذه الظاهرة والبروز كأول محاولة للتنظير الفعلي من منظور أدبي طبعا لا يخلو من براغماتية الطرح الفني ـ إن صح التعبير ـ وهو ما لم ينفه الروائي في مقدمته بل حاول إيجاد تفسير لذلك بما يلائم رؤيته الخاصة لهذا العمل ذي الصبغة السياسية.

ـ الخلفية الدينية:
معروف عن الروائي "الطاهر وطار" أنه من الكتاب اليساريين، وهذه الصفة تكاد تلتصق به التصاقا وهو ما جلب له الكثير من المشاكل مع تنامي التيار الأصولي واشتداد الأعمال الإرهابية وللتاريخ فإن "عمي الطاهر" لم يغادر "الجزائر" مثل ما فعل معظم الكتاب اليساريين بل بقي يحاول لم شتات أفكاره ويقدم رؤاهُ في طبيعة الأحداث الجارية ليظهر بمظهر المتابع لها مع البحث عن الخلفيات التاريخية والدينية والتفسيرات المنوطة بها حتى وإن عرف عنه أنه كاتب يساري.

إن رواية "الطاهر وطار" انطلقت من حادثة تاريخية في سياق ديني كانت حدثا مفصليا يبحث في الدواعي والتحوُّلات والتطورات لهذه الحركات الإسلامية التي حادت عن جادة الصواب نتيجة لتعدد الرؤى وعبثية المساءلات والفرضيات التي كثيرا ما خلقت ذلك التنافر في تشريح الكثير من الظواهر وحتى الأحكام، فكأن الروائي يقول إنَّ حادثة قتل "مالك بن نويرة" من قبل "خالد بن الوليد" واختلاف "عمر وأبي بكر" ـ رضي الله عنهما ـ في حكمهما على "خالد" كانا سببا كافيا ومقنعا لظهور قناعات أخرى مختلفة أعطت اتجاهات وتيارات فيما بعد لا تزال تتصارع وتختلف وتعمل على فرض فلسفتها بالقوة أحيانا موازاة مع وجود التيار المتشدد، والتيار المعتدل وتبعا دائما للحادثة التاريخية السابقة الذكر.

وما يهمنا من كل هذا، هو أن الروائي ظهر في نصه ملما بأهم الأحداث التاريخية، وتطورات الحركة الإسلامية، واستعمال الرصيد الديني بقوة وإلحاح في محاولة لمحو تلك الصورة التي عرف بها، فهو قبل كل شيء رجل مهتم بالتراث الحضاري والإسلامي خصوصا، رجل معتدل لا هو باليساري ولا باليميني وإنما صاحب رؤيا وفكر وموقف ثابت صريح دون أية سوابق أو حساسي

ـ الخلفية الأدبية:
يقول الكاتب في مقدمته "وأنا فخور بأنني كاتب سياسي شبه متخصص في حركات التحرر العربية عامة والجزائرية خاصة"، وهذه العبارة تجعلنا نلامس الرغبة الملحة في تأكيد الصفة السياسية لكتاباته، وهو ما يعني أن تناول الموضوع كان من قبيل تكريس هذه الحقيقة التي لصقت بالروائي "الطاهر وطار"، ورغم أن الظاهرة التي تعرض لها عالمية إلا أن الكتابات العربية لم تتناولها بالقدر الكافي لسبب أو لآخر، مما يجعل "الطاهر وطار" صاحب السبق فعلا في تشخيص أو على الأقل محاولة تشخيصها في قالب سردي ملائم خاصة أن "الجزائر" عرفت تنامي هذه الحركة وتشعباتها وتعاني من راديكاليتها لمدة عشرية كاملة وصفت بعشرية الدم وهو ما يعتبر سببا كافيا للروائي من أجل تركيز نظره ورؤاه على واقع الظاهرة إجمالا على اعتبار أن "الجزائر" طرفا في هذه المعادلة التي يصعب تفسيرها أو حتى محاولة فهم فلسفتها أو وجهتها، فهل أن رواية "الولي الطّاهر" تجربة لتأريخ الظاهرة الأصولية في الجزائر؟. أعتقد شخصيا أنها كذلك، حيث تناولها في سياق سردي، رغم أنها لم ترق فنيا إلى مستوى الروايات السابقة للروائي "الطاهر وطار" مثل: اللاز، "الشمعة والدهاليز..".

هامش مفتوح:
إن رواية "الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي" حققت صبغتين مهمتين:

أ) ـ سبق الكتابة.. نبض النص: لم يكن من اليسير تناول ظاهرة الحركات الإسلامية والمد الأصولي في السياق الأدبي على اعتبار أنها ذات أبعاد تاريخية وسياسية، وحضارية، وأخرى واقعية في ظل التحولات الكبرى والتطورات الحاصلة.

ب) ـ التأريخ للظاهرة: وبذلك تعتبر تجربة جديدة في هذا الإطار فرغم أن الكاتب يعتبر يساريا إلا أنه استطاع أن يتناول أحداثا ومعطيات لأحداث تصب في الاتجاه الفكري الآخر، بل قدم تحليلات وتفسيرات دقيقة ومقنعة لكثير من الخلفيات والترسبات كرست منظور الواقعية السَّردية بعيدا عن المثالية.. بل أن النهاية المفتوحة التي وضعها الكاتب كانت ضمن هذا الإطار ولم يشأ الروائي "وطار" أن يقع رهينة التنظير أو الاستشراف، أو الخوض في متاهة الآتي لأنَّ الراهن، والـ.. ما قبل في الرواية انبثقا عن نهاية لا نهائية تبقي المجال مشرعا، والتقصي مشروعا دون رهن الآتي الذي يظل هاجس اللحظة الآنية بكل ما يحمل هذا الهاجس ترسُّبات..

يقول الأستاذ بوشعيب الساوري في قراءته لرواية "الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي": "إنها محاولة لأسطرة الواقع، عبر العلم، وبالواقع نفسه، كطريقة جديدة في تناول الأزمة، بنسج مكان غريب متحيز، وزمان خارج الزمن كلحظة عدم أو غيبوبة بلغة هايدجر، تبيحها الحضرة الصوفية وشخصية دائمة السير والبحث"(7).

شاعر وناقد من الجزائر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ جميل حمداوي:"السيموطيقا والعنونة"، عالم الفكر، الكويت، عدد 23، ص90.
(2) ـ محمد مفتاح: دينامية النص، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 1987، ص:60.
(3) ـ (G) GENETTE، SEUILS Collections SEUIL، PARIS، 1987، p74-77
(4) ـ نعيمة فرطاس: موقع الخيمة.
www.khayma.com
(5) ـ خطاب الحكاية، بحث في المنهج، ترجمة: محمد معتصم، منشورات الإختلاف، 2003، ص 60.
(6) ـ مجلة التبيين، عدد27.
(7) ـ بوشعيب الساوري، جريدة الاتحاد الاشتراكي، العدد 578.