يخص الشاعر المغربي المرموق مجلة (الكلمة) بديوانه الجديد، والذي اختار له توقيت القلب، في لحظة إنسانية خاصة، فحفر عميقا في تجربته الشعرية منزويا الى ذاته، قادما من تلك الأمكنة التي طالما رأت في القصيدة والشعر خيارا للوجود، التماعات الشاعر يخطها بلغة اختارت الانحياز الى ألفة الكائن، عن الأمكنة والكتابة والعائلة والوجع.

ديوان العدد

بِتوْقيتِ القـَلْب

محمد شاكر

 

الإهــــــــداء

إلى زوجتي، إلى الابناء الذين صبروا على شرودي الطويل.. إلى جماعة الخلان الأصفياء الذين عايشوا تشكل هذه الإضمامة في "جنوب الروح" وحرضوا وحفزوا على أن ترى انْبعاثهَا الورقي، بعد أن تفرَّقتْ بِها سبل المَواقع، وفضاء العالَم الإفْتراضي. إليْهم جميعا، أهْدي هذه النُّصوص الشِّعرية. مع مودتي، وخالص شكري.

 

 

أحْــيانًـا
أحْياناً...

اَسْتَنْشِقُ هَواءَ الصَّباحِ، بِرئَة قَديمةْ.

أتـْعَبُ فِي عَـزْلِ الأنْفاسِ الخَبيثـةْ،

عَنْ حاسَّةِ شَمِّي، الْحَميمَةْ.

أمْشي شُحوبَ نَهارٍ؛

أقامِـر بِمَا تـَبَقَّى مِنْ سَجِيَّةِ النَّقاءْ.

وأخْشَى اخْتِناقـا، يَتـربَّصُ بِي،

عِنْد بابِ الرَّجاءْ.

 

أحْيانًا،

أتـْرُكُ لِلصّباحِ كامِلَ لَغْوِهِ،

وَشُحَّ هَوائِهِ،

وأَعُبُّ مِنْ هَواءِ الأعْماقِ الْقَديمِ،

جُرُعاتٍ مُخَزَّنَة، في جِرابِ الرُّوحْ؛

تـَرْفَعُ مِن ثمالَةِ الذِّكْرى،

وانْدِمالِ الجُروحْ.

كأنَّ الأرْضَ لمْ تـُبَدِّدْ بَراءَتَها الأولى؛

وفُصوليَ الـثـرّى،

واقِفَةٌ على بابِ النَّشيدْ.

أمْكُثُ في داخِلي، على ضَفَّةِ الْوَهْمِ،

مُمْسِكًا بِطَرَفِ الشِّراعِ الْوَرَقي،

مُمْعـِنًا فِي مُعاكَسَةِ التـّيارِ.

حَتـى تَعْبُر أسْفارٌعَلى شاكِلَة التَّاريخِ الضَّليلْ.

أحْصي غَنائِمَ القـرصانِ،

أطْوي مَوْجًا جَرى بِي،

وخَرائِطَ ْحُلم،

أطفئ مِنْظارَ بَصيرةٍ،

أفْسَحُ شُرُفاتِ الصَّدْرِ،

لِضَيْـقِ النَّهار الحسيـر.

 

أحْيانًا،

لا صَباحَ كَيْ نُمَرِّنَ الْبَصيرةَ عَلى مُجاراةِ ضَوْءٍ،

يُمَزِّقُ الْحِجابَ، يَخْتـرقُ الأغْوارْ.

هُناكَ خارِجٌ يَعْوي،

ولا ترَى ذئاباً تـسْعَى، بِكامِلِ غابِهَا.

هُناكَ ثـُغاءٌ يَسْتَغيثُ، بِمَا أثارَ مِنْ نَقـْعٍ،

يَهْوي عَلى حَجَرِ النَّهارْ.

وَلا راعٍ، بمآرِبِ العَصا،

يَهـُشُّ على ضَيْـقِ الأَحْوالْ.

أرى لُعَابًا يَسيلُ فِي الشَّوارعِ،

يَتَـقـفىَّ أثَـرَ الفــريسَةْ،

يُعْلي مَـدَّهُ، يَكْـتـسِحُ الْمَجالْ.

ولا طُوفـان يَسْتـوي السَّفـيـنُ عَـلى "جُـودِيِّـهِ،

ريْـثـما يَنْحَسِرُ الماءُ، عَنْ أرْضِ الكَرامَةْ.

 

أحْـيَانًـا، لا صَباح،

ألَمْلِـمُ فـيـهِ أطْـرافَ حِـكـايَـةٍ،

حاكَـها الّـَلـيْـلُ، بِأسـراره الـسَّـوْداءْ.

 

أحْـيانًـا، لستُ فـيـكَ، ولا هـمْ؛

أيُّهـا الـنَّـصُّ الـذي يَـحْـيـا عَـلـى مَحْـوي، ورَحـيـلِـهِـمْ،

كُـلَّـما اشـْتـعـل الـنّـَبْـضُ وَأوْحَـشتـْـنـي الآصـرةْ.

 

أحْـيـانًـا، لا يَـسْـكُـن الـكـلامَ أثَـرٌ مـِنّـي؛

 

ولا نَـأْمَـة إِحْـسـاسٍ،

تَجـوسُ أحْـراشَ الـْخَـيـالِ؛

لا يَـنـفـَعُ ضَـوْءُ الـخارِج لـِتــلْميـعِ الـصُّورَة.

 

أحْـيانًا، أُطَـوِّحُ بـي كـيْـفـمـا اتـَّفــقْ،

شاحِبَ المَلامِح،

فـي مَهـاوي الـطـريـق؛

مِثْـل غَـيْـمٍ يَحْجُـب ضَوءَ الـشَّـفـقْ.

تـَحارُ فـي غُـمـوضي الـمَـرايَـا،

تـَعْـكِـسُـنـي غَـريـبـا عَـلـى الـوَرقْ.

 

أحْـيانًـا، يَـنْـفــضُّ مـِنْ حَـوْلـي كُـلّ شـيْءٍ،

حَـتـى الـذِّكـريـات تـَطْـوي خَـيْـمـةَ الـوَهْـم،

تسحـَبُ ظِلال الأمْـكـنـَةْ،

تـسْـري فـي لـَيْـل الـنِّـسـْيـان.

 

أحْـيـانـاً، لا أفــَهـمُـني،

أُغْـلِـق الـْكِـتـابَ، لا أُعَــنِّـفُ جَـهْـلي؛

لا أنـْتـَحِل صِفاتٍ،

تـَـدْرَأ عَـنِّي حَـرَجَ الأمِّـيّـة.

 

أحْـيـانًـا أَنْـزَعُ عَـنّـي جُـبَّـة الـتـاريـخ،

حـتـى لا يُـفـزعَـني ضُـمـوري.

أَمْـشـي مُـطْـمـَئِــنًّـا إلـى عُـرْيي،

كَـمـا قـبْـلَ الـتـّـَاريـخِ، الـذي اسْـتــثــنى أثـرَ الـحُـبِّ؛

وطـمأنـيـنـة الـروحْ.

 

فـي غــَيـابات ِ اللــيـْــلِ
الـلـيـلُ، غِـيـابٌ أبْـحِـرُ فـي لُـجِّـهِ،

بـإشْـراقَـةِ قـلـبٍ؛

تـُدْنـيـنـي مِـنْ ضَـفـةِ الـصَّـبـاحِ؛

وهـو لا يَـرى، ضَـوْئـي الـمُـتـاحْ.

 

الـلـيْـلُ، سَـبّـورتـي الـسَّـوْداءْ؛

أخُـطُّ عَـلـيْـهـا بِـطـبْـشـورِة الأهْـواءِ؛

نَـشـيـدًا يُـسَـلّـِيـنـي،

عَـلـى مـائِـدةِ الأرَقْ.

فـإذا الـْبـيـاضُ مِـنْ حَـوْلـي،

ثـمِـلا، بـخَـمْـر الْـحَـكـايـا،

وَبـوْحِ الـْوَرقْ.

اَلـلـيْـلُ، أ َخـوضُ فـيـهِ، الآنَ،

عَـلى أمَـلِ أنْ لا تـُرْديَـنـي كَـوابـيـسُه،

قـبْـلَ مَـتـَـمِّ الْـحُـلـمِ.

فِـي الـلّـَيْـلِ، لا أراهُـمْ كَـثـيـرًا؛

كـأنَّـمـا يَـلْـبَـسـونَ لَـوْنَـهُ،

يَـعْـبُـرونَ خِـفـافـا إلـى ضَفـّة الأجَـلِ؛

يُـرتـّبـونَ مَـكـائِـدَ الـنَّـهـار.

اَلّـذيـنَ يُخـِبِّـئـونَ دَمَ الـضَّحايـا،

فِـي حُـلْـكـة الـْكـلامِ؛

لا أراهُـمْ كـثـيـرًا،

لَـكِـنْ، يَـفـضَـحُـهـم حَـفـيـفُ الـْمـوتِ،

يَـكِــرُّ إلـى غَــيْـبـهِ، بـرائـحـةٍ،

تـُـقـلـقُ راحَـة الـسَّـلامْ.

 

فِـي الـلـيْـلِ، أَتـفـقـَّـد أحْـوالَ أبْـوابـِه الـْمـوصَدَةْ.

أَفـْتـحُ بابَ الْحَرفِ،

فـَيَعمُر الْمَعْـنى رَدَهاتِ الصَّمْتِ.

أُشْـرعُ بابَ الذِّكْـرى،

فـَتـُشرقُ شَمْسٌ أخْرى فِي غيْر مَواسِم الإشْراقِ.

أطْردُ خَـفافـيـشَ الْوقـتِ،

تـَـدَلّـَتْ مِـنْ سُـقــوفِ الـْمَـوْتِ.

أقولُ: يا لـيْـلُ طُـلْ، أوْ لا تـَطُـلْ

لا بُـدَ لـي أنْ أقـْهَـرك، باسْتِـعارةٍ قـُصْوى

تـَقـُضُّ مَضْجَعَـكْ.

قــبـْل حــيـنٍ...

 

قـبْـلَ حـيـنٍ،

غِبْتُ عنِّي، إذْ تـَجعَّدتْ أساريـرُ الْماءِ.

طَـوَّح بـي عَـمايْ، أبْـعَـد مِـنْ شَـفـافـيّـة الكـلامْ.

لـمْ أعُـدْ أرى مِـن رُؤَايْ

شَـيْـئـا جَـديـرًا، بـانْـعِـكـاسي، عَـلـى شـفـافـيـة الـْـمـاءْ.

 

قـبـْلَ حـيـنٍ، جَـرتْ بِـداخـلـي أنْـهـارٌ،

كـانَ لـِدفــقِـهـا وقـعٌ عـلـى الـذَّاكِـرةْ.

جَـرفـتْ أسْـراراً خَـبـيـئـةً؛

غَـطّـاهـا الـطَّـمْـيُ، وكـمَّـمَ أحْـلامَـهـا الـعُــبـابْ.

 

قـبْـل حِـيـنٍ،

جَـرتْ سُـفـنُ الأحْـلامِ فـي الـْحَـيّـِزِ الـْبَـلـيـلْ،

مُـقِــلّـَةً مـا تـبَـقّـى مِـنْ شَـتـاتـي؛

وأنـا عَـلـى سَـريـري، مُـسـْتـأنِـسـا بـثـَبـاتي؛

 

كـأنَّ شـيْـئـا لـمْ يَـرحَـلْ فـي انْـجِـرافِ الـْحـيـاةِ.

كـنـتُ عـلـى ضَـفـةٍ أخْـرى لا أرْض لـَها؛

سِـوى ما يَرسُم لي عُــنْـفـوانُ الـْمـاءِ،

فـي اكْــتِـسـاحِـه الـْعَـجـيـبْ.

 

قـبـل حـيـن، سَـقـطـتْ مِنّي صورةٌ

ذابـتْ فـي تـرابِ الـنِّـسيـانِ،

مِثْل حبَّة ثلْجٍ في وهـَج الْـهَـجـيـرةِ؛

قـبْـلَ أنْ أحـوشَ مـاءَهـا،

بـِنـظـرةِ عـيْـنٍ، تـَعـقـبـتْ بُـخارَها،

يَصَّاعدُ في اسْتِحالتهِ الْقـصْوى،

ولا يَـلـيـنُ، لاسْـتِـغـاثــةِ شاعِـرٍ،

ضاعَ رَأسُمالِه، في بورْصَةِ الْحَـنـيـنِ.

هَـوى بهِ مُـؤشِّـرُ الـْخـيـالِ،

فـي زحْـمـةِ الأسْـهُـمِ،

وحُـمَّـى الـْمُـضاربـَةْ، فـي سـوق الـشِّـعْـر الْـغَـبـيـنْ.

لا وَهْــمَ لي...

 

أتَـلمَّسُ أطْرافي حَتـَّى أتاخِمَ الضِّفافَ؛

ولا بَلـَلْ.

لا أزيدُ عَنْ حاجَة الرُّوحِ، فِي خُشوعِـها الأليفِ.

أضيـقُ عَـنِّي، إذ تـُحْرجُني مَرايايَ،

فِي انْعِكاسِها الأليمِ.

يَخْبو ظِلِّي،

وَيَبْقى انْبِساطُ أديمِ الأرْضِ، وَديعًا؛

لِـيَمْرحَ خَطْوي، كما تَشاءُ لي هِـدايَةُ الرَّبِّ.

 

لا وَهْمَ لي،

أقَـشِّـرُ نَـصيـبـي مِـنَ الْـحَـياةِ

عَلى ضَوْءِ الرَّغْـبَةِ، والنَّشيـدِ.

أجْمَعُ ما تـَخَـلَّـفَ مِـنْ بَـقـايـا الـكـأسِ،

على موائد ِ العُمرِ؛

أرْمي بهِ في سَلَّـةِ الـنّـِسـْيـانِ.

وأكْـنِـسُ بـابَ الـْحَـنـيـنِ،

كيْ لا يَـتـعثـَّـر الْـحُـلْـمُ فِـي الـطَّـريـق إلى أمَلٍ بَعيدِ.

لا وَهْـمَ لِـي؛

فَـالـرِّيـحُ تـُطـيّـِرُ الـفُـقـاعـاتِ فِـي الـسَّـمٰـواتِ الْـعُـلىٰ،

وَتـَخْـفِـضُـهـنَّ سَـريـعًـا،

بـِرُضوضٍ خالياتٍ مِـنَ الـتـَكْـويـرِ؛

لا اسْـتِـدارَةَ لـِلـشَّـكْـلِ فـيـهـا،

وانْـتِـفـاخِ الـْهَـواءِ.

ما أفـْـدحَ الْـبَـريـقَ فِـي انْـسِكابِ مائِـهِ،

ولـُزوجَةِ الأهْـواءِ.

 

يـَدٌ تـَخـوض في غـَيـْب ٍ بعيد
الآنَ...

يـَدٌ تـَرْمي بِحَـبْـلِ نَـجْـدَتها، فِـي غَـيـاباتِ الجُـبّ،

وقـدْ غابَ عنْكَ التَّأويلُ،

فـي عَـتـْمة الأغْـوارِ.

أمْـسِـكْ بِـطـرَفِ الـرَّجـاءِ الْـمَـمْـدود،

واصْعَـدْ لِـسَـطْـح الأرضِ، ثـانـيـةً،

واهْـمـِزِ الْـخـطـوَ إلـى عَـرْشِ الْجـميلِ؛

تـَرَ بِـبَـصيـرةِ الـْماءِ،

ما تـَـشِـفُّ عـنْـه الأحـابـيـل.

 

الآنَ، اخْـتـرْ ريـحـًا رخـاءً،

تـمْـضي بِـكَ، فـي غـيْـمِ الـْوَقـتِ،

إلى صَـفـائِـك الـْمَوْعودِ.

واحْذَر مِـنْ غَـدْرِ الـرِّيـحِ،

حـيـنَ يَـفـْـتـَـرُّ فـي قـلْـبـِها وَجَـعُ النِّداءِ.

لكَ الـحـبْـل والـرِّيـح،

فـلا تـُـلْـقِ عـلى غـارِب الْـعُـمـرِ حَـبْـلـكَ

ولا تـتـَـرجَّـل عـن شـوْقِـك الـمَـشَّـاءْ،

فِـي انْـعِـراجِ طَـريـقٍ،

لا عـاصِم فـيـه ولا دَلـيـلْ.

يا يَـدي، التـي تـَخـوضُ فـي غَــيْـبٍ بَـعـيـدْ،

لا تـَـسْـألُ عـيْـني عَـنْ شَـكْـلِ الأحْـلامِ،

فـي تـَلاويـنِـهـا الْـجَـديـدةْ،

ذاتَ عُـمْـر شَـريـدْ.

قَـدْ لا تعودُ إليَّ بِغـنائِمي الْـوَفـيـرةْ،

فـي اضْطِرابِ الْحَواسِّ،

عَلى بابِ الْمَجْهولْ.

يَـدي الَّتي لا تـَفـْقَهُ مِنْ ضَوْءِ الصَّباحِ،

سِوى دِفـْـئِهِ الْقَديمِ.

لا تـَعْـلمُ مِنْ سِـرِّ الْعَتـْـمة في الأنْفاقِ،

سِوى صَمْتِها الْبليدْ.

قدْ لا تـَجْمعُ أشْـتاتَ السِّـيـرةِ، فـي مَحْوها الْوَبيـلْ.

تخونُها وَساوِسُ أخْرى؛

في اشْتِعالِ الرَّغْـبَةِ الْعاتي؛

تـَـبْـقى مَمْدودة فِي غَيْـر ما اتِّـجاهٍ؛

لا تـُشيـرُ إلـيَّ، فـي أقـْصى انْـعِـراجٍ؛

أتــفـقَّـدُ فـيـه أحْـوالَ الـرُّضوضِ؛

وانْصِراف الشِّعْـر عَـنِّي فـي مَـتاهاتِ السِّبـيـلِ.

 

الآنَ، يا يـدي الـتـي تـَخوضُ فـي الحُـلْـمِ الـبـئـيـسِ،

وهْـي لا تـُـفـارقـُنـي،

تـَتـربَّص بي الدَّوائـِر،

تـرْغَـبُ فـي أنْ تـَسْتـثْـنـيـني،

كـيْ تـَنْـعَـم بالإبْحارِ

تـفـوزَ بـِلـَـذة الْقَـطْـفِ،

ثـم تـرْمـيـنـي بِـقــُشـورِ الْخَـطـيـئـةْ.

يَا يـدي الـتي لا تـَعُـضُّ بالْـبـَنـانِ،

كـُلّما أوْرَتــثـني قَـشْـعَـريـرةً قُـصْوى،

غابَ في لُجِّـها وقـارُ الْجَسدِ.

مُـدّي يَـداً بَيْضاءَ، يا يَـدي،

كيْ أصعدَ إلى عُـلوٍّ في الحِـسِّ،

ألْـمـس أبْهى ما فـي الـرقـةِ،

والنَّـشـيـدِ.

 

بَـعْـض الأصـْبـاحِ.
قد تَـلْمعُ فيها الْخُطى، وَلوْ عَلا الطَّريـقَ غبارُ؛

وتخلـَّتْ عنها طراوةُ الأمسِ.

تـَخف ُّ في سَعـْيها، تـَمْشي باعتدالِ

مَـنْ سارَعلى الـدربِ، سـَوِيـّاً،

بلا أعْـطابِ.

 

حِـذاءٌ، تـَعْـرجُ فـيهِ،

ويَـسْـتـحـِثــُّكَ وهْــمٌ، تـُـبَـطـّئُ رغْـبـَتـهُ الـكـسـورُ.

تـمشي، عَـلى أمَـلِ،

ألا يَـفـوتـَكَ مجْـلـسُـكَ الْـمُخْـتارُ.

ويـبـقى الـكـرسيُّ، شاغـرا،

تـَعْـمرُهُ الـحُـدوسُ، والأسرارُ.

 

تـَودُّ لو تــنِـطُّ، في غِـيابِ الْحَـبـلِ،

وحَـواجِـز الـْوقـوفِ.

وَلـوْ تـشاءُ، انْـكَـمـشـتْ مَسافاتٌ،

وحَـنَـتْ هاماتِها الأسْوارُ.

لا تـَرغبُ في حافـلة، تـمضي إلى حـتـْفها الـبـعيد؛

و"مقهى المحطةِ" لا يـزالُ يـَدورُ،

عـلـى مِـحْـور الـثــبـاتِ، كـعُـبّـاد شمْسٍ،

رويْـدًا، رويـْدا، يَـعْـتـريـه الـذُّبـولْ.

يَطْوي كلَّ مَساءٍ مَنادلَ الوداعْ

وغـربة مَنْ تـشرَّدوا في الحَقائبِ والذّهـولْ.

تـنـْفـرُ مـن رائحةِ بُـنٍّ قـديـم ، تـأتـيـكَ مـنـهُ،

فـارغـة مِـنْ سِـرّ الـفـنـاجـيـن؛

ونَـكـهـَة أحْـلام كانـتْ لـهُ،

تـغْـرقُ فـي الـحَـنـيـنِ.

تـَطـيـرُ بأجْـنـحـةِ الأفـكـار،

و تـَؤوبُ إلـيـهِ، عـلـى مـشارفِ فجْـرٍ،

لـم يَـعُــدْ جَـديـرا بِـسَعْـيـنا،

فـي وهـَـن ِ الأشـواقِ،

وغـربـةِ الـعـابـريـنَ إلـى جـهاتِ الـمـوْت.

 

بعـضُ الأصباحِ،

كـأنَّ دروبَ المدينةِ لبسَتْ زيـنَـتَها الحليمة،

وأنتَ تختالُ، بـيـفاعَةِ خطـوٍ،

يـتعقَّبُ حَفـيـفَ السِّحـرِ، يُعـلي من نبضِ القلبِ،

ويفـلتُ من لهـْفة أيْـديـنا.

 

لِـلشـارعِ بــَلـْـواهُ.
...كأنْ يَضيـق بأمْواج الخطى،

تـنـداحُ على ضفـتـيه،

تـُبلـل صمتَ الرَّصيفْ؛

ولا تمَلّ من إيـقـاعـها الـرَّتـيـبْ.

كأنْ يـفـرغ مـن أسْـفاره، قـليلا، قـبل المغـيبْ؛

ولا مَن يُضمِّد وحْدتـَهُ،

برغـْبة في الذهابِ والإياب.

كأنْ يَمْشي، سريعا، في ثـباتهِ،

ولا يَفقه في سِرِّ العلاماتْ.

كأن يـَنام مُنـبـطِـحًا، على ضـوْء فـوانـيـسه الـبـاهِـتـة،

ونـقـيــقِ الـعـَرباتْ،

خارج مُـدوَّنـة الـسّـيْـر الـمائـيـةْ.

ولا سَريرْ يُريح لهَبَ الأسْفلتِ الحارقْ،

فـي لـيْـل قـائِـظٍ، كهـذا الـلـيـل اللاهِـت الأسْحارْ.

للشارع بـَلـْواهُ...

لكـنه يَـكـتـُم أوْجاعَه تحْت جـِلـْدٍ

تـسْحَـقه العَجلاتُ فـي مُـروقـِها الألـيـمْ.

أصِـرُّ عـلى الـصَّحـراء...

 

أصرُّ على الصَّحراء، لِتـتـَّسع اﻷحْلامُ،

ذَريعَةً، إلى سَرابٍ، يُكرِّره سَرابٌ،

يَشْربه ظَمأ الرُّوحْ.

تـَكْـبـوعِـنْـد شـَطِّـهِ الرُّؤْيا،

تـُعاودُ رَسْمَ الآفـاق ِ،

بحَرير رمْـلٍ يَـنْـداحُ، طَريقــا، لِخُطى' اﻷمامْ.

كمْ أتحـرَّر فـيها مِـن عُـقَـدِ العَصر،

أتـَهـَجـَّى' ما يـَنـْقالُ،

على لـوْح الـهـُدوء .ِ

أحْفـرُ الوَصايا الجَديدةَ، عَلى حَجَر الوقتِ.

أسَمِّيني سَريرةً للواحاتْ.

أصِرُّ على الصحراء،

كيْ لا تـَضيقَ بي رحابةُ البَوْحِ،

تـُوصَد في وجْهي أبْوابُ التِّـيـهْ.

لا شَيْء فيها يُقـلِّصُ البَهاءَ،

أوْ يُسْدلُ أسْتارَه، على صَحوي.

لا شيْء يَحُـدُّ مِـن سَفـري الـمُضاعَـفِ،

فـي اﻷمْـــسِ...

وفـي الـنَّـفـس...

أنـازلُ يـَأسـي...

عـلـى مَـطـايـا الـرَّغْــبَـةِ والإصْغَـاءْ.

لو يَضعُـف إصْراري في المَدى' الرَّحْبِ،

تـَضيعُ مِنِّي بَوْصَلـة الـرُّوحِ،

يَـتشرْذَم غَـرْبي،

يَـغـيـمُ شَرْقــي،

ولا جَنوبَ على مَـشارفِ الـكَلامْ؛

ولا شَمال يَــشِـي بـرائِحَةِ البَـحْر.

كـيْـفَ أقـودُنـي فـي دُجْــنـةِ الـضَّلالِ،

إلـى شَـطِّ حُـرِّيـَتـي؟

كـيْـفَ أقـودُنـي، فـي اتـِّساع ٍ،

أحـيـانـا، يـَضيـقُ بـي

وأنـا أرْسُـف فــي حَـيـْرتي..؟

 

لـم تَـعُـدْ تُـشـْبِـهُــنا الـبـِلادْ
رَغْـم "الرُّتوشِ"، نُعـيدُ بِـها صِيَاغَةَ الأمَلْ.

عَلى الخَـدِّ يَشْحُب الضَّوْءُ،

وَلَوْ عَـكـَسْـنا نورَ الصَّباحْ.

مِنَ الفـَـمِ تـَهْوي ابْتسامةُ الرَّجاءْ،

ولا تـَشِـعُّ مِثْـل البُرْعُمِ؛

تـَكـْسِرُها ريـحُ الـخَـيْـبـاتْ.

تـَلْـبَسُها الـرُّضوضُ، وهْـيَ تـمْشي بِخَـطْـوٍ مَـفـْـلولْ.

لمْ تــعُـدْ تــُشْبِهُنا الـبِـلادْ،

فِـي تـهافـُـتِ الأقـنِعَةْ، مِـنْ غَـيْـرِ وُجـوه ٍ،

ولا وضوحْ،

فِي زُحْمَةِ "الكَـرْنَفالْۤ"

ونَـشازِ موسيقى، يُخالِـطُها عُـواءُ الذئـابْ.

لَمْ تـَعُـدْ تــُشْـبِـهُـنا الـبِـلادُ، فِـي أيِّ شَـيْءٍ؛

كيْفَ نـُرمِّـمُ الـشَّـبـيـهَ مِـنْ طَلـلِ الأحْـلامْ؟

نُـشْرعُ النَّوافـذَ لِلْـحَـمامِ،

كيْ يـَحُطَّ في السّاحات ِ،

مَهْرجانَ حَفيفٍ، و"أورْكيسْتـرا" هَديلْ.؟

كيْفَ نوقِـظُ عِـشْـقًا ثـاويـاً، فِي الرُّوحْ،

غابَ وراءَ زَحْـفِ الغُـيـوم ِ،

فـي الـمَـسـاءِ الـكَـلـيـلْ..؟

لَمْ تـعُـدْ تـُشْـبِـهُـنـا الـبِـلادُ،

لِـغِـشـاوَةٍ فِـي الـرُّوحِ،

عَـمـِيَـتْ عَنْها أبْصارُنا.

لكـنَّ المُتَـربِّصينَ بَضرْعِـها، قـالـوا:

"إنَّهـا بَـقـرةٌ صَفْـراءُ،

فاقِـع لَوْنُها، تـَسُرُّ النَّاظِـرين"؛

ذَبَـحـوها، مـن المَجـيـد ِ، إلى الـتـلـيـد ِ؛

غَـيْـر آبِهـيـنَ،

بِـما تـَفَـرَّق مِـنْ دَمِها، عـلى مَـشاورِ الأوْلادِ.

لَمْ تـعُـدْ تــُشْـبِـهُـنـا الـبِـلادُ؛

وربَّما نَحْنُ الَّـذينَ أطالوا الغيابَ،

عَلى أفـُقٍ واهِـمٍ؛

في انْـتِظارِ البِلادِ التي لا نُـشْبِهُها؛

يَـأتي بِها سالِـبوهَا، كَما أوْهَمونَا،

مُكـلَّلَـة بـِما يَـسوءُ العِـبادْ.

رغـْـبـَة قـديـمَـة...

 

قَـدْ أصيرُ عُصْفورًا يَوْمًا ما،

عِنْدما تـَنْـتَهي آصِرَتي بالتـُّرابِ.

أتـفرَّغُ للـنَّـشـيـدِ والتـَّحْـلـيـق، فِي عُـلُـوٍّ لا يَتـَناهى.

أنْسى شَجَرًا لا تـَـقِـرُّ عَليْهِ سَكيـنـَتي.

يَطولُ جَناحُ الْخيالِ،

بَعْدَ أنْ قَصَّتـْـه أعاصيرُ أرْضٍ،

بَعْـثـرتْ ريشَ آمالي.

 

قَدْ أصيرُ عُصْفورًا، كما رَغِـبْتُ طَويلاً؛

وربَّما جَرَّبْتُ أنْ أطيرَ قَبْلَ الأوانْ.

لوْلا أنْ تـَدارَكَـني مَصيرُ،

مَنْ جَنحتْ بِهِمُو مَراوحُ الأفْكارْ،

دُونَ سَماءِ الْعُـبورْ.

طَويْتُ ريـشي، وَلـَعـنْـتُ الإقـْـلاعَ،

فِي غُـموضِ الرِّيـحِ، وَريـبَةِ الأحْوالْ.

 

فَالسَّماءُ لا تـَزولُ،

ولا يَخْفِضُها هُطولُ النَّيازِكِ في الليْلِ الثـقـيلْ.

سَأصيرُ عُصْفورًا بَـعْدَ حِينْ،

لِأنّي أحْـفـَظُ أسْبابَ حُرِّيَتي،

وحِكْـمَة الْيَمامِ في مُراوَغَة الْخُطوبْ.

ربَّما كـنْتُ الْعُصْفـورَ الَّـذي...

نَـتـَـفَتْ تـحْلـيقاتُ الْعُـمْـرِ بَـقِـيَّةَ ريـشِهِ

في غَـفـْلةٍ ِمنْ عُـلـُوِّ الأَحْلامِ؛

يَـمْشي الآنَ، عَلى هَــيْـأةِ شَـيْـخٍ غَـريـر،

مُـتـَّكـِئًا عَلى ما احْدَوْدَبَ مِنْ كُـسورٍ،

تَميلُ بِها الرِّيـحُ،

كَما لوْ أنَّها تَـسْبَحُ فِي عَـرْضِ الْفَضاءْ.

لكِنَّ السِّرْبَ تـَفَرَّقتْ بِهِ، غَـيْماتُ النِّسْيانِ؛

وَالْهُـبوطُ وَشـيـكْ.

وَلا عُـشَّ عَـلى مَسافَةِ رغـبة، أحُـطُّ عَلى غُصْنِهِ،

لأكْـمِـلَ تــغْـريدَة الْحَـياةْ؛،

كأيِّ عُصْفورٍ جَـديـرٍ بضوء الـنـَّشيـدِ.

 

كَـأيِّ بَـسيـطٍ.
كأيِّ بَـسيط، أغْـمِسُ خُبزي في ماءِ الرَّغبة؛

وأقولُ اكْـتملتْ ولـيـمةُ الـشِّـبْـعِ.

يَـحْدُث أنْ أغْـلِـقَ شُرفـةَ الأحْـلامِ؛

أرْكـَنُ إلى دَعَةٍ، تـَفـْرشها أعطابُ الرُّوحْ.

أنْسى جوعَ أمْسٍ، مَـرَّ مِنْ أمامي،

مُهَـرِّبًا حاجةَ الفـُقـراء،

إلى إيـوانِ "كِـسْرى".

 

كَـأيِّ بَـسيطٍ،

أخْـشى عَـليَّ وِشايَـةَ الـضَّوء؛

يُـرْبِـِكُ ما تـَخـلَّـف مِنْ غـَبـشي الصَّديـقِ.

أخْـشى عَلى شَرْنَـقَـتي، اِنْـفـراطَ حَريرِها،

دونَ بَهائِها الْمَكْـنونِ.

أخْشى عَلى فـَراشاتي جُثـُوَّها عِنْد بابِ الرَّجاءْ،

بِلا رفيفٍ،

ولا جَناحٍ خَفيفٍ،

يُهَوِّم في الأبْهاءِ، في زَهْوِ الْفُصولِ ورِقَّـةِ النَّشيدْ.

أخْـشى عَـلى انْـكِـشافـي بِـلا مَعْـنى،

يَـدُلُّ الرُّوحَ في غُموضِها الْكثيفِ.

يُمْسي انْخِطافـي، ساعَةَ الْحُـلولِ،

سَلـيـلَ طيْـشٍ، وخِـفــةَ بَهْلوانٍ،

تــهْـوي في خُـفـوتِ التـصْفـيـقِ.

 

كَأيِّ بَـسيطٍ،

يَكْـفـيـني "وَحْـدي"، وصُرَّةُ أحْلامٍ،

أقَـلِّبُ فـيها تـَوافِـهَ الْعُمرِ،

تـَـَزْجِـيَـةً لِلْوقتِ.

لا يَقـْـْرَبُني، مَنْ يَسْعى وَراءَ وَجاهَةِ الْعَصْرِ؛

بِقـشورِ الأسْبابِ؛

لأنّي لا ألْمَعُ مِثْلَ الصَّدَفِ الْفارغِ،

عَلى كَـتـفِ الدَّرْبِ؛

ولا تـعْـبَـقُ أخْباري بِرائِحَة الأنْسابِ.

 

على كـُرسِيّ الرَّجاء الأخـيـر
على كُرسي الرَّجاء الأخيرْ،

يـَطولُ انـْتـظـاري.

وهْي لا تـأتي، كما في نـِيـّاتِ القلب،

ورغـبة النـَّشـيـد.

تعـْقـد الأنـْس، على قـَدح نِصف فارغ،

ولا ثمالة،

في مَقهى ، كلُّ شيْءٍ فـيـه عابـر،

على جـَناح أدْخـنةٍ،

تذوب في عـَتـْمة بَهـْو كسيرْ.

وإيـقـاع كعـْب ٍ عـال ٍ،

يـوقـِظُ صمـْتَ الأبـْهاءْ.

تدعـو عُزلة تَربضُ في رُكـنها الرَّكين،

بحـَدْسك الدَّفـين،

كيْ تـُسـَامـرَ وَحْـدتك، على مائدة الأحلام،

فلا تـقـْبـل دَعْـوتك.

هِي تـخـْشى على طبْعها الفـريد،

أنْ يضيع في جُـبّـة الكـلام الحـلـيـم.

تـُحدّق في ما تخلـَّف مِن جلوسْ،

لعله يَتداركُ غَـيْـبَ نِـسـيـانٍ،

يُـصافح فـيـك الحُضور الحميمْ.

لـكـنه، يَـغـضّ عــَنـك يَـــداً،

ويـَمْضي لِحاجة في نفـْس المَـصيـر ِ؛

تغيبُ عنها شافية الحُب،

وآصِرةُ العُـمـر الـبعـيـد.

عـلى كـرسي الرَّجـاء الأخير،

فـي مقهى المَساءْ،

تـتـركُ بـعْـضا مِـن رمادِ إنـسانـِـك الـقـديـم.

تـكابـِدُ انـتِـهاكاتٍ أخرى؛

وتصِرُّ عـلى تـرْمـيـم رجائِـك الألـيـم.

فـي مـا تـَبـقى مِـن جـُرعاتٍ،

تـَحـْفـظ نـَشـْوتـَها ،

في مَـمـرِّك الـمُـسْـتـقـيـم.

هـيَ لـن تـأتـي مِـن شـُروخِ الـمَـرايا،

وأوجاعِ الـبـريـدِ.

 

مـــــوْلاي...
هلْ تأذنُ لي،

بعْد أنْ سابَقـتُ شـوْقَ العُمر،

إليكَ، مَوْلاي؟

أجْـثـو قَريبًا مِنْ بابِ الرَّجاءْ،

حِـيـنًـا مِنَ الـدَّهْـر؛

بـقـنْـديـلٍ مِـنْ ضَوْءِ الصَّبْـرِ.

وأمَـنِّي الـنَّـفـْسَ بانْـفراجٍ يُفـضي إليكَ؛

ولا صَرير، يَصُمُّ هُـدوَء الأعْماقْ.

شَفِـيـفًا، أكـونُ

كأوْضَحِ ما يَكونُ نَـبْضُ عاشِقٍ، شَـفـَّـهُ الإقـْـصاءُ.

خَفـِيـفًا، يَهُون فِي حَضْرة رُوح جَـذْلَى؛

جَسَدٌ، أثــقَـلـتـْهُ الأرْزاءُ.

مِنْكَ، أنَا،

كَأنْ لا انْفِصامَ ولا انْفِراد، في وحْشة الطِّينِ.

كأنْ لا ضَآلَة، في جَحيـم الأبْدانِ.

لو تـقْبَلـُني، مـولاي، لا يَهْـوي بـي زَلَلُ الوَقْـتِ،

إلى قَـاعٍ صَفـصَفٍ، لا تـَرْقَى فـيهِ الـرُّوحُ،

إلى مَعـارجِ الـيَـقـيـنْ.

لـوْ تـَـقــبَـلُـني، أنَا على بابِـكَ،

أحْـصِي حَـفـيـفَ الـشَّـكِ، أبــَدِّدهُ

أصيـخُ الـقـَلـْبَ، إلـى خُـطًى تـَدْنُـو

ورتِـاجِ بابٍ تـُرْعـشُهُ الظُّـنـونْ.

كُـلَّـمَـا كـَفـفـْـتُ يَـدَ الصَّفاءِ،

وكِـدْتُ أوَلِّي الأدْبارَ، إلى لـيْـلٍ غَـزيـر العَـتْماتِ.

لـو تــَقـْبـَلـني، الآنَ،

في أقْـصى' ارْتِـباكي، ولا وَراءَ،

يَعْصِمُني مِن غـَيابات ِ الأمَـامْ.

فِـي مَـكانٍ، لا تَـكادُ تَـرْسُو عَـليْهِ خُطى' الأحْلام.

فِي اللامَكانْ،

يُصْلبُ مَعْـنايَ عـلى خشَبِ النِّسيانْ؛

ولا يُـشَـبَّـهُ لِي.

لا أدْركُ أطْـرافي، إذْ ألْـْهـو بـِتـَرْمـيـم الـشُّروخ،

بِـطـيـنٍ كـَذِبٍ؛

أتـْلِفُ ما َتـبـقىَّ مِـنْ بَـهْجَة طِـفـلٍ،

سَـويِّ الأفْـراحْ.

هـَلْ تـَقـْبـَلـُني، مـَولايَ، ولا سِـنَّ لِـي،

فـي شُحوبِ التـَّاريخ وأُمِّـيّـة الوقْـتِ؟

لوْ تـَـقــبـلـُني، إذْ تـُطـيـِّرُني ريـحُ الـتـّـِيـهِ،

ولا ريـشَ يَـحْفـظ عُـرْيي،

في سَديم السَّماءْ.

لا أنا الطائرُ المُحَلـِّقُ في بَساتـيـنِ العُـمْـرِ،

ولا الْجَـاثـي فـوق سـِنـْديانة الذكـرى.

ألـوذ ُ بـعُـشّي،

ولا آبَـهُ إنْ كـانَ مِنْ قَــِشِّ.

أشَـنِّـفُ سَمْعَ الـغـابة بـشَـقْـشـقةٍ،

تـَمْحـو وحْـشة َالـمَجالْ.

لو تـَقـْبلني، مولايَ،

أنا المُتآكِل، مِثلَ قِطْعةِ ثـَلـْجٍ في قَـيْـظِ الصَّحْـراء؛

لا أبُـلُّ ظَمَأ الرَّمْلِ،

ولا أُجْري، يـنْـبوعَ ماءٍ، إلى مَصبّ أمانْ.

 

مَــقــهى صَغــير.
مَحْشورًا في مقْهى صَغيرْ؛

على مَشارفِ ليْلٍ ثـقـيـلْ،

كانَ لي بالْمِرصادِ.

لا أدْري، أأغْطسُ في هَـمِّ نفْـسٍ،

تَرسَّبتْ في الْمكانْ؛

ولا يـَعْـثـر بي؛

أوْ ألْقِي بالْخيالِ في لـُـجّ الْعَـتـمة...؟

لَعـلي أعْـبُـر إلى ضفَّـة الأحْـوال.

أوْ أتــَحـلّـَل في غَـوْرهِ الْعـَميـقْ،

مَحْـض ظِـلٍ عَـلـيـلْ.

مَحْـشورًا فـي مَـقْـهـى صَغـيـرٍ

ضاقـتْ رئَـتـاهُ بـِوابـِلِ الـدُّخانِ،

تـَـنْـفـُـثـه أمْواجُ الـْبـشـرْ.

واعْـتَـرى أذُنـيْـه الـصَّمَـمُ،

مِـنْ لَغـطٍ يَـعْـلـو عـلى سَمعِهِ

ولَـغْـوٍ، غَـطّى عـلى سُـكـونِ الـرُّوحِ

في هَـديـر هـذا الـْقَـبْـوِ.

..........................

اَلآن، وقـدْ رَسوْتُ على ضفـَّةِ السَّريـرِ؛

أسْدلتُ ستائِـرَ غُـرْفَـتي،

دُونَ أهْـوالِ لـيْلي.

أفَـكِّـر فـي مَـقْـهـى صَغـيـرٍ تـَـركْـتُـه خَـلْـفـي،

غـارقًـا فـي غـيْـم الأدْخِـنـةْ،

وَضيْـقِ الـْمَجالِ،

ضَجِـرًا مـنْ أحْـيـاء فـي دَوَّامَةِ الـْحَـشْـرِ؛

قـبْلَ موْعِـدِ السَّاعَـةْ.

ربَّما لا يَزالُ يَسْعـلُ مِـثْـلـي،

فِي الْـهَـزيـعِ الأخـيـرِ مِنَ الْويْـلِ،

يَـدُسُّ مَوْتـاهُ ورائِحَـةَ الْـبُـنِّ الْـعَـفـيـنِ،

فِـي عَـباءَةِ فـجْـرٍ جَـديـدْ؛

يَـعْـبُـر الْبابَ مُتـَـستِّـرًا،

يَـشي بـهِ هَـواؤُه العـَلـيـل.

 

صاحـِبي الــخــَفــِيّ.
أمْسَكَ بي، وَما رَأيْتُ يـَدًا، وَلا نَبَّهَني لِسانْ.

وانْفَرَط الْحَفيفُ، فِي الْمـَدى، قَبْلي،

بِما فيـهِ مـِنْ مَعانْ.

قـُلتُ:

ربَّما كانَ صاحِبي الَّذي،

كمْ وَسْوَسَ لي، بِحُلْـمٍ فَصيحٍ،

وغابَ في غَـيْمِ المَكانْ .

ربَّما ، كان الَّذي يُـبادِلُـني "الأنا"،

فِي مَواسِم العُمْرِ؛

يَرْحَـلُ بعْدَ قِـطافِ الكَلامْ.

ربَّما الَّـذي يَتـَـلـبَّسُ رَغْـبَتي،

يَرْسُمُـني بِبَهاءِ الألْوانْ.

ربَّما هَذا الَّذي يَـتـَـفـقـَّدُ أحْوالَ طُمَأنينَتي،

يَكْـنـسُ وحْشَةَ الرُّوحِ،

مِـنْ خَوائِها الْعَميمْ.

يَـرُشُّ فيْضَ أمانْ،

لأبـقى في أبـْهـاءِ الـنـَّشيد، بكامِل السَّلامْ.

قــلتُ، ما قـُـلتُ، لَعَـلّي

أفـْهَـمُ غَرابَةَ الإمْساكِ بي،

فِي خُـلـُوِّ المكان ِ ِمن حَوْلي؛

وغـِيابِ إنْـسانٍ،

يَـمْرُقُ في شارِعِ الْوَحْـشَةِ الْعَريضْ.

ربَّما عادَ يُمْسِكُ بي، خَـوْفًـا عَـليَّ،

مِـنْ شُرودِ الطَّريـقِ، إلى سـدْرة ِ الحـلمِ

وعُجْمَةِ الأوْطانْ .

 

حـُــظـــوظ.
لا حَظَّ لَنا،

نَـقَـلوا الْمَواقفَ أبْعد منْ مَحَطّاتِ انْتِـظارِنا.

هَا نَحْنُ نَرى مُروقَ الْحُظوظِ عَلى طريقِهِمُ السَّيارْ؛

نـُلاحِقها بعين كسيرة، إلــى مـَغـيـب؛

نغمسُ غـَيـْظنا في النـَّحـيبْ.

ويَدٌ كانتْ لنا رَفيقَة فِي السَّعْيِ الحميم،

تـُـلوِّحُ مِنْ نافِـذَة الْحافِـلةْ،

مَزهـُوّةً بـِرحْـلـة قـافــِلة؛

لا نَـدْري مِن أيْنَ حازتْ تـَـذْكِـرةَ الْعُبورْ.

ونَحْنُ عَلى رَصيفِ الْعَطالةْ،

يَـنوءُ بِـنـا الـطَّابـورْ،

أمامَ شَبابـيـكَ آهِــلــة،

بـِرجائـِـنا الـقـديـمْ.

 

لاحَـظَّ لـنَـا،

نَحْـن الْـمُتَأخِّـريـَن، فِـي كُـلِّ شَـيْءٍ؛

يُـقـالُ لـنـا:

طَـوَيْـنا صُحُـفًا، وجَـفَّ الْحِبْـرُ؛

مَـنْ أدْمَـنـتـْـهُ الْغـوايَـةُ،

فَـَلـْيَـكـتـبْ بـمـا تـَخَـتـَّـَر مِنْ يأسِه؛

حتـى يَـشيـخَ الحُـلْـم فـي صَـدْرهِ،

أويَجْـرفَـَهُ مَـدَّ السَّرابِ،

فـي صَحارى نــِسـيـان ٍفـَسيـح.

 

لا حَـظَّ لـَنـا،

نحْـن الْـمُتـَأخِّـريـنَ، فـي احْـتـرافِ أيِّ شَيْءٍ؛

حَتـى تــَبورَ بِـضاعَـتـُه فـي سـُوقِ الـْمَعْنى.

نَجْلـِسُ فـي آخِـرِ الصَّفِ،

نـَسمعُ أصْداءَ مَن عَـبـروا جـِسرَ الـنـَّشـيـدْ؛

إلى ضفة الوقـتِ المَجـيـد.

نَـنـْفـثُ آخـرَ الـَحـَسرات،

عَلى إيقاعِ بَحـْرٍ خالٍ مِنَ الْـمَـوْجِ العَـتـيـدْ،

في جَـوْفِ قـاعَـةٍ بـلا جُمْهورٍ

وكَراسي شِعـر شَاغِـرة،

تأخـَّرَ عـَنـْها عـاشـِقٌ، ومـُريـد.

 

وأنتَ تمْضي.
كما لو أنـَّك تـُقـلـِّب كـتابَ مَحْوكَ، وأنتَ تمضي،

في اتِّجاهِ غـيْبِ السُّؤالْ.

تـَـسْعى'حَـثـيـثًا، إلى نِـسْيانٍ،

قـَدْ لا يُنبِّهُ ذاكِـرَةَ الأحْقابِ.

أحَدٌ مَا، يَـنْـزعُ العَلاماتِ مِـنْ خَـلْفكَ؛

أحَدٌ مَا يُفاوِضُ فِـي بَـيْـعِ الـطَّـريقِ،

قَـبْـل غِـيـابـكَ، لِـعـابـِرٍ غَـريـب؛

يَـنْسى ما رآهُ على حافـاتِ العُمْرِ،

وَلا يَراكَ؛

عاِبـرًا قَـبْـلَهُ، في وَعْـثاءِ المَـسيرِ.

يُـسِرُّ قَـلبُكَ الـذي كَـمْ هَـداكَ،

فَي أوَيْـقـاتِ الـقَـهْـرِ الشـَّديـدْ:

تـَوَقـَّفْ طَـويلاً، بِمَحَطَّاتِ الحُبِّ،

لعلَّهُ يَذ ْكركَ الـنَّـبـض ُالرَّحـيـم

لَـرُبَّـما لـنْ تـَنْساكَ الحَياةُ، في طـراوةِ العمرِ.

وَسَرِّعْ خُطاكَ في تِيهِ الصَّحْراء،

إِلى كـَنَفِ الواحِـةْ.

قَـدْ يَـحْكي عَـنْكَ مـاءٌ،

خالَطْتَ مـِنْهُ شَفافـِيّـَةً، في مَسيرَتِـكَ الخَضْراءْ؛

قاسَمْـتـَـه وَحْـدَةَ الجَـرَيانْ.

كَـما لوْ أنـكَ تـُقَـلِّـبُ كـتابَ مَحْوكَ،

تـَسْتـَـظْهِـرُ ما فـاتَ مِـنْ فُـصولِ الرِّوايَةِ،

فِي لَحْظةِ صَحْوٍ،

يُنازِعُـكَ فـيها خَـواءُ السُّوَيْـعاتِ،

عَلى بابِ الرَّجاءْ.

تـتـدحْرجُ في سُلم العُمر،

وَأنْـتَ تـَغْـفـلُ هَذا المَصيرْ.

كأيِّ شَيْءٍ يَهْوي في انْحِدارهِ السَّحيـقْ؛

لا تـَسْمعُ هَـديـرَ السُّقـوطْ،

إِلى سَـفـْـحِ هُـبـوطْ.

لا يُوجِعُه ارْتِـطامُـكَ الشِّـديـدْ.

كُـلَّما وَسْوسَ شَيْطانُ القـُـنـوطْ،

بِاسْـتِـهامٍ كهـذا،

تـُـشِرعُ كلَّ نَوافِـذِ البَـيْـتْ؛

لَعَلّك لا تـَـَفوتُ مَعَ الأشْياءِ الْعَديـمة المعنى'،

فِـي لَحْظة الْـتِـباسِكَ الألـيـمَةْ.

تـَـرغَـبُ فِي انْـدِلاقِ ضَوْءٍ غَـزيرْ،

عَـلى حَشاشَةِ يَوْمٍ عَسير، يَغُـصُّ بالْعَـتـَـمةْ.

تـجْـلِسُ قَريبًا مِنْ ريـحٍ واهِـيَة الْجَناحْ؛

تـدْعـو الصَّمْتَ إلى عَاداتِـهِ الْقَديمَةْ:

كَأنْ يَـمْلأ الـفـَراغ َ بِمَا وَأدَتـْهُ اللُّغـاتْ،

كـُلَّمَا شُـلَّ لِسانُ الكَلامْ.

كَأنْ يَرْمي حِبالَ نَجْدَتِهِ الحَكيـمَةْ

إلى مَا تــبَـقَّى مِنْ أحْلامٍ،

في جُـبِّ نـفـْسِك الكَـلـيـمَة.

 

فـي الـنـَّهـار
قَدْ تخْدعُك الرَّغبةُ في اجْتراحِ وقْتٍ آهِـلٍ بالذِّكَـرْ؛

فـَتراكَ تـخيطُ أسْمالَ خَيالٍ،

تـَسْتـرُ عَـوْرةَ الْخَواءْ،

تـُوهِـمُ قَـرَّ الرُّوحِ، بِدِفْءٍ مُسْتعارْ.

في النهـار،

لكَ سعْـيُكَ الْموعودُ في اتِّجاهاتٍ لا تَعْلمُها.

تمْشي وراءَ وميضِ الأنْحاءِ،

وضوْءِ بَصيرةٍ بلا قرارْ.

تـَـنِـطُّ خـلْفَ فـَراشاتٍ لا تـُرى،

إذْ وَهَـنَ الجَـناحُ مِنْكَ، واشْـتـعَلَ الْقلبُ بالْحَـنيـنْ.

 

في النَّهارِ، احْتمالُ حَياةْ؛

إذا أنتَ اخْـتـرقتَ بـَرْزخَ الأحْوالِ،

دون مَساسٍ، ولا وَخْـزٍ ألــيمْ.

إذا أنتَ هـرَّبْتَ بِضاعَةَ أحْلامكَ،

سالِمةً مـِن عَدْوى الظلالْ.

في الــحَــديـقـة...

 

الحديقةُ مَكتومة الأنفاسِ، لا تـَـنْـبـسُ بالعطر؛

ولا تـُفـْـشي سِحـر الزَّهرات.

الكراسي مَشلولة الأطراف،

لا تـُغادِرها عاهةُ الجلوسْ.

الـنَّخْلاتُ المبـثـوثـة بين العُشب،

لم تـَعُدْ تَحمـِل سِـمَة الصَّحْراء.

لا تـُحرِّك مِنْهـن الرِّيحُ،

غـدائـرَ السَّعـفـاتْ.

الْـممرّاتُ لا تـُفضي لأيِّ مَصيرْ؛

ولا تـَـدُلُّ على خـَطـوٍ،

دَحْرَجَه يـوم ٌعَـسيرْ.

نافـورةُ الماءِ،

لا تـَشِـفُّ عـَن بوْحِها الْقديـم، بالأضْواءِ،

في عُجْمة الخَــرير،

وخفوتِ نَـبْعها الْمِهْـراق.

حتـّى الحجارة ألْـقـتْ ما بـِيَـميـنها،

وتخـلَّتْ عنْ رَمْيِ أشْـباحِ الْوقتِ،

كَعادتِها كلَّ صَباحْ.

وأنتَ ماذا تفعل في لُـجِّ هـذا الْوجـومْ؟

جئتَ تبْحثُ عمَّا ادَّخَرْتَ مِن أحْـلام،

تـُطيِّرُها في سَماءِ النِّصِ،

كيْ يَزولَ غـيْـمُ الأعْـماق..

عليكَ الآنَ، أنْ تــطْوي خَـرائـط الْكـنزِ،

وتـنْسى جُزرَ الـْوَقْـْواق؛

تـَـنـْفـخ مِن خَيالك في هذا الموتِ الأخْضرِ،

مَجْـدَ الْحياة؛

عَساهُ يُـبَـرْعِم الْمَعْنى، في بُـؤْس الْمَساءْ.

تأتـيـكَ في هَوْدجها الضِّوْئي،

أنْـثـاكَ الْقصيـدةْ؛

وقَـدْ تـَكونُ هذه الْحَديـقةْ،

بـَدَّلتْ زينـَتـَها على ضَوْءِ الْكَلماتْ،

وجاءتْ تـَرُدُّ جَميـلَ الْوفـاءْ.

 

تــَهْــويــل...
هلْ ، فِعلاً ، كنتَ، بِما حَفـَلتْ بهِ الأحْوالُ..؟

لا أحَد رأى هالـتـَك،

في الأرضِ، ولا في السماء.

حينَ خُـيِّـل لـكَ أنّـكَ تـُضيءُ شُحوبَ الْمَجالِ،

وَحْدكَ، أبْعدَ مِنْ طـيـْفـكَ الرَّقـيـقْ.

لا أحَـد صادَف أوْهامـكَ،

عَلى سِكـَّـة العُمر الشَّريـدِ،

مارقـة في صَفّ طويلْ؛

قاسَمَـكَ فـرْحَة الـنّـَشيـدِ.

لا أحَد يَعْلم أنـَّك كنتَ طافِحاً بالدّلالَةِ،

في غـَيـْر ما فـَصلٍ سـَعـيـِد؛

داني الـقِـطافِ؛

تـَنْـداحُ عَلى ضَفَّةِ الْوقـْتِ المجـيـدْ.

كَما يَفْعل بَحرٌ، يَرْكبُ صَهوات الْمدِّ؛

ثـُمّ يَرْتـدُّ إلى جَزْرهِ الْبعيدِ،

تاركًا عَلى الرَّمْـل، فـُـقـاعاتٍ وَزَبـدْ.

ربَّما كـنـت َ أقَـلَّ تـَهْـويـلاً،

مِمّا تـَعْرضُه الذِّكْرياتُ،

في شَريطِها الْحالي، بألْوانِ الْعَصرِ،

على شاشاتِ الإغْـراءِ الجـديدْ.

لا يأبَهُ بكَ مَن كانَ حَـوْلـكَ،

مُسْتـغْـرقـاً في تهاوِيـلَ أخرى،

تـَجـْـري بـها سفـنُ الـشـِّعـْر ِ

إلى مُسْتـَـقـَر غـيـابٍ مـَديـدْ.

 

تـَـنـْويـع عـلـى الـرّيـح.
إلى حيثُ تمْضي الرِيحُ، لا أنْـساقُ؛

أخْشى على قَرابينِ أحْلامي،

مِنْ شُرودِ الصَّحْراءِ.

أسْعى بِها إلى مَذابِح الْعُمر،

لَعلَّه يَرْضى الكلامُ،

عمَّا سَفكْتُ مِن دَمِ الْمَعْنى.

يَغْـفـر لي زَلاتٍ،

أوْقَعَـني فيها جُموحُ الرَّغباتْ.

أجْري بِما لا تـَشْـتـَـهي الرِّيـحُ،

وإنْ تـَميَّـزتْ مِنْ غـيْظِها البحارُ؛

وانْحَسرتْ مِن تحْـتي، أسْفـارُ الْمـوْجِ،

وأرْغى زَبـدٌ،

يَـشْحـبُ في غـوْرهِ كـَـمَد.

سأكونُ أوَّلَ منْ يَمْخُـر أوْجاعَ الأرْضِ،

بِلا حَـقائـِب للذِّكْـرى،

ولا مَرْفـأ تـَرْسـو عِـنـْده أسْرارُ؛

تـتـخَـفـفُ مِن وطـأةِ الكِـتـمانِ.

فالـسَّيـْر ضِدّ الـرِّيح يُـغْـويني؛

وقـَدْ أطـيرُ بِعكْـس الْجَناحِ.

أرى مِنْ عَـلٍ، مُسْتـنـقعاتِ الْعُمرِ،

يَـنوءُ بِها الـْمَصيرُ.

خَـفـيـفًـا مِنْ وِزْر الـْمـَساء، أكونُ،

يَـسْري بي حُـبّ لَـطـيـف؛

أرُشُّـه، وابِـلاً، عَلى يَـبابِ الْوَقـْتِ،

أوْ أهْـمي بِه طَــلاًّ،

يَــلأمُ الـشُّروخْ .

-------------------

الـرِّيـحُ هَـبّـتْ ثانـِيَـة،

زاحَـمَـتْ خَـطْوي، فِـي مَـمـْشايَ الـْيَـوْمِيِّ.

بَعـْثَـرتْ مـُنـاجـاتي الـشَّفـيـفَـةْ،

فِي عَـرْضِ الْخَـلاءِ.

لكنها لمْ تـَقْـوَ عَلى جِـراحاتٍ،

تــَسْكُـنُ أحْـراشِـيَ الْكَـثـيـفَـةْ.

وتـَغوصُ بالجـُذور،

في تـُـربة الروحِ الـعـَفـيـفـةْ.

اَلـرِّيـحُ جاءتْ طائـِشَـةً،

بـائـِسَـةً،

خـاطـفـةْ؛

فـي ضيـْق الـمَـمـرّات ِ؛

ما كَـنـَسـتْ غـيْـرَ أوْراقٍ ذكـرى' يـابـِسَةْ.

راوَغَـتـْـها حَـشْرجاتٌ،

تـَـسْكُـنُ أغْـوارَ غـابَـةٍ يـائـِسَـةْ.

بَـعْـدَهـا،

اشْـرَأبَّـتْ سَـكـيـنـَتـُنـا إلـى صَـفـاءِ الـسَّماءِ؛

أراحَ الـصَّمْـتُ جَـبـيـنَـهْ،

عَـلى وَسـائِـدِ الأمْـداءِ.

اَلـرّيـحُ كـما جاءَتْ، عـنـيـفـةْ،

مَـضتْ تـُـسابِـقُ نَــفـْـسَها إلى حَـتـْـفِـها الْـبـعـيـدِ.

تـَـمْـضي في مـَوْكـِبـها، الـمـِزقُ الـخـفــيـفـةْ،

ورُعـونةُ الأحْـوالِ.

لـمْ تـَـسْألْـنـي عَـنْ وِجْـهَـتـي الـْغَـريـبَـةْ،

فِي ساعَـةٍ مـَكـسـورةِ الـْعَـقـاربْ؛

قـد لا تـَـذكـُـرها مَـسارِبُ الْـغـابَـة،

حـيـنَ تـَخْـلو إلـى عُـزْلـَتِـهـا الألـيـفَـةْ .

 

أخـيـرا اِنـْـطـفـأ الـنَّـهـار.
سَآوي إلى بـيْـت شِعــر،

يَـعْـصمُـني مـن طـوفـان حَــرّ؛

يَجـْرفـُني في تـَيّاره الساخنْ.

إذ لا عاصِم مِن عـَرقٍ،

بـِصبـيـب ٍ عـالي ِ الـدَّفـْـق،

وذبـاب ٍ مـُسـتـوْحـش الـطـنـيـنْ.

 

الـقـيـْظ والشِّـعـر معي، فـي نـِزال ٍ؛

والـبـيــدُ ، والـقـفــرُ، لا تـَعْـرفـُـني،

طارئـاً عـلى الـفـَلـواتِ.

 

مـا زال يَـلـفـحُـني، مـمَّا تـَخـلـَّف مِن نـاره،

في حُـلـكـة اللـيْـل؛

نَـهـارٌ أذكـَـى' اشْـتـعالـَه،

وهـَنُ الـريـحِ عـلى بـاب الـصَّحـراءْ.

أمْـضيـتُ الـنـَّهار أدْفـعُ بـِمنْـكـِب ِ شِـعـرٍ،

ما طـَـما مِـن قـيْـظـه اللافــِح.

 

فـي نـهـارٍ قـائـظ ، كـهـذا، تـتـقـاعَـسُ الـكـلـماتُ؛

لا تـُــلـبّـي نـِداءَ الـحـُلـم ِ،

ولا تـَبـْرحُ ظِـلّ الـخـُمـولْ.

 

ما أكـتـبُ مـن اِلـتـمـاعـاتْ،

تـتـصَـبّبُ عــَرقـاً، مـن قــيـظ ِ هـذا الـنـَّهـارْ.

ربـَّمـا يَسْـتـأنـفُ غـاراتـه ِ،

بـعـْد لـيـْل ٍ سـاكـن ٍ؛

يُـضـِرمُ نـاراً أخـرى؛

تـحـْرقُ مـا تـبـقـَّـى مـن انـْتـعـاشـي.

 

الآن، أحْـصي خَـسائـري؛

بـعْـد اعـتـدال الـرّوح،

فـي أرْمـدة ِ الـمـسـاءْ.

كـان نـهـاراً تـَتـَريّاً،

لم يُـبـقِ لـظـلٍ أثـَـراً؛

ولـمْ يـــَذَر مـا يُـهَـوِّي اخـتـنـاقَ الـروح ،ِ

فـي أقـبـيـة ِ الـضجـر ِ.

 

أرى، الآنَ، أدخـنـِةً على هـامـات ِ الـجـِبـال،

مـن أثـَرِ الاشـتـِعال ِ؛

وشـُروخاً.. تـوجـِعُ الـحـَجـرْ.

 

هـَا أنـا، عـلى ضـَفـّة اللـيـل ِ،

أشـهـَدُ انـْطـِـفـَـاءَ الـنـَّهـار،

عـلى مـهَـل ٍ؛

بـعـد أنْ أشـْعـلَ حـرائـِقـَهُ،

فـي "جـنـوب ِ الـروح" .

 

ريــحٌ تـَسوقُ وَهـْمَ خـُطـاي.
هَلْ أنا عَلى وِجْهة،

أم الرِّيحُ تَسوقُ وَهْمَ خُطايَ بلا أجْنِحة،

في مَهاوي المَصير..؟

 

لا قَبْلُ ولا بَعْدُ؛

وَسَطٌ يُؤرْجِحُني بيْن مَـدٍّ وجَـزْر؛

وأنا لا أبْـرَحُ الْخِضَم الطـَّامي.

كَأنِّي بِلا وِجْهة إذ تـَنـْتـَـفي أشْـكالُ الـرَّغْـبة؛

تـنْحَسِر الـحُـدود؛

تـَـنـْدَغِـم الخُـطوط؛

ولا جُـغْـرافـيا تـُسْـنـدُ تـيـهَ الـرُّوح.

 

أنا فِعْلا بلا وِجْهة؛

كَـسَروا بَوْصَلـتي؛

مِـزْوَدتـي فـارغـة مِـنْ زادِ الـرُّوح؛

هَـرَقـوا مـاءَ الـيـَقـيـنْ.

 

هَـلْ يَـكـفـي الـطريـقُ،

لأطْمَـئِـن إلى وجْهَـتي،

وغـَزارةِ الأسْـفـار،

في ذاكِـرة الـرَّصيـف..؟

 

كـأنْ لا وجْـهَـة.. لانِـهـايـة،

لأرى امْـتِـداد الـرَّحـيـل.

أشـْهـَد الـرُسُـوَّ عَـلى مَـرْفَـإ آمـن ٍ،

أكـَـرِّر إقْـلاعَ الـحَـنـيـنْ.

 

هـلْ أنـا عَـلى وِجْـهـة، واضـِح الـعُـبـور،

ألـِيـف الـحُـضور؛

أزْرعُ الحُبَّ في مَـواسِم الحَـياة..؟

وحَـركاتُ الـشـارع دائِـبَـة،

لـكـنْ بِـعـكْـسِ وِجْـهـاتٍ،

تـَرْسُمها رَغـباتُ الـقـلب.

 

شـارعٌ،

يَـصْعـدُ بِـكـلِّ أوْهـامِ الخَـطـواتْ.

شـارعٌ يَـهْـبِـط إلـى حَـتــفِـه اللـيْـلي؛

حـيـثُ يَـخْـبـو إيــقـاعُ الـحَـرَكاتْ.

أنـيـخُـني، عـلى كـرسـيّ، "بمقْهى الأمير".

أذَّخِـر الإيـقـاعَ والـحَـرَكـاتِ الـدَّائـِبـة،

في دِفـْـتـر الـجَـيْـب،

لِـيـوْم كَـسادٍ شِـعْـري.

 

أسْتحْضِر أمسيات ٍ، كانتْ لي؛

بكـلِّ مَباهـج الشهـْر الفـَضيـل.

لـيـلُ طفولـة ،عامِـربالـخـُرافـة،

والأهْـواء.

وأنا أحاولُ أنْ أرَمـِّم في هـذا الـمَساء،

ما ضاعَ مِن تـَفاصيل شَهـْر جـَلـيـل،

تـعَـرَّى مِـن كـلِّ بَـهـاء.

أطـمْـئِـنـُني :

لا عَـلـيْـكَ، هـوَ وقـتٌ آخـر لـِتـأثـيـث الـفـَـراغ؛

هـو وقـتٌ لِلـجـلـوس إلى صَبْـرك الـقـَديـم،

في هَزائِـم الكـلام.

يَـفـْرَغ الـفِـنْجان مـِمـَّا جـاشـَتْ بـِه،

عَـواطِـفـُه الـسَّـوْداء.

ولا يُـصـيـبُـكَ نَـصـيـبٌ مِـن غـوايـَة،

أو انـتـِشـاءْ.

يـَأسـنُ الـجـلـوسُ،

ولا يَصْهل الـكـرسـي ذو الـقـوائـم الأربـَعـة،

فـي وقـوفِـه الـذلــيــلْ.

يَـفـرغُ الـشارعُ مِـنْ صُعـودٍ وهُـبـوط؛

يَخـْلـو إلـى ثـَـباتِـه الألـيـفْ؛

بِـلا إيـقـاعٍ ولا أزيـزْ.

 

مـا الـذي يُـبـْقـيكَ عـلامـة ثـابـتـة فـي الـمـكـان،

بـلا إشـارة،

أو مَـعْـنى فـائـض عَن عَلامات الـطـريـقْ..؟

 

أتـْركُ "مـقـهـى الأمـيـر"،

انـْبـِطاحَ الـشَّـارع فـي عـُزلـة لـيْـلـهِ الأثـيـر؛

وأغْـشى رُفـوفَ ذاكِرتي.

أقـَلـِّب ارتدادَ الحَركات القديمة،

وإيـقـاعًـا كـانَ للـرُّوح، يُـعاودُنـي صَداهُ؛

بـيـنَ مَــدٍّ وجَـزر.

تـَسـوق الـرِّيـحُ وَهْـمَ خُـطايَ بـلا أجْـنِـحـَة،

فـي مَهاوي الـهَـزيـعِ الأخـيـر؛

أمـْخـرُ لـيْـلَ الــتــِّيــه ِ.

 

هَـلْ أنـا عَـلى وِجْهة،

أم الـرِّيـحُ تـَسوقُ وَهْـمَ خُـطايَ بـلا أجْـنِـحـَة،

فـي مَهاوي الـمَصير..؟

 

هِـــجْـــرة.
أخْرجُ خاوي الوِفاضِ،

أبْحَثُ عنْ نَبْضٍ وَلْهانْ،

يُضِيءُ مَجاهلَ الطَّريقِ إليَّ.

أنا الْمُتـدحْرجُ مِنْ ليْلٍ،

يَمْسَحُ سَبُّورةَ الألْحانِ.

كُلما "غابَ قـُمَـيْـرٌ"،

ولمْ تـُشِـرْ مُـلْـهِـمَـتي بالْـبـَنـانْ.

قَـدْ يَـطولُ الـْوَقْـتُ، ولا أبْـجديـاتٍ تـكــتـبُـني،

ولا دَفـاتِـر لِلـطِّـفْـلِ... مَـنْـشـورَة،

عَلى قارعَة الأحْلامْ.

أطْمعُ فـي قـُـصاصاتٍ، شَـرَّدتـْـها الـرِّيـحُ،

تـَـدُلـُّـني عَـلى خَـرائِـطِ كَـنْـزٍ

مَـطْـمـورٍ فـي زَوايـا الـْوِجْـدانْ.

أرغـَبُ فـي رائِـحَـةٍ تـُسَـرِّبُـها كُـوَّةٌ

مـِنْ شـُرفـات الـروح ِ

أرْقَـى بِـحَـبْـلها إلـى عُـلــُوٍّ، كـانَ لـي.

أقـاسِـمـُنـي فـيـهِ ولائِـمَ الْـخَـيـالْ

وأرَى تـَحَـلــُّبَ الأحـاسِـيـسِ

وَمُـواءَ جُـوعِـي،

قـريـبًـا، مِـنْ أثـافـي زَمانْ.

 

أخْـرجُ خـاوي الـْوِفـاضِ،

أرْغَـبُ فـي مـا تـَجـودُ بِـهِ جـِـرابُ الْـحـيـاةِ،

عَـلى ابْـنِ السـَّبـيـلْ؛

فـي زَمَـنٍ لا تـَنْـفَـكُ عَـنْـهُ أسـبـابُ الـزَّوال.

 

مـِــشـْـوار
هـا أنْـتَ تـمْـشي الْـهُـوَيْـنى،

مَـشاورَ خَـطـوك الأخـيـر، عَـلى درْب الْـحـيـاة،

بِـلا رَغْـبة فـي الـوصولِ الـسَّريـعْ.

تـَودُّ لـوْ يُـبَطـِّـئُ الـنَّـهـارُ عَـرضَهُ الـْقَصيـرْ،

يُـديـمُ الـْمَـشـاهِـدَ الـْحَـلـيـمـةْ،

فـي غَــفـْلـةٍ مِـنْ لـوْحِ الـْمَـصـيـرْ.

تـُمَـزْمِـزُ الْـكَـأسَ الْـوَحـيـدةَ،

عَـلـى غـيْـرِ الْـعـادَةِ فـي كـَـرْعِ كــؤوسٍ،

كـمْ شَـرقـْتَ بِـها، غُـصَصًا، فـي انْـعِـدامِ الـنَّـصيـرْ.

هـا أنْـتَ تـمْـشي الْـهُـوَيْـنـى،

لـكـنَّ الْـحاضِر لا يُـمْـهِـل فـي انْـصِرامِه الْـغَـزيرْ؛

والأمْـسُ، كَـما لـوْ أنَّـهُ لا شَـيْءَ، مِـنْ أحْـوالِ أمْـسِـكَ،

رغْـم طولِـهِ الْـعَـسـيــرْ.

سِـوى مـا انْـداحَ عَـلـى شَـطِّ ذاكِـرةٍ،

وأنْـتَ مـا عُـدتَ بـهِ بَـصـيـرْ.

هـا أنـتَ، كـأنَّـكَ تـمْـشـي الْـهُـوَيْـنى؛

مِـنْ تـَحْـتِـكَ، يَـنْجَـرفُ الـطَّـريـقْ،

تـُطْـْوى بُـسـط ٌ عَـبـرتَ عـَلـيْـهـا،

بـلـهْـفـة واهــِمٍ كـبـيرْ.

 

خــيْـط حُـلـم
ربَّ بيْتٍ مُضاءٍ،

لا يُغادِر القلبُ فـيـه غـسـقَ الأحْـزان.

ربَّ نـبْـضٍ عـالٍ،

ولا إيـقـاعَ للـرُّوحِ،

يُـبْـهِـجُ صـمْـتَ الـْمـكـان.

ربَّ وقْـتٍ، بِـكـلِّ صِـفـاتِ الأوْقـاتِ،

ولا حـاضِر، بامْـتـلاءٍ جَـديـد،

يُـدفِّـئُ قَـرَّ الـنّـَشـيـد.

ربَّ كائِـنٍ، مِـثْـلـي، يَـتـمَـلَّـى كـلَّ هَـذا،

ولا يَـقـْوى عـلى رتـْقِ السُّـؤالِ،

بِـخـيْـط حُـلـمٍ جَـلـيـل؛

يَـكْـسـو عَـوراتٍ،

سـادِرة فـي عُـرْيـها الـذ َّلـيـلِ.

 

أمْشي مَرْفوعَ الوجَع..
(التماعات)

نَعـومُ في دوَّامة أوقاتٍ،

لا ساحِل لَها.

وقـتٌ للجُـلوس،

وقـت للطقـوس،

ولا وقـتَ لنا،

في تـَلـَفِ العَقارب والسَّاعة.

-----

أغـمِـسُ من جُرحي،

لأرْسُـم ورْدة حَمـراءَ،

بـِعِطـر أمـيـنْ؛

تـَحـفـظ لـَونَ دَمــي.

-----

لا تـَكـثـَرتْ؛

هِي أسْماء لا غـَير،

 

تـَأفـلُ قـبْـلَ مَغـيـب الـوَهْـم،

كـأنْ لـمْ يَكـنْ لـَها سَمـِيّـا.

-----

مـاذا لـو تـَعـوَّدْتَ ، ياقـلبُ،

أنْ لا يَـشِـفَّ الـنّـَبْـض، فـيـكَ،

أمامَ صـُروفِ الـحَـيـاة..؟

لا طـاقـَة لكَ الــيـوم،

بإحْساس مُرْهَـفٍ؛

لا يَصْمدُ في هُـبـوبِ الأوْجاع.

-----

يُـعْـجــِبـُني مَـنْـطِـق الـطـَّيـر،

بـِـشـقــْشـقـة،

يُـفــْشـي أسْـرارَ الـرُّوحْ.

-----

مـاذا أفــْعـلُ بـِلـُغَـة،

غـاضَ مـاءُ الـحُـبِّ، في أحْـشائِـها..

سـَرابٌ يـَدْ لـَقـُني لـِسرابِ،

ودلـْو الـرَّغـْبـة ِ مـثـْقـوبُ..؟

-----

لـُغـة تـُمـْسي حِـجـابـاً؛

كُـلَّـما أطْـلَلتُ مِـن شُـرفـَةِ الـرُّوحِ،

انْـسَـدَلـتْ.

لـغـةٌ تـُغـيِّـبـُنـا؛

يَعـْـلـوهَـا لَـجَـبٌ كَـثـيـر،

لـِجـَحـافـل عـبَرتْ؛

فَـلا نـَسـْمـَعُ هَـمْـس الـرُّوح.

أكـادُ أفـلـتُ مِـنـِي،

ولا أصيدُني، فـيـها،

بـِشـبـاكِ الـوضوح.

-----

أخـافُ مـن لـغـة، تــَبـْلعُـني

في أحْـشائـِهـا ، عـلى شِـبـْع ٍ

ليستْ خالِصَة لي

لأقـولَـني بـِغـيـْر اشْـتــِبـاهْ.

 

صـَـــيْــــدٌ.
مُـنـْهـَكـا، قَـَفَـَلـتُ، مَـع الْـغـروبِ؛

خَـلْـفـي تـَجـاعـيـدُ الْـمـاءِ،

تـُخالِـطُ وجْـهَ الـسَّـدِّ.

خَـلْـْفـي سَـمَـكٌ، راوغَ صِـنّـارةَ الـْمـوتِ،

وانْـسابَ عــمـيـقـًا فـي أغْـوارِ الـمَـدّ.ِ

خَـلْـفـي، مـا لـم أَصـِدْ،

مِـنْ رَغـائِـب شَـتـَّـى،

لا يَـسْـتــدْرِجُـها مـا طَـعَّـمْـتُ بِـهِ شـصِّي،

لِـساعـاتِ صـبْـرٍ،

واقِــفًـا عَـلى سـاقِ انــْتِـظـارٍ؛

عـلـى عَـكْـسِ مـا تـَجْـري بِـهِ تـيَّـاراتُ الـْمـاءِ،

وما خَـبَّـأ لِـي قَـدَري؛

عَـلى ضَـفــَّةٍ لا تـزالُ غـائِـمَـة

فـي سَـريـرةِ الْـعُـمـرِ.

طَـويـلاً، مَـشـيـتُ عَـلـى حـافــةِ الـْجَـبَـلِ؛

كـأنِّـي مـا طَـوَيْـتُ مَـسافـاتٍ، مِـنْ قَـبْـل،

ولا راوَحْـتُ بـيْـن هُـبـوطٍ وصُعـودٍ،

فـي سَـلالِـمِ الْـبَـهـاءِ.

طَـويـلا، رَمـيـْتُ بالْـخَـيْـط،

أبْـعَـد مِـن ظـنِّي، ومِـن شُـرودي.

شَـرخْتُ صَـدْرَ الْـمـاءِ،

ومـا أضـاءَ الْـغَـوْرُ؛

ولا عَـلقَـتْ بـالـشِّـص أمـيـرةُ الأسْـمـاكِ.

لـكـنِّـي صِـدْتُ غُـروبًـا،

تَـدَلـىَّ مِـنْ قـُبَّـة الـسَّـمـاء الـزَّرْقـاءِ؛

رَشَّ تِـبْـرًا عَـلى سُـحْـنـةِ مـاءْ؛

فَــشـعَّ الـسِّـحْـرُ فـي الأنْـحـاءْ.

صِرْنا مَـغْـمـوريـنَ،

بـِلـوْنِ الـذَّهَـبِ الأصْفـرِ؛

مَـشْـمـولـيـنَ بِـما جَـلْـجَـلَ مِـنْ أسـاوِرَ،

عَـلى أجْـيـادِ الـْحِـجـارةِ الـصَّمـاءْ .

 

حـــُلــول
هَي محْضُ غيْمةٍ عابِرةْ،

وتـُضِيـئـيـنْ،

في سَماءِ الرُّوحِ،

كأيِّ نَجْمَةٍ،

عامِـرةٍ بضَوْءِ الْحَـنينْ.

واضَحة،

كما تـَشاءُ لَها،

بَصيرةُ الشَّوْقِ،

وَوحْشَة السِّنينْ.

وحْدي، منْ يَرْنو إليْها،

مـُتـلألـِئَـةً في كَـبـِدِ الْـعُـمـرِ،

سابِحَة فِي لُـجِّ قـَلْـبٍ،

إلى مَـرافِئِ حُـبٍّ،

عَـلى مَرْمى حُـلْـمٍ أَمـيـنْ؛

يَفْـتـح دولابَ وقْتٍ،

كانَ لنا.

يُـفـْـشي أسْرارَ قـُمَاشٍ،

وَلوْعـةَ عِطْـرٍ دَفـيـنْ.

شـــارعٌ....

 

شّارعُ لا تَحْملهُ قَدماهُ، إلى مُنْتهى رَغْـبـتـهِ.

النُّتوءاتُ عَلى قَدمٍ وساقٍ،

تـَحْـفـِر كَمائِنَ كَـبْـوتِـهِ.

شارعٌ تـكْـسِـرهُ نَـزواتُ الْمُروقِ،

مِنْ ضَفَّةٍ لأخْرى.

كُلَّما أمْعَـن فـي أسْـفـارهِ،

يَـرْسُـم حُـلـمَ الْـوصولِ،

إلى بَـرِّ أمانٍ، ولا يَصِلُ.

مُسافـرٌ، بلا أسـْفـار؛

يمْضي براحـلـيـنَ وحـقـائـب أحلامٍ؛

وهْـو لا يـَبـْرحُ عَـتـْبـة الدارِ.

شـارعٌ...

مـا أشَــدَّ وَطْـأةَ الْـخَـطْـوِ عَــلـيْـهِ،

بكعـوبٍ عـالـيـة؛

إذْ تـَنَـحَّـتْ عَـنِ الـطَّـريـقِ أقــْدامُ الْـحُـفـاة،

خَـفـيـفَـةً، تـَمْـشـي،

عـلَى هـامِـشِ الأشْـواكِ.

شـارعٌ، بَـدا لـي، بـِفـَداحـاتـِه الْقـُصْوى،

مَرْتـَعًا لأصْنافِ الْجُـنونِ.

شـارعٌ عَـفَـتْ عَلاماتُـه،

يُـغْـري بِخَـرْقٍ سـافِـرٍ؛ لِـهُـواةِ الـْوُصولِ الـسَّريـعْ؛

إذْ تـعـْمى العلاماتُ،

ويَـضِلُّ الـرصيفُ عـن سَـعْـيِـهِ الـعَـفـيـفْ.

 

 

غـُــرفـــة...

 

أذْرعُ الْغُـرفةَ بالْخيالِ،

لكنَّها لا تـُؤَثِّـثُـني؛

ويَـبْـقى عَرائي بِلا كَـنـفٍ،

فـي هُـبوبِ الشَّـوق والْحَـنـيـنِ.

تـحتاجُ طُمأنـيـنـةُ الـروحِ إلى سِـعـةٍ،

أرْحـبَ مـن خـطوطِ الـطـولِ والعَـرْضِ.

أذْرعُ الْغـُـرفـة، بـكـلِّ حَـدْسـي،

أوسِّـعُ بـاشـْتـهـاء الــقـلـبِ، أرْجـاءَ ضـيْــقـِها؛

وانـخـفـاضَ الـسَّـقـــفِ.

أبْـحـثُ فـي أثـاثِـها عـمَّـا يُـشْــبـِهُـني،

لـِـبـاسًـا لِـحـالـي،

مِـنْ عَـوراتِ الـْوقـتِ.

فَـلا تـَدُلُّــنـي بُـرودةُ الـرُّخـامِ،

عَـلـى مَبـاهــِج كـانـتْ لـي،

فِـي عَــمارة الْـمـَكـانِ.

أذْرَعُ ، مـا أذرعُ؛

غــرفـاتٍ شــتـى، تـصـْطـفّ عـلى شـارع العـُمـرِ،

فـي ضَـوْء الْـهَـواجِـس الـتـي تـَـضـجُّ بـي؛

وَلا يَـسْتـَـقـيـم الْبُــنـْيـانُ،

عـلـى طَـلـلِ الــذِّاكِـرةْ،

في حَـمـيـمِــيّـة الـحُـلـم.

لا تـُـطِـلُّ عَـليَّ الأغـاريدُ مِـنْ عُـروشِ الْعائِـلةْ

في السّاعةِ الـقائِـلَة،

دانِـية الأفـْراحِ والْقَـسماتْ.

 

رَحــيـــــل...

 

لِنرْحلْ،

قبْل أنْ يَقولَها الشِّعرُ في حَـشْـد مِـن الْـكلـماتْ؛

فَـقـدْ أطلْـْنا الـرَّجاءْ.

عـمَّـا قـلـيـلٍ يُـقـفِـل مَـقهاهُ،

يُعلن كسادَ أحْلامِه،

هَربًا مِن تـَصْفـية أمْجادِه؛

يَمْضي إلى مُـنْـتـجعِ القَبـيـلةْ.

أكَـلْـنا لَـحْمه حـيًّا،

شَربْـنا موسيـقاهُ ومـا ارتـَويـْنا،

عـلى وقـْع حـَلـيـمْ.

لِنرحلْ،

قبْل أنْ يَـموت فـيـنـا اللِّـسانُ،

عَلى حـبْـل غُـموضٍ مَـتـيـنْ،

تـُـقـْبـرَ اسْـتِـعاراتـُنا فِي مـَجاري مِـياهٍ آسِـنـةْ،

خـارجَ الـنَّـص والـتـّـَدْويـنِ.

نَـأتي مَـحاكـمَ الْـخِـيـانـةْ،

مَحـْمـولـينَ عَـلى نـقَّالـةِ مَـرْضى

بِـشَلل نِـصْفي،

مَـغْـمورين بالـصَّفـيـرِ والإهـانَـةْ.

لَـنرْحلْ،

وَفـيـنَا بـقـيَّـةٌ مِـنْ دَمِ التَّـعْـبـيـر،

قـبـلَ أنْ يُـصيـبنا فـَـقــرٌ فـي دورةِ الأحـْلام

و"فـالـِج ٌ" في الرؤى الكـلـيـلـةْ.

لِنرْحلْ،

بِـكـرامَـة الـصُّورةِ الأَخـيـرةْ،

قـبْـلَ أنْ يَـعْـتـري نُـصوصَنا الذُّبـولْ

فِي زَمنٍ لا تَـأخُـذهُ رأفـَةٌ،

بالـقَـوْلِ الْـجَـمـيـلْ.

 

نــافـــــذة.
مِنْ نافِـذَتي الأنـيـسَةْ،

عَـيْـني الَّـتي تَـرْصُدُ شَـفافِـيّةـ الأشْياءِ، مـِن حولي

في تـَجـذيـفـها الـيـوْمي

على بـابِ الـرَّجـاءْ.

جاءَتـْـني شَـمْـسُ هَـذا الـصَّباحْ،

تَـخُـبُّ فِـي ذَهَـبٍ وَفـيـرْ،

مـثـل أيِّ أمـيـرةْ،

مـِن خـِدْر قـَصرها الـكـبـيـرْ،

بِـلا زَعـيـقٍ وَلا نَـفـيـرْ؛

إذْ تَـأخَّـرْتُ فِـي الْغِـيـاب،

وَراءَ مَـوْجِ لـيْـلٍ عَـسيـرْ.

عَلا عَلى صَحْـوةِ الرُّوحِ،

واسْتَحالَ الرُّسُـوُّ عَلى شُـروقِ الْبِطاحْ.

كـنتُ الْمَغْمورَ بِـِلــُـجِّ الـضَّوْءِ؛

تَـفَـرَّقَ مِـنْ حَـوْلي رَفـيفُ النُّعاسِ،

مـِثْـلَ سِـرْبِ الـخَـفـافـيـشِ،

واسْتَـوى عَـلى عَـرْشِ وُضوحِهِ، الـنَّهارْ.

هو صَباحُ نـورٍ، إذنْ، لِمَنْ خَـفَّ قـبْـلي،

وامْـتَـطى صَهْـوةَ الأفْـكارْ.

صَبـاحُ رَجـاءٍ،

لِـمَـنْ تَـأخَّـرَ مِـثْـلـي،

وَفـاتـَـهُ نَـصـيـبٌ مِـنَ الأسْـرارْ.

مِـن هـُنا مـَرَّتِ الأمـيـرةْ،

بكـلِّ نـفـائـسِ الـضَّوءِ،

تجـُرُّ خـَلـفـَها مَـوجَ الـذهـَبِ،

صاعِـدة فـي عَـربات الصباحْ،

إلى عـَلـْيـائـِها، في سَماءِ الأمـلِ.

 

مـــاءُ الـكِـتـابـَة.
لَوْ أبْـقَـى فـي مـاءِ الـْكِـتـابَـةْ،

مِـثـْـلَ الـسَّمَـكـةْ؛

لا أغادِرُها إلى يَـبـابِ الـْوَقـتْ.

أنْـقـعُ روحـي فِي لُـجِّـهَا،

كـَما أفْـعـلُ، عـادة ً، بالْجَـسـدْ؛

أطْـفِـئـُـه فِـي شَـطِّ سَــدٍّ أزْرقْ،

هَـرَبًـا مِـنْ "قَـصْرِ الـسُّـوقْ"، حـيـنَ يـَقـيـظُ.

 

لَـوْ أبـْقَى فِـي مـاءِ الـْكِـتابَـة،

بـعْـضًا مِـنْ خُـرافَـةٍ كـائـن ٍ، يَتــداوَلُـها الْكَـلام،

حـيـنَ يَـعْـلـو مَـدُّهُ،

عَـلـى حَـجَـرِ الإبْـهـامِ،

بَـعـيـدًا عَـنْ هـامِـشِ الإقْـصاءْ.

حَـيّــاً فِـي كـلِّ إطْـلالـَةٍ،

تـُـفـْـرَجُ عَـنْـها شَـفَـتـانْ.

لـو أبـْقـى فـي مـاء الـكـتـابـةْ،

مـثـلَ الـسـمـكـَةْ،

بـكامـِلِ انـْسـِيـابـي، وأسـْبـابـي.

لا يُـرسِّـبـُنـي طـيـنُ الأهْـواءِ،

إلـى قــاعٍ،

يَـخْـفـتُ فـيـهِ دبـيـبُ الـمـَعـْنى'؛

وتـَغـيـمُ سـَمـاءُ الإحـْساس ِ.

 

خــيـْطُ حُــبّ.
أرغبُ في خيط حـُبّ مـتـيـنْ،

يرْتقُ مِزَقَ الأحْلامِ؛

أخـْصِفـه عـلى عـُرْي قـلوب ٍ،

فِي يَـوْمٍ ذِي مَـشْـأمَـةْ،

تـرعَـشُ مِـنْ غَـيْـر دِفْءٍ ولاحَـنانْ،

فِـي عَـرْضِ الـتـِّـِيـهِ؛

غَـريـبـَةً عَـنْ نَـبْـضِـها الألـيـفِ.

لَـنا قُـلـوبٌ نـغْـمِـطُـها حَـقَّـها فِـي الـنّـَبْـضِ الـسَّـلـيـمْ،

نَـقــرَعُ فـيـها طـبـولَ الْـعُـنْـفِ،

نُـشْـعِـلُـها حَـمْـراء؛

حـتَّى نَـخوضَ فـي حَـرْبِ الْـوَجـيـفِ.

نُـفَـوِّتُ مَـواسِمَ حُـبٍّ خَـضْراءَ،

يَـذْرِفُـها شَـجَـرُ الْـعُـمْـرِ، صَفـْراءَ،

فـاقِـعـاً شَـوْقُـها،

تـُدَحـْرجُـها الـرِّيحُ عَـلى عَـتَـبـاتِ الـْخَـريـفِ.

بِـكُـلِّ الـثُّقـوبِ والـتَّـجاعـيـدِ،

خالـية مِـنْ رَعْــشةِ الـْحَـفـيـفِ.

يَـسْـحـقُـها حَـجـرُ الـْوَقـتْ،

قَـريـبًـا مِـن ظِـلِّ الْـحَسـراتْ.

 

تَـعْــديـلٌ جِـيــنـي.
كـأيِّ شاعِـرٍ مُـعَـدَّلٍ جِـيـنِـيّاً،

قَـصائِـدُه تـولـَدُ شَـوْهـاءْ،

وَبِـلا حَـيَـويَّـةْ،

مـِثْـلَ الـنَّـعْـجَـة "دُولـي"،

لـنْ يَـسَـعَـهـا إسْـطَـبْـلُ الـْوَرقْ.

إذْ يُـحَـوِّلُ الـْكَلِماتِ إِلى ثـُغاءٍ كَـثـيـفْ،

تَـتَـفَـرَّقُ بِهِ سُهوبُ النِّسْيانْ؛

ولا يَـعـودُ لأصْلِـهِ الْـبَـعـيـدْ.

 

كأيِّ شاعِـرٍ مُـعـدَّلٍ جِـيـنـيّـاً،

ضاعَـتْ مِـنْـهُ شِـفــْرةُ الـتـّـكْـويـنِ؛

لـيْـسَ تـَـكْـفـيـهِ الـنُّـسَخُ الْمَكْـرورَةْ،

لِـتَـرْكـيـبِ أحْـلامِ الـْكَـلامْ.

 

كأيِّ شاعِـرٍ مُعَـدَّلٍ جِـيـنيـّاً،

لا يَـفـْهمُ فِي تـَضاريسِ الْجُغْرافـيّاتِ الأخْـرى،

سِـوى نُـتــوءاتٍ،

تـُـوجِعُ خَطْـوَ الْغَـريـبِ،

وَهْـوَ يَـمْـشي بِلا بَـوْصَلَـةٍ لِلـرُّوحْ.

قَـدْ لا يـَبْـقى مِـنْ أشْـلاِئــه بـعْـد الـْمـوتِ،

أثَـرٌ يَـدُلُّ عَـلى هَـشاشَـةِ الـتـَّرْكـيـبِ.

 

حَـتــمًا، لـنْ يَـبْـقـى مِـنْ تـعْـديـلِـهِ الْـجِـيـنـي،

سِـوى ما تـَنافــَرَ مِـنْ حَـنـيـنٍ،

لا يَـكْـتَـمِـلُ الْـحُـبُّ بِـهِ،

فِي نَـواميسِ الـذِّكْـرى.

 

في قـصـْر الـسُّـوق
فِي "قَصْرِ السُّوقِ"، لا شأن لي،

بـمَـنْ لا يُـحِــبُّـنـي.

فـي "قـصـْر الـسـوق"،

أنـا أمُـدُّ يَـقـيـني إِلـى جِـرابِ الْـقَـلـْبِ؛

أخْـرِجُ ما فــيـهِ مِـنْ عَـراجــيـنِ حـُبـِّي،

أوَزِّعُـها مِـنْ حَـوْلي،

دونَ أنْ أنْـظـُرَ فِـي وَجْـهِ مَـنْ..

لاَ نـَصـيـبَ لـهُ مِنْ ِ الرَّبِّ.

قَـدْ لا يَـنْـفَـدُ مَخْـزوني مِـنْ فـاكِـهَـةِ الإنْـسـانْ.

تـَعَـلَّـمْـتُ مِـنْ نَـخْـلَةِ الـبـَراري،

حِـيـنَ اطْمَأْنَـنْـتُ إِلى رَغْــبَـتي، فِـي الـْبـَذْلِ؛

كيْـفَ أعْـطي،

واقِــفـًـا عَـلى سـاقِ صَـبْـري،

أصـيـلَ الـتـَّمْـرِ؛

مَـهْـما قَـَسَـتْ رِيَــاحُ الـقـفـرِ.

فِي"قَصْرِ السُّوقِ"،

أمْـشـي مُــثـقَــلاً بِـعَـراجـيـنِ الـشِّـعْــرِ؛

لا أنْهَـرُ يَـدًا تـَجْـني حَبَّاتٍ، دانـِيةَ القِطافِ؛

مِـنْ نَخلْةٍ رَعَـتـْـها يَــدُ اللـهِ،

فِـي أغْـوارِ الـصَّدْرِ.

في "قَصْر السُّـوقِ" أبْــذُرُ الْـحُـبَّ،

بـيْـنَ طَــيَّـاتِ الـكَـلامْ،

فـيَـكـونُ لـهُ طَـلْـعٌ نَـضيـدْ؛

يُــشْـبِـهُ الـواحَـةْ، فِـي عَــرْضِ جَـفـاف الـبـيـد.

فـي "قـصر السوق"،

ثـمـةَ شـاعـرٌ وجـَبـل،

يَـذودان بـمنـْكـبِ حُبّ،

عـن جـهـاتِ الـواحةِ.

أيـنـما ولـيـتَ وجـهـكَ تـلقـاهـمـا،

مـثـل شمسٍ الـجـنـوب

بالـذهـبِ الـخالـصِ لـوَّاحة ْ.

 

أصـْــلُ الـــحـِكـايـة
أصْلُ الحِـكـايـةِ، أنـا،

يَـسْـتـرُني ثوبُ الكلماتْ؛

لا أفـارِقُ انْـعِكـاسَ وَجْـهي،

عَـلى صَحْـوَةِ المَـرايَا.

أطْـفِـئُ ما أشاءُ مِنْ زَوائِـد،

لا تـُعْـلـيـني؛

وأشْعِلُ الزَّوايَا الكَـفـيـلةَ بالسِّحْـرِ.

لا شَـيْءَ يـَثْـبُـتُ فِي لُعْـبَةِ الـتـَّمَـرْئي؛

تـتـداعى' الحُـبْـكَـةُ،

فِي تـَـرهُّـلِ الحُـلْـمِ؛

تَـَشْحُبُ النِّهايَـةُ فِي انْخِفاضِ مَنْسوبِ الخَيالْ.

وَأعـودُ لِلْمَرايا،

أنْـفـخُ فيها ألـَقـاً،

ما عادَ يُـخـْـفي،

كـَثـافَـةَ الـمَحْـوِ فِي السِّيـرَةْ.

كـيْـفَ أرْسُمُـني،

بِمُعَـدَّلٍ حَـياتـِيٍّ، لا يَـزيدُ عَـنْ حَـدِّي،

لا يَـغـْـفــلُ أطْرافَ نِـسْـيـاني..؟

أصْـلُ الـحِـكـايَـةِ،

لا جُـذورَ لـهُ؛

حِـينَ لا تـَبْـسُقُ في الآفاقِ، الشَّجَرةْ،

تـُدْنـي ثِـمارَ فـصْلِـها الأخـيـرِ،

لِـيَـأنَـسَ الرِّفاقْ،

في نُـزْهَـةِ الـظِّـلِ الـظَّـلـيـلِ.

كـَـمْ سالَ مِنْ دَمِ الحِكايَةْ،

وَلَمْ تـَـشْـبَـعْ شَراهَةُ الخَيالِ.

كـلَّ يَـوْمٍ يُـذبَـحُ حُضوري،

عَلى حَجَـرِ الكَـلماتْ؛

وَلا يُـبْـقـي على فَـَـمِ الأغْـنـيات،

سوى ما تـَناثَـر مِنْ دَمِ الذِّكْـرى.

ما أسْهَـلَ أنْ نَـرْكَبَ ظَهْـرَ الحِكايةْ،

نَهْمِـزَ صَهْـوةَ الحَـنـيـنْ؛

نُـرْدِفُ ما يُـرى،

وما لا يُـرى،

مـنْ حَـشْـوٍ غَــزيـرْ.

نُخْـرِس صَوْتَ الأنـيـنْ،

يَصَّاعَـدُ مِـنْ ضَيْـقِ الـفـُصولِ؛

كُـلَّما تـَلبَّسَتْ شُخوصَنا، الظِّلالُ،

وانْـبـَجَستْ أخاديـدْ،

في سُرودِ البِلادْ.

لَكَنَّ النَّهاياتِ قَدْ لا تَـأْتـي،

بِـما تـَشْـتَهـي الرِّواياتْ،

فـي عَـهْدِها الجَديدْ.

 

جَــرى بـي شِـعْـرٌ كـَـثـيـر
فِي البيْتِ، مَساءً، حِينَ تــقـعـدُ بي الجُدْرانُ،

جَسَدًا تـخَـلَّفَ عَنْ روحٍ،

هَوَّمتْ في السَّمواتِ الأخْرى؛

قَـدْ لا تَعودُ، فِي الهَزيعِ الأخيرِ مِنَ الحُزْنِ.

أخْشى أنْ يَـقــرعَ بابِي الشِّعْـرُ؛

يَدْعوني لِسَهْرتِـنا المُعْـتادةْ،

عَلى مائِدةٍ عَرْجاء،

وَشـَراب ٍ لا يـُـقـيـمُ أوَدَ القَصيـدَةْ.

وأنا في الْبَيتِ، أبْحَثُ عَنْ بَقايا بُيوتٍ أخْرى،

بَعيدا عن أبياتِ الشعرِ؛

تـُؤَثِّـثُ وَحـْشَتي.

لَعَلّي أسْـتَأنِسُ بِي،

فِي غَرابَةِ الأشْياءِ مِنْ حَوْلي، وشُـحِّ الذَّكْـرياتْ.

جَـرى' شِعْـرٌ كَـثيـرٌ، تَحْتَ جِسْرِ الأحْلامِ؛

تـَـفـَـرَّقَـتْ بِهِ سُـبُلُ الـماءْ.

لنْ أسْـتــحِمَّ ثـانِـيَـة، فِـيـما رَسَا مِـنْ أنْهار؛

خَـلعَتْ شَـفافـِيَّةً قـَديـمَةْ،

وَغاضَتْ، فِي وَجَـع الطِّينِ.

جَـرى بِي شِعْـرٌ هادِرٌ،

لمْ تـُقَـمْ عَـليْهِ الـجُسور؛

تَـشَرَّد فِي تـيهِ الرَّمْـلِ، وَشَـساعَةِ الصَّحْراء.

كأنْ لا نَـبْـع، لا مَصَبّ، ولا خَرير،

يُـنَـبِّـهُ غَـفْـوةَ الأرْضِ، لِـسائِـلٍ شَفـيـفٍ،

يَــلْأمُ الجُروحْ.

جَـرى بي شِعْـرٌ، إلى يَـبـابِـهِ الألـيـمْ؛

والَّـذي يَجْـري بِـي، الآن ، ريحُـهُ واهِـيَـة؛

لا تـُقِـلُّ أشْرِعَةَ الرُّوحِ إلى مَرافِئِ اطْمِئْنان؛

لا تـَـرْسو بي، عَـلى ضفـةٍ؛

لا تـُعاوِدُني فـيها رَغْـبَة ُ الرَّحـيلْ.

اَلَّذي يَجْري بي، الآنَ،

يُـبَعْـثـِر إيـقاعي الْجَميل، عَلى طُرُقاتِ المَعْنى؛

يُـنْهي مَهْـرجـانَ أخْـيـِلَةٍ،

أضاءت مَحَطّاتِ الذِّكْرى،

يـُذكي رمادَ الحنينْ.

أبَــدًا لا يَـنْـسى القـلـبُ...

 

لا يَـنْـسى القلبُ أثـرَ الحُـبّ عَـليْه؛

إذْ كانَ يَـشْكـو، مِـنْ وَهـنٍ فـي الخـُشـوعِ،

والـَخـَفـَقـانْ؛

يَمْشي خاويَ الْوِفاضِ،

يُعْوزُه ماءُ المَحبَّةِ،

فِي صَحارى عُزْلتِهِ؛

ولا أحَدٌ يَــسْقـيهِ مِنْ جِـرابِ الـَحـَيـاة،

جُرُعاتٍ مِنَ الصَّحْوِ.

لا يَنْسى القلبُ أثـرَ الـنِّعْمةِ،

حـيـنَ أضْحى يَـجـوسُ بَـساتيـنَ الـرَّبِّ؛

يَـلْهـَجُ بالْحَـمْدِ،

يَـقــْبـِسُ مِنْ آيِ السِّحْرِ،

ما يُـقـيـمُ أوَدَ الـشِّعْـرِ؛

ويُضِيءُ أبْهاءَ الرُّوح، في عَـماءِ الْكلامِ،

وانْـسِدادِ الدَّرْبِ،

عَلى مَرْمى عَـيْـنٍ حَسيـرةْ .

لا يَنْـسى الصَّبُّ،

أغـاريدَ نـبْـضٍ في ساعَـةِ صَفْـوٍ فـَريـدةْ،

تـَجَـلَّـتْ لَـهُ،

عَلى أيْـكَـةِ الْـعُـمْـرِالـْبَـعـيـدةْ،

مَـطـراً، تـَذْرفـُـه مُـقـَـلُ السَّـماء،

صَبيحة هَذا الــيـومِ،

مِـثْـل دمْع الْـفـرحَـة فـي عِـزِّ اللـقـاء.

وأنا في زاويَـة مِنْ هذا الوقْتِ الْمهيـضِ الأجْـواء،

أفْـتـحُ مِـظلةَ الـرَّجاء؛

أرْقـبُ انـْتـعاش الأرْواح،

على وقْـْعِ الـزَّخاتِ والْبـَلَـلِ.

أكادُ أزُفُّ لِلـنّاسِ مَـواسمَ الـزَّهـر،

قـبْـلَ اخْضِرارِ الأمَـلِ.

أنْـقـُـل الـبـُشـْرى، لِحـُقـولٍ جَـرْداء،

قَـريـبًـا مِـنْ عَـتـبـاتِ الـصَّحْـراء؛

أكادُ ألْـمَسُه، بِـفـرْحةِ قـَلـبٍ سَريـعِ الْعَـطـبِ.

أقـول هَـو ذا سِـرُّ الـنّـَماء؛

أنْـثـُـره عَـلى تَـجاعـيـدِ أرْضٍ ثـَـكْـلى،

طاعِـنَة فِـي الْـعُـقـم.

أكادُ أرى ما لا يُرى،

عَلى أفُـق الصّحراء،

سِربَ فَراشاتٍ، تَـَؤوبُ إلـيَّ، كَـأيِّ بُـستـانٍ،

يَــرْشحُ بالْعِـطـرِ.

أرى ما لا يُرى، مَـطـرًا يَـهْـمي...

يُـزيحُ غُـبارَ الأعْـماقِ؛

يَـمْسحُ في انْـجِـرافِه، كَـدَماتِ الطَّريقْ،

قـُـصاصاتِ ذِكْـرى ألـيمـة ْ

وَطَمْيَ أحْـقـاد ٍ،

وشُـروخًا أخْـرى،

تـَفـَتـَّقـتْ بالْـهـامِـشِ /الـيَـبـابْ .

 

تـَـنـْـبــيه.
تـُنبِّهُـني أسْرابُ الْكلِماتِ،

كُـلّما نَهَـرْتُ فـَرحًا/ طِـفــلاً على بابِ الرُّوحِ؛

وتـَركتُ ما يَـفْــْتَـرُّ عـنْه يـوْمِي،

مُوصَدَ الْمَبـْسمِ.

مِسْكيـنة كَـلِماتي، تَعَـلَّمتْ مِنْ قَـهْـرِ الأحْـزانِ،

أنْ تـُـبْـقي الـرَّجاءَ مُواربًا؛

ولَـوْ فـي لـيْـلٍ دامِـسِ الْحُـلْـمِ.

تـُـنـبِّـهُـني، بـيْـن اقـْتـِرافٍ واغـْـتـِراف ٍ،

إلى صَـفـاءِ آخِـرِ السَّطْـرِ؛

كيْ لا أُصابَ في آخِـر الْعُـمـرِ،

بِـسَكْـتَـةِ الـْحِـكْـمَـةِ،

في صَحارى طـيْـشِـيَ الشِّـعْـري.

تـُنـبِّـهُـني أسْـرابُ الْـكَـلماتِ،

كـلَّما قَـشَّرتُ فِـي الـْخَـيالِ صُورَةْ؛

واسْـتـَثـْنـيْـتُ، فِـي رَسْمِها،

حُـروفـي الألـيـفـَة،

تـُـوَسْوسُ لِي:

أنْـتَ تــرْغبُ فـي مُـضاجَـعَـةِ الْـحِـكـايـةِ سِـرًّا،

دونَ بَـوْحِ الـْكـلـماتِ.

أنْـتَ لا تـُـبْـقي للـتـَّـاريـخِ مِـنْ أثَــرٍ،

إذْ تـُسِـرُّ للـِصُّـورةِ أحْـلامًـا،

بلا صفـاءٍ، ولا عـافــيَـةْ.

 

اِلتماعاتٌ عَلى بابِ الليْل
قـدْ نـُعـيـد للـبَحْر سيرَتَـه الأولى'؛

نـَرى عـُنفوانَ أثـبـاج ٍ؛

وَهَـديـر مـَوج؛

وماءً أجاجـأً،

يـَنـْداحُ قـَريـبـًا مـِن رغـْبـَتـِنـا.

 

لا جَـزْر

قد يَخـْذلـكَ الـرَّمْـلُ؛

ويَـشْربُ ماءَ الـحَـيـاة.

كـُـنْ بـِمَـدِّك الـمَديـد،

وانْـفـَرطْ عَلى ضَـفــَّة الأمَل.

 

الـخُـطى بِـعـزْمٍ مُـوَقَّـعٍ،

والحَـناجـرُ،

تـُـؤْنـسُ وحْـشـةَ الـرَّصيفْ.

قد يَـمـوجُ الـرَّصيـفُ،

ويَـصْطـفِـقُ بـِحَجَـر الـوقــْت.

 

يَـأخُـذ الطـَّريـقُ وِجْهَـتـه الـصَّحـيحـة،

مُـدَجَّـجًا بـِخُـطى الـنَّـصر.

 

ما سـالَ مِـنْ دَم الـحُـبِّ،

لا تـُـكـفــْكـِفـُه،

طـَـلاوَة ُ اللـِـّسانْ.

 

دُلــَّنـي أيُّـهـا الـقــَلـبُ،

بـإرْهاصٍ يَـرفَـعُ مِـنْ وَتـيـرة الـحُـبِّ.

 

لـقـد هَــبُّـوا،

لعـلَّ ريـحَـهُـم ْ، رُخـاءًّ،

تـَـكــْشـطُ عَـثـَراتِ الـطـَّريـق.

 

ها أنا..

واللـيـل مُـدَجَّـجٌ بـِسـوادِه؛

أذودُ ِبـضـوْء الـقـلـبِ،

حتى مَـطــْلع الـفـَجــْر.

 

هَـل ثـمَّـة خـيْـطٌ أبـْيـض يَـنـْـسَلُّ مِـن سَـوادٍ،

لأسْهَـر حـتى الهَـزيـع الأخـيـر،

مـِنَ الأمَـلْ..؟

لِي قـطــوفـي...

1

لا يُـشْرقُ شيْءٌ..

لا يَـغْـربُ شيْءٌ

وأنت تُـرتِّـبُ مَـواسِمَ الأعْـماقِ..

تَخْـرِقُ قانـونَ الجاذِبيَّة

لكَ تَعْديلُكَ في تَجَلِّياتِ الحُلْمِ.

2

اَلْخَـسارةُ أنْ تـَـبْقى مَكْـتوفَ الـْيَـقـينِ

حتـى تَعْـبُـرَ خُـيـولُ الرُّؤْيا.

3

أنتَ ، أوْ أنا

قدْ لا نَـتَـبادلُ نـفْـسَ الأدْوارِ

لكنَّ حَركاتٍ خَـفيـَّة تـَعْبُر المَجالَ

تـُـشوِّش عَلى عَرْضِنا الأعْمى.

4

قـد لا أكـونُ أنا، ولا تـَكونُ

في وقْع الخُطَى ،

ومُكابَدة الأسْفار.

5

لا يَـتشرْنَقُ شيْءٌ مِنْ حَرير الكَلام

ولا يُطيِّـرُني..

في اسْتِحالة الجـُـبَّـة، والريحْ

وغِـيابِ الفَراشاتِ على أفُـقِ الذِّكْرى.

6

رغْم نُـدَفِ الـثـلْـج..

على هامِش المَعْنى

أتـَـدفــَّأ بالأخْـيـِلة

ولَهـيـبِ الرَّغْـبات.

7

أسـْتَجيـرُ بذكرى جَمـرات ِ العمر ِ

لأصونَ ماءَ وجْـه النَّار

مِـنْ غـَـدْر الرَّمادِ

في مَـوْسِـم الـقـَرِّ، والخـيـباتْ.

8

أنْـهَـبُ أسْـفـَلتَ الـطُّـرُقات

ولا أبْـلُـغ سـدْرَة الوُصول

إذْ تَـلـْتـبِـِسُ العَلاماتُ

يَرْتحِل الخَطْو مِن غيْرِ دَليلْ

إلى آخِر نُـقـْـطةٍ مِنْ شَغَـف الوُقـوفْ.

9

لـي حُـتـوفي كَـما الموْت

وَلـي قُـطـوفي،

يانِـعَـة عَلى شَجـر الرُّوح

أوزِّعُها عَلى طَبَقِ الأحْباب؛

وأغـادِرُ بُـستانَ الكلام؛

أفْـتَـحُ بـابـاً أغـْلـَـقَـَه وَجَعُ الحياةْ.

 

يـَـدٌ هَــدَتـْـني إلـَـيَّ.
يَــدٌ

حـالَ بـيـْني وبـَيـْنـها لـيْـلٌ لُـجِّـيٌّ

لـمْ أعُـدْ أراها فـي بَـهـاءِ الـتّـَـلْـويـحِ

وخَـفـْـق الـمـَناديـل،

على رَصيفِ الأهـْواءْ.

 

يَـدٌ أرْغَـب في أنْ تـُـمَـدَّ لـي

كـيْ نُـصافِـحَ فـيـها سَـلامـاً وَأدْنـاهُ..

بلا ذنـْب ٍ جـَنـاهُ.

 

يَــدٌ تـَحِـنُّ إلـيْـها يَـدي

فـي صـَقـيـع الـعـُمـر

تـُـقـعِـدني أصابِعي الْمَعْـروقَة

عَـنِ اشْـتِـبـاكٍ جَـلـيـل.

 

يَـدٌ

رَبّـتَـتْ عَلى شَعَـري طِفْلاً صَغـيرًا

وأنـا تائِـهٌ فـي مُـنْـعَـرجـاتِ وَشْـمِـها

أتـَـقـصَّى أحْـوالَ الْخُـرافَـة

بِلا دَلـيـل.

 

يَـدٌ

كَـسَرتْ شَـفافـِيّـة الـرُّوحِ

بِـصَفْـعـة ألـيـمَـة

ومازِلْـتُ أُرَمِّـم الشُّـروخ..

أتـَغـاضى عـن صَـدى يَـنـوح.

 

يَــدٌ

هَـدَتـْـني إِليَّ فـي أقْـصَى' الضَّلالَة

لِأبـوحَ بِـسَريـرَة الـْيَـقـيـن؛

بالإشـارة..

والحـَرف الـمـُبـيـن.

 

شكرا لكـلِّ يَـد ٍ

لـم تـغـفـَل حَركاتـُها عـنيّ

خـَوفَ أنْ يـَزلَّ بـي حـُلـمي

في مَهاوي الـعـُمـر الـسـَّحـيـق.

 

شـكـرا لـَها..

إذ ْمـا تـَزال تـُـلوِّح لـي، على مـَشارف أفــق ٍ

أرْجُـوانـي الـشـَّفــَقْ

كـيْ لا أضِـلّ عـِنْ هـِدايـة الطـريـقْ.

عَــناصِر آهِــلـَـة بالخُــرافـَـة.
بــابٌ

أقـرعُ بـابـا مُواربا،

على وقـْع صَريـرفـي الـذاكـرة.

وأرقـبُ انـْفـراجَ الـفِـناءَ،

عـلى دَبـيـبِ حـيـاةٍ آهـلـةٍ بـالـخـُرافـةِ؛

والـرُّؤى الـعـابـرة.

لـكـنْ..

يَـعْـقـبُ انـْتـِظـاري صـَمـْتٌ رهـيـبٌ؛

وانْـحِـجـابُ الـغــُرَف الـسَّـاحِـرة.

ألـمْـلـمُ خَـطـْوي؛

وأكـِـرُّ إلـى نِـسْـيـانـي الـجَـلـيـلِ.

كـأنِّـي مـا قـَرعْـتُ بـابـاً،

ولا سَـمِـعْـتُ صَريراً؛

تـوَخَّـيْـتـهُ يُـفـْضـي،

إلـى مَـدائـنِ طِـفـْلٍ، لا يـَزالُ يَـلـْـهـو،

بـِعَـتـْبـَة دارِنـا الـغـابـِرة.

كـــأسٌ

تـَهـْرقـُهـا يَـدُ الـنِّـسْـيـان،

قـبْـلَ ثـمـالـَةِ الـحُـلْـم.

الـكـأس الـتـي أمْـلـؤُهـا بِـِشـَرابِ الْـخَـيـال؛

 

أسْـكـُبُ فـيـهـا شَـرابَ الـعُـمْـر،

بِـألـْوانٍ وطـُـقـوسٍ.

كـأسٌ لا تـُعـوِّض شَـهِـيَّ انْـسِـكـابٍ؛

ودِفْء جُـلـوسٍ إلـى صـيـنِـيَّـةِ الأحْـبـابِ.

كـأسٌ..

أتـْرَعْــتـُها بـِآمـالـي.

فـَرغَـتْ، وأبْـقَـتْ لـي ظَـمَـأ الأحْـوالِ.

أغْـبـِطُـنـي، الآن، فـي الـكـَأسِ ؛

خـالِـيـاً مِـن نـَقـصي وحِرْماني؛

عَـلـى غـيْـرِ مُجْـرَيـاتِ الأَحْـوالِ.

 

كـلـمـاتٌ

كــما لـوْ أنَّ الـكـلماتِ،

عَـبَـرتْ إلـى ضـفـَّةِ الْـخَـرَس.

خَـلـَّفـتْ لِـسـانـي،

فـي خِـضَـمِّ الـسُّـكـوت الْـعَـمـيـق.

جِـسْـرُ الـْكـَلـمـات تـهـاوَى'،

وقـاربُ أحْـلامي مَـكْـسـور؛

ولا حـيـلَـة للـرُّبـانِ، فـي خِـضَـمِّ الـْعَـتـَمـات.

فـي غـِيـاب الـكـَلـمـات،

بِـمـاذا أخـيـطُ جُـرْحَ الـعـالـَم؛

أكـْسـو عَـوْرَة الـحُـلْـم،

فـي قَـرِّ هَـذا الـوَقـت..؟

بِـلا كَـلـمـاتٍ،

كـأنِّي فـي عَـمـاءٍ، أُخْـرجُ حُـلـْمي؛

فـلا أرى ضَـوْءَه يـَشِـعُّ فـي الأنْـحـاءِ.

 

اَلـكـَلـماتُ حَـبْـلُ نَـجـاتـي؛

لـيْـتـَهـا لا تـَقـْصُـرفـي بِـئـْر الـمَـعْـنى؛

تـرْفـَـعُـني مِـنْ بَـرْدِ الـقـاعِ.

 

كـَـلـمـاتـي كَـلـمـاتـي،

نـَبـْض الـسـيـرة ِ،

فـي ذبـول أوْراق الـحـَيـَاة.

بِـدونِـهـا يـَكـْتـُمُ لـيـلُ الخـَرَس،

ضَوْءَ الإحـْسـاسِ.

يَـضـْمُـرفـي قَـلْـبـي الأمَـل؛

تـَلـْبـسُـنـي كـلُّ الـعـاهـاتِ.

 

هـا أنـا، أرْكـَب صـَبـْوتـي،

وأمْـضي فـي يـَبـابِ الـمَـعْـنـى.

تـَقـودُنـي كـَلِـمـاتـي،

إلى ما تـَعـتّــق مـن طـفـولـَةٍ وأهـْواء؛

فـي خـَوابـي الـخـرافـة،

وسـالـف الأبـْهـاءْ.

-----------------------------
النصوص الشعـرية مخـتـارة من سنة 2016/2017