يستعيد الشاعر العراقي هنا عذابات تجربة التجنيد منذ عقود حينما كان للعراق جيش، والزج بشباب العراق في أتون حروب قديمة. فتبدو التجربة على صعوبتها ترفا بعد أن مرت مياه كثيرة تحت الجسر، واشتعل العراق كله بالدمار الأميركي منه والطائفي، بالصورة التي تبدو معها أيام المعاناة من سياسات خاطئة أياما رخية قادمة من أعماق زمن سحيق.

بيرية في كيس

سماري إبراهيـم

 

السلام عليك يا أيها الجندي

يوم

ذهبت الى دائرة تجنيد المشخاب

ويوم

حلقوا شعرك الاشعث الطويل

ويوم

ارتديت بدلة البحرية البيضاء المخططة ياقتها بالأزرق

ويوم

هزء منك المارة في اجازتك الأولى ورماك صبية محلة الحرية في

الكرخ بالحجارة وهم يهزجون

ــــــــــــــــــــ أأأأأأ تخبل

ــــــــــــــــــــ أأأأأأ تخبل

ويوم

صرخ بك الضابط الموصلي المتعجرف

ــــــــــــ ارتدي بدلة الكاكي يا قشمر

ويوم

قصصت عنق بساطلك الأسود الثقيل من الكاحل لتخفف من وقع خطوك على اديم الأرض

ويوم

أحرقت كتبك الضالة طلبا للدفيء في (النقطة الخارجية) في أم قصر

ويوم

ذبت في منهدة سميراء الزنجية في غبشة (الداكير)، غابتها زعفران ومسك وهال ولألئ محار غديرها سود وفي قطافها مصابيح وتحت دواة حبرها مماحي

ويوم

دهس الضابط السياسي جهاز مذياعك الترانسيستور الصغير حين رآه ملتصقا

على أذنيك وأعدت ترتيبه في علبة سردين مرمية قدام عنابر نومك فيما

تعالت ضحكات مكتومة

ويوم

سألك المحقق هازئا عن معنى اسمك فطفقت تبحث في كسر الرقم السومرية

وفي بقايا المخطوطات المحترقة وقواميس اللغات المندرسة ومعاجم الأسماء

المقلقة والاختام الأسطوانية المتدحرجة فوق الطين

ويوم

انزلت دلوك الى أعماق بئر عليوي في وادي السلام في النجف الاشرف لتقيس

حرارة ماءه الممسوس الصافي البارد قبل غسل جثة أحلامك على دكته وشية ما

ويوم

اقتادك ضابط الامن السياسي ليأكلك القمل الأبيض في الشعبة الخامسة في المحيط الاسود المتقوقع على ضفاف دجلة في الكاظمية

ويوم

ارتطم راسك بسقف سوق الهنود في العشار في البصرة بينما تتأبط كتبك الهرطقية وقدماك يخطان الأرض ببسطالهما المقصوص من دون اكتراث لضوع البهار الذي بشج انفك من دون هوادة

ويوم

اعياك تدافع الجند اثناء محاولتك الصعود الى الحافلة ليلة الهجوم على لسان عجيردة لتنام على المصطبة بمرآب النهضة وسط بغداد حيث يأتي الجنود بعيون ملتاعة وقلوب مرتابة وخطوات مترددة من كل حدب وصوب لتخطفهم العجلات لمصائر مجهولة فيما يعكر نومتك تناشز إيقاع بساطيل جند الانضباط العسكري ذوي البيريات الحمر مع إيقاع اغنية سلامات سلامات يا حبيبنا يا بلديات التي تشنف اذان الجنود مع آذان العمال المصرين الذين جيء بهم لسد الفراغ المريع في مربعات الوقت الضائع

حتى

إنك بين هنيهة وهنيهة تكاد تغفو لتحلم بانك في جزيرة لا حلم لها سوى إنك ستحلم بحلم لا حد لحلمه

حتى

إنك تتأسى حين يعلو صوت الاغنية سافروا معاك كم واحد لم يوحشنا منهم واحد الا من يتكور وحيدا على مصطبة النهضة ببغداد

حتى

إنك تتبرم حين يلكزك الانضباط العسكري بعصا تبختره (البورسعيد) ان

ــــــــــــــ انهض يا ابن ال.............

لحظة صياح عامل الشاي المصري

ــــــــــــــ واحد شاي وصلحوا.............

والسلام عليك

يوم

حملت المطرقة بدلا من تمثال العامل فوق منصته في ساحة ام البروم بعد ان اضناه التحديق في موضع اعواد من غدروا جهرا ليشاهد فلم الموسم في سينما الكرنك متحفزا بانغام ناي (تومان) فيما يستمني الجنود على بطلة الفلم المتقاصرة السراويل بضراوة

ويوم

أوصلت طرف الجسر الجمهوري بمدينة العمارة (ببشت –انسان) فجرا لترى ام جدب ابن طوفان صورة وليدها بالقمر وسط ريبة وهمهمة المارة وقبل أنتين من صياح الطيطوى فوق عتبات البيوت الخفيضة

ويوم

كنت تنام عند نزولك البصرة في الغرفة السرية للطلبة الشيوعيين في البجاري المترعة بأقواس قزح محضورة من دون اكتراث لتبعثر اشلاؤك الغضة قبل ان يغيبوا الى الابد ويستشيط الحنين وهو يحبو في الدروب نحو مهرجان المدينة

ويوم

تشوي الكلمات باسياخ القصائد في صيهودة ليل الثكنة وانت جالسا على ساحل الخليج متأملا نجمة الافاق الطريدة

ويوم

القوك موثوقا لتسامرك الخراتيت تحت السلم الحلزوني في ليل الثكنة فيما هرعوا يبحثون في خزانة ثيابك عن كتاب جمهرات الأحلام ومعادن الكلام الجزء السابع باب الطيرة لابن سمرويه الممنوع من التداول عند الكافة

ويوم

حشرت في مقطورة الحمل الحديدية الإنكليزية الصنع المرمية في زمهرير حامية الشعيبة العسكرية مع سبعة وسبعين جنديا مارقا لتمطر انفاسكم على رؤوسكم حتى فجر ذات غوغاء

ويوم

وقفت بالطابور لتضاجع الغانية بحي الغجر بالفوار بمدينة الديوانية فخذاها بضتان من غبش وليل وما بين حقويك تختض غابة من غصون الغضا بيريتك في الكيس ونبضك طبل وانفاسك نفير

والسلام عليك

يوم

كنت تنام سكرانا على سلة الحقائب بالقطار من المحطة العالمية ببغداد الى محطة المعقل بالبصرة متوسدا اضغاث كتبك المستريبة فيما يتطاير من اوراقها ريش كثير

ويوم

عببت (الفودكا) التي سرقها الجنود من السفينة السوفياتية الجاثمة في الخور ابان حرب الخليج الأولى رايتها القانية تخطف الانفاس ويختال الضابط السياسي بأيقونتها فيما يهرس انابيب اصباغ مدينتك الفاضلة مع انابيب معاجين اسنانه وحلاقته ببسطاله الأحمر اللامع بشراسة

ويوم

تأتأت ليلة طلبك من الضابط سر الليل فهرولك من بوابة النظام حتى بوابة الفوضى

ويوم

كنت ترفع الجزر بالرافعة الشوكية لتنقذ المد من الغرق

ويوم

أوصلت البريد السري من المزنرات بالرصاص الوديع اللائذات بحنايا النبع الى النافخين في مزامير القصب لتهدئة روع المصب

ويوم

خبأت بندقيتك تحت سريرك بعد ان زيتها خوفا من التنمل حتى يوم التسريح

ويوم

رقصت على خشبة ملهى انكيدو في شارع الوطن في البصرة مع وردة المصرية عصاها المفضضة بين جبهتيكما وقدها المياس ينهش بعيون الجنود وقلبها الرؤوم في شارع الهرم بقاهرة المعز يتأوه

ويوم

ملأت جيوب بنطالك الكاكي بقصاصات الجرائد حتى انتفخت فيما تذرع باحة المسفن التوافقي المطلية بهاجرة الشمس اللاسعة ذهابا وجياء لتجثو السفن على الكونكريت بينما تبحر رؤاك الى بحار ليس لأعماقها من قرار

ويوم

صممت النصب التذكاري للبحار الغريق وعنفك ضابط التوجيه السياسي

ـــــــــ لا تقل غريقا بل بطلا يا ول

ويوم

تسرحت وكان عليك ان تسلم

1ــــــــــ بندقيتك المزيتة منذ خمسة أعوام وستة أشهر وستة أيام الى المشجب مع سبعة وسبعين اطلاقة مع مخازنها الأربعة بالتمام والكمال

2ــــــ بيريتك التي خبأتها يوما في كيس وارتديتها سهوا مع ثيابك المدنية وانت تجوب ازقة بغداد وسط تهامس وتلامز وتغامز المارة

3ـــــ نطاقك الذ ي خلعته يوما بأمر العريف حين قدمك مذنبا بسبب تمنطقك مع نخلة بسروال واحد

4ــــــ الرافعة الشوكية الي بعهدتك بعد رفع علبة السردين الترانسيستور من مخبأها الى رحبة العجلات

5 ــــــــ مطاره الماء المعدنية بعد ان افرغت منها الدموع في كيس نايلون لم يزل معلقا على جدار غرفة نومك

6ــــــ بدلة البحرية البيضاء المخططة ياقتها بالأزرق بعد غسلها من الضحك

7 – قناع وجعبة الكيمياوي بعد تغريمك قيمة انبولة الطيرة المفقودة لأسباب غامضة

7ـــــ البطانية المقلمة بالأخضر والأبيض كثياب سجين

8 ــــ بسطال مقطوع بحثت عن رقبته طوييييييييييلا