يقترح الشاعر العراقي، حميد الحريزي، هذه التوليفة الدالة من خلال زيارة غير عادية للمقبرة، حيث يرقد الشهداء الحالمون بالوطن وبالحياة والذين اختارت تلك الآلة الجهنمية أن تسلبهم إرادة الوجود، يلتقي هؤلاء جميعهم في نعوشهم حيث أجسادهم مسجاة في الغياب، لكن الشاعر هنا اختار أن يستعيد الجميع وانتصر لحقهم في الوجود.

قصيدتان

حمـيد الحـريزي

 

1. صَدِيْـــقِي الشَّاعِرُ
صَدِيْقِي الشَّاعِرُ

هَيَّا بِنَا نُقَامِرُ

هَيَا بِنَا لِلْمَقَابِرِ

نَصْنَعُ مِنْ الْأَقْلَامِ جَنَاحاً

لَا يُطَاوِعُ الرِّيْحَ

نُسَائِلُ الضَّرِيْحَ

فِي كُلِّ الْمَقَابِرِ

نَزِيْلُكَ بِكَمْ جُرْحٍ جَرِيْح ؟؟؟

هَلْ مَاتَ حَرْقاً ؟؟

هَلْ مَاتَ شَنْقاً؟؟

بِأَيِّ ذَنْبٍ قَتَلُوهُ ؟؟

***********

الشَّاهِدُ الأَوَّلُ :-

تَجَاوَزَ عُمُرُهُ الْعِشْرِيْنَ

كَانَ يَحْلُمُ

أَنْ يُحِبَّ

وَيَتَعَلَّمَ

كَانَ يَحْلُمُ

أَنْ يَسْكُنَ فِي بَيْتٍ مُرِيْحٍ

كَانَ يَحْلُمُ

أَنْ يَقُولَ مَا يَشَاءُ

أَنْ يَنعَمَ بِالضِّيَاءِ

كَانَ يَحْلُمُ

أَنْ يُعَاكِسَ الرِّيْحَ

كَانَ يَحْلُمُ

أَنْ يُعَانِقَ الشَّمْسَ بِلَا خَوْفٍ

كَانَ يَحْلُمُ

أَنْ يُلَوِّنَ الْحُرُوفَ

كَانَ يَحْلُمُ

أَنْ يُعَانِقَ الضَّرِيْحَ ..... فَقَتَلُوهُ

***********

الشَّاهِدُ الثَّانِي:-

كَانَ مُغْرَماً فِي الْغِنَاءِ

لَا يُحِبُّ

الْمَدِيْحَ وَالرِّثَاءَ

يَحْلُمُ

أَنْ يَطِيْرَ بِلَا رَقِيْبٍ

يُقَبِّلَ النُّجُومَ فِي السَّمَاءِ

يُحِبُّ شَذَى الزُّهُورِ

يَعْشَقُ الْعِطْرَ

يَأْنَفُ

الزَّجْرَ وَالأَمْرَ

يُكَلِّمُ الطُّيُورَ

فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ

يُعَانِقُ الضِّيَاءَ .... فَقَتَلُوهُ

***********

الشَّاهِدُ الثَّالِثُ :-

يَعْشَقُ الضَّفَائِرَ

يَجْمَعُ الأَمْشَاطَ وَالْحِنَّاءَ

يُغَازِلُ الضِّيَاءَ

يُسَبِّحُ بِإِسْمِ

الْمَاءَ

يُصَوِّرُ الْمَنَائِرَ

يُشَذِّبُ الْفَسَائِلَ

يُفَلْسِفُ الْوجُودَ

يُلَاعِبُ الْأَطْفَالَ

قَالُوا

إِنَّهُ ثَائِرٌ .......... فَقَتَلُوهُ

***********

الشَّاهِدُ الرَّابِعُ :-

كَانَ

شَغُوفاً بِحُبِّ السُّرُوجِ

يَمْتَطِي الْخَيْلَ

يُغَالِبُ الَلَيْلَ

وَيُسَابِقُ الرِّيْحَ فِي الْمُرُوجِ

أَرَادَ أَنْ يُنْصِفَ الْفَقِيْرَ

يَطْمُرَ الْفَقْرَ

يَقْهَرَ الْقَهْرَ

عَشِقَتْهُ بِنْتُ الْوَزِيْرِ

أَعْلَنَ الْعَرْشُ النَّفِيْرَ

رُبَّمَا

تَنْقَلِبُ الْأُمُورُ

وَتَمْلَأُ الْأَحْلَامُ الصُّدُورَ

تَتَطَاوَلُ الْأَكْواخُ

لِتَبْلُغَ الْقُصُورَ

مُوَلِّدُ الَأحْلَامِ ... لَابُدَّ أَنْ يَمُوتَ

***********

الشَّاهِدُ الْخَامِسُ:-

أَكْثِرُوا

مِنَ الْأَقْلَامِ وَالْأَوْرَاقِ

أَنَا

أَنَا شَقِيٌّ مِنَ الْعِرَاقِ

تَلَبَّسَنِي

«قَرْمَطُ» شَيْخُ الثَّائِريْنَ

مَزَّقَ

الْعَصَائِبَ

أَرَانِي الْخَرَائِبَ

وَأَسْمَعَنِي الْأنِيْنَ

فِي السُّجُونِ وَالزَّنَازِيْنِ

لِسَلَاطِيْنِ

آلِ

أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ

نَسْجُدُ لِلْخَلِيْفَةِ

وَنَقْطَعُ الْأَنْفَاسَ

هُمْ وُكَلَاءُ اللهِ ، وَالنَّاسُ الْعَبِيدُ

أَطِيْعُوا السُّلْطَانَ

وَاتْرُكُوا الْأَمْرَ

لِيَوْمِ الْوَعِيْدِ

مَنْ أَرَادَ فِي الدُّنْيَا الْحِسَابَ

لَابُدَّ أَنْ يَمُوتَ

***********

الشَّاهِدُ السَّادِسُ :-

أَنَا شَاهِدٌ

وَأَعْلَمُ الْيَقِيْنَ

أَنَا شَاهِدٌ

مُنْذُ آلَافِ السِّنِيْنِ

أَنَا جِئْتُكُمْ مِنْ

سَوَمَرَ وَمِنْ أَكَدٍ

قَوْلٌ مِنْ أَلْفِ جَدٍّ

وَجَدِّ جَدٍّ وَوَلَدْ

لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ

وَنَحْنُ عَبِيْدٌ

لَهُمْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ

وَلَنَا النُّحَاسُ

وَالْحَدِيْدُ

نِسَاءُنَا جَوَارٍ فِي الْقُصُورِ

لَهُمْ الْإِمَارَةُ

وَلَنَا الْخَفَارَةُ

وَكُلُّ مَنْ بَعْدَهُمْ مِثْلَهُمْ

كُلُّ التَّارِيْخِ زُورٌ

خُذُوا الصِّدْقَ مِنْ أَفْواهِ

الْقُبُورِ

لِأَجْلِ هذا قَرَّرْتُ أَنْ أَمُوتَ

***********

الشَّاهِدُ السَّابِعُ :-

أَكْمَلَ

شَهَادَاتِ سِتَّةِ قُبُورٍ

ثُمَّ هَوَى فِي الْقَبْرِ السَّابِعِ

 

2. كِلَابُ الرُّوْحِ

هَائِجَةٌ كِلَابُ رُوْحِي

يَسْتَفِزُّهَا الظَّلَامُ ، وَقُطْعَانُ الّلُصُوصِ

ذَوَتْ شَرَايِينُ الْقَلْبِ

تَسْتَنْزِفُهَا

الْجِرَاحُ

تَنَمَّرَتِ الثَّعَالِبُ

لَمْ يُخِفْهَا

نُبَاحُ

الْأَرْوَاحِ

*******

تُقَبِّلُ النَّمْلَ أَنَامِلِي

عَلَّهَا

تَدِلُّهَا عَلَى أَبْوَابِ الْجُحُورِ

مُذْ

قَطَعُوا رَأْسَ الشَّمْسِ

مَسٌّ

يُطَارِدُنِي ،

أَسْرَابُ جَرَادٍ

مَطَارَاتُهَا

مَآقِي الْعُيُونِ

أسْدَلْتُ عَلَيْهَا رُمُوشِي

فَأَصَابَنِي

الْعَمَى

************

أَسْمَالُ

الْمَوتَى

مَلَأَتِ الْأَسْوَاقَ

عَسْكَرَ الْهَمَّ

فَي

سَرَادِيْبِ الصُّدُورِ

بَيَّضَتِ

الْعَنَاكِبُ

فِي

تَجَاوِيفِ الْأَدْمِغَةِ

فَقَيَّدَتْ

شِبَاكُهَا أَجْنِحَةَ

الْكَلِمَاتِ

***********

الدِّيَكَةً

خَتَنُوا أَعْرَافَهَا

أَمَرُوهَا

أَنْ تَبِيْضَ

فَفَقَدَتْ

أَصْوَاتِهَا

فِي بُلْدَانِ السَّلَاطِيْنِ

الْقَمَرُ

يَمُوتُ نَزْفاً

بَيْنَ فَكَّي حُوْتٍ

يَهْزُجُ لَهُ الْجُمْهُورُ

كَيْ يُسْرِعَ

فِي ازْدِرَادِهِ

لِتَمْرَحَ

الْخَفَافِيْشُ

********

تَبْحَثُ السَّعَالِي عَنْ

عَرِيْسٍ

تَبْحَثُ الطَّنَاطِلُ عَنْ

عَرُوسٍ

فِي بِلَادٍ

لَا يُسْمَعُ فِيْهَا سِوَى صَفِيْرُ

الرِّيْحِ

عِبْرَ تَجَاوِيفِ الْجَمَاجِمِ

الْمُثَقَّبَةِ

********

تَنْتَحِرُ

الزُّهُورُ

حَيْنَ يَكُونُ سَمَادُهَا

عِظَامَ

أَطْفَالٍ

سَلَبَهُمْ الْجُوعُ زَهْرَةَ

الْحَيَاةِ

دَفَعَتِ الْعَنَادِلُ ذُرُوقَهَا فَوْقَ

تِيْجَانِ

الْمُلُوكِ

وَغَادَرَتْ

صَوْبَ بَسَاتِينٍ قَصِيَّةٍ

تَتْبَعُ

أَسْرَابَ

نَحْلٍ

هَارِبَةٍ

********

تَعَوَّدْ

عُوَاءَ كِلَابِ

الرُّوْحِ

أَوِ اسْكُبِ الدَّمْعَ

لِتَرْوِي

بَرَاعِمَ

الزُّهُورِ

أَوْ فَتِّشْ لَكَ عَنْ مَأْوَىً

بَيْنَ

مَلَايِينِ

الْقُبُورِ