يكتب الشاعر المغربي، محمد شاكر، كما يرسم بورتريها لرجل يلامس العدم اليوم، حيث لا مناص له من الإمساك بمجازات الكتابة ودروبها وآمالها، الرجل نفسه الذي يحمل تفاصيل السؤال الأبدي للوجود، وهو يحاول أن يتلمس، من ظلال الشاعر، كينونته بين الحضور والغياب. لذلك يخط له الشاعر هنا، سكنا وملاذا لعل فيه بعضا من ديمومة البقاء، وآملا أن تجد له اللغة فضاء للحياة.

الرَّجــلُ الـذي غـامتْ رؤاهُ

محمد شاكر

 

لهُ يَدٌ فيما مَضى

وهَمٌّ في المُقبل ِ

ولا شَيْء في حاضِر الخـَيباتْ

الرَّجلُ الخالي مِن فـُرص الحَياة ْ.

لا حَظّ لهُ..

أمْسكتْ به شُرطة الكلام ِ

مُتلبِّسا بأذيال اللغة..

وسُوء الحالْ.

 

رأيْتهُ

يَهشُّ عَن شَاشة حُلمِه

هَوامّ ليْل ٍ

يَـرغبُ في وُضوحِ الصُّورة

الرَّجل الذي..

غامتْ رُؤاهْ..

غَـطَّى بظلِّه بَصيصَ الأملْ

مَحا خـُضرة المَكان

الـذي أزاحَ الرَّجلَ

مِن سيرة الأحْلام .

 

ومَع ذلك..

التاريخُ يُعيد تـَرْميم أعْطابه ِ

رجُـلٌ..

تـفـَسَّختْ أحوالهُ

في بـِرك الـتـشْويش الآسِنـَةْ.

في  انتظارهِ، هوَ لا يـَيـْأسُ

وإنْ تـَماطلوا

الرَّجلُ الذي..

يُعللُ الصَّبـرَ بالصَّبـر.

يَـبْخـلونَ عـليْه بـضَوءٍ

يـُجَلـِّيهِ في الحُضور

الرَّجل الذي..

يـَقـْبـَع في وقـِت ٍ عازل ٍ

لكنـَّهم مِن بعـده، يُـدبِّجـون مَـديـحًا

لا يَـعْـنـيـهِ

مَـرْضاةً لـهـمْ.

لو خـَيـَّروهُ ..

تأبَـط عُمرا غـابـراً

واسْتراحَ عِـند سَفـْح الطفولة

بـِكامِل الطراوةِ ..

والبهاءْ.

النـََّهارُ خارجَ التـَّقويم

ما تـَهجَّى غيـْمهُ..

رجلٌ..

يُحاصِره المَحْـوُ في أقـْصَى الحَنين.

يـَتداركُ أمانِـيَّهُ..

يَـمْسح غِـشاوة َ الـيَـأس ِ عَـن روحِه

الرَّجلُ الذي..

يَعْشق وُضوحَ الوَطن ماثِلا ً

بَيْن يَديْه.

ما انـْهرقَ مِن كـَأس الحَياة

لا تـَحوشُه كـَفُّ الرَّغبة

مِنْ عَلى رمْل النـِّسيان ِ..

هَذا ما أسَرَّ لي بـه ِ

الرَّجلُ الذي..

لـَمْلمَ ظِلـَّه وغابْ.

قالوا ثلاثة:

الرَّجـلُ

والشـِّعـرُ

والشَّبـيـه ُ

هَلْ أتاك َ حَديثُ الـْوَلـهْ..؟

كأنـَّه ليْس وحْـدَه

تـُحيـط به ِ العُـزْلاتُ 

وأضْواءُ البـِشارة..

الرَّجلُ الذي..

يُـمْـلي لـهُ مِـن وَراءِ حِجاب ٍ

مَـوْلاهُ الشـِّعـْر.

واردٌ عَـلى بَـصيرتي

حاضِـرٌ في غِـيابي

يَسْرقُ صَوْتي لـِيـكونَ جَهـيـرا في الخِطاب

الـرَّجـلُ الـذي..

تـَطـْفـحُ بـه ِ الإشاراتْ.

لا أحد يَسْمَعُ هسيسَ روحه ِ

وهْو لا تـَنـْفكُّ عَنْ وجْهه المُضيء ِ

عـتـمـة الـرُّوح ِ

الـرَّجلُ الـذي..

تـَلبَسُه خَيباتُ الفـُصول ِ .

بعْض الظـَّن يُرْبكُ الخـَيال

ولا مَأمَن للحَقيقة

في دَهاليز الرَّجل الذي..

يـُوسْوسُ لي ، 

بعَكسِ ما يَجري به التَّـيـارُ.

كـلمَّـا أسأتُ الـظـَّنَ به ِ

تـَـلعـْثـمَتْ أشـْعاري

واعـْتـَراها الذبولْ

الرَّجلُ الذي يَسـْكـنُ سُويْـداءَ الحُـلولْ..

لـِظـَنـِّه ِ، احْتـِمالاتٌ شـَتـَّى

لـكـِنه.. 

لا يَـفـلـحُ في نــَسْـج خـُيـوط ِ

روايـَتـِه المـُثـلى'.

رسائلـُهم..

ليْستَ بالـقـَدْر الذي..

يَذبحُ أحْلامَ الرَّجل المُدجَّـج

بالـْعِشق الـْمَكيـنْ.

لأسْباب لا حَصْرَ لها،

يـَقـْبعُ في سِـرِّه ِ

كأيِّ حَلزون ٍ..

لا يـَتـْركُ لـَهُ أثَـراً خارجَ القـَوْقـَعة

الرَّجَلُ الذي خـَبـَّر أحْـوالَ العـَراءْ.

كلما اتـَّسعتْ وحْدتـُه..

زادَ انـْتباهُه ُ..

لِـداخـل ٍ يَـعُـجُّ بالـْحَيـاة..

الرجل الذي يُـسامِرهُ الليلُ..

في أعْـتى' ظُـلـْمتِـه ِ.

يـُشْعـِل في عـَتمة النـِّسيان..

احـتِمالاً.. لـَعلـهُ..

يَـلقـى أثـَرًا مِـن ذكرى

عَصفتْ بها رياحُ العُـمر..

الـرجـلُ الـذي..

 

يـتـوكـَّـأ عـلى عَـصا الـحَدْس ِ ِ.

لا لِسان..

ولا كلِمات

يَخوضُ في الصَّمت بأوْهام خـَرْساء.

يـُرمِّم صَدْع القصيدَة

في وَهـَن ِ الرُّوح

وخـَيـْبـة الكـَلام..

وهـْو، على بابِ عـَام ٍ

عليْه ِ بقية مِن أثـَر النـُّدوب

الـرجَّلُ الـذي..

يَـمسَحُ بالـرَّجاءِ وجْـهَ الـشُّحوب.

يـوجـِعـُه الـمَحْوُ

حيـنَ يَـصوغُ  أحْـلامَه، فـلا يُرجعُها

إلا كـَباقـي الـغــَيـْـم..

يَـحْجـبُ وجْـهَ السَّماء.

كـم قـالَ لي :

أفـْلسَتِ الكـَهانـَة ، يا صاحِبي

في سالِـف الـعـَهْـد ِ

فـمن يـرى الآن في عـَماءِ الأرْواح..؟

ولمْ أصَد ِّقْ بـَوْحهُ..

وهو مازالَ.. يُـسدِّد بـقـيـَّة الأمَـل ِ

لَـعله ُيُضيءُ..

غـموضَ الأمـام.

لا بُـد َّ مِن شِعر لـِزيـنة الطـريق

وقـُـبـْح المَجال

يمْشي به مُطمَئن الرَّغبات

رغـْم ارتباكِ الظـِّلالْ .

يـَفـْرحُ حين تـُسوِّيه الكلماتُ كما يَبْغي

يَطمَئـنُّ إلى بَهاءِ الإشارات

ويَـنـسى حـَزَن العُمر.

 

دائـِما، ثمةَ  شِعـرٌ يَسْكـنهُ 

هـَربًا مِن عـُرْي أيَّـام ٍ

وقـشعـَريـرة الـظـِّلال.

لا يَـكـفُّ عَن مُـؤانسَة العُـمر

بالصَّبـر والأناشيد

يَـمْضي إلى عُـزلـتِـه كـأيِّ مُـريـد.

للـظـّـَن ِ احـْتمالات شَتـَّى

لكني.. 

لا أفـْلح في نَسْج خـُيوط

روايَة الرَّجل الذي..

يَخـْلطُ أوْراقَ الحضور،

بالغيابْ.

 

شاعر من المغرب