يشكل الفن السابع جسرا إبداعيا للتعبير الحر عن قضايا تمس فئات واسعة من الجمهور، وقد اختارت مجموعة من المبدعات الفلسطينيات مجال السينما للتعبير عن آرائهن ومواقفهن والكثير من القضايا التي تواجههن داخل المجتمع، خصوصا في غزة حيث تنشأ محاولات أولية لصناعة سينمائية تقرب الجمهور من قصصهن ومعاناتهن اليومية والتمييز المجتمعي، ويشكل فيلم وطن أو محاولة قصة مصغرة للعديد من القصص التي لا تروى.

السينما تمنح شابات فلسطينيات فرصة البوح

 

تنشط شابات فلسطينيات من قطاع غزة في محاولة صناعة أفلام سينمائية تروي قصصهن ومعاناتهن اليومية من قضايا مثل التعرض للعنف والحرمان من الميراث والتمييز الاجتماعي.
"وطن" عنوان فيلم سينمائي قصير أنتج في غزة حديثا يستعرض قصة فتاة حرمتها ظروف الحجر الناجمة عن الإصابة بفايروس كورونا، وظروف حصار إسرائيل للقطاع من لقاء خطيبها المقيم خارج فلسطين.

ويعالج الفيلم ما تتعرض له البطلة من ظلم مجتمع له نظرة لا ترحم، وهي النظرة ذاتها التي يتناولها فيلم قصير آخر للمخرجة الشابة سحر لبد التي اختارت إطلاق اسم “محاولة” على الفيلم.
تقول لبد إن “الأفلام السينمائية تعد وسيلة للمرأة الفلسطينية لإيصال صوتها وإبراز معاناتها اليومية”.

وتوضح أن الفيلم الذي أخرجته ومدته أربع دقائق، عالج مشكلة عدم الإنجاب في غزة، وما تفرزه من ظواهر اجتماعية مثل حالات الطلاق أو تعدد الزوجات.

وتضيف أنها ومثيلاتها من الممثلات والمخرجات في غزة يحاولن إيصال صوت النساء للمسؤولين بشأن “الظلم” الواقع على المرأة الفلسطينية وضعف مكانتهن في المجتمع المحلي.

وفيلم “محاولة” هو الرابع للمخرجة لبد التي أصيبت بغصة لعدم عرض الفيلم حضوريا لتترجم عيون النساء وما يقلنه وهن يشاهدنه، بحسب ما تقول، مع تطلعها لإخراج المزيد من الأفلام التي تروي موضوعات متشابكة معقدة لتشارك فيها خارجيا.

وجرى عرض عشرة أفلام مطلع ديسمبر الجاري، فيما سمي بكرنفال الأفلام السينمائية في غزة بتنظيم من مركز شؤون المرأة بتمويل من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية.

وتم عرض الكرنفال عبر تقنية الإنترنت بفعل التدابير الوقائية لمكافحة تفشي جائحة كورونا وهي ظروف، كما يقول مختصون محليون، ساهمت بزيادة حالات العنف ضد النساء الفلسطينيات.

وخلال الكرنفال السينمائي الذي يقام للموسم الرابع، قدمت مخرجات شابات أفلاما تحاكي معاناة النساء في المجتمع الفلسطيني خاصة في قطاع غزة، وجاء تنظيمه ضمن فعاليات حملة لمناهضة العنف ضد المرأة.
وتقول منسقة كرنفال الأفلام السينمائية اعتماد وشح، إن رسالة الكرنفال تضمنت إبراز معاناة النساء الفلسطينيات خلال أزمة جائحة كورونا وما أفرزته من مظاهر زيادة العنف بحقهن.

وتشير وشح إلى أن فرض الإغلاق العام وحظر التجوال أحدث صراعا داخل الأسرة الواحدة ما دفع المخرجين والمخرجات المشاركين في الكرنفال للتركيز على هذا التطور عبر رصد الوضع الحياتي المستجد في قطاع غزة.

وتضيف أن الأفلام تتناول كذلك الواقع الصحي الذي تعيشه المرأة في ظل جائحة فايروس كورونا، وتبرز ضرورة دعم الإنتاج السينمائي للمرأة الفلسطينية، والنهوض بالحركة السينمائية في قطاع غزة وتشجيع المخرجين والمخرجات على الإبداع.

وتبرز مديرة مركز شؤون المرأة آمال صيام أهمية الأعمال السينمائية والإبداعية المختلفة في تعزيز الرفض التام لكافة أشكال العنف الممارس ضد النساء والضغط للمطالبة بإقرار قانون حماية الأسرة من العنف.
وتشير صيام إلى أن تنظيم الكرنفال السينمائي استهدف تسليط الضوء على أهم القضايا التي تعاني منها النساء في المجتمع الفلسطيني، لاسيما في ظل ظروف استثنائية يعانيها في ظل انتشار جائحة كورونا.
وتنبه إلى أن الأفلام المشاركة في الكرنفال ركزت على قضايا عديدة متمثلة في هجرة الأزواج، وتعدد الزوجات، وإجبار المرأة على الزواج، والحرمان من الميراث، والعنف والتمييز اللذين تتعرض لهما النساء وكفاحهن في مواجهة الفقر والثقافة الذكورية.

وتقدمت 27 فكرة لمسابقة كرنفال الأفلام السينمائية لهذا العام، اختيرت منها 15 فكرة، وبعد الإنتاج اختيرت 10 أفلام للعرض في الكرنفال.

لكن هذه المحاولات من إنتاج أفلام ومعالجة التدهور الحاصل في قطاع غزة تواجهها مصاعب وتحديات جسيمة بفعل انعدام التمويل وضعف صناعة السينما المحلية.

ويعاني قطاع غزة من حصار إسرائيلي مشدد منذ منتصف عام 2007 ويعاني سكانه البالغ عددهم زهاء مليوني نسمة ما خلف آثارا جسيمة على الأوضاع الاقتصادية والإنسانية لهم.
وكانت السينما مزدهرة جدا في غزة في خمسينات القرن الماضي عندما كان القطاع الساحلي يخضع للسيطرة المصرية. وفي حينه كان سكان غزة يرتادون دور العرض لمشاهدة الأفلام العربية والأجنبية المتنوعة.

ويظهر مبنى “سينما النصر” القديم في وسط غزة شاهدا على طول الانقطاع في العرض السينمائي في المدينة وسط ملصقات الأفلام المهترئة والجدران المحترقة.

ويقول المخرج السينمائي من غزة سعود مهنا لــ(د.ب.أ)، إن محاولات صناعة سينما في غزة لا تزال مقيدة في غياب شركات الإنتاج لذلك نرى دائما أفلاما قوية بالفكرة وضعيفة بالتنفيذ.
ويضيف مهنا أن “صناعة السينما بشكلها الحقيقي ليست الوحيدة الغائبة عن غزة التي تفتقد لدور عروض وما يوجد من مباني عرض قديمة أصبحت مهجورة بعد أن شهدت العرض الأخير قبل ربع قرن مضى”.

واضطرت معظم دور السينما وصالات العرض في غزة لإغلاق أبوابها عام 1987 بعد أن اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وبروز التيارات الإسلامية حيث أصبح السكان يخافون ارتيادها بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

وعند قيام السلطة الفلسطينية عام 1994 أعيد افتتاح داري عرض في غزة لكنهما سرعان ما أغلقا أبوابهما عام 1996 بعد اندلاع مواجهات بين نشطاء من حركة حماس” والأمن الفلسطيني.