هل ينطوي النص على مواجهة ما بين الذات المنشطرة والعالم؟ الذات هنا هي المتأملة للوجود، وهي موضوع للتأمل، تواجه نفسها كآخر عبر ضمير المخاطب، فتصبح محلا للفحص، تتراوح ما بين كونها حال من أحوال "غرفة الوحدة" وبين انخطافها للخارج، وتهرب من "عتمة الثقل الأبكم" بانتظار العزلة.

في انتظار العزلة

عبد الناصر حنـفي

 

في غرفة الوحدة قد لا تفلح ابدا -رغم المحاولات التي لا تنقطع-في الانشغال بأي شيء، بحيث سيبدو أن كل ما عشته قد القى ثقله داخلك ثم تطاير خفيفا ومبتعدا وعصيا على أي مطاردة، وكأنما لم يعد هناك ما يخصك سوى عتمة ذلك الثقل الابكم منعدم الملامح.

وقد يستغرق الأمر ساعات أو دهور قبل أن تتعثر في لحظة تركيز عابرة، وعندها لن تدرك ابدا ما هذا الامتلاء الأليف والدافئ الذي يغمر الغرفة فجأة، ولا من اين ظهر ذلك الكيان اللطيف والغامض الذي سيبدو وكأنه يتأرجح حولك هامسا بصوت لا يسمع إلا بوصفه صمت مفاجئ لصرير ذلك الثقل المنشغل بذاته، ومع انتشار هذا السكون تتشقق كثافة الوحدة المعتمة وتتراجع لتكشف عن لحظة انخطاف جامح تجاه "الانتظار".

يقين قاطع سيتصاعد ببطء أن ثمة ما ينتظرك خارج الغرفة، وكأن ثمة عالم ما يمر الآن بالمصادفة وتلك هي فرصتك الوحيدة للحاقه، وما أن تنتبه أكثر حتى تشعر أن هذا ما كنت تنتظره دائما لسبب ما، ثم ستفشل في العثور على أي إجابة أخرى مهما تساءلت.

في مرة ستندفع بلهفة إلى خارج الغرفة وستظل تدور بين جدران المنزل وكأنك تفتش عن شيء بعينه ... وستحبط.

وفي مرة ستنهض ببطء شديد وبلا إرادة وكأنك تساق إلى المرور بلحظة قاسية تعلم كيف ستنتهي بك ... وستحبط.

وفي مرة ستظل تقاوم الرغبة في النهوض، إلى أن تقنع نفسك أنك ستفعل هذا استجابة لرغبتك أنت في الخروج من الغرفة ... وستحبط.

وفي مرة لن تنهض ولن تقاوم ولن تقنع نفسك باي شيء ... وستحبط ..... لأنه في كل مرة ستستعيد الوحدة تماسكها الكثيف، وتفرض عتمتها القارصة بلا رجعة.

 ولن يتبقى لك من حالة الانخطاف تلك سوى سؤال قد يبدو تافها ومسليا أحيانا مثلما سيلوح وكأنه خريطة الخروج من تيه العزلة أحيانا أخرى:

"هل كنت ضحية تلاعب غامض وبلا هدف، أم أنك فشلت في الاستجابة لنداء ما؟"

ولأن هذا السؤال يترك نفسه للنسيان دائما؛ تتكرر حالة الانخطاف تجاه الانتظار بنفس العنفوان!

 

كاتب من مصر