يرى الكاتب أن الكاتبة التي احتفى الواقع الثقافي كثيرا بكتابها، قد جانبها الصواب في اتخاذ موقف واضح من موضوعها، وأنها تجنبت بشكل مقصود إدانة الكاتبة التي تقتفي أثرها، وتكشف لنا كثيرا من جوانب حياتها الغامضة، إدانتها على بعض مواقفها التي يرى أنها تستحق الإدانة وتضيء جوانب مهمة في الشخصية موضوع الدرس.

مالم تقلهُ إيمان مرسال في أثر عنايات الزيات

محمد عبد الفتاح السرورى

 

جهد ٌمشكور ذلك الذى قامت به الشاعرة والمترجمة إيمان مرسال فى تتبع  ملابسات حياة وأنتحار الكاتبة عنايات الزيات ... صاحبة رواية (الحب والصمت) والتى تحوّلت إلى فيلم سينمائي، لم يأخذ حظاَ من الشهرة ولم ينل حتى الإعجاب نظراً لضعف مستواه كما جاء فى متن الكتاب. وقد تطرقت الكاتبة إيمان مرسال لشتى جوانب حياة عنايات الزيات ولم تألو جهداً فى البحث والتقصى حول كل ما يتعلق بحياتها. وبالطبع لم يخلو الكتاب من التوغل فى الصداقة القوية التى جمعت الزيات مع الفنانة الراحلة نادية لطفى .. والتى كان لها دور كبير فى سبر أغوار بعض من حياة صديقتها. كما تطرقت مرسال إلى ظروف نشأة وتعليم وزواج عنايات الزيات، وعملها فى المركز الألمانى للآثار بالقاهرة. وبحثت وراء أى شاردة يشير إليها أحدهم فى حياة الكاتبة الراحلة. ولكن مالم تشر إليه إيمان مرسال فى أثر سيرة عنايات الزيات هو الإدانة. صحيح أن مرسال أشارت حين أوشك الكتاب على نهايته إلى كثيرٍ من علامات التعجب فى الأسباب التى أدت بالكاتبة إلى اتخاذ قرار بالإنتحار. ولكن هذه الإشارات خلت تماماَ من روح الإدانة للكاتبة المنتحرة. والحقيقة فإننى عندما أنتهيت ُ من قراءة الكتاب تواردت الخواطر على ذهنى، وبقدر ماكان فيها تعاطف – بالطبع – مع عنايات الزيات، إلا أننى لم أستطع أن أمنع نفسى من أن الشعور بمشاعر الإتهام للكاتبة الراحلة.

وهذه المشاعر السلبية تجاه الكاتبة عنايات الزيات لم تأتِ من فراغٍ، ولكن من المعلومات التى تضمنتها سيرتها المسطورة على صفحات الكتاب. فـ عنايات الزيات لم تعانِ من شظف العيش، وترعرعت فى كنف أبٍ رحوم. والدليل أنها لجأت إليه بعد ذلك  أثناء نظر قضيتها فى الإنفصال عن زوجها الطيار. وهناك لابد من وقفة لأن مهنتة الزوج – وبالتبعية شخصيته من المؤكد أنها كانت أبعد ما تكون عن الضحالة، والتى من الممكن أنْ نفترض أنها سبب فى معاناه الزوجة عنايات، كما أن الزوج وبحكم مهنته فهو بالضرورة يغيب كثيراً عن المنزل. وهذا معناه أن عنايات الزيات لم تعانِ من مشكلة الزواج الأزلية ألا وهى الملل الزوجى، بل العكس كان لديها فسحة كبيرة من الوقت كى تمارس هوايتها فى الكتابة بعيداً عن الضغط الناجم عن الوجود الدائم للزوج فى المنزل. ولم يشر الكتاب إلى أن الزوج قد مانع في عملها بالكتابة لأنها أصلاً لم تكن تحترف الكتابة، بل تمارسها هو  فقط  - الزوج - عارضَ عملها فى مركز الآثار الألمانى، وربما تكون تلك المعارضة بعد  إنجابها طفلها الأول والوحيد. أى أننا أمام زوج مرن وحالة زواج كان من الممكن أن تكون ناجحة، لذا فمن الواضح أن المشكلة لم تكن فى الزوج بل فى ذاتية الزوجة. وربما هذا ما يفسر تزمت الزوج فى منحها الطلاق، ربما لأنه لم ير أو لم يفهم ويستوعب سبب طلبها للانفصال. فجاء العناد فى رفض الطلاق كـرد فعل على تمسكها هى بالإنفصال غير المبرر من وجهة نظره.

ومن الواضح أيضاً أن عنايات كانت تعانى من صرامةٍ تجاه نفسها- إن جاز التعبير - وعنادٍ غير مبررٍ وغير مفهومٍ لأى أزمة  تواجهها والدليل على ذلك هو موقفها من نشر روايتها والتى يُعزى انتحارها الى رفض نشرها؛ رغم أن والدها عرض عليها نشرها على حسابها الخاص ولكنها رفضا فلماذا رفضت!! مر الكتاب على هذا الموقف – موقف رفضها - مرور الكرام ولم يوضح سبب رفض الراحلة لنشر الكتاب، رغم شدة أهمية هذا الموضوع  .. وهذا مالم تقله أيمان مرسال.

- عنايات الزيات هى أخت الكاتبة ذائعة الصيت لطيفة الزيات صاحبة الرواية الشهيرة الباب المفتوح والتى تحولت إلى فيلم سينمائى ناجح. ولأن المقارنة حتمية بين الأختين – ذهنياً وبطريقة لا إرادية – من الممكن أن يتكوَّن لدينا تفسير ولو إفتراضى عن شخصية عنايات فى أنها كانت ذات نفسية هشّة على عكس أختها لطيفة صاحبة الشخصية القوية. ويتضح ذلك من إجابتها المشهورة عن سبب زواجها من الكاتب رشاد رشدى، حيث أنها قالت أنه أستطاع ان يوقظ الأنثى داخها، وبالطبع فإن الكتاب لم يذكر الأجابة الأخرى التى – يقال- أن لطيفة الزيات قالتها والتى نالت بسببها التقريع والهجوم بشدة. وهنا يتضح الفارق المهول بين لطيفة التصادمية وعنايات الإنسحابية. (وتظهر تلك الروح المنهزمة داخلياً فى تلك المقتطفات التى تضمنها الكتاب لبعض مما كتبته عنايات).

لم تكن الكاتبة الراحلة تعانى من أى شئ اللهم إلا الإحساس بعدم تحقيقها لذاتها، وهذا الإحساس غير مبررٍ كما سبق. وأن أشرنا كذلك إلى أنها كما لاقت التجاهل والرفض، لاقت أيضاً المدح والتشجيع. ونجحت فى مقابلة بعض من أساطين الفكر والثقافة آنذاك، فلا مبرر إطلاقاً لأزمتها النفسية التى أدت لإنتحارها إلا طبيعتها الشخصية التى لاتميل إلى تحمل أى ضغوطٍ. عذراً لم أستطع أن أتعاطف مع صاحبة الترجمة الكاتبة التى اختارت الحل السهل فى الرحيل الإختيارى، رغم أن طفلها لا يزال صبياً دون الحُلم. وبالعودة إلى حياة عنايات الزيات نجد أن لها أب حنون ومتعاون ومقدرٌ لموهبتها، وأخوات جميعهن بنات – أى أنها لم تعانِ من سطوة الأخ كما كان معتادا فى تلك الحقبة الزمنية على الأقل – وكان لها زوج له مهنة مشرفة ولا يعمل بها إلا شخص ناضج نفسياً وعصبياً. ولديها طفل سليم معافى – أشارت الكاتبة إيمان مرسال الى وليد جليلة العلايلى الذى كان يعانى من بعض المشكلات فى النمو الذهنى وكانت إشارة موفقة وحتمية  – وعلى ذلك فلم  لم يكن هناك من سببٍ لإنتحار عنايات الزيات إلا أنها لم تحب الحياة. لا أقول حياتها ولكن الحياة نفسها. لم تكن مظلومة فى المطلق فقد خلا الكتاب تقريباً من الإشارة إلى أى ظلم بين تعرضت له – فـرفض نشر كتاب وخصوصاً إذا كان الكتاب الأول، لايمكن أن يؤدى بصاحبه إلى الإقدام على الإنتحار.

ونحن فى هذا المقام نتحدث بالمعايير المعتادة والبديهية – فلا مشكلة فى حياتها  اللهم ألا مشكلتها مع زوجها – مشكلات الزوجية والتى من الممكن أن تكون لها طبيعة عادية – ومن الممكن ان نستنتج أن مشكلة عنايات الزيات كانت وجود الزوج فى حياتها من حيث المبدأ، وليس بسبب شخصيته، بمعنى هى لم تحتمل وجود فاصل بينها وبين ذاتها، وخصوصاً إذا كان الفاصل شخص بل وله حقوق – أى انه لم يكن شخص عرض أو ظروف مؤقتة وماشابه. كما أن إقدامها على الإنتحار رغم يقينها من حاجة طفلها الصغير إليها يحملها بالإدانة ولا شك.

نعم لقد أشارت الباحثة إيمان مرسال إلى عدمية سبب انتحار عنايات الزيات، ولكن تلك الإشارة خلت من الإدانة، تلك الإدانة التى كانت يجب أن يتضمنها الكتاب، وذلك من قبيل العدالة فى السرد وفى ترجمة السيرة، وليس فقط الإشارة إلى عدمية السبب كما حدث. وحتى هذه الإشارة حملت الكثير من التعاطف ذلك التعاطف الذى يتعارض بالضرورة  مع مقتضيات الحياد الموضوعى فى ترجمة أى شخصية. وهذا مالم تقله الباحثة عن الراحلة عنايات الزيات.