اختار هذا المهرجان الفني أن ينفتح على الجنوب التونسي لنشر الثقافة المسرحية، من خلال عروض ولقاءات وندوات وورشات متخذا محورا دالا "دوز العربي للفن الرابع"، في هذا التقرير نتوقف عند العروض وما طرحته من رؤى جمالية الى جانب دلالة الانفتاح على فضاءات جديدة في أفق تنمية الذائقة الفنية والثقافية.

تونس: مهرجان دوز لنشر الثقافة المسرحية

 

مسرحية "عطش" ملحمة درامية تتداخل فيها تأملات الحكماء والمتصوّفين والمشعوذين للحياة ورؤيتهم للحقيقة ونظرتهم للحرية.

دوز (تونس)- شهدت الشهر الماضي فضاءات دار الثقافة محمد المرزوقي في محافظة دوز جنوب تونس فعاليات الدورة الـ16 لمهرجان دوز العربي للفن الرابع، التي تتواصل إلى الثلاثين من ديسمبر الجاري، مقدمة برنامجا متنوعا يجمع بين العروض المسرحية والندوات والورشات التكوينية.

وأوضح مدير هذه الدورة عبدالناصر عبدالدايم أن هذا المهرجان الذي تنظمه فرقة بلدية دوز للتمثيل بالشراكة مع المركز الوطني للفنون الدرامية والركحية بمحافظة قبلي ودار الثقافة محمد المرزوقي يهدف إلى إثراء المشهد الثقافي بالجهة، مشيرا إلى أن هذا المهرجان هو من التظاهرات الثقافية المختصة التي تقدم فنا بعينه يجسد مشروعا تتبناه فرقة بلدية دوز للتمثيل لنشر ثقافة الفن الرابع الذي يمثل أب الفنون.

مهرجان دوز العربي للفن الرابع يقتصر على عدد من العروض التونسية الموجهة للأطفال والكهول وعرض من مسرح السجون. كما بيّن المصدر ذاته أن مهرجان دوز العربي للفن الرابع تم بعثه بمناسبة الذكرى العشرين لإحداث فرقة بلدية دوز للتمثيل، وقد بلغ اليوم دورته الـ16 بحيث أصبحت له مكانة هامة في المشهد الثقافي بهذه الربوع، وأصبح له جمهوره الذي يحرص على متابعة مختلف فعالياته.

وأضاف عبدالدايم أن هذه الدورة تعتبر دورة استثنائية بسبب الظرف الصحي الذي مرت به البلاد وهو ما جعل هيئة المهرجان تقتصر على عدد من العروض التونسية الموجهة للأطفال والكهول.

وتشمل هذه الدورة عرض مسرحيات للكبار بداية بـ”عطش” لفرقة بلدية دوز للتمثيل وتدور أحداث المسرحية في الصحراء حيث يعيش الفرد في قبيلته على قيم متوارثة فرضتها البيئة الصحراوية. فتنشأ صراعات بينها وبين قبائل أخرى بعد توافد رجل غريب على القبيلة هو “الفقيه” وتسلّم مقاليد السلطة في القبيلة بدعوى تحرير أفراد القبيلة ومصالحتها مع القبائل الأخرى. وبمرور الوقت تنشأ مدينة على الأراضي القبلية وتفقد بذلك القبائل مكانتها وقيمتها وتصبح تحت سلطة المدينة الجديدة.

مسرحية “عطش” هي ملحمة درامية تتداخل فيها تأملات الحكماء والمتصوّفين والمشعوذين للحياة ورؤيتهم للحقيقة ونظرتهم للحرية، هناك في عالم الصحراء تتصارع القبائل من أجل بسط نفوذها وسيطرتها على أماكن تواجد المياه والمرعى، وسعي كلّ من أفرادها لتكديس الثروة والبحث عن الجاه.

كما قدم المهرجان عرضا لمسرحية “18 أكتوبر” لمركز الفنون الدرامية والركحية بتوزر والعمل نص بوكثير دومة وإخراج عبدالواحد المبروك، يقدم ما يشبه المرثية للثورة التونسية واليسار بشكل خاص، وتحيلنا الثامن عشر من أكتوبر إلى حركة سياسية نشأت في تونس سنة 2005 وجمعت الإسلاميين بشق من اليسار، وقد تبين ما بعد الثورة زيف هذه الحركات وانقلاب أطرافها على بعضهم البعض. أجواء سياسية واجتماعية مثيرة يكشفها العمل دون انحياز.

كما عرض في هذه الدورة من المهرجان العمل المسرحي “ذاكرة” لشركة أرتيس للإنتاج بتونس من إخراج سليم الصنهاجي، وتعود بنا المسرحية إلى فترة ما قبل الثورة وما عاشه المواطن من ذل ومهانة من قبل السلطة الحاكمة، حتى بعد انتفاضته ضد الظلم تحت غطاء الثورة يجد نفسه مرّة أخرى يقاوم ضد الفساد لفرض الحرّيات واحترام الذات الإنسانية وتحقيق العدالة التي أصبحت مجرّد حبر على ورق ولا تطبّق على أرض الواقع، خاصة وأن البلاد أصبحت بين أيدي الانتهازيين والطامعين في السلطة والمال على حساب المبادئ والقيم.

ويقدم العمل نقدا واضحا للطبقة السياسية، إذ ينبش الماضي في محاولة لمعالجة الوضع الراهن مستحضرا فترة سوداء عاشتها تونس بعد الرابع عشر من يناير، حيث عرفت اغتيالات وصراعات سياسية ساهمت في تدهور الحالة الاجتماعية والاقتصادية في بلاد صار فيها الاغتصاب والسرقة ونهب الأموال من الأمور العادية لا من حسيب ولا من رقيب، بينما السياسيون يتصارعون من أجل خدمة مصالحهم الضيقة ولا أحد يعمل من أجل الشعب الذي يعاني ويلات الظلم والاضطهاد والتهديد والفقر الذي استمر قبل الثورة وتكرّس أكثر بعدها.

كما عرض العمل المسرحي “غربة” لمركز الفنون الدرامية والركحية بمدنين، نص وإخراج حمزة بن عون وتمثيل لسعد جحيدر ونادية تليش. وتعتبر مسرحية “غربة” حفرا فكريا وجماليا في عالم العزلة الذي يعاني منه الإنسان من خلال شخصيتين محاصرتين بالفراغ واللامعنى في عالم  متحول.

أما عروض الأطفال فشملت العمل المسرحي بعنوان “راعي الصحراء” لمركز الفنون الدرامية والركحية بتطاوين، وهو من تأليف علي اليحياوي وإخراج عايدة جابلي، ويطرح موضوع الصحراء كفضاء بيئي تعبث به أيادي الإنسان عبر تجاوزات تكون آثارها خطيرة، مثل الصيد الجائر، بالإضافة إلى كونها حقلا معرفيا بامتداداته الجمالية والتأملية والشعرية.

كما كان الجمهور على موعد مع عرض جديد لمسرحية الأطفال “طنين” لجمعية مسرح الشعب بحمام سوسة. وأكد عبدالدايم أنه سيتم لأول مرة ضمن فعاليات هذا المهرجان عرض العمل المسرحي بعنوان “مرايا” بدار الثقافة محمد المرزوقي وهو عمل من إنتاج السجن المدني بقبلي وبطولة عدد من نزلاء هذه المؤسسة السجنية.  كما تضمن برنامج المهرجان أيضا تنظيم المخيم العربي للتربصات في فن الممثل تحت إشراف الفنان حسام الغريبي وفي مسرح الشارع تحت إشراف الفنانة نادية تليش، فضلا عن سهرة مخصصة للحديث عن مسيرة الفنان علي الخميري المسرحية والسينمائية.