يكشف الباحث المغربي عن آليات قراءة النص عند نصر أبوزيد، وكيف تنطلق من أنه نص لغوي لا يمكن أن يكون مفارقا لثقافة الجماعة، ويجب إخضاعه للنقد العقلي والتحليل العلمي، بصورة جعلت أفكاره محاولة جادة لإعادة قراءة التراث المعرفي الإسلامي قراءة جديدة ومغايرة عما هو سائد من اجترارات سلفية تقليدية.

آليات قراءة النص الديني عند نصر حامد أبوزيد

المصطفى عبدون

 

مقدمة
إن البحث عن مفهوم "النص" كتجلٍ للوحي، ليس في حقيقته إلا بحثا عن ماهية "القرآن" وطبيعته بوصفه نصا لغويا. يضعنا هذا البحث أمام إشكاليات جوهرية تتعلق بموقع النص داخل الحضارة العربية الإسلامية وبآليات قراءته وتأويله. ألا يكتسي النص الديني في الواقع الحضاري معادلة يصعب تجاوزها، مما يتم الإبقاء على محوريته في كل محاولة للتغيير؟ والحالة هذه يجب التنقيب عن آليات تطوير فهمه وتفعيله. كيف نتعامل مع قراءته؟ هل ينبغي دراسته استنادا إلى التحديد الأصولي الذي يُضفي عليه نوعا من التعالي والتقديس؟ أم أنه يجب علينا إعادة التفكير فيه بصفة علمية وبالتالي اعتباره صيرورة اجتماعية وتاريخية؟

وانطلاقاً من كون النص الديني يحمل دلالات عدة، ووجوها للتأويل متشعبة، فهل ثمة محاولات أُنجزت في هذا الشأن ونجحت في ترويض النص وحمله على التجاوب مع زمن الحداثة وما بعد الحداثة؟ وما هي رهانات هذه التجارب التأويلية؟ وإذا كان بعض المعاصرين قد اجتهدوا في تقديم مقاربات متعددة لفهم ظاهرة الوحي وقراءات معاصرة للنص القرآني، مستفيدة من طروحات المناهج العلمية والتقدم الفكري والمعرفي خاصة في مجالات التأويل، فهل في توظيفها لآليات الفكر الغربي في فهم الظاهرة الدينية والنص الديني خرق لحقيقة التراث؟ ثم ما علاقة التأويلية المعاصرة بنقد الخطاب الديني؟ وماهي حدودها؟

تتناول هذه الدراسة إشكالية قراءة النص الديني عبر رصد لبعض الكتابات العربية المعاصرة التي اعتنت بدراسة النص مبيناً أولا مفهومها للنص القرآني، وكيفية قراءتها له ثانيا، والوقوف على معضلات التفسير والنزاع حول الحقيقة، مركزين على الأطر الكبرى لهذه الآراء، دون الاعتناء بالجزيئات والتفاصيل الفقهية والأصولية. وقد حصرنا هذا البحث في بعض النماذج الفكرية المختلفة في الطرح وأساليب التناول ومنهج البحث، والمتفقة على ضرورة تكريس النزعة العقلانية في التعامل مع النصوص. سنقارب إذن محاولات نصر حامد أبو زيد، لكننا سنوجه هذا البحث إلى المواقف النقدية من هذه الأعمال، خاصة من طرف علي حرب وسنخصص فيما بعد بحثاً خاصاً للمواقف النقدية من القراءة الحداثية للقرآن، ويتعلق الأمر هنا بطه عبد الرحمان.

1- مفهوم النص القرآني والسياق الثقافي:
في سياق إنتاج قراءة جديدة للنص الديني، ظهرت محاولات الباحث المصري نصر حامد، مُنطلقها هاجس الإبداع وموضوعها الرئيسي يتمثل في نقد الفكر الديني الإسلامي، كخطوة يُقيّمها حسن حنفي بأنها "فَتحٌ جديد في الدراسات الإسلامية، القرآنية والأدبية واللغوية، (يتجاوز) تكرار القدماء الذي لا يضيف جديداً، أو تقليد المحدثين لعلم اللسانيات الحديث."(1)

الإشكالية الرئيسية في مشروع أبو زيد هي الموقف من النص القرآني: مفهومه آليات اشتغاله وأنماط توظيفه، إذن "هو سؤال ماهية النص وكيفية التعاطي معه. ويرى أن المعركة الدائرة الآن، هي امتداد للمعركة الفكرية التي احتدمت أيام طه حسين، إنما تجسيد لصراع بين موقفين من النصين أن قراءتين: قراءة "طبقاً لآليات العقل الغيبي الغارق في الخرافة والأسطورة" وهي قراءة القدماء والإسلاميين المعاصرين وقراءة "طبقا لآليات العقل التاريخي الإنساني" وهي قراءة المحدثين من علمانين وتنويريين. والباحث يتبنى الخيار الثاني. إنه يقرأ والأحرى القول يحاول أن يقرأ النص قراءة تاريخية ناسوتية لا قراءة لاهوتية أسطورية."(2)

وفي هذا السياق شَدَّدَ أبو زيد على ضرورة الوعي بأنّ جميع النصوص بما في ذلك النصوص المقدَّسة هي نصوص لغوية موصولة بالسياقات الاجتماعية والثقافية التي تشكّلت فيها، بيد أنّ ذلك لا يعني بالضرورة أنّ "إشكاليات القراءة [تتمثل في] اكتشاف الدلالات في سياقها التاريخي الثقافي الفكري، بل تتعدّى ذلك إلى محاولة الوصول إلى المغزى المعاصر للنص التراثي...[فكل] قراءة لا تبدأ من فراغ بل هي قراءة تبدأ من طرح أسئلة تبحث لها عن إجابات...فطبيعة الأسئلة تحدّد للقراءات آلياتها".(3)

ومن هذا المنطلق اعتنى المشروع النقدي لنصر حامد بطرق قراءة النصوص الدينية بتفكيك بناها وتَبيُّن مقوّماتها، وذلك بالاستناد إلى المكتسبات المعرفية المعاصرة المُستمَدَّة من علوم عديدة منها اللسانيات والسيمولوجيا وتحليل الخطاب والمقاربة التأويلية من خلال إعادة النظر في المسلمات التي حوَّلها الضمير الديني إلى حقائق متعالية عن التاريخ. سنتناول مفهوم النص القرآني عند نصر حامد أبو زيد، بالدراسة لبيان تاريخيته وعلاقته الجدلية بالواقع، وكيفية قراءته، ثم التطرق للقراءات النقدية لمشروعه ومنهجه في دراسته من خلال التركيز شكل أساسي على أدواته المعرفية وعدته المنهجية والكيفية التي قارب بها موضوعه.

يُعَرِّفُ أبو زيد النص القرآني بأنه "نص لغوي يمكن أن نصفه بأنه يمثل في تاريخ الثقافة العربية نصاً محورياً "(4)، بما له من تراكيب وبُنى ودلالات ولما له من صلات مع ثقافة العرب وواقعهم الاجتماعي. ويعرفه أيضاً بأنه مُنتَج ثقافي إذ يقول: "إنّ النص في حقيقته وجوهره منتج ثقافي"(5). أي أنّ مفهوم النص القرآني عند أبي زيد هو نص لغوي ومنتج ثقافي، بدرجة يمكن معها القول، حسب أبو زيد، أن الحضارة العربية الإسلامية هي حضارة نص قامت ثقافتها وكافة علومها على النص القرآني، وعلى أساس العلاقة الجدلية التي ربطت هذا النص مع الواقع وقضاياه المتجددة وبالتالي فإن النص يجب أن يكون في حالة حوار دائم وجدل مع الواقع الإنساني المتجدد بوتيرة متسارعة.

ويضيف قائلا " لكن القول بأنّ النص منتَج ثقافي يمثل بالنسبة للقرآن مرحلة التكون والاكتمال، وهي مرحلة صار النص بعدها مُنتِجاً للثقافة، بمعنى أنه صار هو النص المُهيمن المُسيطر الذي تقاس عليه النصوص الأخرى وتتحدد به مشروعيتها."(6) إلا أن هذا لا يعني أن النص وحده هو الذي أنشأ حضارة وعلوماً وفنوناً، بل الذي أنشأها هو جدل الإنسان مع الواقع من جهة وحواره مع النص من جهة ثانية.

أما كون النص القرآني نصّاً لُغوياً فهذا يعني أنه رسالة و"القرآن يصف نفسه بأنه رسالة، والرسالة تمثل علاقة اتصال بين مُرْسِل ومُسْتقبِل من خلال شفرة، أو نظام لغوي"(7)، أي أنّ النص القرآني هو رسالة مُرسَلَة من المُرسِل وهو الله إلى المُستقبِل الأول وهو الرسول، وبما أنّ النص القرآني هو رسالة فإنّه يحمل داخله شفرته الخاصة أو نظامه اللغوي، وهو اللغة العربية. ومعنى كونه منتجا ثقافيا، هو أنّ نصوص القرآن والحديث النبوي الصحيح "لَمْ تُلقى كاملة ونهائية في لحظة واحدة، بل هي نصوص لغوية تشكلت خلال فترة زادت على العشرين عاماً. وحين نقول تشكلت فإننا نقصد وجودها المُتعين في الواقع والثقافة بقطع النظر عن أي وجود سابق لهما في العلم الإلهي أو في اللوح المحفوظ."(8) فالقول بألوهية مصدر النص لا ينفي واقعية محتواه، ولا ينفي انتماءه إلى البشر، وعلاقته الجدلية مع الواقع. وفي ذلك تقويض للطرح التقليدي المُهيمِن على الفكر الإسلامي القائل بأنَّ للنص وجودا ميتافيزيقيا غيبيا سابقا لوجوده على عالم الشهادة.

يؤكد أبو زيد أن التَّدرُّجَ في الخطاب الديني يكشف عن طبيعة العلاقة بين النص والثقافة المُنتِجة له من جانبين. الجانب الأول جانب يتعلق بالتشكل حيث تكون الثقافة/ اللغة فاعلا والنص مفعول به وهذا ما يرُدُّنا إلى قضية أسباب النزول التي تشير إلى السياق الاجتماعي للنص الديني أما الجانب الثاني فهو جانب التشكيل بالبنية اللغوية للنص حيث تنعكس العلاقة فيصبح النص الفاعل والثقافة واللغة مفعولا به. ينطلق نصر حامد أبو زيد من أهمية السياق الثقافي واللغوي في التعامل مع النص القرآني. وتأتي هذه الدعوة في إطار تأكيده المستمر على ضرورة تكريس الوعي العلمي بالتراث، والاتكاء على الدراسة المنهجية، العلمية للنصوص والظواهر الثقافية، بشكل يقطع مع الدراسات الايديولوجية التي ترتهن للمسلمات والقبليات. ويمكن اعتبار دعوة الباحث امتدادا لأطروحات أركون، ولكنها تقيم لنفسها مجالها الخاص الذي تتحرك فيه.

إن المبدأ الأساسي الذي ظل أبو زيد يُراهن عليه هو ضرورة فهم النص في ضوء ملابسات التاريخ والثقافة، على اعتبار أن النصوص الدينية ليست "نصوصا مفارقة لبنية الثقافة التي تشكلت في إطارها بأي حال من الأحوال. والمصدر الإلهي لتلك النصوص لا يلغي إطلاقا حقيقة كونها نصوصا لغوية بكل ما تعنيه اللغة من ارتباط بالزمان والمكان التاريخي والاجتماعي."(9) إن مصدره الإلهي لا يناقض كونه تفاعل مع ملابسات الواقع والتاريخ، وعليه يغدو الانطلاق من هذه الملابسات في الفهم والتفسير سبيلا لا يمكن تجاوزه.

عندما عَرَّفَ نصر حامد أبو زيد النص القرآني بأنه نص لغوي ومنتج ثقافي، فهو بذلك يحدد كيفية دراسته للنص القرآني حسب هذا المفهوم، إذ أنَّ قوله منتج ثقافي يعني استبعاد المرسل (الله) من دراسته العلمية، إذ يقول "ولما كان المُرسِلُ في حالة القرآن لا يمكن أن يكون موضوعا للدرس العلمي، فمن الطبيعي أن يكون المدخل العلمي لدرس النص القرآني مدخل الواقع والثقافة، الواقع الذي ينتظم حركة البشر المُخاطَبِينَ بالنص وينتظم المستقبل الأول للنص وهو الرسول، والثقافة التي تتجسد في اللغة، بهذا المعنى يكون البدء في دراسة النص بالثقافة والواقع بمثابة بدء بالحقائق الأمبريقية، ومن تحليل هذه الحقائق يمكن أن نصل إلى فهم علمي لظاهرة النص."(10)

ويحدد مفهوم الواقع لديه بأنه "الحقائق التي نعرفها من التاريخ (...) [وهو] الحقيقة العينية الملموسة التي يمكن الحديث عنها. وعلينا أن نضع في الاعتبار أن الواقع مفهوم واسع يشمل الأبنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، ويشمل المُتلقي الأول للنص ومُبلِّغُهُ، كما يشمل المُخاطَبين بالنص."(11) لذا يقول مسترسِلا حول دور الإنسان (المتلقي، سواء أكان أول متلقٍ وهو الرسول محمد أو ثانٍ أو ثالث ...إلخ) في تأويل النص:" وإذا كانت الحضارة تتركز حول نص بعينه يمثل أحد محاورها الأساسية، فلا شك أن التأويل، وهو الوجه الآخر للنص، يمثل آلية هامة من آليات الثقافة والحضارة في إنتاج المعرفة. قد يكون هذا التأويل مباشراً، أي ناتجاً عن تعامل مباشر مع النص وتوجه قصدي إلى استخراج دلالته ومعناه، وهذا هو التأويل في مجال العلوم الدينية. وقد يكون التأويل تأويلاً غير مباشر، نجده في مجالات العلوم الأخرى. إن النص حين يكون محوراً لحضارة أو ثقافة لابد أن تتعدد تفسيراته وتأويلاته.

ويخضع هذا التعدد التأويلي لمتغيرات عديدة متنوعة، وأهم هذه المتغيرات مثلاً طبيعة العلم الذي يتناول النص أي المجال المعرفي الخاص الذي يحدد أهداف التأويل وطرائقه. ثاني هذه المتغيرات الأفق المعرفي الذي يتناول العالِم المتخصص من خلاله النص، فيحاول أن يفهم النص من خلاله، أو يحاول أن يجعل النص يفصح عنه. وغَنِيٌّ عن القول أن هذه المتغيرات يصعب أن ينفرد أحدها ويكون هو المتغير المسيطر في عملية التأويل والتفسير، والأحرى القول إن هذه المتغيرات تعمل في حالة تفاعل نشطٍ خلاق في أي عملية تأويلية.

وإذا كانت الثقافة العربية ثقافة تعطي للنص القرآني هذه الأولية، وتجعل من التأويل نهجا فلابد أن لهذه الثقافة مفهوما، ولو ضمنيا، لماهية النص ولطرائق التأويل. ومع ذلك فقد حظي جانب التأويل ببعض الدراسات التي ركزت على العلوم الدينية وتجاهلت ما سواها، ولم يحظ مفهوم النص بدراسة تحاول استكشاف هذا المفهوم في تراثنا إن كان له وجود، أو تحاول صياغته وبلورته إن لم يكن له وجود."(12)

2- النص: القراءة والتأويل:
الهدف الأول لإشكالية القراءة عند أبي زيد هو التوصل إلى اكتشاف العلاقات العضوية المبثوثة في مختلق مجالات الفكر التراثي العربي الإسلامي، ذلك أن التعدد في مجالات المعرفة التراثية لا ينفي توفر وحدة تنظيم الإطار النظري العام للتراث. ومن ثمة يكون الهدف الرئيسي للقراءة التراثية هو الوعي بمنهج التراث والآليات الفكرية لبنيته. رأى نصر حامد أنّ الحقول المعرفية في الثقافة العربية الإسلامية على تَعدُّدِها وتنوُّعها تظل موصولة ببعضها البعض تتحكَّم فيها بنية فكرية واحدة، فتنوُّع مجالات التأليف والتفكير (اللغة، البلاغة، والمنطق والفلسفة، وعلم الكلام...) لا ينفي وجود جامع بينها، فهي تصدر عن رؤية فكرية واحدة اتخذت لها أشكالا معرفية متعدّدة.

يبدأ أبو زيد قراءته التحديثية بالاعتماد على توفر كلمتين تتصلان بفهم النص القرآني هما: التفسير والتأويل. أول ما لاحظه هو أن مفهوم التأويل كان متداولاً في لغة العرب قبل الإسلام، إن الاستعمال القرآني قد أكسبه دلالة واضحة تجعل التأويل الحركة الذهنية لإدراك الظواهر، في حين أن مصطلح التفسير يدل على مجرد التفاصيل التطبيقية والوسائل الجزئية المُفضِية إلى إدراك الظواهر. على هذا يقترح اعتبار التفسير جزءا من التأويل إذ يعتني بالجوانب الخارجية للنص (نزول الآية، الناسج والمنسوخ، والمطلق المقيد.) وهذه مرحلة تمهيدية لمرحلة التأويل أي مرحلة الاستنتاج.

يعتبر أبوزيد أن النص له كينونته وأن القارئ له أفق، فالنص من خلال بنيته وما يحيط به من علوم وتراث تفسيري وتأويلي، له علاقة بفكر القارئ. أما القارئ فله فاعلية جذب النص إلى أفقه وهي فاعلية لا تتحقق إلا بالمعرفة وفهم الواقع وإدراك حركيته. فالتأويل هو الوجه الآخر للنص وهو يمثل آلية من آليات إنتاج المعرفة ولذا أمكن اعتبار القراءة التأويلية هي القراءة التي تجعل النص محورا لحضارة ما. ولا يمكن اعتبار النص صالحاً لكل زمان ومكان إلا إذا أصبح خاضعا للتعدد التأويلي. فالقول باحتواء النص الديني على الحقائق بصفة مطلقة واعتباره مَصْدراً للمعرفة التامة، يؤدي هذا إلى إلغاء كامل للمُتلقي ثم المُفسر والمُؤول. فعلاقة المُفسر أو القارئ بالنص لا يمكن أن تكون علاقة إخضاع الأول للثاني لأنها تصبح قراءة ذاتية. كما لا يمكن أن تكون بتهميش المُفَسِّرِ وتجاوز إطار واقعه التاريخي والاقتصار على تبني فهم الجيل الأول من المسلمين.

إنّ النص بما له من وجود (المنطوق، المكتوب) ينطوي على مجموعة من التعابير المجازية الرمزية، تجعل من القارئ مُنتِجًا للنص أي المعنى وفق ثقافته ورؤاه ومواقفه، وهو ما يعني أنَّ كل قراءة تظلُّ قراءة مُمكنة من بين قراءات أخرى، وهو بذلك يجعل القراءة الفاعلة قراءة قابلة للتجدد والتغيُّر مُتحرِّرة من قيود امتلاك الحقيقة وأحادية المعنى مخرجا بذلك النصّ الدينيّ من دائرة التأويل والتأويل المضاد وفق مصالح المؤولين وانتماءاتهم الإيديولوجية.

يعترف نصر حامد أبو زيد بِتَعقُّدِ العلاقة بين النص والثقافة وتشعب أوجه التعاطي معها، وبناء على ذلك انتهج منهج التحليل اللغوي للنصوص الذي يقوم على اعتبار اللغة نظاما رمزيا لا يعكس الواقع والعالم بشكل آلي، بقدر ما يقدم صوراً تمثيلية عنه. إن اللغة ليست مجرد ألفاظ تشير إلى الوجود، وإنما هي بناء سيميائي لا يكشف إلا بقدر ما يحجب. وعلى هذا الأساس فإن التعامل اللغوي مع النص لا ينبغي أن يتوقف عند حدود الوصف الهيكلي للبنية النحوية والصرفية، وإنما يجب أن يخوض غمار الدلالة المُحَجَّبَةِ والمعاني الخفية. ولو كانت اللغة تُصرح فحسب، لما كانت معركة المجاز والتأويل وتعدد التفاسير واختلاف المنظورات في تاريخ الفكر الإسلامي. وفق هذه الرؤيا ينحاز أبو زيد لهذا المنهج، مؤكدا أن "اختيار المنهج اللغوي في فهم النص والوصول إلى مفهوم عنه ليس اختيارا عشوائيا نابعا من التردد بين مناهج عديدة متاحة، بل الأحرى القول إنه المنهج الوحيد الممكن من حيث تلاؤمه مع موضوع الدرس ومادته."(13) المنطلق اللغوي– السيميائي مجال خصب يُعمِّق التأويل، ويُكرس علاقة النص بالوسط الثقافي.

إن النصوص في نظر أبو زيد "ترتبط بواقعها اللغوي الثقافي، فتتشكل به من جهة، وتبدع شفرتها الخاصة التي تعيد بها تشكيل اللغة والثقافة من جهة أخرى."(14) ومن ثمة فإن النصوص تعيد بناء العالم وصياغته صياغة جديدة عبر خصوصيتها، أي أنها لا تكتفي بالانفعال بمعطيات التاريخ وإنما هي تصنعه بشكل ما. يستثمر نصر حامد أبو زيد معطيات التراث اللغوي والبلاغي والكلامي والفلسفي في الفهم والتفسير، وله في ذلك دراسات مستفيضة عن المجاز والإعجاز والتأويل العقلي والصوفي. يرى أن التعامل مع لغة النص القرآني يجب أن تستحضر علوم القرآن المختلفة: المكي والمدني، والناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، والمحكم والمتشابه ... ويذهب إلى أن الخلاف على التأويل والمجاز في الفكر الإسلامي هو – في وجهه الآخر – خلاف حول من يمتلك الواقع الاجتماعي. إن المجاز هو معركة الاستحواذ على الفضاء العام، وأحد أساليب تبرير الامتلاك والسيطرة.

يراهن أبو زيد على فاعلية اللغة في الفهم والتفسير على اعتبار أن اللغة هي التي تكشف، عبر نظامها الرمزي والسيميائي، عن معطيات التاريخ والثقافة، وهي "أُمُّ الوسائل جميعا، فلا يمكن لوسيلة أو أداة أن تكون فاعلة مؤدية لوظيفتها، إلا من خلال اللغة، وسيلة إدراكها وفهمها."(15) وضمن هذا الإطار نلحظ أن هذه المقاربة هي بشكل ما امتداد للتراث التفسيري الإسلامي، فقد دارت معظم التفاسير العقلية والصوفية خصوصا على أهمية الطاقة اللغوية في إضاءة المتشابه في النص القرآني. وإذا كانت المحاولات الاعتزالية  تنطلق من إمكانية التأويل العقلي للبناء اللغوي، فإن المقاربات الصوفية التي مثلها ابن عربي بشكل خاص قد راهنت على المخزون الرمزي للغة الخطاب القرآني.

وإذ يتكئ نصر أبو زيد على هذا المنهج اللغوي، فإنه كثيرا ما يؤكد أن معظم المفاهيم التي قدمها النص القرآني إنما جاءت استجابة لمرحلة تاريخية من الوعي البشري، وبناء عليه فإنه فليس هناك ما يؤكد فعلا ضرورة استمرار فهمها على ذلك النحو الذي وردت عليه. لا بُدَّ من قراءة القرآن في ضوء المنهج العلميّ الموضوعيّ الذي يقيم للمعطيات التاريخيّة وللأحداث التي يُنجزها الإنسان أهمية واضحة تنزع عن النصّ القرآنيّ كلَّ أشكال الخرافة والأسطورة بما يعيد الاعتبار للعقل، فالنص القرآني حث الإنسان على العمل والأخذ بالأسباب والفعل في التاريخ واعتماد العقل ورفض الكهنوت الذي أسس له الخطاب الديني المنغلق عندما ادعى أنّه وحده الذي يمتلك الحقيقة الإلهيّة من خلال فهم جوهر النصّ القرآني ومقاصده فهما مطلقا. لا يُوجد في تصور نصر حامد فَهْمٌ مطلق، فالنصوص عندما لا تعدّد معانيها تنتهي، ولذلك يحث الباحث الفكر الديني على تجاوز القراءة الأحادية إلى رحاب القراءة المنفتحة التي لا تقتل النصّ القرآني ولا تسقط من اعتبارها الشروط التاريخيّة الحافّة ببعض الأحكام الواردة فيه.

3- تاريخيّة النص: جدل النص والواقع:
تعد التاريخية من أهم مفاصل مشروع أبو زيد، الفكري، وتعني الاقتراب التاريخي من النص من خلال حرصه على التمييز بين مصدر النص وطبيعة النص. فَأَنْ يكون القرآن وحيا إلهيا فإنّ ذلك لا ينفي عنه أنّه نص بشري بالنظر إلى أنّ الوحي قد تأنس عندما تجسّد في اللغة والتاريخ، مما يجعل القرآن محكوما بجدلية الثبات والتغيّر، فالنصوص ثابتة في المنطوق مُتحركة مُتغيّرة في الدلالات.

وبهذا المدخل قطع أبو زيد حبل الاتصال مع الأعلى دون أن ينكر ألوهية المصدر، فبدل البدء في حركة من النص إلى الواقع عكس المسير من الواقع إلى النص، حيث يقول "بأن قدم القرآن وأزلية الوحي يُجمِّد النصوص الدينية، ويُثبِّت المعنى الديني"(16) ويؤدي إلى فصل القرآن عن الواقع، وفصمه عن التاريخ. أما حدوث القرآن وتاريخية الوحي فهو "الذي يعيد للنصوص حيويتها، ويطلق المعنى الديني بالفهم والتأويل من سجن اللحظة التاريخية إلى آفاق الالتحام بهموم الجماعة البشرية في حركتها التاريخية."(17)

المقصود من قراءة النص في ظل سياقه التاريخي ليس فقط الأخذ بأسباب النزول، والنسخ، والحقائق التاريخية لعصر النزول، وإنما هو تجاوز أطروحات الفكر الديني قديما وحديثا، بالاعتماد على إنجازات العلوم اللغوية في دراسة النصوص وخصوصا علم "فن الفهم" وتأويل النصوص(الهرمنيوطيقا). فالتفاعل بين النص في سياقه التاريخي مع الخلفية التي تعتمد عليها رؤية المفسر في ظل ارتباط الآفاق، هي التي تساعد على استنتاج المعاني المعاصرة من النص. ومن هنا يعتبر أبو زيد، أنه لابد من التمييز والفصل بين الدين والفكر الديني، فالدين هو مجموعة من النصوص المقدسة الثابتة تاريخيا، في حين أن الفكر الديني هو الاجتهادات البشرية لفهم تلك النصوص وتأويلها واستخراج دلاتها.

وإذا كان الفكر الديني يجعل قائل النصوص (الله) محور اهتمامه ونقطة انطلاقه، فإن أبو زيد يجعل المُتلقي أي الإنسان بكل ما يحيط به من واقع اجتماعي تاريخي هو نقطة البدء والمعاد، فالنص منذ لحظة نزوله تحول من كونه نصّاً إلهياً وصار فهما (نصا إنسانيا) لأنه تحول من التنزيل إلى التأويل. فالعقل الإنساني يتواصل مع الخطاب الإلهي تأويلا بكل جهله ونقصه وضعفه وأهوائه. وهكذا يعتبر أبو زيد، أن القرآن منذ لحظة نزوله لم يعد نصا إلهيا مقدسا وثابتا، بل مفهوما إنسانيا متغيرا بفعل التأويل على اعتبار أن الفهم الإنساني لا يمكن منحه قيمة ثابتة ومطلقة بل هو متغير ونسبي، فالثابت هو القصد الإلهي.

فتاريخية القرآن حسب أبو زيد، لا تعني دائما الزمانية، بل تعني أننا ملزمون باستعادة السياق التاريخي لنزول القرآن من أجل أن نتفهم مستويات المعنى وآفاق الدلالة، فنستطيع التمييز في مجال الأحكام والتشريعات بين مستويات لم ينتبه لها أسلافنا، إذن يتجه عمل أبو زيد إلى اختراق النص الديني بتاريخيته التي يصبح إثباتها حاسما لإثبات أن كل النصوص تستمد مرجعيتها من الثقافة التي تنتمي إليها وأنها محكومة بالمكان والزمان التاريخي وببيئتها الاجتماعية والسياسية.

فبحسب أبو زيد، هناك تمييز بين "المعنى التاريخي" والمعنى المُتجدد" حيث يرى أن الأحكام هي أحكام تاريخية مرتبطة بزمانها المحدد ولهذا يمكن الاجتهاد بشأنها. وفي هذا السياق، فالأساس الأول لعملية الاجتهاد هو إعادة قراءة مقاصد الشريعة التي صاغها الإمام الشاطبي في خمسة أصول (الحفاظ على النفس والعِرض والدين والعقل والمال) ويمكن وفق قراءة تكميلية وتطويرية للقراءة السابقة للشاطبي، اقتراح ثلاثة مقاصد جديدة هي العقلانية، وهي تضاد "الجاهلية"، والحرية وهي نقيض "العبودية"، والعدل الذي هو نقيض للظلم، فهذه المبادئ تمثل منظومة من المفاهيم المتماسكة من جهة، وهي تستوعب المقاصد الكلية الخمسة من جهة أخرى.

لقد استعرض أبو زيد علاقة النص بالواقع على صعيدين:

- على صعيد النص نفسه حينما ربطه بالواقع ليغدو منتجاً ثقافياً، ومن ثم ربط الواقع به ليكمل حلقة الجدلية التي طرحها حينما ذهب إلى تأثير النص المتمايز كالقرآن في الواقع مشكلاً الثقافة تشكيلاً جديداً. فالنص في وقائعيته. كما يراه أبو زيد، كيان له وجود في الزمان والمكان لا متعال عنه، فإن هذا يعني بناء الأرضية المناسبة لتاريخية النص، بوصفها مقدمة لتاريخيته معرفياً، أي لبناء قراءته وآليات هذه القراءة على أساس تاريخي كما فعله فيما بعد، لاسيما في المكي والمدني وأسباب النـزول والناسخ والمنسوخ.

- على صعيد فهم النص وقراءة مدلولاته، أي وضع آليات القراءة في سياق تاريخي، وفي إطار جدلي، جدل النص مع القارئ، مستبعدين المؤلّف والواقع المحيط بالنص نفسه، وهو جدل ركّزت عليه الدراسات الهرمنيوطيقية والسيموتيقية الأخيرة.

يُذكِّر أبو زيد بأهمية القراءة التاريخية من خلال "المكي والمدني" و"أسباب النزول" و"الناسخ والمنسوخ" وذلك لفهم التعارض الظاهري في بعض الآيات، لكن وفي الوقت نفسه يجد القارئ نفسه فجأة أمام معنى جديد للنسخ، هذا المعنى الذي يعتقد أبو زيد أنه أكثر اتساعا من معنى النسخ المعروف لدى محققي العلوم القرآنية. وعلى أية حال، وجد أبو زيد في بعض العلوم القرآنية مبتغاه، وكان أهمها:

ـ المكّي والمدني: يرى أبو زيد أن "التفرقة بين المكي والمدني في النص تفرقة بين مرحلتين هامتين، ساهمتا في تشكيل النص سواء على مستوى المضمون أم على مستوى التركيب والبناء، وليس لذلك من دلالة سوى أن النص ثمرة للتفاعل مع الواقع الحيّ التاريخي."(18)

إذا كان علم "المكي والمدني" يكشف عن الملامح العامة لهذا التفاعل وتفاصيله، ويكاد يزودنا بالمراحل الدقيقة لتشكيل النص في الواقع والثقافـة وأسلوب التنجي- أي نزول القرآن منجما- في الشريعـة يتضمن معنى الـواقعيـة، والتدرج بالإنسان وإعانته شيئا فشيئا على التخلي عن الجاهليـة وعاداتها المستحكمة فيه والتحلي بالإسـلام وفضائل أخلاقه. فالتفرقة بين المكي والمدني هي تفرقة بين " الإنذار" و"الـرسالـة": "الإنـذار" يـرتبط بمصارعة المفاهيم القديمة على مستوى الفكر والدعوة إلى المفاهيم الجديدة، فهو بمثابة تحريك للوعي لإدراك فساد الواقع والنهوض ومن ثم إلى تغييره. أما" الرسالة" تعني بناء أيديولوجية المجتمع الجديد.

ولعل ما مَيَّزَ أبو زيد أو جعل فكرته أكثر إضاءةً، محاولته خلع لباس التعالي لصالح التاريخية و تسليط الضوء على جدل النص والواقع، محاولاً بذلك توظيف المكي والمدني لصالح مشروعه الشامل الهادف لإعادة إنتاج القرآنيات على أساس واقعي تاريخي، ووقائعي بنائي أيضاً.

ـ أسباب النـزول: يرى أبو زيد أن علم أسباب النـزول "أهم العلوم الدالة والكاشفة عن علاقة النص بالواقع وجدلـه معه"(19)، وهو يُزوِّدُنا بمادة جـديدة ترى النـص استجابة للواقع تأييـدا أو رفضا، وتؤكـد علاقة "الحوار" و"الجدل" بين النص والواقـع. إن مبحث "أسباب النزول" يُعَدُّ من المباحث الخصبة في هذا المجال، كونه يكشف أسس تفاعل الخطاب مع ظروف العصر ومعطيات المرحلة التاريخية. ولا يعني ذلك أن الخطاب القرآني جاء ردوداً على وقائع خاصة، ولكنه إذ يُجيب على هذه الوقائع، فإنما يقدم المقاصد الكبرى والأهداف الكونية. فدراسة الأسباب والوقـائع تؤدي إلى فهم "حكمة التشريع" ومقاصد الشريعة، فالتدرُّجُ في التشريع يؤكـد أن دلالـة النصـوص ليست إلا مُحصِّلَة لعمليـة التفـاعل في عمليـة تشكيل النصـوص وصنعها من جـانبي اللغة والواقع، وكلا الجانبين مهم لاكتشاف دلالة النصوص.

ربط أبو زيد النص بأسباب النـزول، حتى لا يبدو النص غيبياً وعلى قطيعة مع الواقع، ركَّز على أسباب النـزول بوصفها شواهد لفهم النص ذاته، لأن سبب النـزول يُحَدِّدُ المناخ الذي جاء النص في سياقه، ومن ثمَّ لم يعد بالإمكان فهم النص بمعزل عنه ما دام يشكل بالنسبة للمؤلف عنصراً لفهم كلامه، الأمر الذي يسمّيه الأصوليون "السياق المقامي والحالي وغير اللفظي". يحاول أبو زيد، استنطاق النص مهما كانت العقبات الميدانية كبيرة على الصعيد الاستكشافي الميداني، مُحاولاً تخطي عقبات المنهج التاريخي المدرسي في ملاحقة روايات النـزول. وإذا كانت "أسباب النزول" هي السياق الاجتماعي للنصوص، وكانت علاقة النصوص بالواقع جـزءاً أصيلا من مفهوم النص، فإن قضية "الناسخ والمنسوخ" تـؤكـد أيضـا هذا الارتبـاط الضروري بين النص والواقع، ومن ثم بـين الإسلام وحركة المجتمع.

ـ الناسخ والمنسوخ: يُصنِّف أبو زيد ظاهرة النسخ بوصفها أكبر دليل على جدلية العلاقة بين الوحي والواقع؛ ذلك أنَّ إحدى زوايا هذه الظاهرة تتمثل في عملية التَّدَرُّجِ في بيان الأحكام وتطبيق عملية التغيير، وهو أمرٌ يربط شئنا أم أبينا بين النص والواقع، وبتحديد وظيفة النسخ تتضح هذه العلاقة المتينة. وفي سياق استعراضه، على غرار ما فعل في المكي والمدني وأسباب النـزول، يُقِرُّ على وجود سرٍّ وراء إبقاء الآية المنسوخة قرآناً متلوّاً بين المسلمين، وهو من وجهة نظره، فتح المجال لإعادة تفعيل الآية المنسوخة عندما تعود ظروفها مرَّةً أخرى، وفي هذا ربط للنص بالواقع من أكثر من جهة، وهو ما يضع الناسخ في دائرة المنشأ على الدوام. لكن هذا التحليل يضعنا أمام تفسير جديد يُغيِّر مفهوم الناسخ والمنسوخ رأساً، وإنما نحاول تلمُّس معالمه، إن تفسير بقاء المنسوخ على أنه إعادة تفعيل لدوره على تقدير عودة الظروف المشابهة، يعني أن النص المنسوخ لم يمت إلى الأبد كما توحيه كلمات علماء القرآن والأصول، فالآية المنسوخة يمكن أن تعود غير منسوخة إذا ما عادت الظروف الموافقة لها مرة أخرى.

ومن ثم فهو باقٍ، كلّ ما في الأمر أن موضوعه وظرفه الذي يجعله حكماً فعلياً قائماً عملياً قد تجمَّد، وهذا يعني أن عودة ظرفه تعيده إلى حالة الفعلية هذه، وهذه العملية تضع التشريعات كلّها تقريباً، إن لم نقل تحقيقا. تحت سلطان ثنائي الناسخ والمنسوخ، ومن ثم، فلا تعني حالات النسخ المذكورة تاريخياً صيغة نهائية، وإنما مجرَّد مثال تحقق في تلك الظروف، كما أن هذا ما يُلغي تماماً الفكرة التي تقول: إنَّ النسخ ظاهرة مختصة بزمن النبي، لأن المفهوم الذي قدَّمَهُ للنسخ نوع مفهوم متحرِّك، يمكن تطبيقه في كل زمان، فلو فرضنا أن أحداً من المسلمين لم يكن مستطيعاً للحج، وأن هذا الوضع استمر لعدة سنوات فهذا يعني أن حكم وجوب الحج قد تجمَّد، والفائدة من الإبقاء على آية وجوبه في القرآن ليس سوى مُؤشِّرٌ على عودة هذا الوجوب إلى الحياة والتحريك عندما تعود حالة الاستطاعة ولو إلى مسلم واحد مثلاً. وإذا كان النسخ بمعناه المألوف يحقق لأبو زيد مَطْلوبه، فإنّ النسخ بالمعنى الجديد كفيل بإعادة إنتاج كل التشريعات تبعاً لنظام النص/ الواقع.

4- القراءات النقدية: على حرب:
تنوّعت القراءات النقدية التي تناولت أعمال نصر حامد بالتحليل، وما ميَّز تلك القراءات اختلافها في مستوى المسلمات وطرق النظر، فبحوث نصر حامد لقيت رفضا من المؤسسة الدينية القائمة في مصر، وهو ما أدّى إلى كثرة الدراسات والكتب التي هاجمت نصر حامد من منظور جدالي تقليدي، وفي المقابل سعت جماعة أخرى من الباحثين إلى الوقوف على خصائص مشروعه وتقييمه اعتمادا على حس نقدي عِلمي أكاديمي. وبناء على ذلك فإنَّ الدراسات الناقدة لمُؤلَّفات نصر حامد انطلقت - وما تزال - من مرجعيات فكرية متباعدة، فهناك من اعتبر أن الباحث وقع أسيراً لهيمنة العقلانية الغربية وسُلطتها، حيث أنها تؤكد على تجاوز الغيبي والميتافيزيقي لصالح الإنساني والتاريخي. وفي هذه المسألة تغدو العقلانية في نموذجها الغربي مُسلَّمة وأطروحاتها منتهية وكونية، وإذ تتعارض مع بعض مفاهيم الخطاب الديني، يجب تأويل هذا الخطاب كي ينسجم مع فتوحاتها المعرفية، وهذا المسلك يناقض النزعة العلمية المؤسسة أولا على عدم الركون إلى المعارف المطلقة والمسلمة، هذا الغلو في سلوك هذا المنحى من شأنه أن ينال من صلابة المنهج العلمي نفسه.

ومن أهم القراءات التي تناولت بالنقد لمشروع نصر حامد، نذكر أعمال علي حرب حيث قام في أكثر من مَوْضِع ومن زوايا مختلفة بتقييم مقاربة أبو زيد للنص، ونخصُّ بالذكر الفصل الموسوم بـ"نصر حامد أبو زيد: خطاب يناهض الأصولية ولكنّه يقف على أرضها"(20) من كتاب النص والحقيقة (الجزء الأوّل): نقد النص والفصول الثلاثة الأخيرة من كتاب "الاستلاب والارتداد: الإسلام بين روجيه غارودي ونصر حامد أبو زيد". عمل علي حرب على تفكيك بنية الخطاب النقدي لنصر حامد، وقد أدَّى النظر في هذا الخطاب النقدي إلى اكتشاف تناقضات عديدة تحكم فكر نصر حامد، ومن أهم مظاهر التناقض انطواء خطاب الباحث على "تلفيق منهجي"(21) تجلَّى في "القول من جهة بأنَّ الإيمان بالوجود الميتافيزيقي للنص يطمس إمكانية فهمه العلمي والقول من جهة ثانية بأنَّ الإيمان بمصدره الإلهي لا يتعارض مع إمكانية تحليله وفهمه"(22). وهو في رأي علي حرب اجترار لمواقف القدامى، "أعني أنهم استخدموا الأساليب العلمية والأدوات العقلية في درسهم للخطاب القرآني بالرغم من إيمانهم بقدسية الوحي ومصدره الإلهي... ولهذا فخطاب المفسرين هو في منطقه علمي ناسوتي بالرغم من منطوقه اللاهوتي أو الأسطوري. والذي يبدو لي من المقارنة بين هذا الخطاب وخطاب أبو زيد أن الأول أكثر أصالة وأقوى أداء من الثاني."(23)

وإذا كان أبو زيد، حسب علي حرب، يتفق مع أصحاب الخطاب الديني بمسلمتهم القائلة بأن الله هو الذي تحدث إلى البشر بِلُغتهم، فمعنى ذلك أنه يستسلم لمنطقهم ويقف على أرضهم ويخوض الحرب ضدهم بسلاحهم. وفي خطوة ثانية يعتبر علي حرب أن كلمة "القرآن نص لغوي" والتي تشكل أساس مشروع أبوزيد هي "كلمة مُلتبسة من فرط عموميتها. ولهذا فهي يمكن أن تنطبق على مختلف أنواع النصوص والخطابات، لأنه ما من خطاب إلا وتكون اللغة جسده وما من نص إلا ويمكن عَدُّهُ إنجازاً لغوياً بمعنى من المعاني أكان شعرياً أم فلسفياً أم علمياً."(24)

قام علي حرب باقتراح جديد مُفضِّلاً تسمية أخرى لمفهوم النص هي "نقد النص" كما فعل هو في كتابه الذي يحمل هذا العنوان، وقد انطلق حرب في ذلك من اعتباره "مفهوم النص" تحليلاً نقدياً للقرآن وعلومه(25)، مُصنِّفاً إياه في عِداد سلسلة نقد الفكر الديني عموماً والنبوي خصوصاً(26). ولهذا يُفضل علي حرب تعبير نص نبوي، نائياً به عن الدين في الوقت ذاته باستحضار تعبير أدونيس عن نفسه "نبي وثني"(27)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا معنى لحصر أبو زيد منهج فهم القرآن بالمنهج اللغوي، "فقد سبق للقدماء أن جعلوا القرآن مادة للبحث العلمي واللغوي أو الدراسات الأدبية أو البلاغية، فضلا عن المباحث الفقهية والكلامية والفلسفية والعرفانية. القرآن نص واسع يفيض من عن كونه نصا أدبيا، ليشكل فضاء تأويلياً وحدثاً ثقافياً هائلاً ترك تأثيره في الثقافة العربية وفي الثقافة الإنسانية قاطبة."(28)

أما عن خط الدراسة الأدبية، فإن موقف أبو زيد كان مُتأثراً بمدرسة أستاذه أمين الخولي (ت: 1966م)، الذي يرى في الدراسة الأدبية للنص الشرط الأساسي الذي يحقق وعياً علمياً، يتجاوز مجرد جمع التراث أو تسهيله أو إحيائه.(29) وهذا يشبه إلى حد بعيد، وحسب رأي علي حرب. "موقف أدونيس الذي يتعامل مع النص القرآني بوصفه أيضاً نصاً لغوياً، يُقرأ كما يُقرأ النص الادبي، أي "خارج كل بعد ديني" على ما جاء في كتابه (النص القرآني وآفاق الكتابة)"(30)، إلا أن "النص الديني يُحيل دوما إلى الغائب، لأن الغائب هو المُبتدي والأصل وهو المآل والمرجع"(31)، فهو "كذلك يقترب أبو زيد في طريقة تعامله مع القرآن، من أركون الذي يعتبر أن الخطاب القرآني، شأنه شأن أي خطاب ديني، هو نتاج معرفي يخضع للشروط النقدية التي تخضع لها النتاجات المعرفية الأخرى، أي خطابات البشر."(32)

وبالمنهج اللغوي، ومحاولة اكتشاف المدلول عبره، وضع نصر حامد أبو زيد نفسه أيضاً في مأزق، فتحوَّل إلى ألسنيٍّ كلاسيكي يتَّبِع المنهج الواقعي، بدل ألسني حديث يقصر متابعاته على وقائعيات النص(33)، فالقرآن لا يُدْرَسُ طبق المنهج الواحد، "بل يمكن قراءته باستخدام مختلف الوسائل المنهجية وبالانفتاح على كل الكشوفات المعرفية المتاحة."(34) وهذا ما فعل أركون، باستخدامه إلى جانب المنهج اللغوي، المناهج السيميائية والأركيولوجية، والسوسيولوجية ومنهج النقد التاريخي.

فالبحث في مفهوم جديد للنص ادعاء معرفي لا وجود له، أمّا في مستوى مرجعيات الخطاب فثمّة استعمال لافت للانتباه للمعجم الماورائي الغيبي، وفي ذلك مفارقة عجيبة، ذلك أنَّ نصر حامد أبو زيد ما انفكَّ ينادي بتحرير الخطاب الديني من هذه اللغة، وبهذا المعنى كان نصر حامد أبو زيد أصوليا يسعى إلى التستُّر عن حقيقة مواقفه، فهو حسب علي حرب "تقدمي علماني في ملفوظاته ولكنه أصولي من حيث منطقه وبنية تفكيره"(35)، فقد تتبَّع علي حرب الطرق التي استعملها نصر حامد في تناول إشكاليات النص الديني وآليات اشتغال الخطاب الديني وأهم مصطلحاته، فانتهى إلى أنَّ الباحث بدلا من الحفر في أُسِّ الخطاب الديني راح يمارس "لاهوت التنوير" اللاهوت التقدمي العلماني لتحرير الإسلام وأهله من الاستبداد الكهنوتي وإرهاب العقل، وفي هذه القراءة سعى حرب إلى كشف البعد الإيديولوجي المتحكِّم في فكر نصر حامد، وهي مفارقة من نوع خاص، ففي أغلب أعماله ما انفكَّ يبيُّن الخلفيات الإيديولوجية التي سيَّرت الخطاب الديني، دون أن يتفطَّن إلى أنَّ المرجعية الإيديولوجية المُتحكِّمة في خطابه النقدي أدت في أغلب الأحيان إلى التضحية بالنص وإهدار كينونته، وتحويل له عن طبيعته ومقاصده الأصلية التي أريد له، "باختزاله إلى مجرد انعكاس للواقع، بينما النص هو في الحقيقة حدث ثقافي له كينونته المستقلة وخطاب له واقعيته التي لا تُختزل."(36)

إنَّ عملية تحليل النص ذاته، بعيداً عن المؤلِّف وحتى المفسِّر، هي التي تمنح النص كينونته وتجنُّبُ هدرِها، ولهذا كما يقول علي حرب(37)، ينبغي قلب الآية إذا أردنا التعرف إلى هوية النص واستكشاف إمكاناته، فننطلق لا من الواقع إلى النص، بل من النص إلى الواقع. إن كينونة النص تعني أنْ يُدرس كعالَم له حقيقته المستقلة، كخطاب له واقعيته بمعزل عن المؤلف والواقع. إنها تعني استكشاف أنطولوجيته أي طريقته في الرؤية ومفهومه للحقيقة وآليته في إنتاج المعنى وكيفية تقديمه لنفسه أو تعريفه لهويته. إنه يشكل فضاء للمعنى وعالَمًا قائما بذاته، الأمر الذي يقتضي التعامل معه كأفق ينبغي ارتياده أو كعالم ينبغي استكشافه.

إن محاولة أبو زيد تتوخى قراءة النص قراءة علمية محايدة، دون ممارسة "توجيه أيديولوجي"(38)، وانسياقاً مع ثنائي العلماني-الديني، يحاول أبو زيد أن "يستلهم في مواقفه طه حسين وربما يتقمَّص دوره. ولهذا فهو يعتبر أن المعركة الفكرية الدائرة الآن بين الإسلاميين وخصومهم من العلمانيين، هي استمرار للمعركة التي أثارها طه حسين في الثلاثينات من القرن العشرين حول كتابه: في الشعر الجاهلي"(39)، فلا يترك أبوزيد فرصة دون أن يؤكد وقوفه إلى جانب قوى العقل والتقدم والتنوير والتحديث في مواجهة قوى الفكر الرجعي وذوي العقل الأسطوري أو النهج الغيبي، وهكذا فهو يعلن نسبه الصريح إلى المذهب التقدمي العلماني وبهذا، يضع أبو زيد نفسه داخل التقسيم الاجتماعي والسياسي المعاصر، ومن ثم يصبح عرضةً لإيديولوجيا العلم نفسه. إنه "لا يقف على الحياد مما يجري؛ ذلك أنه لا يفصل بين مهامه الأكاديمية وبين همومه السياسية والاجتماعية."(40)

يتعامل مع الزركشي بوصفه مفكرا رجعيا، بدلا من أن يعمل على تحليل عمله العلمي الأصولي لفحص أسس العقل الإسلامي وكيفية اشتغاله، فهو يعتبر أنَّ "عملا أصوليا إبستمولوجيا ضخما مثل "البرهان في علوم القرآن" للزركشي هو مجرد محافظة على التراث وبالمعنى الرجعي ... فلا معنى لأن نقسم التراثيين رجعي وتقدمي."(41) تعددت مجالات نقد مشروع نصر حامد فاتصلت بعض الانتقادات بمسلمات الباحث وتعلقت أخرى بالمقاربات التي اعتمدها والمفاهيم التي وظّفها وأهداف مشروعه، على أنَّ ما يلفت الانتباه في جميع ما كُتب، اختلاف الآراء في قيمة هذا المشروع، فلئن كان عند البعض مشروعا نقديا جرِّيئاً فإنَّ البعض الآخر رأى فيه مشروعا أصوليا لا يضيف شيئا. وأيا يكن الأمر فإنَّ ما يُحسب لنصر حامد طَرْقُ أبواب مجالات بحثية ظلّت موصدة قبله، بمقاربات جديدة قطعت مع السائد مقدِّمةً تصوراً جديدا لماهية الفكر الإسلامي والخطاب الديني، بعيدا عن النزعة الدوغمائية.

خاتمة:
هَدَفُ دراسة أبو زيد هو سعيه الدؤوب للتأكيد على أن أية قراءة للنص إنما يجب أن تصدر من مسلمة أساسية تتمثل في أن النص طالما هو نص لغوي وطالما أن اللغة لا يمكن أن تكون مفارقة لثقافة الجماعة المستخدمة، فبالتالي يترتب على هذه المقدمة نتيجة قرر بموجبها أبو زيد أن النص ليس هو الآخر بمفارق للثقافة والواقع، ومن هنا استهدف أبو زيد، إخضاع النص الديني للنقد العقلي والتحليل العلمي، بجعله مادة لمعرفة نقدية شأنه بذلك شأن أي خطاب بشري وأي إنتاج معرفي، وبذلك يحاول التحرر من النظرة الإسلامية التقديسية للوحي والتنزيل والتي يعتبرها قد انتهت منذ أن فجر طه حسين قنبلته تلك والتي هزت الأوساط الدينية والفكرية لِتَحُلَّ محلها نظرة جديدة وديناميكية.

وهو الأمر عينه الذي أكدت عليه الهرمنيوطيقا في تعاملها وتعاطيها مع كافة النصوص اللغوية بوصفها "فن الفهم" وقراءة النصوص حيث تتساوى من منظورها كل النصوص باعتبارها نصوص تاريخية وهو ما ينزع عن بعضها صفة القداسة والتعالي على التاريخ، النص الديني هو رسالة السماء إلى الأرض، لكنها ليست رسالة مفارقة لقوانين الواقع بكلِّ ما ينتظم في هذا الواقع من أبنية وأهمها البناء الثقافي. إن المطلق يكشف عن نفسه للبشر، (يتنزّل) إليهم، بكلامه عبر نظامهم الدلالي الثقافي واللغوي.

لاشك أن محاولة أبو زيد في درس القرآن وعلومه تنطوي على الجديد الذي يتمثل في إعادة النظر في مفهوم الوحي محاولا التحرر من النظرة التقديسية للنص، إنه يقوم باختراق الحاجز القدسي والدخول في دائرة الممنوع من خلال تعرية الجوانب الأسطورية وآليات الحجب والتضليل التي يمارسها أصحاب الخطاب الديني المعاصر باسم الدين وتحت راية المقدس. مثلت أفكار المفكِّر الإسلامي نصر حامد أبو زيد رافداً معرفياً يمكن استثماره وتوظيفه في بناء تيّار إسلاميٍّ مستنير، نحن بأشد ما نكون في الحاجة له، في ظلِّ الوضع الراهن والبائس الذي آلت إليه الإسلاميّات والحال المزرية التي يرزخ تحتها الفكر الإسلامي في راهننا المعاصر. وتعد أفكاره محاولة جادة هدفت إلى إعادة قراءة التراث المعرفي الإسلامي في مصادره الأولى، قراءة جديدة ومغايرة ومختلفة حاولت الترسيخ والتجذير لمفاهيم جديدة على اختلاف عما هو سائد من قراءات سلفية تقليدية عملت على اجترار وإعادة إنتاج الماضي الإسلامي كما هو.

 

باحث بمركز الدراسات في الدكتوراه كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة ابن طفيل– القنيطرة-المغرب

 

قراءة الهوامش:

  1. حسن حنفي، حوار الأجيال، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1998م، ص412.
  2. علي حرب: النص والحقيقة (الجزء الأول): نقد النص، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء/ المغرب بيروت لبنان، 1993، ص 205.
  3. أبو زيد (نصر حامد):إشكاليات القراءة وآليات التأويل، المركز الثقافي العربي، ط 7، الدار البيضاء المغرب/ بيروت لبنان، 2005، ص 6
  4. مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن، د.نصر حامد أبو زيد، المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط3، 1996: 9.
  5. المصدر نفسه: 24.
  6. المصدر نفسه: 24-25.
  7. المصدر نفسه: 24.
  8. المصدر نفسه: 25.
  9. نصر حامد أبو زيد، النص والسلطة والحقيقة: إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة، المركز الثقافي العربي، بيروت الدار البيضاء، ط5، 2006، ص92.
  10. مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن، ص24.
  11. المصدر نفسه، ص25.
  12. مفهوم النص، دراسة في علوم القرآن، صص9-10.
  13. نصر حامد أبو زيد، مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن، المركز الثقافي العربي، بيروت – الدار   البيضاء، ط2، 1994، ص 25.
  14. نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الديني، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط4، 2003، ص 204.
  15. راجع مقدمة عمر عبيد حسنة لكتاب: النص الشرعي وتأويله: الشاطبي أنموذجا لصالح سبوعي، كتاب الأمة، قطر، ط1 ،2007، ص6.
  16. نصر حامد "نقد الخطاب الديني" ص 202.
  17. نصر حامد أبو زيد " نقد الخطاب الديني " ص 202.
  18. مفهوم النص، ص57.
  19. مفهوم النص، ص97.
  20. علي حرب: النص والحقيقة (الجزء الأول): نقد النص، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء/ المغرب بيروت لبنان، 1993، من ص 199 إلى ص 220.
  21. المرجع نفسه، ص209.
  22. المرجع نفسه، صص209-210.
  23. المرجع نفسه، ص207.
  24. نقد النص، مصدر سابق، صص207-208.
  25. المصدر نفسه، ص200، وانظر: ايضاً علي حرب، الاستلاب والارتداد، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1998، ص97.
  26. نقد النص، ص201.
  27. نقد النص، مصدر سابق، صص207-208.
  28. نقد النص، مصدر سابق، ص208.
  29. المصدر نفسه، ص11.
  30. الاستلاب والارتداد، مصدر سابق، ص96.
  31. نقد النص، مصدر سابق، 211.
  32. المصدر نفسه، ص96.
  33. المصدر نفسه، ص216 ـ 217.
  34. نقد النص، مصدر سابق، ص209.
  35. نقد النص، مصدر سابق، ص218.
  36. حرب (علي): نقد النص، (سبق ذكره)، ص212.
  37. نقد النص، مصدر سابق، صص215-216.
  38. نصر حامد أبو زيد، مفهوم النص، دراسة في علوم القرآن، الطبعة الخامسة، المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء، 2000م، ص10.
  39. علي حرب، الاستلاب والارتداد، الإسلام بين روجيه غارودي ونصر حامد أبو زيد، المركز الثقافي  العربي، الطبعة الأولى، بيروت والدار البيضاء، 1997م، ص94
  40. علي حرب: نقد النص، (سبق ذكره)، ص 201.
  41. علي حرب: نقد النص، (سبق ذكره)، ص 213,