يحمل الشاعر المغربي، فتح الله بوعزة، وجع العالم على قصيدته وخسارات لا تنفك تطل من فيض التلاشي لذلك يحرص على مد يده الى الوردة المتبقية من أمل الإنسانية وقصيدته التي تحرس ما تبقى، لعل للشعر قدرة على ترميم البياض، ومن ديدن هذا الخراب الذي يوجع الكون لعل فيض الأمل يأتي من المستقبل.

ورْدةٌ تُظلّ قتيليْنِ، وحفْنةَ ماءٍ

فتح الله بوعزة

 

الآن، وبعد أن تفرّقتِ العواصمٌ بين دمٍ، ودمِ

وتلاشى الصّحابُ خلف أعْمدةِ الدّخانِ

وازْدحمَتْ رؤوسُ القومِ بآلافِ الرّاياتِ، والْمطارقِ

تعالَ خفيفاً، وأعْمى

إلى رابيةٍ صغيرةٍ في آخِرِ الْحربِ

لا تفكّرْ في الْعثورِ عليكَ

بين طعنةٍ، وأخْرى

أو بين وردةٍ، وحُطامٍ

ولا تنْتظرْ أحداً

بين طرْقةِ بابٍ، وانْحناءِ ورْدةٍ

لا تنْتظرْني بين طعنةٍ، وأخْرى

أو أعْلى قليلا من جدارٍ ذائبٍ

لتحْرسَني من ديدانِ الطّريقِ

لا تكْترثْ للْعرباتِ التي تُقلّ أعْطابي

وفائضَ النّحاسِ في قلقِ الْمرْضعاتِ

إلى الْمعارضِ، والأسْواقِ

لا تكْترثْ لها

أنا الْوردةُ التي تُظلّ قتيليْنِ، وحفْنةَ ماءٍ

وأنا حفْنةُ الْماءِ التي شقّتْ سرّتَها

وأغْرقتِ الْموجَ كلّهُ

في غياهبِ الْملْحِ، ورغْوةِ الْغرْقى

تعالَ إلىبيْتي خفيفاً، وخالياً

 من الضّجرِ، والذّكْرياتِ

هناك، حيثُ تسيرُ الرّيحُ على

أطْرافِ أصابِعها لئلا توقظَ الْجيرانَ

ويُلقي الْمسافرونَ بأحْمالِهمْ

في أولِ فُلك عابرٍ

ويسْهرون قبالةَ بابي

أحدّثهمْ عن مجدِ الزّيتونِ

والنّارِ التي أدْفأتِ التّرابَ مُذْ كان وحيداً

والْملاحِ الذي مخَض الْبحْرَ

وأهْرقَه في الْمدنِ الْعتيقةِ

أحدّثهمْ عنِ الْعطّارِ الذي رمّمَخصرَ الْوردةِ

و ذاكرةَالْخزامى

عن شهْقةِ الْحمَامِ في حدائقِ الْعُميانِ

وعن مُلوحة النّدى في ألْسنةِ الطّيرِ

والْمراعي التي تساقطتْ أول مرّةٍ

من كفّ امْرأةٍ تصْغي إلى الْغامضِ

في رمادِ الْقُرى، بانْتباهٍ شديدٍ

تعالَ خفيفاً من الدّسمِ، والْمراثي

ثمّة كرْسي هزّاز بين ضبابٍ، ورذاذٍ

بابٌ مواربٌ بين طعْنةٍ، وأخْرى

ثمّة وردةٌ يُظلّها قتيلانِ

وراعٍ سريعُ النّسْيانِ!