يعتمد الكاتب السوداني المقيم في برلين في حواره هنا مع كاتب سوداني آخر إلى ما طرحه الكاتب الأمريكي من مخاوف بشأن الحرب الدائرة الآن فعليا بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. وما قد تجلبه من مخاطر محتملة على البشرية كلها، حيث لا تريد الولايات المتحدة أن تخرج منها روسيا منتصرة.

حامد بشرى والصراع الروسي/ الأوكراني

جون ميرسهايمر

عرض حامد فضل الله \ برلين

 

نشر الأخ حامد بشرى مقالين حول الصراع الروسي الأوكراني، جاء الأول بعنوان "ليس دفاعاً عن بوتين، ولكن" (2 مارس 2022) والثاني "الفبركة الإعلاميّة حول الصراع الروسي الأوكراني".. (16 أبريل 2022). لا يهدف هذا المقال وما يليه لاحقاً، إلى مناقشة أراء وتحليلات الكاتب الهامة، والذي تعرّض فيها للنزاع بأبعاده المُتعددة: التاريخية، والقوميّة، والعرقيّة، والتوسعيّة والتعقيدات التي أدخلتها قوات حلف الناتو، "والفبركة الإعلامية"، والتي تعني: الحرب ووسائل الاِعلام، بين الحقيقة والدعاية، بالتفصيل، بقدر ما اتخذهم كمدخل، عارضاً الآراء المُتعددة والمختلفة، التي تعكس مدى المشاركة الواسعة في الجدل الدائر الآن بين علماء السياسة وعلماء التاريخ والسياسيين التنفيذيين، عن الحرب الروسية الأكرانيّة، التي ربما تمتد إلى حرب نووية ومأساة إنسانية.

وأبدأ بعرض وجهة نظر أمريكية "أوكرانيا: إنّها حرب بين الولايات المتحدة وروسيا" وهذا النص هو محادثة أجراها عالم السياسة المعروف جون ج. ميرسهايمر"John J. Mearsheimer " المتخصص في العلاقات الدولية، والأستاذ الفخريّ بجامعة شيكاغو، مع كاترينا فاندنهيوفيل" Katrina vandenHeuvel" محررة المجلّة الأسبوعية The Nation الأمريكية "الأمة" .

لقد قام كرستيان مُولر بترجمة نصّ المحادثة، ونشرت بتاريخ 19 أبريل 2022 في المجلة الإلكترونية    "Nach Denken Seite الألمانية النقدية"

إلى النص:

يقول ميرسهايمر، لدي ذكريات رائعة عن رحلاتنا إلى ألمانيا، خاصّة عندما كنت أنا وستيف (زوج كاترينا فاندنهيوفيل الراحل) نناقش أوكرانيا في ذلك الوقت، كما أنني أتفق معك" كاترينا" عندما قلت إنّ هذه هي أخطر أزمة منذ الحرب العالمية الثانية.

أعتقد أنّها أخطر من أزمة الصواريخ الكوبية، لكن هذا لا ينبغي أن يقلل من خطر تلك الأزمة. لكننا نتعامل بشكل أساسي مع حرب بين الولايات المتحدة وروسيا وليس هناك نهاية في الأفق. إنني لا أستطيع أن أتخيل كيف ستنتهي هذه الحرب في المستقبل القريب. وأعتقد أنّ خطر حدوث مزيد من التصعيد كبير جداً. أولاً، تصعيد حيث تقاتل الولايات المتحدة بالفعل روسيا ويتواجه الجانبان عسكرياً، وهو ما لم يحدث من قبل. وأعتقد، ثانياً، أن هناك أيضاً خطراً جاداً من حدوث تصعيد نووي هنا. أنا لا أقول، أنّ هذا مُحتمل، لكن يمكنني سرد قصص عن كيفية حدوث شيء كهذا في الواقع.

لذا فإن السؤال هو: كيف دخلنا في هذه الفوضى؟ ما هي الاسباب؟ من المهم جداً دراسة هذا السؤال لأنّ له جميع أنواع الآثار المترتبة على فهم طريقة التفكير الروسية. إذا كنتَ تريدُ أن تفهم، كيف يشعر الروس تجاه هذه الأزمة، فعليك أن تفهم الأسباب. الرأي السائد، الذي أرفضه بالطبع، هو أن فلاديمير بوتين إما مُعْتَدٍ منذ ولادته، أو أنه مصمم ببساطة على استعادة الاتحاد السوفيتي أو نسخة جديدة من الاتحاد السوفيتي. إنه توسعي، إمبريالي. لكن في رأيي، إن هذه الحجّة خاطئة، يتعلق الأمر في الواقع  بالجهود الغربية لتحويل أوكرانيا إلى حصن غربي على حدود روسيا.

العنصر الأساسي في هذه الاستراتيجية هو بالطبع توسيع الناتو. في رأيي، يعود كلّ هذا إلى قرار قمّة الناتو في بوخارست في أبريل 2008، والتي قررت أن تصبح كلّ من جورجيا وأوكرانيا جزءاً من الناتو. أوضح الروس في ذلك الوقت وبشكل قاطع أنّ هذا أمر غير مقبولٍ، وأنّه لا ينبغي لجورجيا ولا أوكرانيا أن تصبحا جزءاً من الناتو. بل أن الروس أوضحوا أنهم يرون في ذلك تهديداً وجودياً. من المهم جداً فهم هذه الكلمات. من وجهة النظر الروسية، كان يُنظر إلى توسع الناتو باتجاه الشرق على أنه تهديد وجودي منذ البداية. لا يعتقد الكثير من الناس في الغرب أنّ هناك تهديداً وجودياً للروس، لكن ما يعتقدون أنّه غير ذي صلة، لأنّ الشيء الوحيد المهم هو ما يعتقد بوتين وزملاؤه الروس، وهم يؤمنون بتوسع الناتو باتجاه الشرق، يمثل خطراً وجودياً لهم.

لعلني أكون صريحاً، أعتقد أن هناك أدلّة دامغة على أنّ الأمر لا يتعلّق بالتحركات الإمبريالية لبوتين،  ولكن كما ذكرنا، يتعلق الأمر بتوسيع الناتو. إذا نظرت إلى خطابه يوم 24 فبراير الذي يبرر فيه سبب غزو روسيا لأوكرانيا، فهو يتعلق بتوسيع الناتو وحقيقة أنّه يعتبره تهديداً وجودياً لروسيا. إذا نظرت إلى انتشار القوات المسلحة في أوكرانيا، فمن الصعب أن تجادل بأنّ الروس يريدون غزو أوكرانيا واحتلالها ودمجها في روسيا الكبرى. عندما تستمع إلى حديث زيلينسكي عن حلّ ممكن، فإنّ أوّل ما يطرحه هو مسألة أوكرانيا المحايدة. يوضح لك هذا أنّ ما هو على المحك حقاً هو توسيع الناتو والحياد الأوكراني. ليس هناك ما يشير إلى أنّ بوتين يريد بالفعل جعل أوكرانيا جزءاً من روسيا.

كما لا يوجد دليل على أنه قال، إنّ ذلك ممكن وأنه كان ينوي القيام بذلك. يمكن للمرء أن يفترض أنّه يود من قلبه أن يرى أوكرانيا كجزء من روسيا. ربما يودّ أن يرى عودة الاتحاد السوفيتي أيضاً. لكن كما أوضح هو نفسه، هذا غير ممكن، وأيّ شخص يفكر بهذه الطريقة، يفكر في الاتجاه الخاطئ. سأكون ممتناً لو قام شخص ما بتوجيهي في شرح سياسة بوتين المعلنة بالفعل بهدف إنشاء روسيا الكبرى، أو استعادة الاتحاد السوفيتي. إذا كنتِ (المقصود كاترينا، المترجم) تتفقين معي على أنه يواجه تهديداً وجودياً ، فهذا يعني أنه يَعتبره تهديداً لبقاء روسيا. وعندما يجد نفسه في مثل هذه الحالة، يجب ألاّ يخسر. عندما تواجه تهديداً وجودياً، لا يمكنك أن تخسر. ليس لديك خيار، إلاّ الفوز.

هذا يقودنا إلى الجانب الأمريكي. ماذا يفعل الأمريكيون؟ ما نفعله نحن (الأمريكيون) هو ما كنّا نفعله بعد اندلاع الأزمة في 22 فبراير 2014 نحن نضاعف جهودنا. قررنا هزيمة روسيا في أوكرانيا. سنلحق هزيمة ساحقة بالروس في أوكرانيا. وفي نفس الوقت سنخنق الاقتصاد الروسي. سوف نفرض عقوبات قاسية على الروس، ونركعهم على ركبهم. بعبارة أخرى، سنفوز وسيخسرون. بالإضافة إلى ذلك، بذلت إدارة بايدن والرئيس نفسه جهوداً هائلة لتصعيد الخطاب وتصوير الروس على أنهم مصدر كلّ الشرور ونحن "الولايات المتحدة" كأشخاص صالحين، وإلى اعطاء انطباع في أذهان الناس بأنّ هذا الوضع، لا يسمح بالمساومات، ولا يمكن المساومة مع الشيطان. هذا يعني في الواقع، أننا (المقصود الولايات المتحدة الأمريكية، المترجم) يجب أن نفوز هنا أيضا.

إذا انتصر الروس في هذه الحرب، فسيكون ذلك بمثابة هزيمة مدمرة لجو بايدن. وكما يجب على الروس أن ينتصروا في هذه الحرب لأنها تشكل تهديداً وجودياً لهم، فهم لن يتنازلوا بأي شكل من الأشكال. ولا أرى، أن الأمريكيين يتراجعون بأي حال من الأحوال. إذن كيف يمكننا إيجاد حلّ تفاوضي؟ لا أعتقد أن هذا سيحدث. ستكون حرباً بين الولايات المتحدة وروسيا، وستستمر لسنوات.

أعلم أننا (الولايات المتحدة) في هذه المرحلة لسنا في قتال، لكننا أقرب إليه. هناك الضغط السياسي  الكثير على إدارة بايدن، لتطبيق منطقة حظر الطيران وغزو أوكرانيا لأغراض إنسانية وما إلى ذلك. كان بايدن حتى الآن قادراً على تحمل هذا الضغط ، ولكن إلى متى؟ وماذا لو جرنا حادث عسكري إلى القتال؟ قد ينتهي بنا المطاف في موقف، حيث تقاتل الولايات المتحدة وروسيا بعضهما البعض مباشرة في أوكرانيا. لعلنا نأتي الآن إلى موضوع التصعيد النووي.

أعتقد أنه إذا تم جر الولايات المتحدة إلى معركة ضد روسيا وأصبحت حربًا تقليدية في أوكرانيا، أو حول أوكرانيا في الجو، فإن الولايات المتحدة ستقضي على الروس. وإذا صمد الأوكرانيون بشكل جيد عسكريا ضد الروس، يمكنك أن تتخيل إلى أي مدى سيكون أداء الأمريكيين أفضل في المعارك العسكرية وعلى الأرض أيضاً ، أليس كذلك؟ ألا تعتقد أنه من الممكن أن تلجأ روسيا إلى الأسلحة النووية في مثل هذا الوضع؟ أعتقد أنها من الممكن. لقد درستُ الكثير من التاريخ العسكري. درستُ القرار الياباني بمهاجمة الولايات المتحدة في بيرل هاربور عام 1941. والقرار الألماني ببدء الحرب العالمية الأولى أثناء أزمة يوليو عام 1914. نظرتُ في القرار المصري بمهاجمة إسرائيل عام 1973

لقد شعر صناع القرار، في كل هذه الحالات، أنهم في وضع يائس، وكانوا يعلمون أنهم بطريقة ما، كانوا يرمون النرد، وأنهم يتبعون استراتيجية محفوفة بالمخاطر بشكل لا يصدق. لكنهم شعروا أنه ليس لديهم خيار آخر وشعروا بأن بقاءهم على المحك. لذلك نحن نتحدث عن دولة مثل روسيا تعتقد أنها تواجه تهديداً وجودياً، ونحن ندفعها إلى أقصى حدّ. نحن نتحدث عن تدمير روسيا. النقطة المهمة ليست فقط هزيمة روسيا في أوكرانيا، ولكن تدمير روسيا اقتصادياً أيضاً. هذا وضع خطير للغاية، وأجد أنه من المدهش كيف نتعامل مع هذه المشكلة باستخفاف. بالمناسبة، إنني أعتقد أنّ هذا له علاقة كبيرة بحقيقة أنّ العديد من الأشخاص الذين يفكرون في هذه المشكلة اليوم، نشأوا في العصر أحادي القطب وليس خلال الحرب الباردة. لقد فكرنا طويلًا وبجدّ في الحرب النووية.

لقد فكرنا طويلا وباهتمام في العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وكيف يمكن أن تؤدي إلى حرب نووية. الناس الذين نشأوا في العصر أحادي القطب، لا ينشغلون بمثل هذه القضايا. إن هذا وضع خطير للغاية. أود أن أشير إلى أنه حتى لو لم يقاتل الروس والأمريكيون بعضهم البعض بشكل مباشر، وإذا كان الأوكرانيون قادرون على تعثر الروس في أوكرانيا وإلحاق هزائم واضحة بهم، فلا يزال بالإمكان أن يلجا الروس إلى الأسلحة النووية. هذا ممكن. هل هو محتمل؟ لا، ولكنه ممكن. مايخيفني كثيراً، ويجب أن يخيف معظم الأمريكيين، وخاصة معظم الأوروبيين. لذلك عندما ألقي نظرة على العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا اليوم، أعتقد أننا عمليا في حالة حرب مع بعضنا البعض. صحيح أن الأمريكيين لا يقاتلون الروس في ساحة المعركة، لكن الوضع خطير للغاية.

وماذا عن أوكرانيا؟ ألا يوجد مجال للأوكرانيين لتصرف مختلف؟  إنها بلدهم التي يتم تدميرها. يمكن للمرء أن يجادل بأن الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، على استعداد لخوض هذه الحرب حتى آخر أوكراينيا. والنتيجة النهائية ستكون تدمير أوكرانيا كدولة. هل من الممكن أن يقول الأوكرانيون بأنفسهم كفى هذا، وأن يضعوا حداًلذلك، وهل تسنح لهم الفرصة؟ لسوء الحظ، ليس هذا هو الحال. إن الولايات المتحدة لن تسمح للأوكرانيين بعقد صفقة لا تقبلها الولايات المتحدة. نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالاً يوم الاثنين أوضحت، أن الحكومة وحلفاءنا في الناتو قلقون للغاية من أن الأوكرانيين قد يبرمون صفقة مع الروس تجعل الأمر يبدو وكأن الروس قد فازوا، أو يقرون في الواقع بانتصار الروس، إلى حدّ ما على الأقل. وكما قلت سابقًا، فإنّ إدارة بايدن عازمة على إلحاق هزيمة ساحقة بروسيا. إذا قرر الأوكرانيون إبرام صفقة والتنازل عن نصر كبير لروسيا، لن يكون هذا مقبولاً للأمريكيين، وسيعملون مع القوميين اليمينيين المتطرفين في أوكرانيا لتقويض زيلينسكي أو خليفته سياسياً. لذلك لا أرى أي احتمال أن تتدخل أوكرانيا وتنهي هذه الأزمة بنفسها. كلّ ما يمكنني رؤيته هو أن هذه الأزمة آخذة في الاتساع.

في الختام، أود أن أذكر أن جورج كينان" George Kennan "قال في أواخر التسعينيات إن توسع الناتو كان خطأً مأساوياً، وسيؤدي إلى بداية حرب باردة جديدة. بدا الأمر في البداية وكأنه كان مخطئا. حدثت الشريحة الأولى من توسع الناتو في عام 1999 وفلتنا، والدفعة الثانية في عام 2004 وتجاوزنا ذلك أيضاً. ولكن عندما تم اتخاذ قرار بشأن الشريحة الثالثة في أبريل 2008، والتي كان من المفترض أن تشمل أيضاً جورجيا وأوكرانيا ، كان من الواضح أننا ذهبنا بعيداًجداً. والنتيجة النهائية ، لسوء الحظ ، هي أن تنبؤات كينان قد تحققت.