الحياة بين رفوف الكتب في مكتبة مستقلة لازالت حلما قادرا على التحقيق والحياة في ظل الوضعية الكئيبة والمأساوية أحيانا والتي تظهر تراجع لافت للقراءة ولصناعة إنتاج الكتاب في العالم العربي هنا تجربة مصرية مع امرأة حالمة عايشت مراحل أساسية من تاريخ مصر وفي هذا التقرير نقترب من رهان فتح مكتبة مستقلة أمام جمهور القراء وخلق فضاء جديد للمعرفة في ظل وضع تضيق فيه المسافات بين الكتاب وجمهوره وبين الكاتب ومتلقيه، وماناسي غوبالاكريشنان التقت صاحبة المكتبة وتقدمها لقراء قنطرة.

حوار ثقافات من نوع خاص في القاهرة

ماناسي غوبالاكريشنان

مثل مصر شهدت مكتبة ديوان المستقلة تغييرات كثيرة

تتحدث المصرية نادية واصف عن افتتاح أول مكتبة مستقلة في مصر وعن كتاب لها يحتفي بالكتب وبائعيها. ماناسي غوبالاكريشنان تعرفنا بالكاتبة وبمكتبتها المتعددة اللغات. إذ شهدت نادية واصف الكثير خلال عمرها الذي تجاوز الأربعين عاماً. ولدت في القاهرة، وفي عام 1981، حين كانت في السابعة من عمرها، اغتال الإخوان المسلمون الرئيس أنور السادات وأصبح نائبه حسني مبارك رئيساً لمصر. وفي عام 2011، حين كانت في الـ 37 من عمرها، شهدت إطاحة الربيع العربي بالدكتاتور مبارك.

وبعد عام من تولي عبدالفتاح السيسي السلطة في عام 2014، انتقلت إلى المملكة المتحدة. وقبل ذلك، أمضت واصف معظم حياتها في حي الزمالك، وهو جزيرة في وسط نهر النيل غرب القاهرة. وهناك قررت مع أختها هند افتتاح أول مكتبة لهما، مكتبة ديوان.

وقد خلّدت التجربة في كتاب بعنوان: "حياة رف: تاريخ بائعة كتب في القاهرة"، والذي صدر بالإنكليزية في الخامس من تشرين الأول/أكتوبر 2021.

ظهور فكرة المكتبة

ظهرت فكرة افتتاح مكتبة في وقت كانت واصف تشعر فيه بالضعف والإحباط. تقول: "رحل والدنا بعد معاناة طويلة ومريرة مع المرض". ومن ثم خلال عشاء مع بعض الأصدقاء، سألها أحدهم: "إن كان بإمكانك فعل أي شيء، فماذا ستفعلين؟".

"كل رف ينبغي أن يكون مهماً، وكل كتاب ينبغي أن يقدّم مساهمة": افتتحت واصف وشقيقتها مكتبة ديوان في الزمالك في القاهرة، في الحي الذي نشأتا فيه. كانت رؤيتهما تتمحور حول توفير مساحة تحفّز النقاش. وترمز المكتبة كذلك، برفوفها المنسّقة وكتبها باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية والألمانية، إلى الحوار بين الثقافات.

أجابت هي وأختها في الوقت ذاته: "سنفتتح مكتبة". قالت: "أتذكر تلك الليلة التي جلسنا نحلم فيها بالمكتبة". "قالت أختي هند: لن تكون مجرد مكتبة عادية، بل ينبغي أن يكون كل رف مهماً، وينبغي أن يقدم كل كتاب مساهمة".

وكما تذكر في كتابها "حياة رف" فإنّ اسم المكتبة "ديوان" قد كان بناء على اقتراح من والدتهما فايزة. وشرحت فايزة، أنّ سبب اختيار كلمة "ديوان"، يعود إلى أنها تعني مجموعة قصائد باللغة العربية واللغة الفارسية، وتعني أيضاً مكاناً يجتمع فيه الناس. ويمكن استخدام الكلمة للدلالة على دار ضيافة (نزل) أو حتى أريكة أنيقة.

إضافة إلى ذلك، ووفقاً لفايزة، فإنّ كلمة ديواني تشير إلى نوع من أنواع الخطوط العربية. كما أنّه من السهل نطق الكلمة سواء بالإنكليزية أو الفرنسية أو العربية. وهكذا وُلِدت مكتبة "ديوان".

افتُتِحت في عام 2002، باعتبارها المكتبة المستقلة الوحيدة من نوعها في مصر، وسرعان ما حقّقت نجاحاً هائلاً. وخلال عقدٍ من الزمن، أصبحت المكتبة عبارة عن سلسلة متاجر تتوزّع في 10 مواقع وما يقارب من 150 موظفاً. وكل هذا على الرغم من وجود ثورة تتشكّلُ في البلاد.

شهادة على العصر

يمكن اعتبار تاريخ مكتبة واصف بمثابة شهادة على العصر. تقول واصف: "في السنوات العشر الماضية، شهدنا ثورات، وشهدنا انهياراً مالياً، وشهدنا ثورة أخرى". وهي تشير بذلك إلى الربيع العربي الذي بدأ في عام 2011، والحكومة الديمقراطية القصيرة التي شهدت حكم الإخوان المسلمين للبلاد، وصعود الرئيس الحالي للبلاد، عبد الفتاح السيسي.

كتبت واصف الكتاب، كما تقول، ليس لتفهم "علاقتي مع المدينة والمكتبة" بصورة أفضل فحسب، بل لتحتفي أيضاً بـ"القاهرة التي كانت موجودة قبل 20 عاماً". وتصف المكتبة بأنها "مثل أخت قد لا تنسجم معها مرة أخرى، لكنك تتمسّكُ بها، لأنك تعلم أنكما الشخصان الوحيدان اللذان يملكان نفس الذاكرة". وشكّلت مكتبة ديوان كذلك، طريقتها لمعالجة الصور النمطية، لا سيما تلك التي تدور حول أنّ النساء في مصر يواجهن مشاكل في ممارسة الأعمال التجارية.

تقول واصف، التي قررّت ألا تدع هذه الأعراف تقف عائقاً أمامها: "أخبرني كيف يتعامل الرجال مع كونهم رجالاً في موضوع الأعمال. أعتقد أنك حين تعمل من هذه العقلية، فستستمر بالمضي قدماً". وتضيف أنّ التحدي الأكبر الذي واجهته تمثّلَ في التعامل مع البيروقراطية.