بالمنهج الشعري، يكتب الشاعر والناقد، قصته التى يصل بها إلى عمق العداوة بين الجيران، مستخدما الرمز الدال، حين جعل العفريت يعتمر الأبيض، وأحد مسئولى القرية المجاورة.

العفريت

عايدى على جمعة

 

كان من عادته أن يتجول بين الحقول فى ليالى الشتاء، حيث يختلط ضوء النجوم مع عبير الزرع الفائح، ويتهادى مركب القمربين أمواج السحب البيضاء، حاملا أميرة المساء التى تركت ضفائر شعرها، وهى تبحث عن حبيبها المختبئ منها  بين طيات السحاب المتراكم، وتأتى أنفاسها بردا وسلاما على وجه أهل الأرض، خصوصا السائرين فى الحقول، وتتعانق أشجار الصفصاف على حافة الترعة المنسابة المياه، ويسير الهواء بين نبات البرسيم ، فيشعربه وهو يمر على وجهه، وكان خاله الذى هو فى مثل سنه رفيقه فى الغالب فى هذا التجوال.

وقد اختارا لوجهتهما شمال القرية حيث يطلق عليه أهلها "وش البحر".وكان يطيب له أن يحدث رفيقه عن حبه ولواعجه، ونهاية هذا الحب غير السعيدة.

وبينما هما واقفان حيث كان وجهه للفضاء، ووجه رفيقه لبيوت القرية، وأكواخها جحظت عين الفتى بطريقة مخيفة جعلت رفيقه يصاب بالرعب، فقد شاهد فجأة جنديا عملاقا مغطى بالحديد وعليه خوذة كأنه من العصور الوسطى يسير على السكة العالية ذات الحشائش ونبات الحلفا الهائج ، وذات الارتفاع من بعيد ، والانخفاض من قريب،  وقد انحدرهذا الجندى  بصورة مخيفة ناحيتهما.

فصرخ الفتى صرخة جرحت سكون القرية الناعس، واستدار مذعورا تاركا شبشبه حيث انطلق فى عدو جنونى مصحوب بالصراخ، ورفيقه فى أثره، مخترقا شارع القرية الطويل الواسع، فى حين كان الفلاحون يغطون فى نوم عميق.

وحينما وصل لاهثا إلى البيت وجد جده مغطى بالأغطية الكثيرة حذر البرد، ولكنه كان مستيقظا، فقال لجده : لقد رأيت عفريتا!

فقال له جده: لا عليك نم مطمئنا، وألقى عليه الأغطية الكثيفة.

بعد فترة وجيزة جاء رفيقه، ونادى عليه فخرج، فقال له الرفيق: ماذا أصابك؟

فقال: لقد رأيت عفريتا وقد اتخذ هيئة جندى عملاق من العصور الوسطى، وعليه خوذة!.

فقال له رفيقه: تعال معى.

فذهبا إلى بيت خاله، وفى الطريق شاهد شيخ البلد للقرية المجاورة راكبا حماره القوى، وقد تعمم بشال أبيض وطاقية بيضاء، وهو يسب أهل القرية، لأن هناك من خاف منه، وجعله عفريتا.