وتظل الطفولة هى الصفحة البيضاء التى تحتفظ بأول الخطوط المنقوشة عليها، ليصبح الإنسان أسيرها، ما بقى من عمره الذى قد يطول، إلا أن الكاتبة استطاعت أن تكثف الرؤيا، لتضع الفيل فى البوتقة، بصياغة شاعرية، مدربة.

نصف الحالة

ابتهال الشايب

 

في ظل هذا كله يقف في أحد جوانب عقله بنطال كبير يثير في نفسه شهوة، وفي الجانب الآخر لهذه المنطقة يقع بنطاله الصغير مطويا نائما، ثمّة اشتياق لشي معين لا يستطيع تحديده بعد ، عاريا يقف أمام المرآة، السكون والفراغ اللذان يغلفان الحجرة يجمعان له مساحات رحبة من حرية فعل أي شئ ، أدوات الحلاقة تزيل شعر جسده بالكامل في سعادة، يختفي شاربه في المرآة، بشرته تلمع نعومتها في هدوء ، يتجه إلى دولاب أمه ثم يفتحه ، يبحث قليلا ، يناديه أحد قمصان النوم القديمة، لم تزل قديمة ولكنها تحمل عبق الأنوثة داخل جوانبها ، يرتديه ، يلتقط الشعر المستعار لكي يغطي رأسه، أدوات التجميل والحلي تتعرف علي مواضعها في وجهه وأطرافه ،يجتاحه ارتياح حبس كثيرا داخل رجولته الواهنة ، كم تنكر طويلاً تحت لباس الرجال!... قميص النوم ذو لون أحمر داكن يراود تفكيره قليلا ، يجذب القميص، يتفحصه، الخيال يشكل له كيف سيكون جسده بداخله!...

بالتأكيد سيلائمه أكثر . قميص أخر ذو لون أزرق يثير إعجابه ، غير أن البنطال الكبير لم يزل يدور بعقله ، العطور النسائية تملأ جو الحجرة، فتدفعه لتلمس أنوثته بإصرار ملح . يداعب أذنيه رتم لذيذ لموسيقي ما تنبعث من جهاز "إم بي فور"، فيمارس الرقص الشرقي بمهارة فائقة، تهزمه الأنوثة، فيمسك بنطالا يشبه كثيرا البنطال الكبير الملتصق بعقله، يقذف به إلى الفراش،يرتمي عليه، يضاجعه، تلمع أنوثته في الظلام،إلي أن يصمت كلاهما وينام.

يراه نور الصباحِ فيستيقظ، يشعر وكأن هذا النور يحمل نفس متعة إحساسه بالأنوثة، يضطر لأن يعود إلى رجولته مؤقتاً ؛ليذهب إلى عمله، فيترك ملابسه الأنثوية، يزيل مساحيق وجهه ،وشعره المستعار آسفا، كان وجوده في ملابسه الرجالية يعصف بروحه، يتكوم هذا الاحتمال بداخله، أدوات الحلاقة التي يستخدمها في عمله تكون بقعا ساخنة في نفسه خاصة عندما يزيل شعر ذقن الزبائن حيث يتجمع شعر أسود لامع قصير على حافة موس الحلاقة، بذات الوقت البنطال الكبير الذي يسكن عقله، ينتظر انتهاء عمله بآخر قطرات احتماله، ولا يزال النسيم في الهواء يداعب نعومة أنوثته، يتحفز من جديد ليتخلى عن ملامحه الرجولية، يهمس له البنطال الكبير داخل عقله، فيضاجع بنطالا آخر، تثور براكين من المتعة الصامتة بداخله، ينتهي ويترك البنطال الذي ضاجعه وحيدا، يستيقظ في عقله بنطاله الصغير ويجري بداخل نفسه في كل اتجاه لتملأ ذكراه روحه وقلبه، بينما يكتشف أنه يختلف تماما عن البنطال الكبير المتشبث دوما بعقله، ليس التباين في العمر أو الشكل ولكن التباين علي قدر ما يعرِف وجهيهما في لحظة ما استطاع فيها هذا البنطال الصغير أن يكون حاملا رجولة يافعهً كما لم تكن الأنوثة تعرفه مثلما يحدث الآن، لم يدرك تحديداً لَم انحرفت الذكورة التي طالما عاش بها إلى أنوثة تنفجر وتستكين في آنٍ واحد؟! يتوتر هواء الغرفة حوله من الحيرة التي توخزه من حين لآخر، يرهق جسده فينام.

الصباح من جديد يقف في السماءِ، والشوارعِ المعتركة حوله تكتظ ولا تبالي بما يعانيه، بينما يداه تجرفان شعر أذقان الزبائن كالمعتاد، وعن غير قصدِ يجمع أكوامَ الشعرِ الصغيرةِ الملقاة والناتجة عن الحلاقة لكي يضعها علي أذقانهم مرةً أخري، يسعده كثيرا وجود شعر الذقن والشارب في زبائنه، وكم يريد أن يقنعهم بضرورةِ وجوده علي وجوههِم، يستصرخهم، لا تمحونه، فكم يثير هذا أنوثته المخبأة! توقظه من التفكير أصوات السيارات التي تجئ من خارج أبواب محل عمِله الزجاجية، بنطاله الصغير ما يزال مستيقظًا في عقلِه فيتأكد أن، ثمة شيئا يتوارى عن ذاكرِته، يجرى في عقله البنطال الصغير لكي لا يراه البنطال الآخر وكأنما يهرب منه، الاندهاش يلتهب بداخلهِ فلا يعرف ما علاقه البنطال الصغير والكبير بما يشعر بهِ من وخزات أنثوية تنمو بداخله كل يوم!... شعر أذقان الزبائن يزداد فيزيلُه مستثارا، تقترب منه آخر ساعات العمل فيجلس آخر زبون على كرسي الحلاقة أمامه، يتأمله فتحرقه رغبة كلا البنطالين المتشبثين بداخله نظرا لغزارة شعر الزبون.. خاصة شعر ساعديه الممدودين في هدوء والبارزين أسفل "تي شيرت" ضيق يفضح رجولته، فتضطرم رغبته أكثر، يصل إلى حجرته غير قادرٍ علي الحراكِ فيرى داخلَ عقِله أن البنطالَ الكبير يقتنص الصغير ويواقعه، يسلب منه بعض خطوط الرجولة، الآن يسترجع ما فقده علي أيدي أحد الرجال حين كان صغيرا.

يستمر شعر الزبائن في الغزارة، فيصبح فستانا يسير ليلا في الطرقات باحثا عن بنطال حقيقي.