يكتشف الباحث المغربي أن اهتمام الشاعر المغربي بقضية فلسطين قد تحول إلى نوع من الميثاق الكاشف عن مدي تجذرها في النفس العربية. ويتناول بعض القصائد التي تضيء لنا إيمانه بأن النضال يكون بمواجهة المحتل، وبالكتابة الشعرية، التي تدين التخاذل العربي والدولي، وتحفز الفلسطينيين على النضال لتحرير وطنهم.

الميثاق الشعري في التجربة الشعرية المغربية الحديثة

الانتصار للقضية الفلسطينية نموذجا

عبد الله صدوكي

 

حاصر حصارك لا مفر/ .. قاتلْ عدوك لا مفر/ .. سقطت ذراعك فالتقطها/ وسقطتُ قربك فالتقطني/ ...و اضرب عدوك بي..

                                      محمود درويش

 

تَقْدِمَةٌ:

المتصفح لكثير من الدواوين الشعرية، التي كتبها الشعراء المغاربة الحداثيون، ابتداء من العقد السادس من القرن العشرين، ووصولا إلى عقدي القرن الواحد والعشرين، سيعي تمام الوعي بأن القضية الفلسطينة، بما هي جرح إنساني غائر، ونزيف عربي فاغر، قضية إنسانية مؤثرة مؤلمة، شغلت بال جمهرة من الشعراء المغاربة، وآلمتهم بمرارة المعاناة، التي مازال يتجرع علقمها الشعب الفلسطيني، المغتصبة أرضه، والمقتلة أرواح أبنائه الأبية، أرواح لم تستثن منها الاعتداءات الصهيونية القاتلة صغيرا أو شابا أو كبيرا، سواء كانوا ذكورا أم إناثا، لتدخل القضية، نتيجة ذلك مرحلة النضال من أجل التحرير من قبضة المحتل الغاشم، مستعملة في ذلك كل الوسائل الحربية، التي في مكنتها تحقيق الانتصار، وتحرير المناطق المحتلة من الوطن.

فظهرت في خضم ذلك أشكال من المقاومة الجسورة، التي لا تهاب الموت ولا تخاف الردى[1]، رغم قلة تجهيزاتها الحربية، وندرة معداتها القتالية. الأمر الذي لم يسعف جهودها المبذولة في هزم المحتل وفي طرده، بل جعلته يتقوى ويستأسد، ويقتل كيفما شاء وأنى شاء زهرات الحياة الفلسطينيية المغدورة، فكثرت جراء ذلك المجازر، وتعددت المذابح، وانتشرت المحارق، كل ذلك أمام صمت عربي ودولي مقيت منبطح، دال على قمة الخضوع والإذعان والخوف من كيان وهمي، مدعوم بالولايات المتحدة الأمريكية، وبعض حلفائها الأوربيين وشرذمة من العرب. ونتيجة هذا الوضع الكالح الجارح، عبّر الشعراء المغاربة عن انتصارهم للقضية الفلسطينية، وعن تضامنهم اللامشروط مع الفلسطينيين، جاعلين من الكتابة الشعرية ميثاقا وعهدا بهما ينافحان عن مشروعية هؤلاء في الدفاع عن وطنهم المقدس فلسطين، الذي ما فتئ الاحتلال يسعى بشتى الوسائل إلى إيهام العالم بأنه أرض أجداده، وأرض ميعاده، وهم أحق بها من أهلها. وهذه الإسرائليات البائدة، إنما تعكس وهن المبرارات ووهيها؛ لأن قوة التاريخ وقوة الفلسطينيين، سيثبتان أحقيتهم في أرضهم، مهما طال زمن وجود ذلك الكيان الصهيوني الغاصب على أرضهم.

ومن هنا فقد شكلت النّكبة الفلسطينة الواقعة سنة (1948)، وما تلاها من نكسات واعتداءات على حياة الفلسطينيين العزل، رهانا إبداعيا وميثاقا شعريا مركزيا، شغل اهتمام الشعراء المغاربة، الذين اعتبروا الكتابة عنها، إنما هي طريقة من طرائق المواجهة والنضال ضد ذلك المحتل الصهيوني الغاشم، وهي كذلك نوع من أنواع التعبير عن سخطهم وشجبهم لكل ما يتعرضون له، مرتكنين إلى كل وسيلة تحفيزية، يمكنها أن تسعفهم وتساندهم في طرد شرذمة المحتل. وإلى يوم الناس هذا، هاهي سيدة التاريخ/ فلسطين كما قال شاعرها الصدّاح محمود درويش، بمدنها الأثير تاريخها والأثيل شعبها، ترزح تحت نير العدو الصهيوني، المحصّن من جيرة عربية متصهينة تمنحه القوة والعتاد، والمدعوم كذلك من دول عظمى ذات أنظمة عسكرية قوية تسليحا وعتادا حربيا.

إن هذه الدراسة ستسعى إلى تبين ميثاق الشاعر المغربي الشعري، محاولة الكشف عن جوانب الانتصار للقضية الفلسطينية التي عبر عنها من خلال كتابته لقصيدة أو أكثر، تستضمر معاني الإهابة والتحفيز تارة، ومعاني الشجب والرفض تارة أخرى، وهي بذلك تؤكد أن الشاعر المغربي، شاعر بوجدان عالمي، لا يكتفي بالتعبير عن همومه وهموم وطنه بل يتجاوزهما إلى التعبير شعريا عن هموم الآخرين، بالإضافة إلى الوقوف بجانب كل المضطهدين والمعذبين والمعرضين للاحتلال، وهو ما حاولنا تبينه في قصائد الشعراء، الذين توصلنا بقصائدهم، أو من اطلعنا على قصائدهم من خلال قراءتنا وتتبعنا لدواوين شعرائنا المغاربة. ومن بين القصائد الشعرية ذوات المواثيق الإنسانية، نذكر ما يلي:

  1. الميثاق الشعري في قصيدة "وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ ٱلرُّعْبَ" للشاعر المغربي مصطفى أبو البركات

يقتضي الإحساس الشعري الإنساني الهياع الالتفات إلى ما يعتمل الأنحاء المستلبة والمجتمعات المضطهدة المكلومة، التي لا تزال عرضة للتقتيل أو التهجير القسري، من طرف كيانات استغلالية تسرق خيراتها، وتستعمر أراضيها. كيانات مسنودة بقوى استعمارية كبرى، تحميها وتساعدها بعتادها وجيوشها، وهذا ما يحدث في دولة فلسطين المحتلة، من طرف كيان صهيوني خبيث، يستغل خيراتها ويقتل أبناءها العزل، ويهجر جزءا منهم قسرا إلى الدول المجاورة، ضاربا عرض الحائط كل المواثيق الدولية وكل حقوق الإنسان، التي كفلها المنتظم الدولي، لكن أبناء فلسطين، لم يَهِنوا لما يتجرعونه من تقتيل وتعذيب وتهجير، بل ما زالوا صامدين في جسارة وقوة متينتين، لا يتسرب لهما هوان أو يأس، مؤمنين بعدالة قضيتهم وبانتصارها، مهما طال استقواء المحتل وتجبره. وهذا الأمر هو الذي دفع كثيرا من الشعراء والمبدعين، والمتضامنين معهم من شتى البقاع والجهات، إلى التعبير عن شجبهم لتلك الممارسات العدائية الظالمة، في حق الفلسطينيين، سالكين في ذلك طريق البيانات التنديدية أو العرائض الشاجبة، أو الإبداعات الشعرية، التي تعكس في النهاية انتصارهم وتضامنهم مع هؤلاء المضطهدين.

ومن بين نماذج التضامن الشعري المغربي معهم، قصيدة وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ ٱلرُّعْبَ، التي كتبها الشاعر المغربي مصطفى أبو البركات، مؤكدا على حرصه الشديد على الوقوف جنبا إلى نضالات وجهادات الشعب الفلسطيني المقاوم، بكل ما تحمل كلمة المقاومة من معاني الشموخ والإباء والجسارة، رغم قلة أو بتعبير أدق انعدام الوسائل الحربية المتطورة، التي يمكنها أن تسهل عليها هزم جيش الاحتلال، بعد أن تجتاح قلاعه المحصنة، لكن حب الوطن وشرف الانتماء والجسارة الشامخة، مشاعر أرهبت العدو وأخافته، وإلى هذا أشار شاعرنا أبو البركات قائلا:

"صَهْيُونُ فِي ٱلْأَنْفَاقِ حَائِرَةٌ

وَبَانَتِ ٱلرَّجْفَةُ مِنْ ذُعْرِهَا

طَيْرُ ٱلْأَبَابِيلِ عَلَى رَأْسِهَا

تَرْمِي بِسِجِّيلٍ إِلَى وَكْرِهَا

تَرْمِي إِلَى تَلِّ أَبِيبٍ، فَمَنْ

يَمْنَعُهَا، وَاللهُ فِي نَحْرِهَا

بَحْرٌ هُوَ (ٱلْقَسَّامُ) طَامٍ، فَمَنْ

يُصَارِعُ ٱلْأَهْوَالَ فِي غَمْرِهَا؟"[2]

تكشف الأبيات الشعرية عن صورة محتل مرجف جبان، يتخذ الأنفاق ملجأ له، رغم عتاده العسكري القوي، فلا يستطيع مقاومة تجلد وقوة المجاهدين المنافحين عن أرضهم وعن أمهم فلسطين، التي لن يسمحوا له في أخذ شبر منها، لذلك استعار الشاعر لوصف قوتهم وجسارتهم الطير الأبابيل، للدلالة على قوتهم الفتاكة، التي تمطرهم حجارة قاتلة، تغدو بحرا طاميا أو طوفانا صخريا يجتاحهم، في أنفاقهم وفي مستوطناتهم، لذلك نرى أبطال فلسطين من حركة القسام المتواجدة بمدينة القدس، تجتاح أعداءها اجتياحا ضاريا، يصارع كل أهوال الموت عندما يواجه الصهاينة المحتلين، ولا يهابون ألوان الموت، والأمر نفسه يتبدى في مدينة غزة العزة، التي يأبى أبناؤها كل أشكال الخضوع والانبطاح، وعن ذلك يقول الشاعر مصطفى:

وَغَزَّةُ ٱلْعِزِّ عَلَى عَهْدِهَا

تَصْنَعُ بِٱلصَّبْرِ هُدَى نَصْرِهَا

يَنْهَضُ مِنْ تَحْتِ ٱلرُّكَامِ فَتًى

يُعَانِقُ ٱلشَّمْسَ عَلَى حَرِّهَا

مُجَاهِدًا، لَا يَنْثَنِي عَزْمُهُ

كَأَنَّمَا أَشْرَقَ مِنْ جِذْرِهَا

حَتَّى إِذَا ٱسَّاقَطَ مُبْتَسِمًا

تَلَقَّفَتْهُ ٱلْحُورُ فِي قَصْرِهَا

وَبَعْدَهُ يَأْتِي فَتًى آخَرٌ

وَآخَرٌ .. يُسْقَوْنَ مِنْ عِطْرِهَا."[3]

في هذا المقتطف الشعري، تطالعنا قيمة مركزية من قيم الوفاء، التي نذر الفلسطيني نفسه من أجلها، وهي قيمة تعكس حبه لأرضه، إذ تجده مدافعا عنها، نادرا عمره لحريتها، صابرا على بطش أيدي الاحتلال الغاشم، لا ينثني عزمه، أو يتقهقر حزمه، بل يستطيع أن يعانق الشمس والمدى، بروحه الوثابة الجسورة، حتى إذا ما استشهد في سبيل أرضه، وجدته مبتسما جذلا بما انتهى إليه مصيره، الذي يخسئ عدوهم المحتل، ويرعبه ويخيفه، فلا يستطيع لدفع تلك المشاعر إلا أن يواصل قتل غيره من الفلسطينيين، الذين ينذرون عمرهم لأرضهم، فتراهم يتساقطون فرادى وجماعات، لا يهمهم سوى تحريرها لمن سيأتي بعدهم، لذلك ستبقى فلسطين نموذجا صارخا للإصرار والجسارة، لا تخاف آسادها دبابة ولا صواريخ، ولا اعتقالات، وهذا ما أكده شاعرنا بقوله:

هَذِي فَلَسْطِينُ تَحَارُ ٱلْعِدَى

فِيهَا، وَفِي إِصْرَارِهَا، صَبْرِهَا

جَيْلٌ عَلَى جَيْلٍ، وَلَا حِيلَةٌ

تُوقِفُ بَعْضَ ٱلْعَزْمِ فِي أَمْرِهَا

كَمْ مِنْ أَبِي رَغَّالَ تُعْجِزُهُ

آسَادُهَا، يَفْزَعُ مِنْ زَأْرِهَا."[4]

هي ذي إذن فلسطين، التي حيرت العدى بتجلدها وقوتها واصطبارها، وأعجزت الرغالين من بني صهيون، حتى أنهم أصيبوا بالرهاب الشديد، نتيجة ما عاينوه من روح مقاومة جسورة وسمت نضالات أبنائها، الذين سيبقون رموز فداء ومشاريع تضحية وأجيال استشهاد من أجل قضيتهم العادلة، المتمثلة في تحرير أمهم فلسطين السبية، التي تنتظر ذلك اليوم، الذي سينتصر فيه أبناؤها، مهما طال ليل الاحتلال.

  1.  الميثاق الشعري في قصيدة القدس للشاعر أحمد المجاطي:

من بين الشعراء المغاربة، الذين عبّروا عن تضامنهم الإنساني مع الفلسطينيين، وعن وقوفهم اللامشروط إلى جانب أبنائها المناضلين في محنتهم المستمرة، نذكر الشاعر أحمد المجاطي الذي أفرد في ديوانه الفروسية قصيدة شعرية، سماها: "القدس"، عبر فيها عن رغبته الجسورة وحرصه الشديد على الموت من أجل تحريرها من يد الاحتلال، حيث يقول في مطلعها:

رأَيتُكِ تَدفنينَ الرِّيحَ

تحت عرائشِ العَتمه

وتلتحفين صمتكِ

خلف أعمدةِ الشبابيكِ

تصبّين القبورَ

وتشربينَ

فتظمأ الأحقابْ

ويظمأ كلُّ ما عتّقتِ

من سُحبٍ ومن أكوابْ

ظمئنا

والردى فيكِ

فأين نموت يا عمّهْ؟"[5]

يفتتح الشاعر المجاطي القصيدة بمشهد محزن مؤلم، يشبه فيه مدينة القدس بامرأة تدفن أبناءها الشهداء، وتشيعهم إلى مثواهم الأخير، بعدما ضحوا بأنفسهم من أجل تحريرها من قبضة العدو الصهيوني، هؤلاء الشهداء رمز إليهم الشاعر بكلمة دالة على القوة والتغيير ألا وهي كلمة الريح، ثم واصل تصوير مشهدها المحزن، وهي خلف قضبان الاعتقال، تلتحف غطاء الصمت، الذي يدل دلالة صادمة، تعكس هول ما تعرض له أبناؤها من تنكيل وتقتيل، حتى أن كثرة دفنها لهم، أدخلتها في حالة ظمإ مستطيل، لا ترويه غير جثث أبنائها الشهداء، الذين أصبحت كثرتهم دالة على رغبة عطشى منها في تحقيق الاستقلال المنشود، ليختم الشاعر المقطع بتساؤل دال على رغبته الكبيرة في الموت من أجل تحرير القدس، التي يعتبرها عمة مكلومة، وجب عليه انقاذها من براثن المحتل. وفي المقطع الشعري الموالي، ينتقل الشاعر إلى وصف مدينة القدس، حيث يقول فيه:

تحزّ خناجرُ الثعبانِ

ضوءَ عيونكِ

الأشيبْ

وتشمخ في شقوق التيهِ

تشمخ لسعةُ العقربْ

وأكبرُ من سمائي

من صفاء الحقدِ في عينيَّ

أكبرُ

وجهُكِ الأجدبْ

أيا باباً إلى اللهِ

ارتمى

من أينَ آتيكِ

وأنتِ الموتُ، أنتِ الموتُ

أنتِ المبتغى

الأصعبْ."[6]

يكشف المجاطي في هذا المقطع صور معاناة مدينة القدس، التي نهشتها ثعابين الاحتلال وعقارب جيوشه السامة القاتلة، مناديا عليها في آخر المقطع، بأن تفتح له بابا من أبواب الله، كي يرتمي في حضنها، رغبة منه في انقاذها، لكن هذه الرغبة تقف عاجزة عندما، يشعر بأنه غير قادر على الإتيان إليها من أجل أن يحررها، نظرا لوعورة وخطورة الاحتلال، الذي ملأها أمواتا وجثثا، لكن روح الشاعر، لم ترتكس، ولم تتخلف عن مساعدة القدس، فها هو، يعبر عن حنينه الجارف للموت في أحضانها، قائلا:

مددتُ إليكِ فجراً من حنيني

للردى وغمستُ محراثي

ببطن الحوتْ

فأيّةُ عشوةٍ نبضتْ بقلبي

في دم الصحراءْ

وأيُّ رجاءْ

تَفسَّخ في نقاء الموتِ

أشعل ظلمةَ التابوتِ

في عيني

فجئتُ إليكِ مدفوناً

أنوء بضحكة القرصانْ

وبؤسِ الفجرِ

في وهرانْ

وصمتُ الربّ أبحرَ في جوانب مكّةٍ

أو طورِ سينينا."[7]

بشكل ترميزي مكثف، يعبر الشاعر عن رغبته في الموت من أجل القدس، مستعملا كل الوسائل التي ستمكنه من تحقيق مبتغاه الصعب، الذي تأتى له، من خلال مجيئه إليها، لكنه مجيء أقرب للسخرية منه إلى المجيء الحقيقي، وسبب ذلك هو عدم استطاعته انقاذها، لأنه شخص صار مدفون الجثة، وميت الجسد، لا يستطيع أن يساعدها في محنتها، لترجع القصيدة في مختتمها التعبيري إلى ما بدأت به، وذلك بالاكتفاء بنبرة التمني، التي عبر فيها الشاعر عن رغبته الكبيرة في الموت من أجل تحرير عمته القدس، الأمر الذي دعاه إلى التساؤل مرة أخرى عن مكان موته في أرضها المأهولة بالأموات، وهذا ما أشار إليه في مختتم القصيدة، قائلا:

وتلتفتين لا يبقى مع الدمِ

غيرُ فجرٍ في نواصيكِ

وغيرُ نعامةٍ ربداءْ

وليلٌ من صريف الموتِ

قصَّ جوانحَ الخيمه

تصبّين القبورَ

وتشربينَ

فتظمأ الصحراءْ

ظَمِئنا

والردى فيكِ

فأين نموتُ

يا عمّهْ؟"[8]

من الواضح أن القدس/ العمة تلتفت في روح الشاعر بحثا عن فجر استقلال لعله يطل في أية لحظة، من بين يديه أو من بين يدي كل مدافع عنها أمام عدوها الصهيوني، لكنها لا تجد في التفاتها غير نعامة ربداء دالة على وهن الأمة العربية الإسلامية، التي يرين عليها الانبطاح والخنوع اللذان ينبئان بموتها الرمزي والنفسي، كما أن ليلها صار مجرد قطعة موت، لا تريد أن تنجاب عن سمائها، وبذلك تعود القدس إلى ممارسة شعائرها الأليمة من دفن وتشيع لجثامين شهدائها، الذين مازلت تصبهم صبا متواصلا، صبا لايزيدها إلا ظمأ لفعل الاستشهاد، الصادر إما من طرف أبنائها أو من طرف أبناء وأبطال الأوطان العربية والإسلامية الأخرى المدافعين عنها، ولعل أمثال شاعرنا كثر ينتظرون فرصة مواتية لفداء القدس والتضحية بالغالي والأنفس من أجلها، ومن أجل تحرير فلسطين، وهو الأمر الذي دفع شاعرنا في نهاية القصيدة إلى تكرار رغبته الهادرة في تحقيق حلم الموت بين أحضان عمته القدس، مؤكدا مدى انتصاره للقضية الفسطينية ولمعاناة شعبها، ومدنها، وبخاصة مدينة القدس، التي تفاعل معها الشاعر شعريا، معتبرا إياها ميثاقا ينبغي عليه الوفاء إليه.

  1. الميثاق الشعري في قصيدة "اشتعلي موجة قاصمة" للشاعر المغربي أحمد بلحاج آية وارهام.

إلى جانب ميثاق الشاعر المجاطي، نذكر ميثاق الشاعر أحمد بلحاج آية وارهام، الذي يستدعي القضية الفلسطينية، من خلال قصيدة كتبها عن مدينة القدس، وضع لها عنوانا، هو "اشتعلي موجة قاصمة"، فهذا العنوان، يشي بدلالات التحفيز والتشجيع، التي يؤديها فعل الأمر اشتعلي، الذي خرج هنا تخصيصا عن مقتضى ظاهره، وعن معناه الاستعلائي، ليلج ساحة التشجيع من أجل الاشتعال الدال على بدء المواجهة ضد الصهاينة المعتدين، لذلك جاء الفعل تعبيرا مجازيا، يطلب فيه الشاعر من مدينة القدس الاشتعال ثورة ونضالا، وفي ذلك إشارة إلى ضرورة استنهاض همم الفلسطينيين وتحفيزهم حتى تستطيع أمواجهم/ نضالاتهم، أن تقسم صخور جيش الاحتلال وتدكها، رغم أنها صخور مسنودة بمتاريس غربية كثيرة تساعدها وتقويها، وفي ذلك يقول الشاعر:

لو يديِ ملَكتْ نارَها

لو دَمي جبَلٌ

لو خُطايَ بُروقٌ

لكنتُ إلى القدسِ

                        سُوراً

                        وتُرساً

وكنتُ لها سَكَناً،

غير أني هنا

في ثَرًى

ليس يَنبُتُ فيهِ

سوى عَلَمِ العَمِّ سامٍ،

لهْ تسجدُ الظُّلمةُ الحاكمَهْ

فوق جِلْدِكِ يا قُدسُ،

فاشتعلي

تحت أقدامهمْ

مَوجةً قاصِمَهْ."[9]

يوظف الشاعر أحمد بلحاج في هذه القصيدة لفظة الاشتعال، وهي لفظة مجازية تنطوي على قدر دلالي كثير، يمكن أن نشير إلى بعضه، إذ إن الاشتعال دليل على الانتقال من حالة الانطفاء، التي يعيشها الفلسطينيون إلى حالة الاشتعال المؤدية إلى تفجير أمواج النضال العاتية، التي ستقصم صخور الاحتلال وتدك قلاعه، فالاشتعال مدعاة للحركة ومجلبة للانتصار، وهو في كل ذلك مسلك نضالي تستلزمه مواجهة المعتدين، كما أن التركيبة الوصفية "الموجة القاصمة"، منحت التعبير الشعري تكثيفا دلاليا خاصا، يؤشر على توظيف خاص لمعجم الطبيعة؛ فها هنا صارت الموجة القاصمة رمزا تعبيريا لفعل تحريري ينبغي على الفلسطينيين القيام به، متى تراجعت أمواجه أو انطفأت شرارات ثورته المحرقة. وبالعودة إلى جمل القصيدة ، نجد أن ذات الشاعر عبر صيغها التركيبية، تؤكد على ما ذكرناه سلفا؛ فالشاعر في مبتدإ القصيدة يتمنى لو أنه كان شعلة أو جبلا أو برقا، لاستطاع أن يحمي مدينة القدس، ولكان سدا منيعا وحصنا حصينا لها، ضد ضربات وهجومات المحتل الإسرائيلي، لكنه يدعوها إلى الانتفاض والانقضاض على عدوها، لأنه بعيد عنها، ولايستطيع مساعدتها من مكانه، الذي تحكمه طبقة منبطحة حربائية، تمنعه ذلك، لذلك طلب منها وبشكل تحفيزي مواجهة المحتل وإحراقه، أو إغراقه، ليؤكد - تبعا لذلك - بأن الميثاق الشعري عنده ما هو إلا ميثاق نضالي، ينتصر للمستضعفين، الذين يُضْطَهدون في أوطانهم ويُهَجَّرون من أراضيهم غصبا من قبل شرذمة الاحتلال.

  1. الميثاق الشعري في قصيدة "بطاقة حب لمحمود درويش" للشاعر المغربي الزبير خياط.

تحمل ذات الشاعر الزبير خياط ميثاقها الشعري بين جوانحها الشعرية، وتبرز هذه الذات ميثاقها ذاك في قصيدة أبدعتها حول القضية الفلسطينية، سمتها: "بطاقة حب لمحمود درويش"، تلك القصيدة/ البطاقة، تعكس انشغال الذات الشاعرة، واهتمامها الكبير بهموم الشعب الفلسطيني، الذي مازال يرزح تحت وطأة الاحتلال الصهيوني، ورغم أن القصيدة مجرد بطاقة حب إلى الشاعر الكبير محمود درويش، فهي تستضمر حبا شاملا للفلسطينيين جميعا، وتستبطن في الآن نفسه انتصارا وامقا لقضيتهم الأم، المتمثلة في تحرير أرضهم وطرد مستعمرها الصهيوني، وهي بذلك تؤكد على موقف شعري راسخ وميثاق نضالي شامخ يخص القضية الفلسطينية، ومن نماذج ذلك، قوله:

بِستينَ عاماً

من الحلم والأقحوانْ

وعشرِ حُروبٍ

ولا دربَ يمضي إلى ملح عكا

ولا نسلَ يَسكنُ في أرض كنعانْ .

هو الحلم ذاكرةُ المبعدين

ومنديلُهم نحو أحبابهم

في الشتات الطويلْ !"[10]

يخبرنا الشاعر في هذا المقتطف الشعري بأن حلم تحرير فلسطين من أيادي الغصبة المحتلين، تجاوز مداه ستين عاما، وهي مدة طويلة نسبيا، قياسا إلى عدد المذابح والمجازر والمحارق، التي ارتكبها العدوان الإسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، ورغم طولها كما قلنا، فهي لم تكن كافية لطرد ذلك الكيان الصهيوني المحتل، رغم عديد الحروب وتوالي المواجهات اليومية، التي لم تستطع أن تنهي وجوده بصفة نهائية. ويعطي الشاعر في المقطع مثالا بمدينة عكا، التي لم يجد دربا يوصله إليها، أو إلى باقي المدن الفلسطينية المحاصرة، ليبقى الوصول مجرد حلم يتمناه كل بعيد عن فلسطين سواء كان فلسطينيا مهجرا قسرا، أو كان غير ذلك، لكنه يرغب في دخولها من أجل تحريرها، كما هي حال شاعرنا في هذا المقطع، ثم ينتقل الشاعر بعدما غير الضمير من الغائب في المقتطف السابق، إلى الضمير المتكلم الجمعي، ليتحدث بلسان الفلسطينيين ولسان من يتضامن معهم، فيقول:

سنسقط في الأرض موتى وقتلى

ونَحيا مع اللوز في كل عامْ

لنهدي ل"ريتا" قصائد "درويش"

عن حبه المستحيلْ ."[11]

يؤكد المتحدثون في هذا المقتطف الشعري على أن مصيرهم سينتهي إلى الموت، لكنهم سيعودون إلى الحياة عبر أشجار اللوز، التي ستنمو على أرضهم، وفي انبعاثهم، الذي يشبه انبعاث فينيق اليونانيين، سيحيون ذكرى شاعرهم درويش، ذكرى وجوده بينهم، وذكرى جواه العاطفي المستحيل، وهيامه بمحبوبته ريتا اليهودية، التي كتب فيها قصيدته المشهورة ريتا والبندقية، تلك القصيدة فجرت مشاعر حب لاهبة عبر عنها محمود درويش، الذي لم يستطع لقاء محبوبته، أو حتى العودة إلى وطنه، إلا وهو محمول في نعشه، فلا هو حرر وطنه ولا هو التقى محبوبته، وإلى شيء من هذا أشار الشاعر الزبير خياط بقوله الآتي:

بعد خمسين عاما من النفي إلا عروق التراب

بأرض المعادْ .

يطير الحمام .. يحط الحمام

أتيتكِ في النعش مَيْتاً ،

ويأتيكِ جيلٌ جديدٌ

على صهوةِ الخيلِ

في بَزَّةِ الفاتحينْ

حنانيكِ

موتى وقتلى

ونحيا مع اللوز في كل عامْ "[12]

لقد عاد محمود درويش إلى وطنه، بعد خمسين عاما من النفي والاغتراب كما ذكر الشاعر، لكن عودته كانت عودة ميت محمول في تابوت. فبعدما كان إخوانه الفلسطينيون ينتظرون منه القدوم حيا للاصطفاف معهم، من أجل طرد المحتل، ها هم يتسلمونه جثة هامدة، لا تستطيع تحرير الوطن، أو انقاذ الإخوان، وهو ما عبر عنه شخصيا في المقتطف الشعري، كما أشار إلى أن من سيأتي بعده  من أجيال المقاومة، لن يكونوا إلا مشاريع موتى وقتلى، لايستطعون تحرير وطنهم المغتصب، بل سيصبحون مجرد أشجار لوز، ينبعثون في صورتها، كدليل على رمزية الاستمرار في الحياة و في إثبات الهوية الفلسطينية للأرض وإن بشكل آخر. وبالنتيجة سيبقى الاحتلال مغتصبا أرضهم، ومعتديا عليهم، في حين تجدهم ينتظرون الموت حتى يتحولوا إلى أشجار لوز لن تحرر شيئا، لكنها تؤكد أن تربة الأرض تربة فلسطينية محض. من خلال ما سبق نلحظ أن انهمام الشاعر في التعبير عن همه الشعري، لم يكن حبيس ذاته أو وطنه، بل تجاوزهما إلى التعبير عن هم فلسطين معتبرا إياه ميثاقا شعريا لا مندوحة من الانتصار له.

  1. الميثاق الشعري في قصيدة "مقام القدس الأعلى" للشاعر المغربي عبد السلام بوحجر.

تتنتصر تجربة الشاعر المغربي عبد السلام بوحجر إلى مجموعة من القيم الإنسانية المثلى، التي توثق ارتباطه الأصيل بالإنسان، مهما اختلف عنه دينيا أو وطنيا أو نسبا أو عرقا، وهو ما يعكس بجلاء إصراره الكبير على الحفاظ على ميثاقه الشعري، الذي يشي بشفافية حدسه الشعري، وبرهافة إحساسه الإبداعي،  الدال على إيمانه العميق بأن الشعر، متى راغ عن مقاصده الرسالية النبيلة، وانحرف عن أبعاده الجمالية العليا، أصبح مجرد كلام بارد متكلس، لا يفيد القارئ في شيء، ولا يستطيع أن يؤثر فيه. ومن بين قصائد الشاعر عبد السلام الشعرية، التي تعكس جانبا من تلك القيم الإنسانية والمقاصد الرسالية النبيلة، قصيدة "مقام القدس الأعلى"، التي تعد بحق ميثاقا شعريا، يؤكد ارتباط الشاعر الوثيق بالقضية الفلسطينية، وبخاصة ما يحدث في مدينة القدس، وفي هذا يقول:

وصحوتُ من نومي على صرخاتها

والدمعُ سال على فمي وردائِـــــــــــي

هدّأتُ أنفاسي بماء بــــــــــــــــــــارد

وقصدتُ شرفةَ منزلي بعنـــــــــاءِ

أوّلتُ: زائرتي هي القدس التــــي

تُسبى أمام عيوننا بجـــــــــــــلاءِ

كيف الوصول إلى زيارة أرضها

والمنعُ صار شريعةَ الجبنــــــــاءِ؟

وأنا سجينُ هوى قويٍ جـــــــارفٍ

وسجينُ داءٍ قد لوى أحشـــــــائِي؟[13]

نلحظ كيف صور الشاعر لحظة تداعٍ نفسي وارتجاج وجداني، أججته صورة المدينة، التي صارت شعريا امرأة تنوح وتصرخ، بسبب ما تتعرض له من اعتداءات بالضرب والتقتيل والحصار، الأمر الذي هز كيان الشاعر ورجّ نفسيته، حيث دخل في لحظة نشيج ممطر، فرض عليه البحث عن سبل للتخفيف من حدته، ليتجه بعد ذلك إلى شرفته، طلبا لمعرفة ماهية المرأة الزائرة، التي كانت تنوح وتصرخ، فإذا به يتأكد أنها مدينة القدس، تلك المدينة/ الأم الثكلى، الحاضنة لجثث أبنائها، والحامية لأرواح الأحياء منهم، رغم ما تتعرض له من سبي وحصار مميتين، يعكسان ما يمارسه العدو الصهيوني عليها من صنوف التعذيب وألوان التقتيل، لذلك نرى الشاعر بعدما تعرف عليها، بدأ يصرخ متسائلا، عن طريق توصله إليها، كيما يعتقها من براثن ذلك العدو المعتدي، ويرفع عنها ظلمه واعتداءاته المستمرة، كاشفا في آخر المقتطف الشعري عن  عشقه الجارف وعن محبته الائطة والمتلبسة بها، وهما شعوران يمزقان أحشاءه تمزيقا نازفا، متى رآها مهيضة النفس، وهنة الأعضاء، كالحة الملامح، في حين يجد نفسه غير قادر على انقاذها أو مساعدتها. وبهذا التفاعل الشعري، نلمس أن الشاعر بوحجر يحمل مبادئ ومواثيق إنسانية، تنتصر للإنسان المأزوم المظلوم، في شتات هذا المعمور، وهو ما ترجمه في بوحه الشعري المرهون، للمعاناة الإنسانية، سواء كانت فردية أو جماعية، أو كانت معاناة مرتبطة بمدن وأمكنة محتلة، ولعل انتصاره لمدينة القدس الفلسطينية المحاصرة بشرذمة الصهاينة، وتفاعله الإنساني مع ما تعيشه من حصار وتقتيل، لكبير دليل على وجاهة ما ذهبنا إليه.

خاتمة:
في محصلة ما ذكرناه سابقا،  فقد تأكد لنا أن الميثاق الشعري في الشعر المغربي المعاصر حاضر بشكل واضح جلي، وهو ما أبرزته القصائد الشعرية المجتباة في هذه الدراسة، التي عبر فيها شعراؤها عن رغبتهم الملحاحة في تقديم المساعدة للفلسطينيين، حتى يستطيعوا طرد العدو الصهيوني من أرضهم المقدسة. ومن الشعراء المغاربة، الذين انتصروا للقضية الفلسطينية، ذكرنا الشاعر مصطفى أبو البركات، الذي نظم قصيدا شعريا غرارا في حق فلسطين، أشار فيه إلى بعض مدنها مثل مدينتي القدس وغزة، وأبرز مدى قوة أبنائها المناضلين الأشاوس، الذين أرهبوا الكيان الصهيوني المحتل، وأعطى مثالا بحركة الجهاد المسمى بالقسام، كما توقفنا عند قصيدة القدس، التي كتبها الشاعر أحمد المجاطي، محاولا الوفاء لعهد النضال الذي طبع مسيرته الشعرية ووسم قبلها مسيرته الرمادية، ذاكرا رغبته الملحة في الموت بأرض القدس، علاوة على ذلك فقد استجلينا من قصيدة الشاعر أحمد بلحاج آية وارهام، الموسومة باشتعلي موجة قاصمة، ملامح العهد الشعري لمدينة القدس السليبة، التي عبر فيها عن دعمه لنضالات الفلسطينيبن، المنافحين عن أرضهم ووطنهم، مكثفا عبارات قصيدته المأهولة بمجازات ذات مرجعية طبيعية، دخلت في سياق تركيبي دال وعميق، بالإضافة إلى ذلك فقد حاولنا الإمساك بجوانب الانتصار للقضية الفلسطينية من خلال قصيدة الشاعر الزبير خياط، التي عنونها ببطاقة حب لمحمود درويش، بحيث كشفت القصيدة في مجمل مقاطعها عن ارتباط جمالي وروحي جمع الشاعر الزبير بالشاعر محمود درويش، ارتباط دال على قيمة القضية في نفسية الشاعر، الذي عبر عن تضامنه المستمر مع أبناء فلسطين، لنختم الدراسة بإنصات عميق لقصيدة مقام القدس العالي، هذه القصيدة التي كتبها الشاعر عبد السلام بوحجر رحمه الله، كصرخة  حرى تستجدي إنقاذ مدينة القدس الفلسطينية، محاولا تعرية واقعها المؤلم  ومعاناتها المستطيلة، حيث أكد على أنه لم يجد وسيلة تسعفه في الوصول إليها، كي ينقذها من براثن المحتل الصهيوني، بالإضافة إلى كشفه عن مشاعر حبه وولهه بها، وهي التي ملكت عليه روحه وعقله، الأمر الذي أرّقه وعذبه، فلا هو قادر على إنقاذها أو حتى الوصول إليها، ولا هو أيضا قادر على الخلاص من حبها وولهها.

كانت هذه إذن مواثيق بعض الشعراء المغاربة في ارتباطهم الشعري بقضية إنسانية، هي قضية الفلسطينيين، الذين تعرضت أرضهم للاحتلال والاستغلال، وتعرض شعبهم للتقتيل والاعتداء، من طرف شرذمة صهيونية، عتت فيهم تقتيلا واعتقالا وتهجيرا، الأمر الذي حرك مشاعر كثير من الشعراء المغاربة للكتابة الشعرية عنها، إيمانا منهم بأن النضال يكون بالمواجهة المباشرة للمحتل، ويكون بالكتابة الشعرية، التي تدين الصمت العربي والدولي، والتي تحفز في الآن نفسه الفلسطينيين على مواصلة درب النضال إلى أن يأتي اليوم الموعود يوم التحرير والانعتاق من ربقة ذلك العدو الغاشم.

 

[1] - ذلك ما يؤكده الكاتب والأديب والمترجم المغربي الكبير عبد اللطيف اللعبي، الذي قال عن فلسطين: هنا تقف فلسطين، بكل زخمها، لتشهر أثداء ينهمر منها شلال لبن فيه ما يكفي لإطعام أبناء كل هذا الوطن. إن فلسطين تعرف الموت جيدا، لقد أخرجته من غياهب الأسطورة، ودوائر القلق الميتافيزيقي، والسر المطلق، لتجعل منه متجولا عاديا في أزقة الاستشهاد المعمورة، لم يعد الموت فناء أو نهاية عبثية، تقام حولها طقوس الوداعات بدون رجعة، إنه تلك اليد الحديدية، ولكن الأليفة، التي تخترق الصفوف بين الفينة والأخرى لتخطف زهرات الدم اليانعة بخزان البذور، الذي يتحتم على كل ثورة أن تزوده بالاحتياطي اللازم، إلى أن يحل الربيع الدائم. عبد اللطيف اللعبي، الكتابة بفلسطين في الوعي واللاوعي، مجلة الكرمل، عدد 6، نشرت بفلسطين، 1986، ص: 313.

[2] - براء الشامي، فلسطين في عيون الشعراء، الجزء الثاني،  دار مرايا بغداد العراق، ط 1، 2021، ص: 175.

[3] - براء الشامي، فلسطين في عيون الشعراء: 177.

[4] - براء، فلسطين، ص: 176.

[5] - أحمد المجاطي، ديوان الفروسية، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية، مطبعة النجاح الدار البيضاء بالمغرب، ط1، 1987، ص: 55.

[6] - أحمد المجاطي، الديوان، ص: 56.

[7] - أحمد، ص: 57.

[8] - أحمد، ص: 58.57.

[9] - أحمد بلحاج آية وارهام، قصيدة اشتعلي موجة قاصمة، مأخوذة من موقعه الإلكتروني الآتي:

https://ouarham.blogspot.com/p/blog-page_42.html?m=1

[10] - الزبير خياط، قصيدة بطاقة حب لمحمود درويش، مأخوذة من موقع، Alantologia.com

[11] - الزبير، بطاقة حب، موقع Alantologia.com.

[12] - الزبير، alantoligia.com

[13] - عبد السلام بوحجر، قصيدة القدس العالي، منقولة عن صفحة الشاعر المغربي حسن الأمراني الفيسبوكية.