وتثبت الصيغة التقليدية للقصة القصيرة أنها لازالت صالحة للتعبير عن جوهر الإنسان، المتأثر بظروف التنشئة، المتحكمة فى مدى الأحلام والأمانى، وليكشف الكاتب بها عن جوهر الإنسان، وكيف هو محكوم بتلك الظروف المتسلطة، وكأنها السجن المُحكَم أسواره.

تحقيق الحلم

أحمد رجب شلتوت

 

أكد مرارا على أن اللقاء لم يتم صدفة، وبأنه أصلا لايعتقد في وجود شيىء إسمه صدفة.  بفخر أردف بأنه يخطط لكل شيىء، لايدع شيئا عفو اللحظة أو الخاطر.  وافقته مجاملا:

  _ أنت هكذا تكشف عن أحد أسرار نجاحك.

لكمني قائلا من خلال إبتسامة بغيضة:

  _ بل أكشف عن أحد أسباب فشلك.

لذت بالصمت، فتحدث وحده وهو يقود سيارته الفارهة، كانت ذاكرته من القوة بحيث لم تفلت أي من تفاصيل صداقتنا القديمة، وفي نوبة عرفان نادرة أكد على أن لي عليه أفضال وليس فضلًا واحدًا. ولت نوبة العرفان مسرعة، فأكد على أن الأفضال القديمة كانت صغيرة وهامشية، لكن كانت كل ما بوسعي، ولأن رجلا مثله لا ينسى من أحسن إليه ولو بإبتسامة، فإنه دبر للقاء، ليرد لي أفضالي مضافا إليها الفوائد.

        طوال الطريق إلى مكتبه وهو يجتر تاريخنا المشترك _ بحسب قوله _ منذ وعينا على الدنيا وحتى أفلح في السفر إلى أمريكا، تنازل لي عن نصيبه من إحباطاتنا المشتركة، تركها كلها لى ذاكرًا إياها بسادية وشماتة لم أعهدهما فيه. ومؤكدًا على أن الفارق بيننا الآن مساو تماما للفارق بين كاليفورنيا وشق الثعبان.

( هل غيرتك الغربة ياصديقى أم جريان الأموال بين يديك؟ )

نفث دخان سيجاره  وهو يوقف سيارته أمام البناية الشاهقة :

   _  لم تسألني عن سبب تخطيطى للقائك.

  _ لأنك تحتاجني.

( ملامحك أبانت عن أثر لكمتي، حاولت مداراتها يالئيم بابتسامة )

ناول مفاتيح السيارة لرجل هرع ناحيته، ألقى بالحقيبة لآخر، أشار لي أن أتبعه،

سعل وبصق عند أول درجات السلم، وعند المصعد قهقه خابطًا جبهته بكفه ( كعادته حينما يفجؤه شيىء) ألقى بالسيجار، داسه وهو يخطو والجًا المصعد، حدجنى بغيظ :

 _ محتاج لك؟  أنا محتاج لك؟

فرحت لأن لكمتي أصابته فوجهت له أخرى:

 _ لم يتغير فيك شيىء.

سبقنا حامل الحقيبة مغادرًا المصعد ، واصلت وأنا أتبعه :    

 _  السيجار وماركات الملابس هما ماتغيرا فقط.

 _ وأنت لم يتغير فيك شيىء، ثباتك على الفقر مبدأ لاتحيد عنه.

لم أدعه يفلت:

 _ لم تصب من التحضر المزعوم إلا قشرته والدليل بصاقك فى الشارع.

حاول مفاداة اللكمة :

 _ وهذا سر ثان من أسرار نجاحي، أنا أفعل ما أريد وقتما أريد وحيثما أريد، لا أكبت نفسي مثلك، بينما أنت تفعل ماتظنه يعجب الناس مهما كانت رغباتك أو قناعاتك.

_  ماذا تريد مني؟ لماذا أحضرتني إلى هنا؟

حاولت العودة للمصعد، منعنى مقهقهًا :

 _ ماتبقاش عيل، ادخل.

 _ ماذا تريد؟

 _ قلت لك.

 _ لم تقل إلا كلاما سخيفًا.

 _ هذا ما أدركته أنت من أحد وجهى العملة.

 _ والوجه الآخر؟

 _ أرد إليك أفضالك أما فوائدها ففى حينها.

 _ تردها بإهانتى.

 _ أهدى إليك عيوبك، أريك نفسك فى مرآة مجلوة، لعلك تكتشف أخطائك وتدرك سببًا لفشلك غير سوء الحظ.

     كالمنوم سرت خلف الباشا بين صفى المرحبين بقدومه والمتزلفين له، جلست على مقعد وثير قريب من مكتبه، فتح علبة السيجا، مدها ناحيتي.

 _ لا أدخن.

ضحك :

 _ أعرف.

أشعل السيجار، سألته لمجرد الخروج من حالة الصمت :

 _ أهذا ثالث أسرار نجاحك؟

واصل ضحكه :

 _ السيجار أحد المظاهر وليس أحد الأسباب، وأعرف أنك لاتدخن لإنك طول عمرك حريص على صحتك ( عاد للضحك بصوت عال ) وصحتك مش ناقصة، واضح إن صحتك بعافية شويتين.

 _ مش كفاية إستعراض وتدخل على المفيد.

 _ أنت تغيرت حقا، لم أعهدك ضيق الصدر هكذا.

 _ لقد مللتك ومللت تعاملك المهين، لن أحتمل أكثر مما احتملت.

 _  ظننتنى أحتاجك، ماذا أفعل بك؟ وهل أحتاج مستشارًا للفشل؟ أيضًا قدراتك لن تجدى إن أخترتك مضحكًا لى، دمك تقيل طول عمرك، قد يخطر ببالك أني أنوي الترشح في الإنتخابات القادمة وتظن أني أحتاجك للحشد، حتى في ذلك لا نفع لك، أنت لا تملك إلا صوتك، وصوت واحد لايجدي، أما ميزتك الموهومة أو عقدتك، أقصد ثقافتك، فلا احتاجها لا في البزنس ولا في مخاطبة ناخبين أميين.

سهمه أصابني ، جعل قواى تخور، تصببت عرقا رغم برودة التكييف، حاولت النهوض، أشار بألا أفعل :

  _  تخطىء لو هربت، صدقنى أريد مساعدتك.

  _  لا أحتاج منك شيئا.

  _  تكذب، تحتاج وتريد لكن تعوزك الوسيلة.

  _  دعنى أنصرف أرجوك.

  _  سأوصلك لكن ليس الآن، أصبر حتى تنتهى الجلسة.

  _  جلسة التعذيب؟

 _  تظنني شيطانًا وأنا ما أردت لك إلا الخير، أنا أجلدك لأطهرك، هيا استرخ واحك.

  _  يبدو أن لاعمل لديك اليوم.

   _ أنت اليوم عملي.

   _  بل لعبتك.

    _ لا فرق.

       مرة ثانية تبعته كالمنوم، إستجبت لرغبة  _ لم تتحقق منذ زمن _ في البوح، حكيت عن عدم قدرتي على هجر بيت لم يعد سكنا، و الإستقالة من عمل لم يمنحني حقا، رئيسي إغتصب منصبي  بالتدليس، يعاملني بخسة، لذا أكرهه.

لم يدعني أسترسل :

  _ تصر على سلبيتك دائما، لا ترد على من يؤذونك إلا بالكراهية، أنت هكذا تؤذي نفسك لاغير، إفعل شيئا تجاههم، ألم تفكر فيى شيىء سوى الكراهية ومحاولة الهروب؟

  _  مثل ماذا؟

  _  أن تقتل ، مثلا ، مثلا.

  _ وهل القتل حل ؟

   _  لا ليس حلا ، وكذلك الإستقالة أو هجر البيت.

   _ وما الحل؟

  _  المال وحده الحل وسأعطيك المال.

  _  لماذا؟

  _  هذا سؤال خطأ، السؤال الصحيح كم؟

   _   لماذا؟

 _ ألم تحلم بالمال أبدا؟

 

                          " حلمت بشقة، لايهم أن تكون كبيرة فخمة، يهمنى أن تكون

                            مريحة، أحيا فيها سعيدًا مع أسرتى، أملأها بالكتب،

                           أحتاج أيضا بعض المال، لاتهمني الأرقام الكبيرة، يكفيني

                           ثلاثة أمثال مرتبي أو أربعة أمثال، وماذا أفعل بأكثر من

                           ذلك، يكفيني  أن ألبي حاجات أسرتي وهم مثلى مكتفون. "

 

سخر من حلمي، رآني فقير وشحيح حتى في الحلم، عرض أن يقرضنى مليونا من الجنيهاـت، قرض حسن لا ينتظر منه فائدة، قال أنه سيلعب معي بأقل من نصف في المائة من ثروته، وقد يتنازل لي عن المبلغ كله إن خالفت ظنه ونجحت، أما إن فشلت فسأكون مطالبًا برد المبلغ، فتح درج مكتبه، أخرج العقد مكتوبا، وقعه، أراني الشيك، أشار إلى أصفار المليون، نصحني قبل أن أوقع، أمامك عام إما أن تتغير وتنجح وتفوز بالأموال، وإما أن ترد المليون كاملا، كان على ثقة من فشلي وتبديد الأموال، وكنت أدرك أني الآن تغيرت فعلاً، لن أنتظر عامًا لأثبت له أحقيتي بالمليون، سأحصل على الأموال ونسختي العقد ثم أقتله وأفر بعيدا.ً