ربما لا نجد في عنوانات القصائد القصيرة للشاعر رابطا ما!! لكن قراءة القصائد ستأخذنا إلى رؤية الانسان وهو في شيخوخته، أو في أيامه الصعبة التي لم يتوقعها، لقد غيرت السنوات العجاف صورة الشاعر، ولم يبق معه غير الذاكرة، فلا سمة حلوة في هذا العالم!!

أتصابی؟

عيسى سلمان درويش

 

قالوا: تصابی.

أبعد شيب يعود شبابا؟!

أينفض عنه نديف الكلال

مثلما ننفض عن ثوب ترابا؟

ويمسك بالشاردات من المنى

فيسلي النفس بفاتنة: ثيبا كانت أو كعابا

وينشد في غضون الليل مرمى لذاذته

لا يأبه أ خِطْأ كانت أم صوابا

أتصابی؟

فكيف والقلب اللجوج

حشته الذكريات؟

أينسى منها أيا؟

وأي منها غابا؟!

أتصابی؟

وتلك السنين العجاف غيرن صورته

أتمحى رسوم أحلن نضارته سرابا

أ تصابى؟

وأما روحه - بزعمهم - فتبقى

إذا وهن العظم كعابا

فروح بين جنبيه تهاوت

وأمست بفضل الصبر قفرا يبابا.....

أتصابى؟؟؟؟

ما تصابي..

قيامة مؤجلة

ينفذ من مسامات الليل

برفات مؤجلة

عاصبا رأسه بذاكرة نقيعة بالدماء

فيعيد تأهيل تشتته؛

من أجل ليلة أخرى،

تغرزُ حد الشغف مخالبها بين أضالعه التعبى..

عاريا إلّا من نذر يترنح في ذاكرته

وكالشيخ متوكئا على أعصابه كِبرا

ينتظر قيامته المؤجلة

ليخرج من صمته المتوج بالأبدية

يومئ للكلمات

فترتخي جملا فوق بساط سطوره

كاتبا نص المدن الرخيّة

أسماء حسناواته المستلة من حاشية النص

فيفتح باب القلب المسدود

حيث العالم يخدش صمته البريء

لينأى وحيدا تحت ظل كلمة

في أقاصي نصه المريب...!

 

وِردٌ ليلي

آهٍ مِن صمتك ياليلُ

تستفزني يا ليلُ بالصمتِ

فأشعر بأنّي متعبٌ حدّ التعب ..

وأنّ عينيك تتقمصان لون المَساءِ

فتَجيئان غُربةً ومنفى.

يا صَغيرتي:

أتعَبَنا وشمُ الخوف..!

وقلبي المعتق بك،

مَثلُ بيتِ العنكبوتْ؛

بلا نوافذ قلبي...

فالريحُ تعبثُ في أنحائِهِ؛

وهو ملهوفٌ صموتْ...!

 

حنينٌ مؤدلج

لا صوتُك يأتي عبر الأثير

ولاخُطاك تستجمُّ في متاريسِ الظلامْ

لتصرف عنّي وحشَتي،

ثم أنسى فأنام...

لا رغبةٌ فيَّ إلّا إليك؛

آنستني حلما،

لا ينمّ عن حلالٍ أو حرام،

فخارج سربها ولدتني غربةً!

وضيعتني في متاهات وزحامْ

فبأيّ مزولةٍ أقيس ما تبقى

من وجلي المريع

وفي آخر الخطا ينتاب دربي اضطرام؟!

 

تأملات تعسفيّة

إلى متى يتعسفُكَ الرحيلْ

من مههٍ لمهمهٍ،

فالعمرُ بخيل...

وأنت تسامرُ نجماً بأفقكَ المدلهمِ

وقتار ضلالك صار الدليلْ

فبأي ظل قد سكنت؟

إليك شمسُ احتراق تميلْ

ولأي واحةٍ كنت قد قصدت؟

سقاك النوء وشلا وسدرا قليلْ

فيا ظامئ القلب التَّعوب

أترجو من الدنيا مستحيلْ؟

وأنت كما الطائر

يأويكَ غصنٌ

وتشبع من ريح عليلْ

وترنو صوب نجمٍ

فإذا ما غار نجمٌ

يطلُّ الصبحُ بالصبر الجميلْ...

 

تساؤلات

من أيقظ الجرح المعاند؟

من على باب الفؤاد عاف نيران المواقد؟

من أطفأت عيناه قلبي،

واستردت مقلتاه ما تباعد؟

من خلف هذا القتار والضجيج؟

من تناسى؟

من تجاهل؟

من في غيهب الجبّ ألقانا

وابتلى الذئب بدمانا؟

ماله حين استرحنا؟

ما له الآن يعاود...؟