هذه الورقة القصيدة هي ما يحملها الشاعر السوداني في وجه الذاكرة لأنها بحجم العالم ولأنها اختياره الوحيد كي يستعيد ألق الكلمات وينتهي من وجع ظل يرسو على اليومي في كل لحظة وهي صباحه الجديد وكنه حياته البديلة.

وَرَقةٌ بحجمِ العالَمْ

أنس مصطـفى

 

1

على بعدِ الآفِ الأميالِ من بيتِنَا،

من شَجرِ اللَّيمونْ

من غُرفتيْ..

من نوافذِها الملوَّنةْ..

على بعدِ الآفِ الأميالْ،

علَّقَ رجلٌ خلفَ مكتبهِ ورقةً صغيرَةْ:

" كُن طيِّباً؛ أنتَ لا تعرفُ ما يمرُّ بهِ أحدهمْ"

 

الغرفةُ غَابتْ،

واللَّيمونُ ذَوَىْ..

 

ثمَّ كَبُرتْ ورقةٌ صغيرةْ،

كَبُرتْ بحجمِ العَالَمْ.

 

2

أستعيدُ ذلكَ كُلَّهْ:

شَجَرَ الحِيشَانْ،

الطَّاولةَ الصَّغيرَةْ،

لمباتِ النُّيونْ،

أقمشةَ السَّتائرْ،

نَسَمَاتَ أمشيرْ،

وطيوفَ الأغنياتِ البعيدةْ..

 

أتذكَّركِ قادمةً من بعيدْ،

أتذكَّرُ عينينِ تحتضنانِ الحياةَ فترسوْ..

 

3

في صَبَاحٍ جَديدْ،

في مكتَبةٍ صغيرةٍ نواحي السُّوقِ الشَّعبي،

 

حدثتْ الحَيَاةْ.

 

كانت الأشياءُ قليلَةْ؛

بضعُ كَرَاسٍ،

كتُبٌ على الرُّفوفْ،

صورٌ على الجُدرانْ،

وشجرٌ أمامَ البابْ،

 

لكنَّ الحَيَاةَ حدثتْ..

 

4

تحفظينَ الحَيَاةَ عنْ ظَهْرِ قَلبْ،

تقلِّبينَ صفحاتِهَا،

وتَسَأَلِينيْ؛

 

هُنَاكْ في الغَمْر؛

ما الذي كنتَ تقولهْ؟

أَقولُ نَسيتْ.

 

5

تضعينَ الأثافيَّ،

وتوقدينَ الجِمَارْ،

ثمَّ تقولينَ لا تذويْ؛

سأحرُسُكَ كغيمةْ..

 

6

تقولينَ الكلمةَ مأواكَ وسِرَّك،

فلا تخرجْ من الكَلِمَةْ،

 

ولا تَذْهبْ إلى الحشُودْ..

 

7

تحملينَ قلبي بيدينِ من حريرْ،

تضعينَ العَزَاءَ على جُرحهِ فيطيبْ،

ثمَّ تنتظرينْ؛

 

ترقُبينَ العَنَابرَ وهي تخلوْ..

 

8

أراكِ في العَتمَةْ،

مثلَ بروقٍ تَشِيلُ وتخفُتْ..

 

أقولُ من أنتِ في هذا اللَّيلْ؟

 

تقولينَ أَنَا ياءُ النِّدَاءِ

وحَاءُ الحُرقَة..

 

9

تقولينَ

البحرُ أمامكْ،

والبحرُ خلفكْ،

 

وتلكَ أشرعتيْ،

فإن أفلتَّني غَرِقتَ مرَّةْ،

وإن تمسَّكتَ غَرِقتَ ألفَ مرَّةْ..

فاخترْ ما بدا لكْ،

واحمل ما تشاءْ..

 

شاعر سوداني يقيم في مدينة ميسيساغا، كندا. صدرت له خمس مجموعات شعرية: نِثَار حولَ أبيض، سُهدُ الرُّعَاة، صباحات قرويَّة، تَهَدَاب، وتقريباً غير مرئي (ترجمة لمارك ستراند).