مشهد مقاومة ليس إلا صورة مصغرة من لبنان اليوم، إذ يتعدى هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمأزق السياسي ما وصل إليه المشهد الثقافي والفني في صور مكررة لوضع مأزوم وهش، ضمن محاولات مثقفين وكتاب وفنانين البحث عن صيغ الاستمرارية والوفاء للحظة وجود، ولعل هذا الاحتفاء الرمزي ولو في صيغة الإقفال ما يؤشر على المفارقة.

«مشهد مقاومة» بوسط بيروت

 

ودع الكتّاب ومحبو المطالعة اللبنانيون مساحة ثقافية كانت تستقطبهم في مجمع أسواق بيروت التجاري بوسط العاصمة هي فرع مكتبة أنطوان، لكن إدارة المؤسسة العريقة شاءت أن يترافق الإقفال مع احتفالية شعرية وروائية تشكل "مشهد مقاومة" يثبت استمرار قطاع الكتب رغم الأزمة الاقتصادية الحادة.

ووسط رفوف فارغة لا يزال بعضها محطما منذ الانفجار الضخم في مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020 -والذي تسبب بمقتل 214 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح، وبدمار واسع في العاصمة- أقيمت احتفالية شعرية وروائية تمحورت على إصدارين للشاعر والناقد عقل العويط والروائية والناشطة جمانة حداد."

"البلاد"

وقرأ العويط مقتطفات من قصائد يتضمنها كتابه "البلاد" الذي صدر مؤخرا عن دار نوفل، وتولت ترجمته من العربية إلى الفرنسية رينيه أسمر أربوز التي رافقته في القراءة، وتوسطتهما عازفة التشيللو فيرونيك وهبة في إطار مسرحي أدارته المخرجة لينا أبيض.

ورثى العويط "البلاد" وما سماه "فساق الحكام"، ومما قال "ما أطيب المشانق في الحكام والعملاء والخونة والانتهازيين!".

وبرزت على الحائط خلفه ساعة توقفت عند السادسة و8 دقائق وقت انفجار المرفأ، وستارة بيضاء صمد جزء منها، وانتشرت شموع على الرفوف عليها ديوان العويط ورواية حداد، وعلى شاشة صغيرة صورة لبقايا المرفأ المدمرة.

"القتيلة رقم 232"

أما جمانة حداد فقرأت مشاهد متفرقة من روايتها "القتيلة رقم 232" الصادرة مؤخرا عن دار "هاشيت أنطوان/نوفل" شاركتها في تقمص شخصياتها لينا أبيض وجوليا قصار وريم إسنتي، وتوقفت حداد عند انفجار المرفأ وكيف ترك إثره عليها ككاتبة.

وأوضح إميل تيان مدير مكتبة أنطوان أن حفل توقيع كتابي جمانة حداد وعقل العويط "هو آخر نشاط ثقافي في مكتبة أنطوان بأسواق بيروت".

وأضاف "في المبدأ التجاري نقيم حفلة عند افتتاح فرع، لكن مكتبة أنطوان ليست مجرد مؤسسة تجارية، بل هي تنشر الثقافة عموما واللبنانية خصوصا وتوزعها، وهذه رسالتنا التي تشبهنا، لا يمكن إقفال فرع من دون إطلاق صرخة حيال الذي حدث".

وتابع تيان "من الضروري أن نطوي آخر صفحة من فرع لمكتبة أسواق بيروت على سطر من الأمل وعلى مشهد يشبهنا ويشبه بيروت هو مشهد المقاومة من خلال الثقافة والفن".

وأوضح تيان لوكالة الصحافة الفرنسية أن المكتبة التي افتتحت في أسواق بيروت عام 2012 وتوقفت عن العمل بعد الانفجار تغلق أبوابها بسبب "عوامل واضحة مالية ومعنوية، فلا إمكانات مالية للاستمرار.. وأسواق بيروت باتت مدينة أشباح، لذلك انتفى مبرر وجود المكتبة فيها".

وتميز فرع مكتبة أنطوان في المجمع التجاري بأنه كان ملتقى لمحبي القراءة كبارا وصغارا، إذ كانوا يطالعون الكتب التي يختارونها في زواياها، وكان الصغار يتحلقون حول قاصة يستمعون إلى حكايات ترويها، كذلك احتضنت المكتبة حفلات توقيع كتب.

وأكد تيان أن مكتبة أنطوان -التي يعود تاريخ تأسيسها إلى العام 1933 والرائدة في عالم الكتب ومجالي التوزيع والنشر عربيا وغربيا- "ستكون موجودة في وسط بيروت ما إن يعود الأمل".

وحدّت الأزمة الاقتصادية من قدرة معظم اللبنانيين على شراء الكتب الأجنبية، في حين أثر ارتفاع أسعار الورق على حركة النشر.