تبدأ «الكلمة» سلسلة مقالات تعريف بالكتاب عبر دراسة وافية يقدمها الناقد والمبدع المصري. ونبدأ هذا العدد بالتعريف بأحد رموز مرحلة الستينيات التي كان لها كبير الأثر في الأدب المصري خاصة والعربي عامة. ويكفي أن نذكر أن على رأس مجلتنا د صبري حافظ وهو أحد أعلام ذلك الجيل، الذي أعطى الكثير وما زال يعطى.

إبراهيم أصلان .. «بلاغة الصمت»

سـيد الوكيـل

 

كثير من نقاد إبراهيم أصلان التفتوا إلى حضور المكان على نحو متميز في أعماله، ولفتوا الانتباه إليه بوصفه دالاً جماليًا على الهامش الاجتماعي، الذي يصور المناطق والأحياء الشعبية الموزعة على جوانب القاهرة، وهي بطبيعتها مجتمعات حديثة، تعكس نوعية ثقافية مختلفة عن صورة الأحياء الشعبية التي نجدها عند نجيب محفوظ مثلاً. وقد رأينا هذا الحضور المكاني في رواية (مالك الحزين) على نحو واضح، كما يظهر أيضًا في قصصه، ولكن في صورة كادرات بصرية محدودة، وربما عابرة بحكم البناء السردي، لكنها مع ذلك ذات خصوصية، وذات أثر دلالي كبير. وظني أن هذا الأثر يتشكل في وعي الكاتب ملتبسًا بالخبرات الحية له، ويستدعي هذا -بالضرورة -  أن الأمكنة لا تتجلّى في صورتها السردية لحظة الكتابة بدون أزمنتها. والواقع، أن هذه العلاقة المُضْمَرة بين الأماكن وأزمنتها، تنتج بلاغتها الخاصة، التي يمكن أن نطلق عليها بلاغة الصمت.

ما نعنيه هنا، أن علامات الزمن السردي وأبعاده ودلالاته المختلفة، لا تظهر على نحو جمالي في المكان السردي إذا تعاملنا معه بوصفه مجرد مسرح للأحداث، إذ لابد من احتشاد شعوري بالمكان. صحيح أن المكان عيني وثابت، والزمن طيفي ومتغير. المكان واضح ومعبر عن نفسه من خلال الابنية والشرفات والأسواق والمتاجر والمقاهي والمساجد والمدارس.. إلخ. والزمان صامت، لكنه لا يكف عن وضع علاماته على المكان؛ وهي علامات ترتبط بشهادة الإنسان على تاريخه. إن المدرسة التي تعلمنا فيها –في طفولتنا – مازالت قابعة فحسب، وعندما نمر عليها نستدعي لحظاتها الزمنية الكامنة فينا، ويتأجج شعورنا بها. عندئذ يحضر الزمن ملتبسًا بروائح الأمكنة وأرواحها. إن هذه المتلازمة بين أمكنتنا وأزمنتنا من الصعب تحقيقها في الرواية التاريخية مثلاً، إذ تظل الاستعارة الزمكانية مجرد استعارة لا تثير داخلنا أيه مشاعر أو ذكريات، كوننا لم نعشها ولم نكن شهودًا على علامات الزمن فيها..      

 في قصة (بحيرة المساء) نرى المقهى القابع على طرف الحي بجوار النهر مسرحًا لأحداث القصة. إنه مكان عام يسع الجميع، لكن إيقاع الزمن فيه نسبي لكل فرد من الجالسين في المقهى، ويرتبط بواقع داخلي وخاص وليس بواقع المقهى فحسب. فهو بالنسبة لبطل القصة مرتبط بقلق انتظار صديق لم يأت بعد، فيما هو بالنسبة لشخص يجلس بجواره مرتبط بزمن انتهي مع من ماتوا، وبزمن مقبل يرهص بموته. كما أن علامات الزمن لا تُستدعى من المقهى نفسه، بل من مؤثرات أخرى خارجه: البحيرة والمساء. فالبحيرة ليست مكانًا بقدر ما هي شعور يشير إلى سكون وصمت اللحظة. يعطينا هذا انطباعًا بتوقف الزمن. فهو عند بطل القصة لم يأت بعد. وعند الجالس بجواره زمن انتهي مع من ماتوا. لهذا يبدو لي أن الزمن هو موضوع القصة. وسنرى، أن فهمنا لدلالة المكان في هذه القصة، سيظل منقوصًا ما لم نلتفت إلى أثر الزمن فيه، وقدرته على تشكيل المكان ومنحه علامات جمالية.  

عندما نفكر على هذا النحو، سنكتشف أن للزمن حضور كبير في قصص إبراهيم أصلان، حتى أن كثيرًا من قصصه تبدأ من جملة افتتاحية، تشير صراحة إلى الزمن من قبيل:(هذا الصباح، بعد العصر، بعد منتصف الليل.. إلخ) وكأن هناك ساعة، تقبع في خلفية الأماكن والأحداث لتضبط إيقاعها.

الحضور الزمني يبدو لافتًا منذ مجموعته القصصية الأولى (بحيرة المساء) ويمتد بشكل مؤكد في أغلب قصصه، وكأنه تقليد يستهل به القصة. فقصة (الملهي القديم) تبدأ على هذا النحو:"في النصف الأخير من الليل، وقف رجل ضئيل الحجم يرتدي معطفًا أسود على حافة الشاطئ"[1]. أما القصة التالية مباشرة بعنوان (البحث عن عنوان) فتبدأ هكذا :"بعد منتصف النهار بقليل، كان هناك رجل نحيل يسير في خطوات مستقيمة على طوار الشارع الطويل الذي يقسم المدينة إلى قسمين" [2]. وفي قصة (العازف) نجد:"في الليل كنتُ مستلقيًا على فراشي الصغير أعيد قراءة الرسالة الأخيرة التي وصلتني من أمي"[3]

هذه المطالع الزمنية ظاهرة تمتد إلى (حكايات من فضل الله عثمان)[4] على نحو ما نجد في قصة (سفر) التي تبدأ هكذا :"بعد العصر بقليل ينتهي رجل عجوز من ترتيب الكنبة التي ينام عليها"[5]. وفي قصة (طرف من خبر العائلة) التي تستدعي إلى الذاكرة (طرف من خبر الآخرة لعبد الحكيم قاسم) تبدأ هذه القصة هكذا :"في المساء أتردد على المستشفى لزيارة أصغر أشقائي الذكور"[6] فيما تبدأ قصة (سبيل للصغار) من نفس المجموعة، على هذا النحو:"عندما عدت من عملي عصرًا، ودخلت الشارع  شعرت أن شيئًا ما قد حدث”[7].

هكذا تنشغل بدايات القصص بمحددات زمنية، تقف وراء السرد على نحو صارم أحيانًا، فيمكنك مثلاً، ملاحظة أن جملة (في النصف الأخير من الليل) التي استخدمها افتتاحية زمنية لقصة (الملهي القديم) يعود، ويستخدمها مرة أخرى، في افتتاحية قصة (بحيرة المساء) :"في النصف الأخير من الليل..كان الجرسون قد وضع بضعة مقاعد على النيل"[8] هكذا يحضر الزمن، ميقاتًا محددًا في مطالع أكثر قصص مجموعة (بحيرة المساء) ليضفي دلالة زمنية على قصص المجموعة  كلها.

 ومن الطريف أن بعض القصص التي تبدأ افتتاحياتها بإشارات إلى المكان لا تكاد تنتهي - هذه الافتتاحيات - إلا بإشارة صريحة أو مجازية إلى الزمن. فقصة (وقت للكلام ) تبدأ بوصف للمكان، وتنتهي بمحدد زمني كالعادة:"كان المشرب هادئًا وظليلاً في وقت الظهيرة"[9] كما أن عنوان القصة (وقت للكلام) يشير مباشرة إلى الزمن.

مما سبق، نلاحظ أن المكان لا يحضر بطلاً مستقلاً ومنفردًا بقصصه بدون الزمن، فثم عناق شرطي بين الزمان والمكان في الذات الساردة، فلا يكاد يكون هناك ذكر لأحدهما إلا ويتبعه الآخر، غير أن الغالب هو الافتتاح بالزمان، فيما يتعبه المكان أو الحدث أو الشخصية.

إن ملاحظة الحضور القوي للتوقيتات الزمنية؛ ولاسيما المحددة في بدايات القصص، قد يشير إلى إلحاح الزمن في كتابات أصلان. لكنه إلحاح تقني لا إلحاح موضوعي كذلك الذي نجده عند نجيب محفوظ، عندما يكون الزمن موضوعًا فلسفيًا، يحدد علاقة البشر بالوجود، ويضبط الإيقاع الداخلي للشخصية، ومن ثم سلوكها وحركتها في الحياة.

هذا الإلحاح التقني للزمن هو طريقة إبراهيم أصلان في رسم استراتيجية السرد، يضبط إيقاعه، ويوجه حركته ودلالته في خدمة الموضوع بأقل عدد ممكن من الكلمات. فأنت لا تستطيع أن تفهم استهلال قصة (رجل) من (حكايات من فضل الله عثمان) إلا باعتباره خصيصة أسلوبية، فليس ثمة ما يبرر كلمة (صباحًا) في هذه الجملة:"يغادر المنزل صباحًا في طريقه إلى العمل"[10] إن تحديد الزمن هنا، لا يوجه المعنى إلى غير ما نتوقعه، ولو حذفنا (صباحًا) ما اختل المعنى، وما ارتبك فهمنا للجملة. فالقارئ لن يتوقف متسائلاً: متى غادر المنزل للذهاب إلى عمله؟ لأن استنتاج القارئ لتوقيت الخروج إلى العمل سيكون بديهيًا، وعبر وعيه بأن الأعمال تبدأ صباحًا. لكن اللافت للنظر، أن السرد يعود، بعد بضعة أسطر ليؤكد:"إنه الصباح، والميدان مزدحم بالناس الذين يسعون إلى هنا وهناك"[11] فما معنى هذا؟! دعونا ندقق النظر، نهتم بالدقة لا بالوضوح، وفقًا لنصيحة إبراهيم أصلان في افتتاحية مالك الحزين.

 إبراهيم أصلان، الذي عُرف بلغته المقتصدة المكثفة، لا يحتاج لتكرار لفظة تبدو فائضة عن الحاجة، ما لم يكن الأمر خصيصة أسلوبية، ترتبط ذهنيًا بضرورة فنية. ولكي نكون أكثر وضوحًا؛ فلإبراهيم أصلان وعيه الخاص بشعرية السرد، وعي لا يرتبط بالبلاغة اللغوية وأبعادها المجازية على نحو ما يشيع من أن التراكيب البلاغية تمنح السرد شعرية ما. أصلان يخلق إيقاعه الشعري عبر حركة الزمن، وأثره ليس على المكان فحسب، بل على سكانه، وتتجلى في مشاعرهم وسلوكهم اليومي، بل ولغتهم. بمعنى أن حيوية النص مستندة إلى حراك تفاعلي بين الإنسان والزمن والمكان. لهذا فإن نصوص  ( أصلان ) تمتلك حضورًا بصريًا، ومن ثم يمكنك أيها القارئ ألا تقرأ النص بوصفه  كلامًا مكتوبًا، بل بوصفه صورًا لبحيرة راكدة، ومساءً كابياً ينعكس على سطحها، ونادل يتحرك ببطء بين زبائن ضجرين، ورجل يجلس صامتًا في انتظار الآتي، وآخر يتململ في جلسته، يفكر في شأن مقبرة العائلة ..إلخ. إن النص عند ( أصلان ) لا تكتمل  أبعاده إلا عبر قراءة بصرية.       

علينا أن نلتزم حسن الظن بالكاتب، لكي نفهم الظواهر التكرارية عنده. عندئذٍ سنعرف أن الإلحاح على تحديد الزمن، بوصفه أسلوبًا، له حضوره البارز في صدارة النصوص، ليس خاليًا من المعنى. إنه ضابط محدد لإيقاع الذات الساردة، ومن ثمّ  النص، ليشمل حركة السرد، والشخصيات، بل وطبيعة كل من المكان والحدث. فقصة (رجل) بطلها شخص خرج إلى عمله كالمعتاد وبعد قليل عاد إلى البيت، هكذا.. الإيقاع الزمني يحكم حركة الشخصية بين لحظتين قصيرتين من الزمن؛ ولكن ما حدث فيهما أن زمن الرجل قد توقف تمامًا، وفي تلك اللحظة بالتحديد، فتحت عمود نور، افترش الرجل الأرض بجريدة، ثم تمدد عليها، ومات. عندئذ يقرر (بطل القصة) ألا يذهب إلى عمله، فيعود إلى البيت.

 هكذا الموت – موضوع القصة - يكون هينًا ومحددًا ومنضبطًا بكل صرامة، وهكذا الحياة كلها بين قوسين صغيرين، الذهاب والإياب، أو الخروج من البيت للدخول إلى القبر، هذا المعنى هو ما يدركه الراوي لقصة (رجل) فيشعر بأن الحياة فعل عبثي، بل العمل نفسه مجرد استهلاك للعمر، فيعود إلى البيت.

هل صرح النص بذلك؟ تلك هي بلاغة الصمت، عندما يفتح النص فضاءً واسعًا للقارئ ويتركه لشأنه. لنلاحظ التنكير (رجل) الذي يحيل إلى الموت كفعل تكراري وفوضوي قد يصادف أي رجل في الطريق. إنها لحظة خاطفة وبسيطة، لا تستهلك كثيرًا من الكلام لتمنح دلالتها للقارئ. هكذا تتشكل بلاغة الصمت على نحو أعمق من بلاغة الكلام، فيمنحنا الفرصة لتصور مونولج داخلي وصامت، يدور في رأس بطلنا :ما معنى الحياة إذن ؟ما جدوى سعينا فيها؟ دونما انتباه إلى أنها أسئلتنا نحن القراء. هكذا نصبح -نحن القراء - شركاء في إنتاج الدلالة كما يقول (أيزر)  ليس هذا فحسب. بل شركاء في مصير الرجل.. وقد نشعر أننا الرجل نفسه، وربما نلقى مصيره هكذا على نحو عبثي.   

 ربما الإلحاح على كلمة (الصباح) وتكرارها، هو انبثاق لدلالة غامضة في لا وعي الكاتب، فيمثل خصيصة أسلوبية تلح عليه، وكأنها تقول له :إن الصباح الذي نعتبره بداية للحياة في يوم، يمكن أن يكون نهاية لها أيضًا. غير أن هذه الانبثاقات اللاشعورية، هي محفزات الاحتشاد الإبداعي العميق، ولا يمكن للكاتب أن يتعمدها، ولا ينتبه لها القراء عادة، كونها تكمن فيما وراء النص، في بئر أسرار الكتابة، لا الكتابة نفسها. ربما هذا ما يعنيه إبراهيم أصلان، حين يقدم لقرائه (ملك الحزين) بمقولة :يا ناثان، أوصيك بالدقة لا بالوضوح. الحقيقة أن الوضوح قاتل لطاقة الإبداع، ليس داخل القارئ فحسب، بل داخل الكاتب أيضًا. فليس كل كتابة إبداعًا - مهما تأنقت في لغتها - ما لم تنطو على انبثاقات لا شعورية، هي ما نعنيه ببلاغة الصمت. والتي نسميها عادة: ما بين السطور. لكن ما بين السطور يحتاج إلى قارئ على نفس المستوى، في استقبال الانبثاقات اللاشعورية. 

وفي اعتقادي أن هذا الإلحاح الزمني في بدايات القصص، يزيد من حافز الشغف القرائي لها؛ لكنه في نفس الوقت يحدّد وعي القارئ في اتجاه النهايات دائمًا. فأنت إذا عرفت بداية حدث ما، ستبدأ في السؤال عن نهايته. ويعني هذا أن البناء المعماري في مثل هذه القصص، مصمم سلفًا في وعي الكاتب على نحو محدد، بحيث يكون بصيرًا بالبداية والنهاية معًا قبل الشروع في الكتابة. ومن ثم تنصاع الذات الساردة لهذا التصميم، وتبدأ في بث انبثاقاتها لاشعوريًا لتخترق هذا التصميم، وتسرب طاقة جمالية، تفتح أقواسًا جانبية تثري النص. هذا هو مناط الشعرية في السرد وليس اللغة، مهما كانت مكتنزة بالمجازات البليغة. الشعر رؤية مميزة لموضوع القصة. ربما هذا ما يعنيه (باشلار) بشعرية اللحظة. 

 عندما شرعت في قراءة قصة (مونديال) من حكايات فضل الله عثمان، وكانت بدايتها هكذا:"الأستاذ سيد.. سعيد بموعد مباريات المونديال"[12] خمّنت أن نهاية القصة ستكون مع نهاية المباراة، وأن القصة كلها تدور حول المفارقات التي تقابل الأستاذ سيد أثناء مشاهدة المباراة. غير أن هذا التخمين لم يقلل من الشغف القرائي عندي. بمعنى أن القارئ لديه أفق للتوقعات، ونجاح توقعاته من عدمه، لن يطال هذه الانبثاقات اللاشعورية كونها من أسرار الذات المبدعة، إنه الشغف الأكثر إثارة، ولو كانت الحكاية بسيطة، ومباشرة.

والحقيقة أن حضور الزمن عند إبراهيم أصلان، ليس مقتصرًا على قصصه القصيرة، فهو حاضر بقوة في رواياته: مالك الحزين، وردية ليل، عصافير النيل. لكنه هذه المرة أكثر مراوغة وتعقيدًا في دلالته، وأكثر اشتباكًا وتأثيرًا في حركة السرد، إذ يتجاوز الأداء الأسلوبي عندما يخضع لطبيعة التركيب والتداخل لشبكة العلاقات السردية في الرواية حتى يمكننا القول - ببعض الحذر - إن رواية (عصافير النيل ) موضوعها الأهم هو الزمن برغم حضور المكان بقوة، وفي هذا تقول أماني فؤاد:"يدلل الروائي على علاقة عكسية بين ثبات المكان ورسوخه وتبدل البشر وفنائهم تختنق حياة البشر وتظلم المداخل وتملؤها الرطوبة، ويعلو المكان بما يتراكم فوقه من حركة سعي الزمن، ومروره فوقه تاركًا بصماته”[13].

 كذلك فـرواية (وردية ليل) هي رواية عن الزمن وتحولاته وتأثيراته في مكان محدود وجامد لا يتغير. إنه مكتب بريد بمنطقة وسط البلد. وحيث يصبح تتابع رسائل البريد بين الناس محاولات دءوب لوصل الأماكن بأزمنتها، فمقاومة النسيان هو نزوع يدعم غريزة البقاء. ونوستالجيا الماضي هي تعويذة لدرء نفاد الحاضر من بين أيدينا. ففي نص (عام سعيد للسيدة) من رواية وردية ليل. يطالعنا مشهد مدير مكتب البريد -الذي أحيل إلى التقاعد لتوه - وهو يتفحص بأسى درج مكتبه، إنه طقس نفسي، يمارسه مدير المكتب قبل أن يسلم العهدة إلى المدير الجديد الذي سيخلفه. عندئذ يصبح الدرج علامة على الزمن في مستوياته الثلاثة (الماضي والحاضر والمستقبل) فالحاضر الآن هو البداية والنهاية في نفس الوقت. لهذا فهي لحظة نوستالجيا بامتياز، مترعة بمشاعر متباينة، بين فخر مدير المكتب بتاريخه المهني، وتوجسه من مستقبل يتوعد مصيره بما لا يعرفه. لقد انهمك في محاولات دءوب لشحن ذاكرته بكل إنجازات الماضي لدرء فراغ المستقبل. بل هو يدخل في تحديات ذاكراتية مع مساعدة الشاب، عندما يذكر له أماكن وعناوين كان قد ارتادها في بداية عمله ساعيًا للبريد فيما يخطئها المساعد الشاب. هذا سلوك لا يمكن تبريره ألا أن يكون محاولة انتصار على الشيخوخة. كما أنه يصر على اصطحاب مساعده الشاب لتسليم الرسالة المكتوبة بالإنجليزية ليثبت له أن ذاكرته لم تهرم بعد. إنها رسالة السيدة اليوغسلافية التي تسكن بشارع ذكي، في الطابق الثاني على وجه التحديد. يتذكر أن رجال عبد الناصر اعتادوا اعتقال زوجها / المعارض في كل زيارة يقوم بها الرئيس اليوغسلافي (جوزيف بروس تيتو) إلى مصر. إنها تذكارات لزمن لم يعد له وجود الآن، زمن مات كل أبطاله، ولكنه يبقى حاضرًا بقوة في ذاكرة مدير مكتب البريد العجوز. تلك حيلته الوحيدة ليؤكد أنه مازال جديرًا بحياة كاملة بعد إحالته إلى المعاش. في ذات الوقت يبدو المساعد الشاب بلا ذاكرة مكانية أو تاريخية. إنه لم يعش ذلك الزمن الجميل.

 هكذا يمكن لكهل أن يعبر عن استحقاقه لحياة عاشها قبل أن يودعها. هكذا تمنحنا النوستالجيا لحظة فياضة بمشاعر متباينة، هكذا النص مكتنز بعلامات زمكانية لا يمكن الإفلات منها، سواء على مستوى عنوان النص (عام سعيد للسيدة) أو على مستوى حركة السرد ودوافعه. النهاية فتدهشنا بتجسيد مثير لحضور الزمن بالصوت والصورة، عندما تلقي السيدة العجوز لساعي البريد بعملة معدنية (نصف فرانك) على سبيل الإكرامية. وكانت قد اعتادت ذلك في شبابها، وشباب مدير المكتب العجوز. إنها لقطة خاطفة، يتحقق فيها حضور الماضي في الآني، لتدعم الشعور النفسي لمدير مكتب البريد، إن زمنه لم ينته بعد، عندما ننتبه إلى أن مشهد العملة المعدني، يقع في  لاوعي مدير المكتب فحسب. لا وجود حقيقي له؛ فنحن ندرك أن زمن هذه العملة (نصف الفرنك) قد انتهي، تمامًا كما انتهي زمن عبد الناصر، وتيتو، ومدير المكتب العجوز.

 مشهد العملة المعدنية يحدث في ذاكرة العجوز فحسب، ليستحضر تاريخًا كاملاً، يمسح بيد حانية على قلبه، وكأنها مكافأة نهاية الخدمة التي يرجوها، ليبقى شبابه، وتجاربه، وخبراته في العمل، حية بداخله. أزمنتنا لا تنتهي أبدًا، ما دامت تعيش بداخلنا. إن مشهد العملة المعدنية، هو تفعيل دلالي واسع لمعنى الزمن، وبلاغة الصمت.

  ما لم يدرك القارئ مثل هذه العلامات الرهيفة، فلن يشعر بعمق الزمن، ولا بطرافة المشهد الذي لم يحدث بالفعل إلا في خيال ساعي البريد العجوز.  فإذ كان الزمن يتلاشى، ولا يترك دليلاً على وجوده غير الذاكرة، فإن هذه النهاية المدهشة، إحدى تجليات انبثاقات اللاشعور لإبراهيم أصلان، الذي عاش تجربة موظف البريد على نحو واقعي ونفسي. ونحن نعرف أن الدراسات النفسية، تعتبر الزمن الداخلي (النفسي) هو الزمن الحقيقي لنا. زمن يخص الشخصية ويلح عليها بحيث يظهر في لغتها وحركتها في الحياة.

 في نص ( عام سعيد للسيدة ) نرى الزمن يلح بقوة على مدير مكتب البريد في آخر وردية عمل له قبل الإحالة إلى المعاش، ويحضر بقوة قادرة على استعادته وتجسيده ليبعث من جديد، كأنه زمن أول وردية في خدمته بمكتب البريد.  يقول كانديدو بيريث جاييجو عن الانبثاقات اللاشعورية للزمن:"تنشأ خطة لكل فضاء وزمنه الخاص، وتشق الرواية لنفسها طريقاً كلعبة متكررة، فيترتب زمن على كل موقف عاطفي،  وينبني قالب يصلح لتطور كل ممارسة"[14]        

 هكذا.. تقدم لنا كتابات إبراهيم أصلان نموذجًا جيدًا لدراسة الزمن في السرد، ليس بوصفة موضوعًا فحسب، بل بوصفه ظاهرة تقنية وأسلوبية مميزة، تعمل في النص على نحو يدفع إلى تشكيلة جماليا ودلاليا، بحيث يمنحنا فرصة واسعة أن نتعرف على الشخصيات، وأزماتها وأبعادها النفسية والاجتماعية. إنها شخصيات هامشية، قد تتحرك في أماكن مهمشة كما في مالك الحزين، أو أماكن مركزية كما في وردية ليل، لكنها في صميمها تعيش طوال الوقت على هامش الزمن كما عاشت شخصيات (عصافير النيل) في الوقت الضائع من الزمن. الشخصيات المهمشة، ليست بالضرورة هي التي تعيش في الأماكن المهمشة. إنه علامة نفسية عميقة تجهض إحساس الإنسان بوجوده؛ كتلك التي لازمت مدير مكتب البريد كلما اقترب موعد إحالته إلى المعاش. 

الزمن هو الضابط لمخططنا الحيوي، يلازمنا لحظة بلحظة، في ذهابنا إلى أعمالنا، وعودتنا منه. في نومنا ويقظتنا، مولدنا وموتنا. لحظات راحتنا وآلامنا. وحتى أوقات مشاهدتنا لمباراة كرة قدم كما في قصة (مونديال). الزمن هكذا مخبر سري بداخلنا يفرض علينا أن نراقبه بتوجس، كما يراقبنا بغموض، لكي نتمكن من مراوغته:"ثمة ساعة في مكان ما من السرد تدق، وإن كل شيء في النص.. كل شيء يتحرك وفق هذه الدقات، وكأنها موجودة من قبل بداية النص أو وكأنها أول شيء يتكون فيه ليبقى حتى لحظة النهاية؟"[15]

في سردية الوجود الإنساني، المكان الهامشي ليس دالا على هامشية الشخصية. فحتى مدير مكتب البريد، ومهما كان منصبه سيلقى نفس المصير كما لقيه عبد الناصر وتيتو. ومن ثمّ  فكل الأماكن هامشية، ومؤقتة. نحن موجودون فيها لعل شيئًا يحدث. غير أننا كثيرًا ما نتعرض لخداع الزمن لندرك أن الأشياء لا تحدث كما نريدها. لندرك أن الزمن لا يفعل شيئًا غير أن يسرق أعمارنا ويدفعنا إلى حافة الموت. هكذا نشعر أن الموت في قصة (رجل) يباغتنا مثل موت فوضوي صدفة. الموت يبدو موضوعًا ملحًا عند أصلان، وفي صور مختلفة، على نحو ما نراه في (عصافير النيل) ونراه في عمله المؤسِس (بحيرة المساء) ليؤكد العلاقة بين المكان بوصفه ضابطًا ظاهريًا لحركة السرد، والزمن بوصفه إيقاعًا شعوريًا له. 

يطالعنا عنوان قصة (بحيرة المساء) بإشارة واضحة إلى زمن محدد، إنه المساء. غير أن هذا التحديد القاطع للزمن لا يستهدف الزمن متفردًا، إنما يحضر في علاقته بالمكان (البحيرة) التي تفتح فضاء مضادًا لطبيعة الزمن من حيث هو حركة، فالزمن في هذه القصة ليس نهرًا كما نفهم من مقولة هيرقليطس الشهيرة:"الإنسان لا ينزل النهر مرتين”بل هو بحيرة راكدة تمامًا. نلاحظ هذا التراسل الدلالي البليغ بين الزمان والمكان. فإذا كان عنوان النص بوصفه عتبة يشير إلى النص ذاته؛ فإن قراءة العلامات الزمكانية عبر فكرة الركود هذه، جديرة بأن توسع الأفق الدلالي على نحو مدهش. يبدأ النص هكذا:"في النصف الأخير من الليل، كان الجرسون قد وضع بضعة مقاعد على شاطئ النيل، ولم أكن أعرف أحدًا من أفراد الجماعة التي كنت منضمًا إليها معرفة وثيقة، ولكن صديقي كان يعرفهم"[16]

كانت الجلسة على شاطئ النيل الذي يجري بجوارهم؛ لكنه يبدو لشخصيات القصة ساكنًا كبحيرة.

الزمن ليلاً - يُستخدم في التعبير الدارج بوصفه المساء - لكننا في نصفه الأخير. إنه يشحب ويزول. هذا الزوال يومئ بنهاية الحدث. جلسة الأصدقاء على جانب من شاطئ النيل. إنه يجري في سيرورة أبدية ولا يبالي بالجالسين على شاطئيه. هكذا يصخب الزمن الخارجي بالحركة، بينما زمنهم الداخلي، بحيرة راكدة. إنهم يستهلكون الوقت، يرمون النرد بملل واضح. حتى عندما يدخل عليهم شخص غريب (الراوي) فلا يحدث شيء. إنهم منهمكين في زمنهم الداخلي. ويظل هو غارقًا في صمته، واغترابه. ربما يفكر، كيف سيتعامل مع غرباء لا يعرفهم، رغم أن صديقه يعرفهم ؟ ربما يسأل نفسه، ما الذي جاء بي هنا؟

المكان مجرد مقهى لالتقاء العابرين، مؤقت وعام، والجالسون فيه مهمشون في الزمان والمكان معاً، إن كل شيء هنا راكد يوحى بالموت. هل أفصح النص عن كل هذا؟ أم أنها مجرد مشاعر، وأفكار تسربت إلينا ونحن نقرأ؟ هذا ما تفعله بلاغة الصمت. 

دعونا ننصت إلى حركة السرد المدفوعة بمثل هذه العلامات في محاولة لفهم أعمق لفكرة الزمن المجهض. في (بحيرة المساء) نقرأ:"الجو كان حاراً لدرجة أن الكافورة التي انتصبت أمامنا على الطوار لم تصدر عنها طيلة الوقت أي نأمة، لم يكن هناك أثر للهواء في ذلك الوقت المتأخر من الليل، وبدا سطح النهر ساكنًا، وفي لون الرصاص المصهور”[17]

في الشاهد السابق، ينسحب إحساسنا بالزمن على كل معالم المكان: الهواء، الشجر، حتى نهر هيرقليطس راكد كالرصاص المصهور.

 إن هذا الشعور بثقل الزمن، الذي يتسرب إلينا، لا يمكن إدراكه من مجرد إشارات لغوية مباشرة كقولنا:(كان الزمن يمر بطيئا) لكنه يظهر عبر نشاط علاماتي لعناصر مختلفة، وذات حضور بصري، كأننا نراها ونعيشها: شجرة الكافور، الوقت المتأخر من الليل، سكون النهر، الرصاص المصهور، مقهى بلا صخب أو حركة، زبائن يتنفسون هواءً ثقيلاً. هذه العلامات الوصفية / المشهدية تتوزع على مساحة السرد، لكنها تتجاوب فيما بينها لتؤكد شعورًا كليًا بأن كل ما يحدث هنا، هو محاولة لاستهلاك الزمن، أو بمعنى آخر، استهلاك العمر.. سيفصح رجل المقبرة عن ذلك.

.. لنقرأ هذا الحوار القصير بعناية لندرك إنه فارغ من أي معنى. وأن كل ما يحدث هنا والآن، هو استهلاك الزمن فحسب:

" عندما التفتْ إلىّ صديقي وقال وهو يبتسم.. مالك؟ قلت لا شيء، قال صديقى موجهًا كلامه إلىّ:

 - أتحب أن ننصرف؟

-كما تريد..

-بعد قليل ننصرف

أشعلتُ سيجارة”[18]

عندما يسكن الزمن، تتوقف الأحداث عن الحدوث، ويتعطل المعنى، فتنعدم الأولويات والأهميات. فالانصراف الآن أو بعد فترة متساويان، وكلاهما بلا أهمية، ويصبح الحوار مجرد حيلة بائسة لتمرير الوقت.

يتميز الحوار عند إبراهيم أصلان عموماً، وفي بحيرة المساء خصوصًا، بقدر عالٍ من الحياد الزمني، بمعنى أن زمن الحوار في النص يتساوى مع زمن الحوار في الواقع. فالشخصيات في القصة تتبادل الكلمات بنفس الطريقة التي يستخدمها الناس في الواقع، بما فيه من فضفضة، وتكرار. وكذلك بما فيه من اختزال عندما تُغني إيماءة، أو حركة، أو إشاحة يد عن الكلام. إنها لغة الجسد التي نراها على نحو واضح في شخصية الباحث عن مقبرة العائلة. قد يبدو هذا –عند البعض - مبالغة في محاكاة الواقع يأباها فن السرد، الذي يعتبر الحوار عنصرًا من عناصره المهمة. لكن أصلان يوظفه زمنيًا بوصفه ضرورة فنية، تعبر بصريًا عن حالة الضجر، ليبدو الحوار وقتًا مستقطعًا من زمن السرد البطيء أصلاً. إنه تكريس لحالة الركود النفسي التي تسود الشخصيات المتحاورة.

 الحوار هنا في خدمة الواقع الداخلي للشخصيات، فلا شيء يحدث سوى أنه جلس هنا وتبادل بضع حوارات الفارغة من المعنى، فقط لمجرد استهلاك الوقت. هكذا يصبح الحوار مكتنزًا بعلامات تؤكد بلاغة الصمت.

على المقهى، ينشأ حوار بين اثنين لا يعرف أحدهما الآخر، وليس بينهما موضوع مشترك، ولكن كلاهما ضجِر. يكون أحدهما مهمومًا بموضوع يخصه، فيما الآخر غير معني بالأمر كله، فقط هو يأمل أن يمر الوقت. لهذا لا يظهر الحوار كطريقة للتواصل بين شخصين لتنمية الحدث، بقدر ما هو تواصل بين شعورين لاستهلاك الوقت:

"منذ مدة وصلني أن المقابر الموجودة في باب النصر ستزال.

هززت رأسي.. قال:

- ستزال هي والمقابر الموجودة عند السيدة نفيسة.

- لماذا وصلك؟

قال بحذر وكأنه يخشى أن أنصرفُ عنه

- ما هو؟

- الخبر

- إنني أملك مقبرة هناك

- أنت تملك مقبرة هناك

- أقصد أنها موجودة في زمن بعيد جداً، وأنا الموجود الآن من العائلة”[19]

وعلينا مرة أخرى ملاحظة الحوار ببعض الدقة، إنه يستهلك من داخله بدون أي تطور. الأسئلة ليست جادة، والإجابات لا تضيف ولا تفسر شيئًا، بل تبدو تكرارًا مملاً. إنه إيقاع الزمن الراكد. السرد في مجمله يتشكل عبر هذا الإيقاع، الذي هو في الحقيقة أزمة الشخصيات كلها وموضوع النص في مجملة. صحيح هي بلاغة صامتة على نحو ما سوف نرى في مشهد النهاية، لكننا نحس بوقعها صاخبًا في النص، كما لو: "أن ثمة ساعة في مكان ما من السرد تدق” كما يقول كانديو بيريث جايجو.

لننظر إلى تلك النهاية التي علقها إبراهيم أصلان في فضاء سردي لتظل شاهداً على ركود الزمن الذي شكل السرد منذ البداية النص ينتهي بلا حدث، سوى أن رجل مقبرة العائلة، وقف يتبول. صحيح هو تعبير بلغة الجسد لا الكلام، ويؤكد بلاغة الصمت التي لاحظناها منذ البداية، لكنه يمثل احتجاجًا على كل ما يحدث في ذلك المساء الراكد كبحيرة رصاص مصهور:"..ولم يكن الرجل على مقعده، بل كان واقفًا هناك على الشاطئ في أعلى المنحدر، كأنه جزء من الركود الرمادي الذي ذابت فيه المنطقة، تأملته طويلاً، لم تصدر عنه أي حركة، كان فقط واقفاً يتبول، وساقاه منفرجتان، ورأسه مدلى إلى أسفل”[20]

كيف نقرأ هذه الصورة بعيدًا مشاعر السأم التي يسربها الكاتب بصمت ناعم، دونما انتباه إلى أن فعل التبول يجسد رمزية الاحتجاج على الواقع؟

 

[1] - إبراهيم أصلان: بحيرة المساء (قصص قصيرة) مختارات فصول - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة - 1994م

[2] - إبراهيم أصلان: السابق

[3] - إبراهيم أصلان: السابق

[4] - إبراهيم أصلان: حكايات من فضل الله عثمان (قصص) - دار الشروق - القاهرة -2003م

[5] - إبراهيم أصلان: قصة (سفر) السابق

[6] - إبراهيم أصلان: قصة (طرف من خبر العائلة) - السابق

[7]- إبراهيم أصلان: قصة (سبيل للصغار) -السابق

[8] -إبراهيم أصلان: قصة بحيرة المساء - سابق

[9] -إبراهيم أصلان: قصة (وقت للكلام) - سابق

[10]- إبراهيم أصلان: قصة (رجل) - من حكايات فضل الله عثمان - سابق

[11] - نفسه

[12] - إبراهيم أصلان: قصة (مونديال) - حكايات من فضل الله عثمان - سابق.

[13] - أماني فؤاد: حيادية السرد وعريه في رواية (عصافير النيل).. موقع الحوار المتمدن

[14] - كانديدو بيريث جايجو: الفضاء/ الزمن..اقتراب سيسولوجي -مجلة فصول - الهيئة الهيئة المصرية العامة للكتاب -العدد الثاني - القاهرة -1993م

[15] - كادنديو بيريث جايجو- السابق

[16] - إبراهيم أصلان: قصة بحيرة المساء - سابق

[17]- إبراهيم أصلان: السابق

[18]- إبراهيم أصلان: نفسه

[19]- إبراهيم أصلان:  بحيرة المساء - سابق

[20] - إبراهيم أصلان - السابق