ليست هذه المقالة كما يبدو من عنوانها احتفاء برواية طارق إمام المهمة، ولكنها رؤية تهكمية لجوانب أخيرة من حراك الواقع الثقافي المعقد، والذي أدخلت الجوائز الأدبية إلى ساحته عوامل الغيرة والكيد مع آليات مواقع التواصل الاجتماعي الإشهارية وما تفرزه من معارك تستدعي تلك السخرة التهكمية اللاذعة.

«ماكيت القاهرة» ... عرسٌ روائي

بين يدَي الادّعاء العام النقدي

محـمد هـديـب

 

في النقد الحديث جدّاً، على الناقد أن يتمرّن ويستعين بصديق، ليس شرطاً أن تكون له علاقة بالقراءة الأدبية، ولكنّه فطحل في مواقع التواصل الاجتماعي، والفوتوشوب، والترند، والجمهور الإلكتروني. لأنّ أدوات المعارك الأدبية، ليست كما في مجلّة "الرسالة" على سبيل المثال في الثلث الأوّل من القرن العشرين، إذ يقرع النص نصاً ورقياً، وينتظر القارئ أسبوعاً أو أسبوعَين حتى يقرأ ردّ طه حسين على توفيق الحكيم. لقد تغيرت الدنيا كما سيتبيّن معنا لاحقاً. فلقد وصلتني في 28 كانون الثاني/ يناير على "واتساب" مجموعة قصص قصيرة جدّاً باللغتين الإنكليزية والإسبانية، فازت أو شاركت في جوائز "متحف الكلمة" عام 2013، وهي جائزة إسبانية تشترط كتابة قصّة لا تزيد على مئة كلمة، ولديك أربع لغات تكتب بها: الإسبانية والإنكليزية والعربية والعبرية. الجائزة الكبرى عشرون ألف دولار، وتُمنح ثلاث جوائز أُخرى، لكلّ واحدة ألفا دولار.

لم أكن قد سمعت بالجائزة من قبل. زرتُ "مدرسة طليطلة للمترجمين" قبل سنوات، وهما، المدرسة و"متحف الكلمة" يستلهمان ما يريانه واقعاً متسامحاً بين المسلمين واليهود والمسيحيّين، بعد سقوط طليطلة عام 1085، وهي أوّل مدينة إسلامية تسقط في الأندلس في ما يسمّونه في المقابل "حرب الاسترداد". وشهدت المدينة نشاطاً معرفياً هائلاً لنقل العلوم والمعارف التي كُتبت باللغة العربية غالباً، وأثر ذلك في النهضة الأوروبيّة.


عرس روائي:
لم أكن أيضاً قد قرأتُ رواية الكاتب المصري طارق إمام "ماكيت القاهرة" الصادرة عن "منشورات المتوسّط" في ميلانو، والتي قطعت طريقها نحو القائمة الطويلة في "الجائزة العالمية للرواية العربية" المموَّلة من الإمارات، ويجري تداوُل اسم آخر لها غير رسمي هو "البوكر العربية"، وسط عُرس من جمهور (جمهور وليس قرّاء بالضرورة) الروائي، مع انطلاق إشارات إلى رغبة في وضع حدّ لـ"العرس الروائي"، بالتلميح إلى أنّ الرواية فيها مشاكل، كما يمكن أن تكون مشاكلُ في أيّ منجز أدبي، قبل أن تنفجر المعركة وتتدهور إلى اتّهام إمام مباشَرةً بالسرقة.

ثم نجحت الرواية في عبور القائمة الطويلة إلى القصيرة، لكن الجائزة ذهبت إلى رواية الليبي محمد النعّاس "خبز على طاولة الخال ميلاد". ويفترض كما هي أحوال "العرس الديمقراطي" العربي و"العرس الرياضي" وأيّ عرس بدُخلة أو غير دُخلة، أن ينفضّ الجمع بحيث "كلّ حيّ يروح لحاله" فلا يبقى في المنطقة كائنٌ من البشر إلّا ويعود إلى بيته، ما عدا "كلَّ كبدٍ رطبةٍ" من القطط والكلاب، فهي تظلّ تجوس في الأزقّة بانتظار عرس جديد.

الادّعاء العام النقدي

أمّا وقد طارت الطيور بأرزاقها بعد "البوكر"، فقد حان حين المعركة، وستجد من سورية كاتباً يتفرّغ ببسالة لكشف السرقات، وسينافسه كاتبٌ مصري بأنّ له قصبَ السبق في القبض على سرقات مواطنه إمام. وإذا حسبنا عدد المَوارد التي اتُّهم الكاتب بأنه سرق منها، سنجدها تناهز العشرة بين أعمال أدبية أجنبية وعربية، وصولاً حتى إلى لوحة للرسّام البلجيكي رينيه ماغريت. كلُّ ذلك، قبل أن يُزوَّد الادعاء العام النقدي بتسريبة تُفيد بأن الكاتب إمام سطا على السلسلة الوثائقي  Pretend It's a City  للمخرج المرموق مارتن سكورسيزي على "نتفليكس"، التي عُرضت منها حلقة واحدة العام الماضي. ثم بعد ذلك، يُزوَّد الادعاء بما اعتُبر قاصمةَ الظهر، وهي القصص القصيرة جدّاً التي أبلغتكم أنها وصلتني في كانون الثاني/ يناير الماضي. ومن باب الاحتراز، أسأل نفسي قبل أن يسألني أحد: ما هذه القصص ذات المئة كلمة، التي تسابقَت في 2013؟ وما الذي كنتَ تنتظره للتعليق عليها؟

القنّاص الأرجنتيني

هي قصص، واحدة منها فازت بالجائزة الكبرى بعنوان "القنّاص" للأرجنتيني أرماندو ماكشيا الذي رحل عام 2021، وهذه القصة ترجمتُها على غوغل وبتصرّف: كلّ يوم، في أثناء انتظار الحافلة، كان طفل يشير إليّ من الشرفة بإصبعَيْ الإبهام والسبّابة، ويسحب زناد مسدّسه الخيالي، وهو يصيح في وجهي "طاخ، طاخ!

في أحد الأيام، فقط لمواصلة اللعبة، أشرتُ إليه بإصبعيّ، وصحتُ "طاخ، طاخ! فسقط الطفل من البلكونة إلى الشارع. ركضتُ إليه، ورأيتُ عينيه نصف المغمضتَين، ثم فتحهما مذهولاً. قلتُ بأسى: 'أنا كرّرتُ الشيء نفسه، كما فعلتَ أنت معي'. فأجاب: 'نعم سيدي، لكني لم أكن أنوي قتلك'".

هذه قصّة فاتكة وموهوبة ومكثّفة، وهي إمّا أن تكون لصاحبها أو لا تكون. ومن شدّة أثرها تولَّهَ بها طارق إمام وبنى عليها روايته. وعلى هذا، فإنّك إذا حذفتَ واحدة من الشخصيات الرئيسية: بلياردو أو المسز أو نود، فإنك ستحذف إضافة ثمينة، وستُضحّي بشخصية وعليك أن تملأ الفراغ. بيد أن حذف الطفل أوريجا في رواية "ماكيت القاهرة" الذي قتل أباه بمسدَّس خيالي من إبهام وسبّابة عام 2020، وهو الآن في الرواية في عام 2045، حتماً سيهدّد عمارة الرواية برمّتها.

كلُّنا لصوص

ولقد جاءتني قصّة الأرجنتيني ومعها قصّة "العين" لطارق إمام، التي فازَت بجائزة أفضل قصّة باللغة العربية، فكانت لديّ فرصةٌ قبل إعلان نتيجة "البوكر العربية"، لتأمُّل حدود الاستلهام والسرقة والاعتداء، بروح إيجابية أكثر. إذ ليس من السهل أن تقبض على شخص من ياقته وتجرجره بوصفه لصّاً. أي إنّني أريد التماس ما أمكن من أعذار وتفهُّم باعتبار أنّنا جميعاً لصوص. نعم، أنا مؤمن بما يقوله الكاتب الإيطالي أنطونيو تابوكي بأنّ الكاتب سارق، لكنه سارق لطيف وحسّاس: فهو لا يُفرغ البيت تماماً من محتوياته. ومن هم الذين لا يسرقون؟ يجيب تابوكي: وحدهم أولئك الذين يمشون وعيونهم مغمضة، لا يسرقون من حولهم.

أعطيتُ لنفسي فرصة التأمّل. أقول في بطني شيئاً وأنقده، أو أنقضه. أين حدود الاستلهام ومتى يجوز الحكم بالسرقة؟

في قصة "العين" بمئة كلمة أو أقلّ، شخصٌ يعثر على عين ويبحث عن صاحبها. في عام 1836 كان بطل قصّة "الأنف" لـ غوغول يبحث في الشوارع عن أنفه المفقود. هذه ليست سرقة، حتى لو قرأ إمام قصّة غوغول وتولّه بها. وقد أخذ كاتبُنا قصّته ووسّع مدياتها في الرواية وصارت ركناً ركيناً. وكان جموع الناس العُور بعين واحدة مجتمعاً غرائبياً وذا سلطة على الآخرين الغرباء الشاذّين الذين يمتلكون عينَين اثنتين، وهو الجانب الأكثر إشراقاً في الرواية.

إنّها قصته هو، وسّعها أو ضيّقها أو رماها من الشبّاك، فهذا شأنه. أمّا لو أعدنا عقارب الزمن، فلربما اختار الكاتب أن يهدي روايته إلى الأرجنتيني أرماندو، أو يضع تصديراً يقول إنّ روايته مبنيّة على قصّة "القناص". لماذا؟ لأنك لا تنهل من نص مَشاع مثل "ألف ليلة وليلة"، بل قصّة من مئة كلمة، لشخص ليس معاصراً لك فقط، بل صعدتَ معه على المسرح. هو أخذ أمام عينيك الجائزة الكبرى، وربما صافحتَه وباركتَ له، وربما سهرتما معاً سهرة الفائزين، ثم عدتَ إلى القاهرة ومنحتَ القنّاص الأرجنتيني جنسية مصرية.

بلاد العميان

أغلبُ الظنّ أنّ الكاتب حين يأسره عمل، يبدأ أوّلاً بقضم أظفاره. وهذا ردّ فعل طبيعي حين نتمنّى لو أن العمل بتوقيعنا نحن. وعدا عن "الشجاعة" في اتخاذ قرار استعمال نصوص الآخرين، يعرف الكاتب أنّ من يقرأون عندنا هم القلّة القليلة، وبهذا فهو يبدو كما يقول المثل الشعبي "مفتّح في بلاد عميان". هناك الكارهون، وهناك المتصيّدون، وهناك من يقرأون لذاتهم بعيداً عن أيّة أجندة، فيقعون مصادفةً على ما يرون أنها سرقة. أنصح من باب أخوي، القارئ بأن يلجأ إلى النقّاد الراسخين في قراءة النصوص. وبما أنّ هؤلاء الراسخين نادرون ندرة الكبريت الأحمر، فليس لك إلّا أن تستفتي قلبك.

لا يكفي أن يُعلن طرفٌ أنّ فلاناً سرق من هذا وذاك وهذه وتلك، وأين؟ على مواقع التواصل. فلا أنت قرأت كاوباتا ولا ماركيز، ولا الخصمُ قدّم دراسة وافية. فإذا وصلتَ إلى فيديو نشره الخصوم لإمام وهو يتحدث فيه بإنكليزية متواضعة، يضعونها موضع سخرية، فانسحِب. هذه ليست ساحة معرفة، بل تصفية حسابات. ثم إنّني لستُ على ثقة عمياء بمن يتطوّعون للعب دور شرطي نصوص، مثلما الحال مع لجان التحكيم.

في عام 2010

سأعيدكم إلى 2010، السنة التي سُحبت فيها "جائزة الشيخ زايد" من الباحث الجزائري حفناوي بعلي. فقرار اللجنة المنظّمة للجائزة يتحدّث بالنصّ عن أنّ ما ورد في كتاب بعلي الفائز بجائزة عام 2009 "تجاوَز حدود الاستشهاد والاقتباس وتحوّل في سياقات عديدة إلى الاستحواذ على جهد الآخرين مضموناً ونصّاً".

نحن لا نعرف كيف توصّلَت الجائزة إلى هذا الحكم. فهناك كتبٌ كثيرة تداوَلها الإعلام مستحوذٌ عليها، دون أن يُسهم ذلك في وضع ولو لبنة واحدة، تُعزّز ثقافة الاستشهاد والاستلهام وحدود الاقتباس، في الجامعات والمؤسَّسات الثقافية. فضلاً عن سؤال جوهري: كيف لمؤسَّسة أن تعطي جائزة دون أن تجنّد باحثين عواجيز وشباباً، أعضاء لجنة الجائزة وآخرين بالقطعة، لبحث أصالة هذا الكتاب أو ذاك؟

كلُّ ما عرفناه نجمٌ لمع في المحطّات، هو من فجّر قضية السرقة، فاستيقظ القومُ من غيبوبة السكّري وسحبوا الجائزة. هذا النجم تجد "بروفايل" صفحته في عصر فيسبوك يقول إنه "عمل في سبع صحف كبرى وخمس مجلّات وشارك في ألف فعالية". يعني أنّ الفعاليات لم تُصبح "ألف فعالية وفعالية" على طريقة "ألف ليلة وليلة"، وله قصيدة يقول فيها "إلى صديقة هندية: هندية الثديَين لا تتعجّلي لمساتي، فلديّ زلزال من اللحظات". إنّ أيّة سرقة، حتى سرقة مال اليتيم، هي حلالٌ وأكثر حلالاً من هذه القصيدة.

سُرّاق عبروا الزمن

ثم إنّ ملف السرقات، إذا اختصرته تاريخياً، ستصل إلى أمر واحد، وهو أنّ الذين عبروا الزمن هم المبدعون المتَّهمون بالسرقة. لا أحد منّا يتذكّر اسماً واحداً ممّن اتّهموا المتنبي والبحتري وأبا تمّام وأبا نواس وابن الرومي بالسرقة، وبقي المعرّي وبقي بعده دانتي أليغييري أبو اللغة الإيطالية الذي ربّما بنى "الكوميديا الإلهية" على "رسالة الغفران"، وبقي بوكاتشيو الذي ربما بنى إحدى قصصه في "الديكاميرون" على قصّة حاتم الطائي. بل إنّ الفرزدق مارس السرقة بالبلطجة والتشبيح بين عشرات الأنواع من السرقات الرائجة في العصور العربية الكلاسيكية. لجأ إلى ما يُسمّى "الغصب"، فقد سمع شاعراً آخر يقول بيتاً سحَره، مثلما سحرت قصة أرماندو الأرجنتيني طارق إمام.

غير أن الزمن غير الزمن. الفرزدق قال للشاعر "والله لتدعنّه، أو لتدعنّ عرضك"، أي إذا لم تُعطني البيت سأنشر عرضك في البلاد، فارتعب الشاعر وقال: "خُذه، لا بارك الله لك فيه". بقي الفرزدق حتى يوم الناس شاعراً فذّاً، رغم سفالة ما فعله، ويمكن لقصّة "الغصب" أن تتحوّل إلى فكاهة، كما لو أن "اللمبي" كان حاضراً في العصر الأموي، ويخبرنا بأنّ الفرزدق أخذ البيت "غصم واقتدار".

نقّاد يخافون الله

في كلّ حال، لا يمكن ترك السرقات الشرعية وغير الشرعية خارج القراءة والتأمّل. إنّ من السرقات ما عُدّ مقبولاً، إذا تفوّق السارق على المسروق، أو أخذ ما أخذه ونقله إلى فضاء جديد. هذا شغل قراء خارج الحلبة، ونقّاد يخافون الله سواء أكانوا مؤمنين أم ملحدين. معركة التشاتم على فيسبوك، ووصلات الردح المستمرّة إلى اليوم بشأن رواية "ماكيت القاهرة" كانت هجوم قبيلة على قبيلة، وغالبية القبيلتَين لم تقرأ الرواية، وكان هذا بالضبط مأزق طارق إمام الذي تزعّم جمهوراً مشغولاً عليه بشطارة، وتعامل بغطرسة مع الكاتب السوري، قبل أن يُشهر الأخير آخر أسلحته؛ ألا وهي قصّة "القنّاص" الأرجنتينية التي بُنيت عليها الرواية بأسرها، بانتظار أن يزوده أحد من ذوي "الأيادي البيضاء" بقصة إسبانية بعنوان "فرصة" لم تفز بالمسابقة، لكنها ربما استعملت في بناء شخصية "نود" في "ماكيت القاهرة". الشخصيتان مسكونتان بالتعرّي أمام المرآة.

كلُّ الاتهامات المتعلّقة بسرقة كتب ومسلسلات ولوحات لا يُعتدّ بها، إلّا بعد فحص عميق. أمّا قصّة "القنّاص" فحشرت الكاتب المصري في زاوية ضيقة، حتى إنّ فتح جبهة التطبيع على يد مصريّين، لكون الجائزة فيها عبري وعربي، بدا كأنّه طاقة فرَج، للكاتب الذي يُتّهَم بالتطبيع تعسُّفاً وتصيُّداً من متصيّدين، بينما الضرب تحت الحزام قادم من جبهة أُخرى، "القنّاص" موضوعها لا التطبيع. فمن الممكن تشكيل حائط صد يقول إن وجوده في مكان مشترك مع إسرائيلي، ليس مستمسكاً إلا لمن يتصيدون.

"سكرين شوت"

لو كنتُ مكان إمام لألجمت الكاتب السوري بالقول إنّ القصّة الأرجنتينية بحوالى مئة كلمة هي لصديقي العزيز (وهو ميت يمكن أن تحمّل عليه ما شئت)، وأمامك رواية ضخمة استلهمت ما هو من حقّها... إلخ إلخ. لكن اللجوء إلى خيار نشر صورة الشاشة (سكرين شوت) لإثبات أنّ الكاتب كتب في 2011، أي قبل عامين من المسابقة، حكاية المسدَّس الخيالي، كان إدارةً بالغة السوء للمعركة، مع إضافة صور "سكرين شوت" لتعليقات ليس لها أدنى علاقة بالموضوع.

هذ لا يجوز على طفل في الرابع ابتدائي جيم، فكيف يضطرّ الكاتب إلى فبركة منشور، ولديه خيار المشاركة Share متوقَّعاً أنّه يجوز على روّاد مواقع تواصل لديهم مهارات وخبرات سهلة مثل هذه لا تحتاج إلى كبير جهد. بهذا كان أخونا إمام يقطع الطريق علينا لتأمُّل حقّه في استلهام أو حتى استعمال نصّ آخر. لقد جرّه الخصم إلى ساحته وأذعن لشروطه، وخاض المعركة في حارة بعيدة عن حارته، حاملاً معه "سكرين شوت"، ما أضرّنا نحن القرّاء الذين نفكّر في الدفاع عنه، بيد أنه أفادنا بأنّ الكاتب الجيد هو من يجهل أشدّ الجهل بشؤون "السكرين شوت" و"الفوتوشوب" و"الترافيك" و"الرانكينغ" و"الترند".

تعالوا نفكّك المشهد الأخير. الغالبية الساحقة من الكتّاب (وليس الجمهور الذي تسيّره بيدك يميناً أو شمالاً) لزموا الصمت ولم يناقشوا. ربما منهم من رأى أنّ الهجوم على الكاتب مع ما فيه من وجاهة، كيديّ، وخصوصاً أنه كبر وتدهور في حلبة مواقع التواصل، وربما رأوا في كوابيسهم ثوراً أُكل يوم أُكل الثور الأبيض، فآثروا السلامة، وربما كانت حساباتهم مصالح متبادلة، وآخِر "ربما" أنهم يخشون التعرض لحفلة الغسيل التي طاولت كل من تجرأ وتحدث عن "ماكيت القاهرة".

أمّا النقّاد من فصيلة "د" و"أ. د"، فهم لا يُدلون بدلوهم، لأن لديهم بضعة كليشيهات يأكلون بها خبزهم، ويطبّقونها على أيّ نصّ؛ مثل "كسر التابو" إذا اندلق العصير على فخذ امرأة، أو أنّها "كتابة تحتفي باليومي" إذا رأوا شبشباً وحبل غسيل وفنجان قهوة، أو بوهيمية إذا كان البطل يلبس قميصه بالمقلوب.