يسجل الكاتب العراقي لرحلة خاصة إلى اليابان، ومن الوهلة الأولى نلمس انبهاره بمظاهر الحياة المختلفة من مطار دبي حتى اليابان، فسمى اليابان بالكوكب، من شدة الانبهار، وتبدو هذه الرحلة مشابهة لعدة رحلات إلى أوروبا منذ نهايات القرن التاسع عشر، وكأننا ما زلنا نراوح في مكاننا!!

كوكب اليابان

نصيـر الحسيني

 

أقلعت بنا الطائرة من مطار بغداد الدولي في الساعة الحادية عشر صباحاً، قاصدين مطار دبي حيث سنقضي حوالي ١٣ساعة ترانزيت، وصلنا دبي في الواحدة والنصف بتوقيت العراق، وفي الثانية والنصف بتوقيت دبي، بفارق ساعة واحدة، استحصلنا فيزة ترانزيت من المطار بقيمة ٨٠ دولار تتضمن ايصالنا الى فندق المطار داخل دبي مع العودة الى المطار، بعد ذلك توجهنا بالمترو القريب من الفندق الى المحطة المجاورة المرتبطة مع مول دبي عبر ثمان محطات. يتكون مول دبي من أربعة طبقات بالإضافة الى اربع مستويات كراج للسيارات وربما مخازن واشياء أخرى ، عدد لا يحصى من العاملين في المول من الأجانب من آسيويين وسواهم من الجنسيات المختلطة مثل الصينيين والهنود، ونادراً ما تلتقي بإماراتي أو عربي، ولغة التعامل الغالبة هي الإنجليزي ، أما السياح فهم من بلدانٍ شتى تكاد لا تحصى . التقينا بعديلي المقيم في الإمارات منذ عشرين سنة مضت ، وأكلنا الهمبركر وتبادلنا أطراف الحديث، وخرجنا معاً قاصدين النافورة العجيبة والفريدة التي تعمل مع الموسيقى بعرض فريد كل نصف ساعة مع الأضواء التي تغطي المنطقة برمتها، حيث تحيط بالنافورة أشكالٍ شتى من الابراج وهي تناطح السماء دون أن تتصل مهما بلغ علوها، وعلى اية حال ودعنا عديلي أبا سلام لارتباطه بعمل وقضينا باقي الوقت نستمتع بالمشهد الساحر والعجيب ، والأعجب من ذلك ترى الناس وهم سعداء فرحين بهذا الشكل دون اي إزعاج يذكر أو يلاحظ . واستمر الحال بهذا الشكل حتى العاشرة مساءً ثم عدنا بالمترو الى الفندق وبعد قليل من الراحة تم إيصالنا الى المطار، وبحدود الساعة الثانية وخمسة واربعين دقيقة نحن نستقل الطائرة ونستعد للإقلاع الى اليابان - مطار ناريتا . استمرت مدة الطيران عشر ساعات، طويلة ومزعجة جداً، فضلاً عن السعر الباهض للرحلة، لكن اليابان تستحق الزيارة والتضحية. قدموا لنا وجبتي طعام مع المشروبات الباردة والساخنة فضلاً عن الماء، كانت الطائرة البوينك كثيرة الركاب ربما تجاوز الثلاثمائة شخص، وصلت الطائرة في الثانية عشر ظهراً بتوقيت دبي أي في الحادية عشر بتوقيت بغداد، لكنها بتوقيت اليابان الساعة الخامسة والنصف عصراً، وقد بدأ المساء باختفاء الشمس تماماً، أعطونا استمارات الوافدين التي تتضمن معلومات عن القادمين ومكان إقامتهم. أستقبلنا مندوب شركة سياحية ونقلنا الى الفندق بسيارة الشركة، ويبتعد ساعة كما ذكر ابن البلد السائق، وعلى أية حال تسلمنا مفاتيح الغرف وبعد قليل من الراحة والحمام تجولنا لمدة ساعة في المدينة، وشاهدت بعض من الشرطيات والشرطة يتجولون بملابسهم الرسمية، ورأيت كثيرا من الناس الشباب على اختلاف أعمارهم تقود دراجات هوائية .

في اليوم الثاني ، بعد الإفطار ذهبنا الى برج الاتصالات (سكاي تري) وهو بارتفاع ٦٤٨ م وكان سابقاً أعلى برج في العالم وقد نجح اليابانيون من خلاله بتعمير المنطقة القديمة وتحويلها الى منطقة تجارية وسياحية مثمرة على شكل غير قليل من الأهمية وجنوب على عدة مولات ومحلات تجاري ومحطة ، وبني البرج في عام ٢٠٠٩ واكتمل بناءه عام ٢.١٢ من الفولاذ ويوجد قرب البرج مركز تجاري تحت الارض بخمسة طبقات والأماكن منظمة بشكل يثير الدهشة . نظام السير هنا ايسر وما لفت انتباهي تأثيث الشوارع ولا يوجد مكانات للنفايات ولا توجد أوساخ او فضلات للأكل ترمى بشكلٍ مقزز في الشوارع ، وانما جرت العادة ان يحمل الياباني معه حقيبة يحملها على كتفه وفي داخلها كيس لجمع النفايات ورميها في داره ومن ثم الى مكان النفايات. والنفايات تقسم عدة أقسام لفرض التدوير .

انتقلنا الى معبد سن سوجي وهو في منطقة شعبية تسمى اساكوسا ، وهو معبد بوذي ، وقد بني المعبد بحسب الأسطورة القديمة التي تروي عن اثنين من الصيادين ذهبا للصيد في نهر الصميدا وفي أثناء رمي شبكة الصيد، وسحبهم لها تفاجآ بصيدٍ ثمين هو تمثال من الذهب ، وتداولا في الأمر معاً وقررا أن يعيدا التمثال الى النهر لأنه لا يعود لهم وهو ليس من حقهما ، والياباني لا يحب أن يأخذ حاجة غيرة ، ثم ذهبا الى مكانٍ أخر للصيد ورموا الشباك ومن ثم سحبوها بقوة نتيجة ثقلها واذا بالتمثال الذهبي يظهر مرةً أخرى عندهم ، وتداولا مرةً اخرى وقررا ارجاعه مرةً أخرى الى النهر، وابتعدا عن المكان أكثر ورموا الشباك وظهر التمثال مرةً أخرى ، ورموه أيضاً في النهر وذهبوا الى مكانٍ اخر ، ورموا الشباك مرةً أخرى ، وهكذا تكرر الموقف لخمس مراتٍ ، فذهبوا الى الكهنة وأخبروهم بالواقعة وبناءً على ذلك قررت الكهنة إقامة المعبد في هذا المكان واعتبروا ذلك إشارة من السماء . وهكذا انشئ المعبد ، وراعية المعبد الاله سما كانون وهي اله الحب والجمال والخير ، وكلمة سما تستخدم للاحترام .

طوكيو ٢٠١٩/١٠/٢

 

كوكب اليابان (٢)

دخلت في احد المطاعم التي تقع ضمن مجمع تجاري واسع وفيه مجموعة من المطاعم المتجاورة التي تقدم شتى انواع المأكولات اليابانية، وبينما كنا نتحاور أنا وابنتي لاختيار صنف الطعام الذي لا يشبه طعامنا، بالرغم من انهم يعتمدون على الرز كعنصر اساسي، رأيت امرأة شابة مع طفلها الصغير في عربته، وهي تحنو عليه، لتحجز وجبة الغداء، وكان خلفها في الدور، وعلى مسافة بعيدة يقف رجل سبعيني، ومن الصعوبة تقدير اعمار اليابانيين، واقفاً ويداه مثل صليب ينتظر دوره، كنت اضنه مسكيناً من شدة تعففه، وبقيت اراقبه لحين انتهاء المرأة الشابة من حجزها تقدم مثل جندي عسكري وحجز غذائه وبعد قليل من الوقت كان لكل واحد منهم صينية الاكل جاهزة، لم يتسابقا أو يتدافعا او يضايق احدهما الاخر . وعند تمعني في النظر لتستكشف سبب ذلك وجدت ان الارض مخططة بخطوط حمراء تشير الى الدور وعلى مسافة غير قليلة. لم ينتهي الموضوع عند هذا الحد بل ذهب كليهما بعد الانتهاء من وجبتيهما الى تنظيف المائدة بشكل كأنهما عمال نظافة، بل قامت المرأة الشابة بمسح الارضية! يتميز اغلب اليابانيين بالنظام.. ولاحظت ذلك حتى في المحلات الصغيرة حيث توجد خطوط مؤشرة .  وحين تلج في الاسئلة تجد ان اليابانيين قساة حد الثمالة مع المخالف او المسيء، وفي كل المجالات، غير ان الفساد موجود لكن بنسبٍ معينة بعضها غير مرئي، حتى قيل ان هنالك عصاباتٍ شتى وبعضهم مبتور الخنصر حتى يعرف من هذه او تلك العصابة، وبعضهم مختوم الصدر او الأطراف !!

ومن الجدير بالذكر أن القمامة تعزل في اكياس وتصنف! فالمواد البلاستيكية والورقية القابلة للإعادة تضع في اكياس، وسواها في أكياسٍ اخرى

طوكيو ٢٠١٩/١٠/٣

 

كوكب اليابان (٣)

كنت ادخل شتى انواع المحلات في طوكيو وما جذب انتباهي وجود خط احمر قرب المحاسب وعلى مسافة عدة امتار يمنعك من ان تزاحم أي شخص الا بعد انتهاء الدفع، ولا يستجيب لك المحاسب لو حاولت الغلبة او اجتياز الطابور، وترى الجمهور هنا يقفون طابوراً حتى على الاشياء البسيطة حتى ان ذلك اصبح عرفاً سائداً وثقافة تعود عليها الشعب الياباني، وهذا القانون والنظام يبدو صارماً ولا يسمح لأيّ كان اختراقه بأي شكل من الاشكال ولا أقصد هنا ان اليابانيين شعب مثالي وايضاً فيه ما فيه كباقي الشعوب .

طوكيو ٢٠١٦/١٠/٤

 

كوكب اليابان (٤)

وما لفت انتباهي في اليابان وتحديداً في طوكيو النظافة، حتى ان اماكن رمي النفايات مقننة ونظيفة وموزعة بترتيب ما قادني لسؤال المترجم الذي يرافقنا عن سبب ندرة او قلة اماكن النفايات؟ ألا توجد لديهم نفايات؟ حدثني المترجم المصري المتجنس بالجنسية اليابانية أن اليابانيين منذ نعومة اظفارهم ترافقهم حقيبة فيها أشياءهم الخاصة وعلى جنب في داخل الحقيبة كيس للنفايات ثم يرميها في اماكن مخصصة عند عودته من العمل او من الدراسة ولا ينتهي الامر عند هذا الحد بل تصنف النفايات بحسب نوعها لإعادة تدويرها . وعلى هذا الشكل نادراً ما ترى يابانياً ماراً دون ان يحمل حقيبة على ظهره او في يده وهي على ما يبدو ثقافة سارية عند الجميع ولم ارى قطب سيكار في الشارع، والتدخين له اماكن مخصصة يقف فيها المدخنون للتدخين معزولة وتحت مظلة انيقة والله اعلم عن باقي المناطق

طوكيو ٢٠١٩/١٠/٥

 

كوكب اليابان (٥)

ما شد انتباهي هو أن اليابانيين يعملون لساعات طويلة جداً وعندما سألت مترجمنا، قال ان هذه مشكلة عند اليابانيين، ويعملون كأنهم الات ولهذا ترتفع عندهم حالات ونسب الانتحار على هذا النحو من الانحاء .

طوكيو ٢٠١٩/٩/٦

 

كوكب اليابان (٦)

وسائط النقل في اليابان متعددة وجميلة وربما تختلف عن باقي بلدان العالم، فالمترو الياباني جميل ومتشعب ويغطي المدينة رغم اتساعها ولكل محطة عدة مخارج وتتصل بمناطق على كل الاتجاهات، فضلاً عن القطارات السريعة وباقي وسائط النقل السريعة التي تلفت الانتباه.

طوكيو ٢٠١٩/٩/٧

 

  • كاتب ومهندس معماري عراقي.