تقدم الباحثة العراقية المرموقة في هذه الدراسة تتبعا مستبصرا لتغير الدلالات السردية والبنيوية لتجليات الجنس في الرواية العربية بدءا من استخدامه كغريزة استحواذ وتسلط، ووسيلة للصعود الطبقي، وصولا التصريح به إرهافا لقدرة السرد على نقد الواقع.

تجليات الجنس في الرواية العربية

فريال جبوري غزّول

إذا كان التاريخ ـ كما يقال ـ يكتبه المنتصرون ويمثل رؤية سلطة قائمة وخطاباً مهيمناً فالرواية ـ كما يقال أيضاً ـ تقدم صورة مغايرة بمتخيلها للتاريخ والواقع، ناقدةً الخطاب السائد ومتمثلةً خطاب المسكوت عنه والمقموع. ويمكننا أن نشبّه الخطاب الرسمي بالسلطة التي تفرض نفسها بمختلف الطرائق من عنف ورقابة ومن هيمنة متغلغلة في الثقافة كما بيّنه المفكر الإيطالي الماركسي أنطونيو غرامشي(1). وأما الرواية التي تقوم على بناء يتوسل المتخيل، فيمكن تشبيهها بالمعارضة، بالخطاب المقاوم. وعلى الرغم من المقابلة الثنائية بين الخطاب السائد باعتباره المؤسسة والخطاب الروائي باعتباره المعارضة، فقد تعلمنا مع الأسف الشديد أن المعارضة أحياناً لا تختلف عن السلطة في مسارها، فهي تحاكي السلطة قمعاً، وتمارس الرقابة الذاتية، وتتمثل القيم البطريركية، ولا تقدم بديلاً حقيقياً للسائد. لهذا علينا أن نقوم بتحليل النصوص الروائية كي نكشف عن مدى تجاوزها للتقاليد البطركية وكيف تقوم بانتهاك محرمات السائد لتقدم رؤية بديلة.

ويعترض تجلي العلاقات الجنسية في الرواية العربية عائقان في نظري:

أولهما: اعتبار الحديث عن الجنس محرّماً وغير مباح يطارده مقص الرقيب وإدانة المجتمع. وقد أدى هذا إلى استخدام التورية والتلميح أحياناً، عوضاً عن البوح والمجاهرة في الخطاب الروائي. وكما هو معروف لدى الجميع فالمحرمات الثلاثة هي: الدين والسياسة والجنس.

ثانيهما: بصرف النظر عن كونه محرماً، فالجنس موضوع شائك ومعقد لا لأننا نستحي من تداوله فحسب، بل لأن الحديث عن الجنس في تحققه الإنساني يتحدى إمكانيات اللغة ويخرج عن المألوف والعادي، وبالتالي تصوير المتعة الجنسية يصبح معضلة لغوية(2). يشترك الحيوان والإنسان في ممارسة العلاقات الجنسية، إلا أن الإنسان يتميز عن الحيوان في سلوكه الجنسي بما يطلق عليه جورج باتاي "الإيروسية" erotique، المتمثلة في تجربة داخلية مرتبطة بالرغبة والشغف والنشوة، والتي تأخذ شكلاً جسدياً أو عاطفياً أو روحياً. ويرى بتاي أن التجربة الإيروسية (الشبقية) تتوازى مع التجربة الصوفية في كونهما فيضين لا تستوعبهما اللغة(3). ويصح ما يقوله باتاي عندما نستحضر تجربة العشق الإلهي عند المتصوفة، واستخدامهم للمجاز الجنسي بكل تفاصيله في وصف حالهم، إلى حد أننا عندما نقرأ وصف مقام مثل هذا لا ندرك إن كان غزلا بمحبوب أم بالله. وفي هذا السياق أود أن أثير سؤالاً لم أجد له رداً مقنعاً. متى وكيف ولماذا أصبح الجنس تابو في الخطاب الأدبي عندنا بعد أن كان موضوعاً مباحاً في التراث العربي الإسلامي بدءاً من امرئ القيس ومروراً بأبي نواس والجاحظ وألف ليل وليلة؟ لقد كتب الفلاسفة والفقهاء عن الجنس وفيه، وخصصت له الكتب من ابن الجوزي إلى النفزاوي ومروراً بابن حزم الأندلسي. متى أصبح الجنس تابو؟ فنحن نعلم جميعاً أن الجسد يأخذ حقه في الإسلام على عكس المسيحية الوسيطة، حيث أعتبر الجسد مدنساً وشاعت الرهبنة. وكان حتى في العصر الحديث نزعات طهرانية في الثقافة الغربية كما في القرن التاسع عشر. فهل هذا التابو أمر مستورد، أم كما يزعم الرقيب في عناد مغالط "ليس من ثوابتنا القومية وليس من تراثنا"(4). وهل هذا التابو مرتبط بصعود الطبقة الوسطى أم هو الوجه الاجتماعي للقمع السياسي الذي نعاني منه؟ ليست هذه اسئلة بلاغية وإنما هي اسئلة تبحث عن رد مقنع لن يتم إلا عبر بحوث ونقاش، ولا أعرف من عكف عليها سوى باحث فلسطيني ـ جوزيف مسعد (جامعة كولومبيا في نيويورك) ـ وسينشر كتابه قريباً عن الموضوع. لقد تعلمنا من رواية الطيب صالح (موسم الهجرة إلى الشمال) أن الرغبة الجنسية والسلوك الجنسي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبعد السياسي وآثاره النفسية، فمصطفى سعيد في مغامراته النسائية لا يبحث عن الجنس الحافي، عن الجنس فحسب، وإنما عن غزو مضاد لما حلّ به وبقومه.

لقد اخترت بعض النماذج الروائية لتقديم تصويرها للجنس وتجليات أبعاده وأنواع ميوله. والجنس يكاد يكون مشتركاً بين كل الروايات العربية وإن تجلى بأشكال مختلفة فكان مستتراً أحياناً وحاضراً إلى درجة التصريح أحياناً أخرى. والجنس المستتر في الرواية العربية بأهمية الجنس المتجلي فيها في نظري. فلا يمكن أن نقتصر على ما هو واضح، ونغض النظر عما هو متوارٍ، لأن الصنعة الروائية ذاتها تعتمد على لعبة التجلي والتواري.

لنأخذ نجيب محفوظ في روايته (زقاق المدق) 1947، لنجد فيها نمطين من الممارسة الجنسية: الجنس الغيري والجنس المثلي، وفيها نجد الجنس أشبه ما يكون بغريزة استحواذ وتسلط من جهة، ووسيلة صعود طبقي واقتصادي من جهة أخرى. ونتعرف على الجنس في (زقاق المدق) ببعده الحيواني. فالمعلم كرشة صاحب المقهى في زقاق المدق كما يصوره الراوي العليم:

"كان رجلاً مسلوب الإرادة، لم يترك له الحشيش من إرادته نفعاً، ومع ذلك كان على خلاف الأكثرية من تجار هذا الصنف في حكم الفقراء، لا لأن تجارته غير نافقة، ولكن لأنه كان مبذراً ـ في غير بيته ـ يبعثر ما يربحه، وينثر المال بلا حساب، جارياً وراء شهواته، خصوصاً هذا الداء الوبيل"(5).

هذا "الداء الوبيل" أو كما يطلق عليه الراوي "الحياة الشاذة" يبررها صاحبها المعلم كرشة بقوله "لكم دينكم ولي ديني!" (ص 50). يستخدم ماله وقهوته لغواية الشباب، أي أن اقتصاد السوق ـ إن صح التعبير ـ يحقق له رغباته. ولا نجد في هذه العلاقات التي يُطلق عليها في العمل مصطلح "الداء" و "الشذوذ" أي نوع من العاطفة الإنسانية التي نجدها مثلاً في سيرة أوسكار وايلد الذاتية من الأعماق De Profondus المسألة لا تتجاوز العرض والطلب لشهوات يطلق عليها الراوي مصطلح "الخبيثة". أما السيد سليم علوان صاحب وكالة عطارة ومن وجهاء (زقاق المدق) فكان يحرص على أدائه الجنسي من خلال التهامه لصينية فريك، وهي "طعام ووصفة في آن واحد" وفي تهيئتها سر يجعل منه فحلاً، ومع أنه أرفع طبقياً بكثير من حميدة الشابة، إلا أنه انجذب إليها ملاحظاً تحديداً تكور جسدها (75 ـ 76) ليقول في نفسه "ما لي أحرّم على نفسي ما أحل الله لها" (76). وانتهى بأن خطبها من أمها، أم حميدة، التي فرحت بذلك كما فرحت ابنتها حميدة، على الرغم من أنها مخطوبة لشاب في سنها، وذلك طمعاً في المال والجاه.

الجنس إذن معبر للصعود الطبقي لحميدة وللتزود بـ"الدم الجديد" للسيد علوان وهو في الخمسين من عمره، ولم يتراجع عن هذا إلا عندما أصابته ذبحة صدرية. وما يشتهيه السيد علوان تشتهيه أيضاً الأرملة سنية عفيفي، وهي في الخمسين من عمرها، فتتزوج شاباً يصغرها عشرين عاماً، تجده لها أم حميدة طمعاً في مالها. وأما حميدة فتنتهي عاهرة في بيت دعارة على يد فرج إبراهيم القواد والذي يسمي نفسه "ناظر مدرسة" يدرّب الفتيات على إتقان الجنس المباع. لكن حميدة ـ كما يقول فرج إبراهيم ـ لم تكن بحاجة إلى تأهيل فقد كانت "عاهرة بالفطرة" (ص 276). والشاب الوحيد الذي ترتبط رغبته بحميدة بعاطفة إنسانية هو عباس الحلو الذي يذهب ليعمل في الجيش الإنكليزي كي يحقق مستوى اقتصادياً يسمح له بالزواج. يرجع عباس في عطلة له، ليجدها تعاشر الجنود الإنكليز في حانة، فيهجم عليها ليلقى حتفه بينهم، أي أن الإنسان الوحيد في الزقاق الذي حاول أن يسمو بغريزته ويشرعنها تمّ تحطيمه. وفي هذا تصوير ونقد لمجتمع تتقاطع فيه قيم السوق بغرائز بهيمية.

ولو حللنا مصدر الجنس في (وصف البلبل) 199 لسلوى بكر المنشورة بعد ما يقارب النصف قرن من (زقاق المدق)، لوجدنا الراوي فيها يقدم حالة من الجنس المتلبس بالحسية التي تتجاوز الغريزة لتشكل رباطاً عاطفياً وجمالياً لا يأبه بالفوارق الطبقية. تقوم الرواية على حق امرأة أرملة من الطبقة الوسطى في منتصف الأربعينيات في أن تحب وتتزوج ممن تحب على الرغم من كونه أصغر سناً منها ويعمل نادلاً في فندق. وتأخذنا الرواية المكتوبة في فصول متجاورة الفردي منها بضمير الغائب والزوجي بضمير المتكلم ـ في استكشاف تردد هاجر صفوت، بطلة الرواية ـ إلى أعماق امرأة خذلها أهلها بتزويجها من رجل يكبرها سناً ومصاب بمرض خبيث أخفاه عنها ليموت وهي في الثامنة عشرة من عمرها بعد أن خلّف منها ولداً يكبر ليصبح طبيباً. يأخذها ابنها صالح إلى مؤتمر في بلد عربي دون ذكر اسمه ـ أرجحُ أنه المغرب ـ فتتفتح حواسها في الجو اللامألوف بزهوره وطيوره، لتقع عيناها على نادل وسيم، يراودها وجهه الجميل لتنتهي بالتعرف عليه، وتذوق حنانه، والالتحام بجسده، وأخيراً وبعد تردد تفاتح ابنها برغبتها في الزواج منه. هنا على الرغم من الفارق في السن ـ حيث إن يوسف النادل يقترب سناً من ابنها ـ إلا أن ارتباطهما قائم لا على قيم التسلق الطبقي، كما في (زقاق المدق) وإنما في سبيل التحقق الذاتي. من هنا تصبح قيم المجتمع التي لا تقبل بهذا النوع من العلاقات مدانة، لأنها لا تأخذ بنظر الاعتبار العواطف وإنما الخانات التي تضع الناس فيها. فالبطلة هاجر ليست بالمرأة السهلة التي تركض وراء شهواتها، أو تستخدم منصبها ووضعها لتجد زوجاً، فقد رفضت أن تتزوج بعد موت زوجها، لأنها عافت الرجال بعد خدعته، وبعد النماذج الأخرى من الرجال الذين قابلتهم في عملها من مدراء يحاولون التحرش بها. ما شدها إلى يوسف هو جماله تحديداً، بحيث إن وجهه استحوذ عليها. لا نجد في الأوصاف التي تشد هاجر إلى يوسف إلا تناسق وجهه، على عكس ما نجده في ملاحظة السيد علوان لحميدة الذي كما جاء في النص "رأى ثدييها.. وعاين عجيزتها"(75)، ينما ما يبهر صفوت "قد نحيل ممشوق وشعر أسود متماوج (...) ورقبة طويلة مترفعة"(6). وهي عندما تتمعن في تأمله تنظر إلى قسمات وجهه(7). وهذا الجمال الأخاذ يذكرها بحكاية جدتها عن يوسف الصديق، وعتاب صاحبات زليخة لغرامها به، فما كان منها إلا أن:

"أدخلته عليهن فجأة، وكن يأكلن تفاحاً، ويسخرن من افتتانها بالشاب الوافد الغريب. فما كان إلا أن أخذتهن الصيحة من وقع جماله، ورحن يقطعن بالمدي أصابعهن، وراحتهن، بدلاً من التفاحات دون أن يشعرن، وهن مأخوذات، مبهوتات"(31). ومما يهمنا أن الراوية ـ على لسان البطلة ـ تستنجد بقصص الانبياء لتبرر هذا الانبهار، كما أنها تستنجد بسيرة الرسول لتنفي أهمية الفارق في السن: "سيدنا محمد تزوج من السيدة خديجة، وكانت تكبره بخمس وعشرين سنة، ولم يتحدث أحد عن أي مشكلة في ذلك"(123). هنا الأعراف الاجتماعية تُفكك عن طريق الذاكرة الدينية. وأما النادل فمع أنه طبقياً أقل منها وهي موظفة محترمة وأم طبيب إلا أن الراوية تجعل منه خريج قسم فلسفة، ورث أرضاً ويريد أن يترك عمله الحالي ليصبح مزارعاً في أرضه، أي أنه بشكل ما أرفع طبقة مما يبدو، مما يجعلني أرى أن الفواصل الطبقية لا تنتهك في هذا العمل بالجرأة المطلوبة كما في رواية د. هـ. لورنس، (عشيق الليدي تشارلي). فيوسف يتصرف كمثقف مما يجعله إلى حد ما خارج التصنيفات الطبقية.

أما العلاقة الجنسية التي قامت بينهما فتبدأ بالحنان والمواساة عندما تمرضت وبكت. وما يشد هاجر إلى يوسف هو رقته وصدقه، لا فحولته وجسده، فهي دائماً تشير إلى عشق وجهه وحميمية الحديث معه: "أجل أنا أعشق هذا الوجه الذي أتاني مع تغريد البلبل وسطوع الشمس" (ص 64). وتقوم الراوية ـ على لسان يوسف ـ بتفسير هذه العلاقة التي نشأت خلال أيام معدودة على أساس أنها حب من قديم وذاكرة جسد عَبر آلاف السنين، ومع أن يوسف لا يذكر مصدره عندما يقول: "هل تدركين لماذا أحبّ كل منا الآخر؟ لأن ذاكرة جسدينا الكامنة استيقظت فجأة عندما التقينا (...) فتحابينا، وعشق كل منا الآخر" (85)، فهو يشير إلى أسطورة العشق التي ذكرها أرسطوفان في محاورة المأدبة لأفلاطون، حيث يفسر سقراط العشق باعتباره تذكراً وشوقاً لوحدة من قديم تمّ فسخها.

وتصور هاجر علاقتها الجنسية مع يوسف بأسلوب لا يحتفي بالجسد فقط بل بالروح أيضاً:

"يوسف لا يشبع وأنا لا أرتوي، استنفدنا كل طاقة ممكنة في جسدينا وروحينا، كان يتحسسني ويضمني، كما لو كان يضمّ آلهة مقدسة، وكنت كعروس صغيرة في ليلتها الأولى مع حبيبها الأثير، لم أشعر بشعور كهذا الذي عشته الآن من قبل أبداً (...) هذا هو الرجل الذي انتظرته منذ آلاف السنين، وهذا هو الجسد الآخر المدفون في جسدي ينهض من رقاده ويستفيق فأكتشف وجوده، وأكتشف معه المرأة الأخرى التي هي أنا، المرأة المجهولة التي لم أعرفها من قبل". (ص 91 ـ 92) المقدس هنا يخدم ما يمكن أن يسميه المجتمع بالمدنس ويُوظف لصالح العلاقة الإيروسية التي تأخذ المخبّأ حتى عن الذات وبالتالي اكتشاف ـ كما تقول البطلة ـ "الطاقة الكامنة المختبئة في جسدي"، لكنها لا تصف لنا كيف تجلت هذه الطاقة الكامنة، وأقصى ما تصل إليه سلوى بكر في وصفها الجرافيكي للعلاقة الجنسية هو القبلات. وهذا أيضاً ما فعله محفوظ في زقاق الدق ولعل في ذلك رقابة ذاتية، تعترف ضمناً بأن ما فوق الخصر وحده حلال على الوصف في الكتابة. ويقترن امتزاج الجسدين عند بكر بامتزاج الروحين (ص 95) في هذا العمل، كما أن يوسف "يبدو كالملائكة".

وإذا انتقلنا إلى السير الذاتية لاستنطاق البعد الجنسي فيها لوجدنا في (حملة تفتيش أوراق شخصية) للطيفة الزيات 1992، نزعة جمالية رومانطيقة في انبهارها ـ وهي طفلة في السابعة من عمرها ـ بالشاعر الهمشري ذي العشرين عاماً، تخلو تماماً من الجنس بدلالته الفيزيقية. تذكر الزيات كيف كانت تسترق النظر له:

"ولم أكن أتأمل رجلاً جميلاً، ولا حتى إنساناً جميلاً، كنت أتأمل الجمال في إطلاقه والكمال في إطلاقه (...) أصل إلى التوحد مع الجمال على إطلاقه ومع الكمال على إطلاقه، وأتحرر من أسر الجسد ونسبية الزمان والمكان"(8). هنا الجسد يغيّب، لكنه فيما بعد ـ في الزيجة الثانية ـ يستيقظ ويطالب بحقه. تتحدث لطيفة الزيات عن زيجتيها الأولى زيجة تفاهم سياسي والثانية زيجة تفاهم جسدي. فتذكر أن أستاذاً علّق بعد طلاقها من زوجها الثاني (رشاد رشدي) قائلاً "لماذا تزوجته، أصلاً"؟، ويقصد بذلك كيف أمكن للطيفة الزيات اليسارية أن تتزوج من اليميني المعروف بزيفه، فترد عليه: "كان أول رجل يوقظ الأنثى فيّ" (ص 71). وترد بشكل مشابه على مذيعة ناصرية الهوى عندما تسألها: "الناس تفهم لم طلقتيه، غير المفهوم أصلاً لم تزوجتيه (فترد): "الجنس سبب سقوط الإمبراطورية الرومانية" (ص 73).

هنا الجنس يتوازى مع السقوط لأنه جنس يفتقد إلى التماهي الذي وجدته هاجر مع يوسف. ولكن لطيفة الزيات لا تضع النقاط فوق الحروف ولا تذكر كيف تمكّن زوجها من إيقاظ الأنثى فيها وكيف لم تتحقق هذه الأنثى على الرغم من ذلك. تلوّح لطيفة الزيات دون أن تفسر تفصيلياً بما كان وما لم يكن، على عكس محمد شكري الذي يصور جوعه إلى الجنس وإيقاظ ذكورته تصويراً غرافيكياً. في (الخبز الحافي) لمحمد شكري جنس حافٍ لا يزوقه بامتزاج روح بروح كما تفعل سلوى بكر في روايتها، ولا يختزله إلى إشارات كما تفعل لطيفة الزيات، ولا يقيد نفسه بما فوق الخصر كما يفعل محفوظ، فهو يصور ـ وكأن ميكانزم الرقابة الداخلية معطل ـ علاقاته الجنسية دون أي إحساس بالذنب أو بالحرج، بل إنه يصف علاقته الجنسية بسلافة بكل تفاصيلها وهوسها، ثم يضيف "صرنا طفلين": "أغمضت عينيّ وسقط رأسي على صدرها العاري الحار، فكرتُ: مخدة من لحم تخفق بعنف. هذه الوسادة من اللحم تخفف صداع رأسي. أصابعها تغوص بلطف في شعري الغزير. يدي تمتد في عماء إلى رأسها. نسيت أن رأسها حليقة. دغدغتْ شعيراتها المنتصبة كفي. حين ألاطف رأسها من جبهتها حتى قفاها يقفّ شعرها. لابد أنه يغار عليها حتى يحلق رأسها وحاجبيها. داعبت بتصلب نهدها الداخلي الكروي. تتدغدغ أكثر حين أمص نهدها الأيسر. تغطيه بيدها ضاحكة. هي تريد الأيمن وأنا أريد الأيسر. وبين لعبة الأيسر والأيمن صارت تتدغدغ في كليهما. لعبنا قليلاً ضاحكين. بين هذا وذاك صرنا طفلين. شغلت يدها في أزرار فتحة بنطالي. أطل قائماً في يدها. نزهت يدها عليه من حشفته إلى منبته. تحك به شفري فرجها. عانتها سوداء وقاس زغبها. خشنة عانتها مثل رأسها. أنا ألح على الولوج وهي تلح على الحك. تضغطه، تخنقه، تقيس حجمه هبوطاً وصعوداً في يدها المكورة. أنا أعد فقرات عمودها الفقري. انتشلته من يدها. نتداخل. نتخارج، تضمني إليها بساقيها وذراعيها. قلت له: اجعل نفسك قوياً معها. كن صديقاً لشيئها أيها الأعور"(9).

في (الخبز الحافي) جوع إلى الأكل، لا يوازيه إلا جوع إلى الجنس، ويقول محمد شكري: "كل ما أعرفه هو أن الحياة يجب أن أحياها" (ص 102). يوظف شكري كل ما يملك من حيوية كي يقتات ويحيا في ظروف قاسية. وإحساسه الجنسي يبدأ وهو طفل متلصصاً على شابة: "أرى من ثقب مفتاح الباب الشابة تنظف الأرض بالماء والصابون بحيوية، حافية القدمين، حاسرة ثوبها الشفاف عن فخذيها البيضاوين، ونهديها العاريين الصغيرين. يهتزان، يطلان ويختفيان من خلال فتحة قميصها مثل عنقودين من العنب يتدليان". (ص  19) والمقارنة العابرة بين زاوية النظر لهذا الطفل وتلك التي قدمتها لطيفة الزيات للشاعر الهمشري وهي طفلة تجعلنا نرى الفارق الشاسع بين طفولتين. ويستمر محمد شكري في وصف تعرفه على الجنس وهو طفل، من بنت الجيران من جهة، ومما يسمعه من تأوهات والديه وهما يتضاجعان، ومن مزاح جنسي يقترب من الاغتصاب اللوطي مع الصبيان. وعند المراهقة نجد أشكالاً متعددة للممارسة الجنسية من مضاجعة البغايا، ممارسة الجنس مع الحيوانات، إلى ممارستها بالقوة مع الصبيان، بالإضافة إلى الفانتازم الجنسي الذي ينتهي بالاستمناء، واضطرار شكري إلى بيع جسده لعجوز لوطي. يعري شكري جسده ورغباته، لكنه أيضاً يعري المجتمع، وهو بحديثه المستفيض عن المحرمات إنما يتحدث أيضاً عن حرمانه(10).

تنطلق تجليات الجنس، إذن، في الرواية العربية لتكشف المستور من العلاقات وتتصدى للنفاق الاجتماعي، ومن خلالها نجد تشريحاً لمجتمع تقليدي بكل آلياته التي تقمع وتتستر، تتاجر بالجنس وتتظاهر بالعفة. ويبدو لنا محمد شكري وكأنه قد فتح باب الكتابة عن الجنس على مصراعيه، على الرغم من ملاحقة الرقابة، واستنكار بعض النقاد التقليديين لما جاء في عمله الفذ في صراحته ولا شعوره بالخطيئة. إن مقولة الناقد ستيفان غوت ـ عندما حلل المشاهد الجنسية في الرواية المصرية في عقد الثمانينيات ـ يصح على الرواية العربية عامة. فهذه المشاهد بتفاصيلها إنما هي امتداد وتوسع في مفهوم الرواية الواقعية ويعطي كنماذج، (اللجنة) لصنع الله إبراهيم، (تحريك القلب) لعبده جبير، (رسالة البصائر في المصائر) لجمال الغيطاني(11)، مما يدعونا للجزم بأن المسألة لا تقتصر على الأدباء الشبان الصاعدين، وإنما هي ظاهرة أدبية فيقول الناقد غوت: "من الواضح أن المفهوم الأساسي للواقعية الذي يتخلل كتابته هو ذات المفهوم عند عبده جبير: لابد للكتابة بأسلوب واقعي أن تعبّر عن كل الحقيقة، ومهما كانت المحرمات الأدبية في أذهان المتلقين"(12).

ولو رجعنا إلى كتابات الأديبات فسنجد منذ نشر (أنا أحيا) لليلى بعلبكي في مطلع الستينيات(13). محاولات لسبر غور العلاقة الجنسية، ففي هذه الرواية يتأرجح "البطل" التقدمي بهاء بين معتقداته الشيوعية وبين تقاليد وطنه التقليدية نحو المرأة. وعلى الرغم من جرأة المعالجة عند بعلبكي في تشريح العلاقة التي هي نقطة تماس بين الرغبة الجنسية الملّحة وبين الهوية الذكورية في مجتمع بطريركي، إلا أنها لا "تقترف" المصارحة بقدر ما تتوجه نحو ما أطلق عليه "المناورة الأسلوبية" لتتحدث عن الجنس متوسلة بالمخيلة، دون أن تكون شفافة. فتقول على سبيل المثال عندما تكون البطلة جالسة في مقهى بيروتي وأمامها بهاء الذي تحب. "وأشار إلى الثوب الأحمر، فضحكت مرتبكة. وتمدد الصمت بين شفتي وشفتيه... ليكف عن تقطيع خيوط ثوبي الأحمر الذي اشتريته له، له هو فقط. إنه له، يملكه. ليتأن في سحب الخيوط بعينيه وترك أجزائه ترتجف عارية في جسدي، خفاقة، تستعطف. فليأمرني: اخلعي هذا الثوب، بدل أن ينزعه خيطاً... خيطاً... عن الساقين والنهدين، والعنق. فليقل لي شيئاً. الثوب يشد على صدري، الذي تعود التحليق حراً في فضائه. الثوب يعصر ساقي، ويقيس مقادير الفن في صقله واستدارته وخطره." (ص 232).

وأما الأديبة العراقية عالية ممدوح فقد نشرت روايتها (حبات النفتالين) في 1986، وذكرت بشكل لافت العلاقة المثلية والسحاقية بين النساء من قريبات البطلة، وإن لم تدخل في التفاصيل، مستخدمة تقنية الراوي غير العليم في نموذج طفلة تتذكر: "تعود الخالة نجية للصراخ. صار صوتها ناضجاً إلى حد أنك لن تسمعي مثله طوال حياتك: (أريد بهيجة خان). كانوا يطلقون لقب (خان) على النسوة المحتشمات اللاتي مررن بين الزمن البغدادي والوقت العثماني، فرماهن الأب أو الجد أو الأخ للعزلة والهوان. فأخذن اللقب والهجران معاً. بهيجة كانت أخت جدتك الصغرى عن الأم الثانية.. حلوة مثلها وتحبينها أيضاً. جميلة، ريانة، طويلة، عريضة، متكبرة، مترفعة. تقف على أعتاب الثلاثين. جميع النسوة اللاتي تعرفين كن يتآمرن عليها. فإذا دخلت في فخ الخالة نجية فلأنها تشبهها. وإذا ماراحت لغيرها فلأن هذا طبعها. كنت لا تدركين هذه الأمور.. وما كان يحدث أمامك كان يسجل خطوة. هي الخطوة التي لا تعرفين إلى أين ستقودك. فكل تلك الشبكة من الأذرع والأفخاذ كانت تلتقي بعهود غير مكتوبة، ومواثيق غير مرئية.. وما يطلع من هذه إلى تلك كان يربط على هذا النحو كنوع من الغرام الذي لا مهرب من العيش في كنفه"(14).

وبانتقالنا إلى رواية (مسك الغزال) للأديبة اللبنانية حنان الشيخ المنشورة في 1980، نجد العلاقة السحاقية واضحةً أكثر مما نجدها عند عالية وإن كان يصاحبها عند البطلة سهى شعور بالذنب وخاصة عندما ترجع إلى بيتها الزوجي وابنها، وعندما تضاجع زوجها. تبدأ العلاقة بين سهى اللبنانية، ونور الخليجية، بعد أن تعرّفا على بعض في بلد صحراوي، وأدركت سهى معاناة نور وكرهها للحياة الصحراوية بغناها وترفها. تبدأ العلاقة بمواساة نور الحزينة لتنتهي بعلاقة جنسية: "اعتدت على صوتها الرقيق، ولهجتها الصحراوية، الحنونة، وكلماتها العاطفية وهي تربت على رأس كلابها السلوقية، وتحتضن الغزال الصغير (...) رمت رأسها للحظات على كتفي كطفل حزين. ولم تنقطع عن البكاء، لم أتمكن من أن أربت على كتفها لمواساتها ولا أن أضمها، بل شعرت بالخجل، وتمنيت لو أن نور تتمالك نفسها. بينما نور كطفل ارتاح في ذراعي أمه أخيراً. لم اتحرك بل قلت "يا نور خلينا نفكر بطريقة" كأني أريد إبعادها عني. لكن وجه نور لم يعد مسنداً على الكتف، وإنما على عنقي، تجاهلت رفيف فراشة، فلم أتحرك (...) لايزال وجه نور ملتصقاً بي، فجأة أنفاسها الساخنة، نبض لها قلبي، ثمة شعور داهمني فخفت منه وارتجفت، لكني لم أشأ الانسحاب. بقيت أسيطر على نفسي، لأبقى جامدة، أحدق في موكيت الغرفة. نور وعت ما يجري لي، كأنها تأخذني من يدي خطوة، خطوة، تتوقف قليلاً، قبل أن يتململ وجهها فوق رقبتي. وقبل أن تطوقني بذراعيها وتشدني إليها، داهمت السخونة رقبتي، هبطت في آن واحد إلى جسمي، متجاهلة كل شيء. قلت في نفسي، نور تقبلني، وما فكرت، كما في الواقع، أن القبل هي بين الرجل والمرأة، بل تمنيت المزيد، وكانت نور كلما وصلت نقطة في جسدي أيقظتها، وتركتها قلقة"(15).

تقدم حنان الشيخ في هذا المشهد تحليلاً دقيقاً لفعل المراودة والإغواء، بحيث إن العلاقة لا يشار إليها فقط، وإنما تقدم بكل مراحلها التي تنتقل من الحنان والتعاطف، إلى الشهوة والتقبيل. ثم تواصل وصفها للجماع المثلي عبر أثره على سهى: "ما عادت العضلات منقبضة، تفككت لدرجة أن وجدت نفسي أستلقي على ظهري. ثم ابتدأ إيقاع قبل أن أصاب بدوار من لذة مختلفة، إيقاع جميل لا تعرفه إلا الغريزة، طائر كأنه بخار هذه الغرفة، عاد الواقع إلى الغرفة، حالما شعرت بثقل نور لدرجة الاختناق. سحبت عيني وعلقتهما على السقف. ثم شعرت بمرض مفاجئ، ثم بمقت، وتمنيت الاختفاء في شقوق السقف. (...) أردت أن أصرف جسدي، وأفتح الباب وأطرده. لكني بقيت واقفة، لا اجرؤ على النظر إلى نور، ولا حتى في أنحاء الغرفة ولا في تنورتي، التي ما اسدلتها على فخذيّ وأنا متمددة، حتى عرفت أني لن أحبهما كما من قبل (...). تنورتي بدت كأن كلباً من كلاب نور قد علكها وقذفها. أردت أن ألتفت إلى نور، وأقول إنه لا علاقة لي بالتي كانت معها تلهث قبل قليل". (ص 47 ـ 48) تقوم حنان الشيخ بتقديم هذه العلاقة السرية التي استمرت لفترة من الزمن بين سهى ونور باعتبارها غياب وعي جعلت سهى في "حالة تخدر وغياب الذاكرة" (ص 54). فلم تعد تحفل إلى الوقت وإلى الصحراء ولا إلى كل المنغصات التي تضايقها. أخيراً وبعد وصف لحفلات نسائية صاخبة تتماس مع العلاقات المثلية (ص 57 ـ 61)، تقرر سهى أن تغادر المكان ذاته لتتخلص من هذه الحالة.

في تجليات الجنس في الرواية العربية، نجد أعمالاً تقدمه موارباً، وإن كانت تشير إليه تحديداً كما عند محفوظ، وأخرى تحاول تقديمه كظاهرة مسكوت عنها، وإن كانت ظاهرة إنسانية كما عند بكر. ونجد مقاطع تتمثل الجنس أو تتحدث عنه عند لطيفة الزيات وحنان الشيخ وليلى بعلبكي وعالية ممدوح ومحمد شكري وغيرهم. إلا أن هناك روايات جديدة نسبياً تكاد تجعل من العلاقات الجنسية بؤرة وعدسة، وإن لم تكن إباحية بقصد الإثارة، وإنما بقصد استخدام الجنس شفرة في استكشاف التغيرات الاجتماعية والسياسية وأثرها على العلاقات العائلية والعلاقات المرتبطة بالجنس تحديداً. ففي رواية الأديب العراقي فؤاد التكرلي، (المسرات والأوجاع) 1998 نجد علاقة الشخصية الرئيسية توفيق تتبلور عبر علاقاته بأربع نساء: زوجته كميلة، وآديل التي أحب، وأنوار التي اشتهى، وفتحية التي مارس معها الجنس. حكاية توفيق إلى حد كبير حكاية المثقف الفاشل والعاجز الذي يعيش في ظل نظام باطش. فسيرة حياته التي تُحكى أحياناً على لسان الراوي العليم، وأحياناً في صيغة يوميات يكتبها توفيق، تشي بتدهور مطرد في حياة إنسان محب للأدب، عاجز عن الإنجاب. وينغمس توفيق في القراءة والقمار والشرب والجنس، وكأن هذا ما يعوّض له عن فشله المهني وعجزه الإنجابي. وتتخذ العلاقات الجنسية بتفاصيلها المختلفة مع كل من النساء اللواتي عرفهن توفيق دلالات متباينة تدل على العلاقة من جهة، وتقدم شخصية توفيق الرومانسية من جهة، والعدمية من جهة أخرى. يلخص الناقد فاروق عبد القادر دور المشاهد الجنسية وكثافتها في الرواية: "ما نلاحظه هو تلك المقاطع الجنسية بين توفيق وكميلة أولاً، ثم بينه وبين فتحية فيما بعد (أما بالنسبة للحب الحقيقي في حياته، أو فلنقل "المسرات" الحقيقية المتمثلة في علاقته بآديل فلا تكاد تلفت النظر. هذا هو في قمة اشتعاله مع فتحية يتذكر آديل: "كان لهاثها تعبيراً عن اشتعال داخلي مجنون، وكانت تتشبث بجسمه، وتقبله في فمه، وتمتص شفتيه كأنها غريقة تتمسك بمنقذها. لم يشارك أنثى حمى الجنس هكذا منذ زمن حتى مع آديل. كان الجماع معها رقصة هادئة ومظبوطة الإيقاع، ترتفع وتيرتها في الوقت المناسب، حتى تصل القمة الرائعة. أما مثل هذا الجحيم الذي انفتح عليه بغتة.. فلا.."). كانت كميلة تتحرى أكثر الأوقات والأوضاع ملاءمة "للإيلاج العميق"، التماساً للإنجاب. وكانت فتحية على العكس، ولكن سواء كانت امرأته تلتمس الإخصاب أو تتجنبه، فهو كان مستعداً دائماً، متوفزاً دائماً. بل إن هذا التوفز ذاته قد أفسد علاقته بأنوار التي قالت له بوضوح إنها زوج وأم، ولا تقوى على الخيانة. لكنه ظل على اشتهائه ومطاردته لها، وظلت هي ـ دائماً ـ في بؤرة أحلامه "المبللة"!"(16) .

وفي يوميات توفيق نجده يذكر مراراً وتكراراً مضاجعته لزوجته كميلة، وعلى سبيل الذكر لا الحصر الفقرة التالية: "كنا كميلة وأنا، عراة مشتبكي الأجسام، ونحن في حمى قُبل شهوانية، وأنا منتصب بشدة داخل ساقيها، وهي تتأوه بسكون، وكانت أضواء الفجر الأولى تغرق الغرفة الدافئة، ونحن منسجمان ضمن لعبة من السحر لا مثيل لها. ضممتها إلى صدري فارتفعت، آنذاك، أجفانها وخيل إلى أني أرى في عينيها الناعستين دهشة ومحبة واشتهاء. رمينا عنا الغطاء وقعدنا كأننا على اتفاق، فانحشرت بين أحضاني وركعت رافعة ردفيها إلى الأعلى في الوضع الأمثل للإدخال العميق. كانت عملية جنسية ثانية، خلال أقل من ست ساعات، ذات نكهة خاصة، ومن الطراز الأول مارسناها بسعادة"(17). ونجد الفارق بين هذه العلاقة الجنسية التي تصبو نحو الإنجاب، والعلاقة مع فتحية الأرملة الشابة التي لا تريد أن تحبل من علاقتها مع توفيق. فعلى الرغم من كون الاتصال الجنسي يقدم بكل تفاصيله وشبقه إلا أن الاختلاف بينهما واضح:

"ضحكت (فتحية) قبله، وتحاضنا، عصر جسدها اللين إليه، فانتشرت فيه لذة أرجفته، تناول بفمه شفتها السفلى الرطبة، فأخذ يمتصها بشغف شديد، ازداد ارتجافه مع إحساسه بنهديها الناعمين على صدره، وببطنها الحار يلتصق على بطنه، وكان متوتراً بصورة لم يتوقعها قط. (...) مرّ براحة يده على ظهرها وكتفيها، ثم أنزلها إلى خصرها الناحل وما حوله. (...). رفع ثوبها وأرسل يده تجول على الملمس المخملي الحار لساقيها وفخذيها وردفيها وجنبها (...). وأحس بها تفتح ساقيها له. كانت تتنهد وتتأوه (...). وكان في حمى الرغبة، يلتصق بها شاعراً بنفسه يندفع ويضغط على موضعها الملتهب المغطى بالقماش الخفيف. (...) أراد أن يباعد ساقيها وينزل لباسها، فأمسكت بيده ومنعته (...) كان في قمة تأججه، يتحرك لا شعورياً وببطء عليها، حاشراً نفسه بين الحدين المغطيين وداخلاً نصف دخول بينهما (...). كان وضعه ملتبساً غير مريح، إلا أنه لم يستطع أن يوقف تصاعد لذته، فشعر بعد فترة، بذروته تقبل من أعماق سحيقة في جسده وترتفع، ترتفع، حتى تصل نقطة الانفجار الذي لم يعهده من قبل، وتنبثق الروح مع مائه الذي يفيض منه، ويفيض ويفيض بغزارة". (ص 229 ـ 230).

ونجد اللغة التي يستخدمها التكرلي في وصف علاقة توفيق بآديل مختلفة: "قامت إليه فالتصقت به واحتضنته، وتلاقى فماهما. كانا في لهفة لا توصف لبعضهما. أحس برأسه يدور وهو، يرتجف لاهثاً، يشدها إليه ويمتص الشفتين الناعمتين بشغف وجنون. ونسيا، دقائق، نفسيهما والزمان، وعالمهما المضطرب: وحين ارتفعت أجفانه، كانت عيناها، حذو عينيه، صفراوين مغبشتين لذةً واستسلاماً. ساءل عينيها بنظراته... أيتحابان؟ فابتسمت العينان الكحيلتان ابتسامة الرضا، وهمهمت تجيبه، فاندفعت الأنفاس من فمها إلى فمه. تعريا، بصمت، ورقدا متشابكي الجسد على الأريكة العريضة. ضمته إلى صدرها بحنو غريب، ومنحته نهدها ذا الحلمة الوردية كأنها توصله بقلبها". (ص 75). وعلاقة توفيق بنوار علاقة اشتهاء لكنها لا تتحقق لشعور نوار بمسئولياتها كأم وزوجة، وإحساس توفيق أنه لا يمكن أن يؤذيها، فلا تتجاوز هذه العلاقة القبلة: "هناك في المجاز الصغير، ارتكنت على الحائط، وفتحت ذراعيها مرتجفة الحواجب. كانت قبلة عميقة الأثر، واتصالاً بين روحين أكثر منه بين جسدين. ضممتها بقوة إلى صدري، شاعراً بمحبة تتملكني لهذه الإنسانة المخلصة الصافية القلب". (ص  338).

وكما نجد عند التكرلي تخطيطاً للشخصية الرئيسية بكل تناقضاتها وتذبذباتها عبر علاقاته الجنسية من شهوة واشتهاء، من انغماس في الجسد، إلى تسامٍ روحي، كذلك نجد تبلور الشخصية الروائية يتم عبر التواصل (أو اللاتواصل) الجنسي في رواية الأديبة اللبنانية علوية صبح، (دنيا) 2006. ففي عملها هذا نلتقي يشخصيتين روائيتين رئيسيتين: دنيا وفريال. دنيا تتزوج مالك الحزبي التقدمي، لتصطدم بذكوريته الأنانية بعد الزواج. وفريال تعشق خالداً عشقاً يكاد يتماهى مع توحد صوفي لتفاجأ بذكورته التقليدية. هنا نجد العلاقة الجنسية محددة لتوقعات الأنثى والذكر، وراسمة الشخصيات الأنثوية مختلفة عن الشخصيات الذكورية، مما لا يقتصر على هاتين الشخصيتين، وإنما ينطبق على باقي الشخصيات النسائية في علاقتهن مع الجنس الآخر. ها هي فريال تقدم العلاقة الجنسية بينها وبين خالد بتفاصيلها المرهفة والشعرية في ست صفحات، مؤكدة قبل ذلك البعد الجسدي لهذا اللقاء: "منذ لقائي الأول بخالد انتابني ذلك الإحساس بأني عرفته من قبل، من زمن بعيد غير محدّد. جسدي المؤجل كان ينتظره، كأنه منذور له، وأنه عاش كلّ ذلك العمر بانتظاره. ذبذبات كيمياء جسدينا كأنها كانت متناثرة مبعثرة في الفضاء، ثم عادت تجتمع متشابكة، ومنجذبة بعضها إلى بعض لتجمع بيننا منذ اللحظات الأولى للقائنا"(18). هنا أيضاً كما سبق عند سلوى بكر في (وصف البلبل)، نجد الأسطورة عن النصفين المنفصلين عن بعضهما، كما جاءت على لسان أرسطوفان في محاورة أفلاطون، المأدبة، كما نجد مفهوم "من قديم" في التراث الفلسفي والصوفي الإسلامي، حيث كان ما كان قبل أن يكون. وفي استطراد مذهل في أسلوبيته تقدم فريال (ص 84 ـ 89) لقاءهما الجسدي: "أحسست بأن عري جسدي أمام المرآة، كان يشبه العري أمام باب مغلق. وحده الحب الآن يمكنه اختراق ما خلفه. بدونه يبقى الجسد أعمى، هو يجعله مبصراً، بعد أن يصير لكل خلية حواسها الخمس، بل حواس لا تعد ولا تحصى ولا نهاية لها"(ص 84). هنا نجد التواصل جسدياً في هذه الحالة يرتبط بالرؤيا، بالقدرة على الاكتشاف، وهو لا يرتبط بعضو وإنما بكل خلية في الجسد. وتنطلق فريال بعد ذلك لتشرِّح بلغة مبهرة التواطؤ الجسدي بينها وبين خالد: "فمي سال لعاباً، وفي ركبتي سالت رخاوة مغمّسة بالماء، تقابلت شفاهنا، وأطبقت على بعضها، والتفّ زندانا التفاف لسانينا، فاكتملت دائرتنا وهو فوقي، كما تكتمل الكرة الأرضية، بعد أن ألغى عضوه، وهو يخترقني ذلك الشقاق والتباعد ما بين نصفي الأرض"(ص 84). مرة أخرى تلوح صبح بالنصفين لوحدة منفرطة، تقابلاً وتداخلاً وأصبحا وحدة مرة أخرى، وإن كانت تستخدم التشبيه بالكرة الأرضية، كما استخدمت من قبل استعارة الجسد أعمىً ومبصراً. وتضيف: "كانت الأرض والسماء، وهو يتقلّب فوقي وأتقلّب فوقه، يتناوبان الهبوط والصعود، لم أعد أعرف أيهما فوق وأيهما تحت، تدوران وتتوحدان في فضاء جسدينا الواحد. لم نعد جسدين يمتلك واحدهما الآخر. تلك اللحظة انتفى كل إحساس بالتملك، جسد واحد كان حاضراً شفّافاً وحرّاً، وتمنيت لو أن العالم كله واحد"(ص 85).

وتستمر فريال لتقدم وصفاً لذروة التحقق الجنسي بأسلوب غرافي، لا يتوسل المجاز: "ماء الحب الذي كان يرشح من جسده، كان يدخل فتحاتي الجنسية ويتغلغل فيها إلى جسدي كله، ويجعله ندياً، طرياً، شفّافاً وخفيفاً، تلك اللحظة اللذيذة التي جعلتني على حافة الإغماء. (...) وبإصبعي وعيني رحت أرسم ذلك المثلث ما حول عضوه وأسفل بطنه. قبلاتي ولمساتي المتسابقة على منطقته الحميمة ألهبت انفعالاتي. وصار أنين الرجولة المتأججة يعلو فيه، وأنا أقبل خصيتيه صعوداً حتى الخط الفاصل ما بين سرّته وعضوه، نزولاً حتى تلك المساحة الضيقة ما بين دبره وخصيته، ورائحة عضوه الخاصة تعبق في أنفي، وتغرق عينيّ في ضوء بشرته الناعمة الملساء، التي تستطيل وتزداد سماكة وعرضاً حين تنتصب، وتتراخى وتتجمّع طيّاتها حين ينام ويدخل في سكينته. (...) انتقل الخدر من عنقي إليه، صار ينتفض متحركاً بشكل دائري، كأنه ماء في دوامة، تخضه ارتعاشاتي المتلاحقة، تلتف دائرياً وتعلو إلى أقصاها، قبل أن تسكن وتهدأ وتتلاشى حركتها، ويعود إليها ركودها، ولتزول بعدها تقلصاتي ويذهب عني الألم الممزوج باللذة، والناشئ عن ضغط عضوه المتوتر، لحظة اقترابه من ذروة النشوة". (ص 85 ـ 89) وهذا التجاوب الحسي، تشبهه فريال بالاقتراب من الله (ص 303) وكأن "ماء الرغبة" يجعل الجسد "شفافاً ونظيفاً مثل الماء، بل مثل جسد الرضيع ورائحته" (ص 305). ومع هذا ينتهي هذا الحب بخالد عازفاً عن فريال، ليتزوج من شابة عذراء لم يعرفها رجل من قبل، راضخة لتقاليد ألفية.

ويمكن مقابلة هذا التواطؤ الجسدي بين فريال وخالد بشراسة ما فعله مالك مع دنيا التي تحكي كيف مارس الجنس معها وهو تحت وطأة الكوكايين: "ثبت جسدي بقوة يديه اللتين امتلكتا تلك اللحظات قدرة مخيفة، شلّت حركتي وسمّرتني فوق السرير، وراح يهددني بالطلاق، إن رفضت، وبحرماني من أطفالي. غشيني الذعر واستسلمت. ظل ينحت فيّ، يدخلني ويتوقف ثم يخترقني لساعات خلت أنها لن تنتهي، إلى أن صار منيه دماً، لا أعرف هل يأتي منه أم مني" (ص 311). وإن كانت تفاصيل العلاقات الجنسية ـ ولم أذكر إلا اليسير منه فهناك المشاهد الكثيرة، والإفصاح المسهب عن الجنس بين النساء والرجال الذين يشكلون نسيج الرواية ـ عند التكرلي وصبح تحدد الشخصيات ورسمها في إطار الحبكة، فإن العلاقات الجنسية كما جاءت عند الروائي المصري صنع الله إبراهيم في (ذات) 1992 وعند الروائي اللبناني رشيد الضعيف (تصطفل ميريل ستريب) 2001 جاءت، بالإضافة إلى بلورة الشخصيات الروائية، لتقدم صورة عن مجتمع ينحط باستمرار، ويضع العامل الاستهلاكي قبل القيم الإنسانية.

يستهل صنع الله إبراهيم روايته عن (ذات) الشخصية الرئيسية في الرواية بولادتها، لكنه يتخذ من الصفعة على أليتها منطلقاً ثم ينتقل إلى صدمة أخرى عندما "أمسكوا بها وفتحوا لها فخذيها عنوة، ثم اجتثوا ذلك النتوء الصغير الذي سبب إزعاجاً شديداً للمصريين من قديم الزمان"(19). وينتقل بعد ذلك الراوي إلى صدمة أخرى التي يطلق عليها "الصدمة الكبرى، ليلة الدخلة" (ص 10). وهكذا نجد منذ بداية الرواية المحطات الكبرى في حياة ذات تتخذ طابع الصدمات الجسدية. يصف الراوي بلهجة لا تخلو من السخرية هذه العائلة البورجوازية الصغيرة بهمومها الاستهلاكية، وتطلعاتها نحو الصعود الطبقي، وما يلازمه من الاستكانة والرضوخ إلى السائد. ويتجاور هذا التسلق الطبقي بالهبوط المعنوي، الذي يستشفه القارئ، لا عن التسلسل الروائي فحسب، بل أيضاً عن الفصول المنقولة عن الصحف المصرية، والتي تتناوب مع فصول المخيلة الروائية لتبين كيف أن الانحطاط على مستوى الفرد، جاء متسقاً مع الأحداث العامة، وجوّها الإعلامي. وما يهمنا في هذا السياق كيف توظّف العلاقات الجنسية لتدل على تفسخ اجتماعي وتراجع إنساني. ويقدم صنع الله إبراهيم مشهداً يبدأ بالإيحاء باستهلال فعل جنسي بين ذات وزوجها عبد المجيد لينتهي ساخراً. كانت ذات تفحص ثدييها حتى تتأكد من غياب أورام، كما نصحها الطبيب: "فبينما هي تضغط بأصبعها تحت الحلمة، بحثاً عن حمصة صلبة، رأت عبد المجيد، في المرآة، يقترب منها عارياً، وقد ظهرت على وجهه علامات التركيز الشديد، حتى أصبح خلفها تماماً، ثم رفع يديه إلى ثدييه، وأخذ يتحسسهما في رفق وحدب. ذهبت بها الظنون كل مذهب، ولم تدر إن كانت تسر لما يمكن اعتباره بادرة غزل، أو تنزعج لما قد تتطور إليه الأمور، وتأكدت شكوكها عندما طلب منها أن تمد إليه يد المساعدة. في ماذا؟ هنا كانت المفاجأة: ألم تلحظ أن ثدييه قد امتلآ بعض الشيء، وخف الشعر المحيط بهما؟ فعبد المجيد لم يهتز في حياته لشيء قدر ما اهتز للشائعات المتداولة بشأن مسئولية الدجاج عن فقدان الرغبة الجنسية لدى الرجال، وتضخم أثدائهم. ولم تكن هناك، بعد قرابة عشرين عاماً من الزواج، سوى الظاهرة الثانية، كأسهل وحدة للقياس"(ص 231 ـ 232).

وأما الرغبة الجنسية فتتجلى في أسلوب يثير السخرية ولكنه يعبّر أيضاً عن القيم والسلوك: "فالصدمة الكبرى التي تلقاها عبد المجيد في مطلع حياته الزوجية لم تكن قاصرة على سلامة البضاعة، وإنما شملت أيضاً عزوفها عن ممارسات معينة في الحلال، وبالتحديد أشكال من الرضاعة الشرعية، لا تحتاج إلى مجهود كبير، تعلمها في المقاعد الخلفية لسينما أوديون أيام أن كانت متخصصة في عرض الأفلام الروسية، مما تمخض عن أشكال مبتكرة لتمضية الوقت". (ص 95 ـ 96) وأما ذات فتتجلى رغباتها الجنسية الغيرية والمثلية في أحلامها: "فطالعها صدر عريض وقميص مفتوح عند العنق يكشف عن شعر أسود كثيف، فضلاً عن انبعاج تحت العانة لا يحتمل أكثر من قراءة واحدة. (...) تحولت مغامراتها في اتجاه مغاير تماماً، وانهمكت في حديث جاد مع فتاة رائعة الجمال، لا تشبه أحداً تعرفه، تكلل بلمسة ودية من يد الفتاة في المكان أياه، ثم بغزوة أصبع مفاجئة، جلبت الرعشة المتمناة". (ص 124 ـ 125).

وما يقوم به صنع الله إبراهيم ليقدم لنا مجتمعاً مريضاً يعيش على النميمة موظفاً مشاهد جنسية باعتبارها كناية عن النسق المتهافت، يقدمه رشيد الضعيف في (تصطفل ميريل ستريب) مركزاً تماماً على عروسين، الرجل فيهما مهووس جنسياً والمرأة تعتبر الجنس قذارة. وفي الرواية يقدم الراوي لنا بصوت الشخصية الرئيسية استحواذ الجنس عليه وشكوكه نحو زوجته، وتبرير ما يفعله في سياق يدين قيم السوق، و "النظام الكوني الجديد" بصياغة ساخرة ومفارقة. يضطر الزوج لشراء تيلفزيون ارضاء لزوجته، كي لا تبقى في بيت والدتها متعللة بحاجتها لمتابعة المسلسلات. يستخدم الضعيف مجازاً ميكانيكياً لوصف المشاعر والرغبات، بحيث يحس القارئ أنه أمام ماكنة وليس إنساناً، فتردد الزوجة، كما يقول الزوج: "يشعرني كل يوم أكثر بأن الأشياء تخرج عن سيطرتي، وبأنني كما تصفني هي من وقت لآخر، سيارة فلتت فراملها في نزلة حادة"(20). وتختلط شكوك الرجل بزوجته مع سخرية متضمنة من الخطاب الجنسي: "أنها هي التي ترى هذا الشبه، بين قرص الشمس الذي يختفي وراءه البحر، على شاطئ بيروت، ورأس ذكر الرجل المحمرّ من اشتداد وهيجان (...). قالت لي زوجتي مرة، إن أفلام البورنو كالسماد الكيمياوي الذي يسرّع نمو الثمرة، ويعظّم حجمها إلى أبعد الحدود، لكنه يفقدها الأهم أي الطعم والنكهة! فمن أين تعرف هذا زوجتي". (ص 49).

يتناول الضعيف كل أوضاع الجماع والجنس بلغة صريحة ومضحكة في آن، ودور التيفزيون في إثارة الناس مركزي عنده كما كان عند صنع الله إبراهيم: "سئلت سيدة مجتمع عربية أثناء مقابلة باللغة العربية، كان يجريها معها صحافي عربي، عمّا إذا كانت علاقتها الجنسية ريلاكس مع زوجها، فأجابت بكل بساطة وسلاسة، إنها حين تكون مع زوجها في الوقت المناسب والمؤاتي، لا تشعر إطلاقاً بأي تابو من أي نوع كان، بحيث إن زوجها يستطيع أن يأتيها أنى يشاء، وكيفما يشاء، وحينما يشاء. «هنا تبسمت ـ هكذا كتب الصحافي بين قوسين، وأضاف ما مفاده أن هذه الابتسامة كانت بسبب مشابهة كلامها كلاماً ورد في دعاية على الشاشات التلفزيونية اللبنانية، نفّذتها صبية جميلة ومثيرة. وكانت الدعاية لشركة تلفزيون بالكابل، وكانت تريد أن تقول إن الشركة مستعدة لوصل من شاء من الراغبين، بأفضل المحطات العربية والعالمية بواسطة الكابل، وذلك حيثما كان يسكن. وكانت الفتاة تقول بدلع اللهجة اللبنانية: وين ما بدّك! كيف ما بدّك! أيمتى ما بدّك! وكانت تجلس أو تقف أو تتمدد مع كلّ عبارة، بشكل يوحي بأنها هي الموضوع، بجسدها المثير وسحرها الساحر». (ص  128).

في مسيرة الرواية العربية انتقل الجنس من المضمر إلى المصرّح به، من الخفي إلى المتجلي، إمعاناً في الواقعية أحياناً وأحياناً أخرى نقداً للواقع عبرة شفرة الجنس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ راجع أنطونيو غرامشي (الفصل السادس،  ص  981 ـ 122):
An Antonio Gramsci Reader, edited by David Forgacs (New York: Schocken Books, 1988).
(2) ـ راجع المقدمة (ص ص 1 ـ 46).
Domna Stanton, ed. Discourses and Sexuality (Ann Arbor: The University of Michigan Press, 1992).
(3) ـ راجع:
Georges Bataille, Death and Sensuality: A Study of Eroticism and the Taboo (New York: Walker and Company, 1962).
(4) ـ راجع عن الجنس في التراث:
Lois Giffen, Theory of Profance Love Among the Arabs (New York: New York University Press, 1971).
(5) ـ نجيب محفوظ، زقاق المدق (القاهرة: مكتبة مصر، 1947)، ص  94. وكل الإشارات في المتن تحيل إلى هذه الطبعة.
(6) ـ سلوى بكر، وصف البلبل (القاهرة: سينا للنشر، 199)، ص 8. وكل الإشارات في المتن تحيل إلى هذه الطبعة.
(7) ـ كثيراً ما يكون الوجه كناية عن الذات في التراث العربي الديني والأدبي.
(8) ـ لطيفة الزيات، حملة تفتيش أوراق شخصية (القاهرة: كتاب الهلال،1992)، ص 45. وكل الإشارات في المتن تحيل إلى هذه الطبعة.
(9) ـ محمد شكري، الخبز الحافي (طنجة: طبعة خاصة، 3891)، ص  621. وكل الإشارات في المتن تحيل إلى هذه الطبعة.
(10) ـ راجع:
Ferial Ghazoul, When the Subaltern Speaks, Al ـ Ahram Weekly, Feb. 18, 1999.
(11) ـ راجع:
Stephan Guth, زThe Function of Sexual Passages in Some Egyptian Novels of the 1980s, س  Love and Sexuality in Modern Arabic Literature, edited by Roger Allen et al. (London: Saqi Books, 1995), 123 - 130.
(12) ـ المرجع السابق، ص  127.
(13) ـ ليلى بعلبكي، أنا أحيا (بيروت: دار مجلة شعر ـ المكتبة العصرية، 1963). وكل الإشارات في المتن تحيل إلى هذه الطبعة.
(14) ـ عالية ممدوح، حبات النفتالين (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986)،  ص 41 ـ 51.
(15) ـ حنان الشيخ، مسك الغزال (بيروت: دار الآداب، 1988)، ص  46 ـ 47. وكل الإشارات في المتن تحيل إلى هذه الطبعة.
(16) ـ فاروق عبد القادر، "أصداء الواقع العراقي من الخمسينيات للثمانينيات"، وجهات نظر، السنة الثانية، العدد السادس عشر (مايو 2000)، ص 95.
(17) ـ فؤاد التكرلي، المسرات والأوجاع (دمشق: دار المدى، 1998)، ص 181. وكل الإشارات في المتن تحيل إلى هذه الطبعة.
(18) ـ علوية صبح، دنيا (بيروت: دار الآداب، 2006)، ص  28. وكل الإشارات في المتن تحيل إلى هذه الطبعة.
(19) ـ صنع الله إبراهيم، ذات (القاهرة: دار المستقبل العربي، 1992)، ص 01. وكل الإشارات في المتن تحيل إلى هذه الطبعة.
(20) ـ رشيد الضعيف، تصطفل ميريل ستريب (بيروت: دار رياض الريس، 2001)، ص  32. وكل الإشارات في المتن تحيل إلى هذه الطبعة.