يساهم الباحث المغربي هنا ومن خلال ترجمة استهلال كتاب رائد بالتعريف بما وصلت إليه عمليات التنظير النقدية الرامية إلى تحليل السرديات الرقمية على صعيدين متكاملين: أولا على صعيد تطوير أدوات التحليل السردي التي تشكلت في مرحلة السرديات الكلاسيكية، ثانيا على صعيد تطوير الممارسات السردية بفعل استثمار الوسائط الرقمية وتطبيقاتها الحاسوبية.

السرديات الرقمية

روث بيج وبرونوين توماس

ترجمة: محمد بوعـزة

 

تقديم المترجم:
يقدم الباحثان روث بيج وبرونوين توماس في هذا المقال صورة معرفية دقيقة عن التطور الذي عرفته السرديات مع ظهور التكنولوجيا الرقمية، وأدى إلى تأسيس اتجاه أساسي في السرديات في مرحلتها ما بعد الكلاسيكية؛ هو السرديات الرقمية. يتميز هذا الاتجاه الجديد في الدراسات السردية بالتنظير للأشكال والأنواع السردية الجديدة التي تستثمر الوسائط الجديدة new media، وبالتحديد الوسائط الرقمية وتطبيقات التكنولوجية الرقمية في الحواسيب والأنترنت، في إنتاج أنواع جديدة من النصوص والممارسات السردية. هكذا، يرصد الباحثان التحولات الشكلية والموضوعاتية والتقنية التي طرأت على استراتيجيات السرد وتطبيقاته التقنية في عصر الوسائط الرقمية (الموجة الأولى، الموجة الثانية، الموجة الثالثة). وتكمن أهمية المقال في أنه يتتبع هذه التحولات من خلال التمثيل لها بنماذج من النصوص السردية الرقمية (النص التشعبي، المدونات، ألعاب الفيديو، الشبكات الاجتماعية،...)، ويكشف الإمكانيات الجديدة التي توفرها على صعيدين متكاملين: أولا على صعيد تطوير أدوات التحليل السردي التي تشكلت في مرحلة السرديات الكلاسيكية، ثانيا على صعيد تطوير الممارسات السردية بفعل استثمار الوسائط الرقمية وتطبيقاتها الحاسوبية. والدرس الذي نستخلصه من هذا المقال، وينطوي على فائدة عميقة للنقد العربي، يتمثل في أنه لا يمكن أن نطور سرديات رقمية في خطابنا النقدي والفكري العربي بدون تأسيس بنية تحتية معرفية في جامعاتنا. قائمة على اقتصاد التكنولوجية الرقمية؛ وبالتالي تكون قادرة على تكوين باحثين متمكنين من معارف التكنولوجيا الرقمية نظريا وعمليا، بما يمكنهم من إنتاج معرفة نظرية بموضوع السرد الرقمي، وإتقان البرمجيات والتطبيقات الرقمية التي تطور الممارسات السردية، بل المساهمة في إنتاجها.

المقال المترجم:
في السنوات الأخيرة أصبحت التطورات التكنولوجية تضطلع بدور مهم في تحول النظرية السردية والممارسة النقدية. إذ قدمت القصص التي توظف إمكانيات الوسائط الرقمية (أي تلك التي تتطلب الحاسوب لإنتاجها وعرضها) مجالا حيويا جديدا، يتيح اختبار أدوات التحليل السردي وتجويدها. على هذا النحو، قامت الابتكارات التكنولوجية من الثمانينيات فصاعدا بدور محوري في توفير بدائل لأعراف السرد في وسائط الإعلام media المطبوعة، ما أتاح للباحثين الذين يعملون في نظرية السرد دراسة طبيعة الإنتاج السردي وتلقيه من منظور جديد. وبحلول التسعينيات من القرن العشرين حدث ازدهار كبير في النقد، الذي قدم متطلبات جذرية لثورة سردية في ضوء مفاهيم النص التشعبي Hypertext، والألعاب gaming، و··MUDS، وMOOS ( دوغلاس Douglas1993؛ Aarseth 1997؛ Landaw 1997؛ Murray 1997؛ Hayles 2001.). هذا النقد أعاد النظر في مجموعة من المفاهيم السردية، بما في ذلك أسئلة حول الحبكة، وبنيات الحدث، والزمانية، بالإضافة إلى أسئلة حول كيفية إنتاج القصص واختبارها. وفتح نقاشا حول قضايا مثل التفاعلية interractivity والانغماس immersion، والفاعلية.

في بداية القرن الواحد والعشرين، عرف مجال السرد تحولا كبيرا في أنواع القصص التي أتاحتها الوسائط الرقمية، وفي المقاربات المتبعة في تحليلها أيضا. إذ اكتسبت النصوص التشعبية المنشورة في قرص مضغوط CD- ROM بواسطة Estugate وضعية قانونية تقريبا؛ ومنذ ذلك الحين جرى استكمالها بقصص تشعبية "رقمية في تكونها"؛ وهي قصص رقمية تم إنشاؤها لاستخدام تطبيقات الأنترنيت للارتباط بمواقع sites خارج نطاقها. وفي الوقت ذاته، فإن تطوير برامج الوسائط المتعددة مثل Adobe’s flach في منتصف التسعينيات من القرن العشرين أتاح للمبتكرين creators دمج مجموعة فائقة التطور من الموارد متعددة الصيغ في النص الرقمي. وإذا كانت العناصر المرئية واللفظية موجودة دائما في الرواية الرقمية – على سبيل المثال استخدام الأيقونات والتصوير والرسم التوضيحي layout- فإن المحتوى النصي ظل مركزيا في الرواية التشعبية المبكرة hyperfiction. عادة، جرى تداول النص بالعناصر اللفظية، وأصبح التنقل (الإبحار) متاحا من خلال الكلمات ذات الروابط التشعبية hyperlinked words (على سبيل المثال، الرواية التشعبية Disappering Rain (2001) للكاتبة اليابانية الأمريكية دينا لارسن Deena Larsen، رواية 253 (1997) للكاتب الكندي جيوف ريمون Geeof Rymon صدرت أولا كرواية تفاعلية على موقع الويب website، ثم صدرت النسخة المطبوعة منها سنة 1998). إن ما تصفه كيت هايلز Kate Hayles (2003) بالموجة الثانية من الرواية الرقمية يعزز القدرة متعددة الوسائط للأدب الالكتروني. لم تعد الكلمات بارزة جدا، ولكن من المحتمل أن تنقل الرسومات graphics والرسوم المتحركة محتوى القصة كجزء من الواجهة التفاعلية. وتتضمن الأمثلة المعاصرة الخصائص شبه السينمائية مثل الرواية الرقمية جماد أليس··· Inanimate Alice لبولنجر Pullinger وجوزيف Joseph، أو الثراء البصري في الرواية الرقمية أمواج الفتيات These Waves of Girls لفيشر Fisher.

كما أثرت زيادة الوصول إلى الانترنيت واستخدامه على إنتاج وتلقي القصص في وسائل الإعلام الجديدة[1]؛ ذلك أن القدرة على إنشاء نص على الأنترنيت تتطلب معرفة متخصصة بتقنيات البرمجة، كما أن ظهور ما يعرف عموما باسم تكنولوجيات الويب 2.0 Web 2.0 tecnologies في أواخر التسعينيات أتاح للمستخدمين ذوي المهارات التقنية المنخفضة نسبيا تحميل upload النص ومعالجته بسهولة غير مسبوقة.

 لقد تم استثمار القدرة على تسخير الموارد النصية وقدرات الشبكات الخاصة بشبكة الويب العالمية World Wide Web من خلال انتشار مجتمعات سرد القصص. وأصبحت هذه المجتمعات تتصدر بشكل صريح فعل سرد القصص، كما يفعل مركز رواية القصص الرقمية Center for digital storylling، أو موقع الأرشيفات مثل Bubbe’s Back Porch. وظهرت مجتمعات أخرى ضمن السياق الأوسع لمواقع الشبكات الاجتماعية، مما أدى إلى إنشاء قصص جديدة وهجينة، عابرة للوسائط والأنواع. في هذا السياق جرى استخدام تطبيق مشاركة الصور المسمى Flicker لدفع سرد القصص المرئية إلى الأمام، حيث يتم دعوة مستخدميها " لإخبار قصة في خمس إطارات " ("سرد القصة المرئية وهي تحدث مباشرة) أو توثيق قصة حياتهم في الصور من خلال تطبيق " Project 365 ". ويعد موقع يوتيوب You Tube، بما هو موقع مشاركة مقاطع الفيديو، فضاء خصبا ليس فقط للمقاطع السمعية والبصرية الصغرى (فيديو كليب) microclips ولكن لفيديوهات المعجبين fan – videos، ولمقاطع الفيديو الدعائية. وإن هذه الأمثلة لا توضح المساعي الإبداعية لمستخدمي الويب web فحسب، بل المناقشات الخلافية حول الملكية الفكرية وحقوق النشر.

إلى جانب ذلك، قدمت مواقع مثل MySpace منصات للأفراد لحكي تجارب حياتهم على المدونات، والمجلات ولوحات المناقشة discussion boards. وربما يكون موقع الفايسبوك هو أكثر مواقع الشبكات الاجتماعية انتشارا في السنوات الأخيرة، والذي تفاخر في عام 2010 بخمس مائة مليون مستخدم في جميع أنحاء العالم. ويعد الفايسبوك بيئة متعددة العوامل لمشاريع سرد القصص التعاونية وللمدونات الصغرى، حيث يروي مُسْتَخْدِموه حلقات من تاريخ حياتهم في تحديثات الحالة status updates ومنشورات الحائط والتعليقات.

يستمر تطور الأشكال السردية الجديدة في التوسع بسبب سرعة الابتكارات التكنولوجية، وبطريقة هائلة تفوق قدرة العلماء والمتابعين على توثيقها. وإننا نقر بأن مجموعة من النصوص التي قاربها الكتاب في هذا المجلد ستظهر قريبا (إن لم تكن بالفعل موجودة)، ليست جديدة على الإطلاق. بدلا من ذلك، قد يكون من الأفضل اعتبارها عينة انتقائية للممارسات السردية التي تختلف بالفعل بشكل كبير عن روايات النص التشعبي hypertext fictions التي كانت محور الموجة الأولى من السرديات الرقمية. ونسعى هنا إلى التحرك نحو مرحلة جديدة من السرديات الرقمية، تعيد النظر في العلاقة بين النظرية السردية والتكنولوجيا الرقمية، وتؤسس هذه العلاقة بشكل صريح بتوظيف مجموعة من المنظورات التي تركز على السياق.

لقد شكلت التفاعلات بين النظرية والممارسة على الدوام عاملا مركزيا في تطور السرديات الرقمية، ويواصل العديد من الكتاب المؤسسين في هذا الحقل المعرفي (ميكائيل جويس Michael Joyece، جون يلوليس Jane Yellowlees، دوغلاس Douglas، وشيلي جاكسون Shelly Jackson) إنتاج بدائل إبداعية ونقدية تغذي بعضها البعض بشكل متآزر. قد لا يكون مفاجئا، إذن، أن نجد أن الابتكار المستمر في الممارسة السردية يسير جنبا إلى جانب مع التحديات العميقة للطرق التي يمكن من خلالها التنظير لهذه النصوص. ويجري الآن بشكل متناوب، إعادة النظر في الادعاءات الراديكالية للنقاد المنظرين في أوائل التسعينيات، حيث شكك المعلقون اللاحقون في مدى تميز الأشكال الرقمية بالتحرر، والتأثير، والسرد بصفة عامة (ميال Miall1999؛ آرسيت Aarseth2004؛ ريان Ryan 2004). ومع ذلك، بدلا من التخلي عن مشروع السرديات الرقمية، أصبح العمل الأخير الذي يوسع النظرية السردية في ضوء الوسائط الرقمية دقيقا للغاية. ومن خلال القراءات الفاحصة لنصوص معينة والاهتمام التفصيلي بالممارسات السياقية، تسعى السرديات الرقمية الآن إلى تحديد ما هو مميز أو مبتكر في أنماط سرد القصص "الجديدة".

(1) السرديات والوسائط الرقمية

يجمع هذا المجلد بين ممارسات سردية متنوعة ومناهج مختلفة على حد سواء لدراستها؛ وهذا ما بطرق يعكس ويساهم في الطبيعة متعددة الأهداف، والموسعة للسرديات المعاصرة. ونشير هنا إلى أن تطور الدراسات السردية في السنوات الأخيرة لا ينبغي النظر إليه على أنه قصة بسيطة للتقدم نحو هدف واحد وموحد، بل على أنه يوفر سياقا نقديا يسلط الضوء على التطورات الرئيسة في حقل بحوث القصص الرقمية على وجه الخصوص.

1-1 السرديات الكلاسيكية

لقد جرت صياغة الرهان البنيوي للدراسة الشكلانية في السرديات من قبل الدارسين الفرونكوفونيين مثل بارط Barthes (1977)، وجينيث Genette (1980)، وغريماس Greimas (1966) في صورة مشروع عابر للنصوص transtextual، لا يتقيد بخصوصيات الوسائط والثقافة. إن هذا التصور النظري سهّل الطريق أمام الأبحاث اللاحقة لمقاربة النصوص التي لا تنتمي إلى دائرة المعتمد الأدبي canon، بما فيها النصوص التي ستظهر في الوسائط الرقمية. ومع ذلك، فإن التركيز على استكشاف النظام السيميائي الأساسي للسرد، أدى إلى بناء نماذج تنزع إلى التجريد، بدلا من الوصف الكامل للنصوص المحلية والسياقات التي تحدث فيها عملية سرد القصص. وبحلول أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، أصبحت محدودية السرديات البنيوية بارزة بشكل واضح (بروك – روز Brook- Rose 1990 (، لا سيما ادعاءاتها الإشكالية بشأن كونية السرد. ومع ذلك، لا يمكن التقليل من أهمية النماذج النظرية التي طورتها السرديات الكلاسيكية. ذلك أن العديد من هذه المفاهيم برهنت على أنها قابلة لإعادة الصياغة عند استخدامها في الدراسة الفعلية للممارسات السردية؛ وتظل هذه المفاهيم مفيدة للبحث عن السرد في الوسائط الرقمية، سواء بالتزامن مع دراسة الزمانية السردية (أنظر مونتفورت Montfort، الفصل5) أو بإعادة التفكير في طبيعة " النحو السردي" narrative grammar (أنظر سالواي Salway وهرمان Herman، الفصل 6).

1-2 القصص الموضعية situated

بعد فترة وجيزة من ظهور البنيوية، بدأت الدراسات السردية التكميلية في الظهور في حقول البحث المجاورة: اللسانيات الاجتماعية، وتحليل الخطاب، والتداولية. والملاحظ أن هذه الحقول ركزت في موضوع دراستها على قصص المحادثة بدلا من النص الأدبي؛ وبالتالي، فإن الاشتغال على قصص التجارب الشخصية (لا بوف Labov 1972 ) أدى إلى التفكير في القصص كشكل من أشكال التفاعل الاجتماعي؛ ترتكز على سياقات معينة، وتؤدي عملا مهما في العلاقات بين- شخصية interpersonal وهوية المتحدثين في المجموعة. وقد دشنت الدراسة الرائدة التي أجراها لابوف ووالتزكي Waletzy سنة 1967موجة من الأبحاث (أنظر بامبرج Bamberg 1997) التي استمرت حتى الوقت الحاضر. والملاحظ أن العمل الكبير في هذا الاتجاه، ظل في الدراسة المستمرة للسرد في قصص المحادثة التي تنجز في وضعية مباشرة، وجها لوجه face- to –face في مسار متوازي، لكن بطريقة منفصلة عن الدراسة النظرية الأدبية للحكي (هناك استثناءات، أنظر على وجه الخصوص عمل هرمان {2001})، فلوديرنيك Fludernik {1996}، تولان Toolan {2001}). إن الكثير من الخطاب عبر الأنترنيت هجين بطبيعته، يمزج الكلمة المكتوبة بالاتصال المباشر، مما أدى إلى ظهور ما وصفه أونج Ong سنة 1982 بالشفاهية الثانوية secondary orality.

على وجه الخصوص، تتطلب القصص التي تظهر في بيئات الويب Web 2.0 - حيث يتشابك التعبير الشخصي بشكل لا ينفصم مع الحوار (على سبيل المثال، من خلال استخدام التعليق الشارح metacommentary في المحادثة) - نماذجَ نظرية تفسر كل من الخصائص بين – الشخصية interpersonal والتعبيرية. وهكذا، تفتح هذه القصص الرقمية الناشئة إمكانية أخرى للحوار بين الباحثين العاملين في التقاليد السردية والأدبية واللسانية.

إن هذه التصورات المستمدة من دراسة كيفية استخدام الخطاب السردي في التفاعلات اليومية، توفر إطارا لفهم القصص التي تروى في سياقات الأنترنت Online. وعلى وجه التحديد، حدد العمل السابق الأجزاء السردية في الأشكال المألوفة الآن في الاتصال بوساطة الحاسوب computer، مثل تبادلات البريد الالكتروني e-mail (جور جاكوبولو Georgakopoulou، 2006) ومنتديات المناقشة (ماكليلان MacLellan،1996)؛ وهذا يوضح كيف أدت الطبيعة المجزأة والاتصالية والموجهة عمليا لهذه الأشكال إلى توسيع فهمنا لماهية السرد. ومع استمرار توسع ذخيرة المنتديات التواصلية عبر الأنترنت لتشمل المدونات blogs والويكي wikis ومواقع الشبكات الاجتماعية، يبرز الدور المركزي للجماعات والقصص التي ترويها في الصدارة. على سبيل المثال، يبرهن تحليل بيدج Page للمدونات الشخصية (الفصل 12) كيف تتم إعادة تشغيل قصص المرض بطرق تتماشى مع الجندر gender، لدعم أولئك الذين يمرون بتجارب مماثلة. وقد يقوم رواة القصص أيضا بتكوين مجتمعات وإن كانت مؤقتة حول مشاريع سرد قصص تعاونية معينة. وفي الفصل العاشر يناقش ريتبردج Rettberg عدة أمثلة معينة، مثل مشروع " سياتل غير المرئية" invisible Seattle و" مليون بطريق " الأحدث Million Penguins وتجربة الرواية الويكي wikinovel بدعم من دار Penguin للنشر عام 2007.

بالمقابل، يحتوي هذا المجلد على مساهمات للدارسين الذين يملكون خبرة في العمل داخل أو جنبا إلى جنب مع المشاريع الرئيسية التي تستكشف الآثار المترتبة للقصص الرقمية على مجتمعات "العالم الحقيقي" المحلية المحددة. ويوضح هذا العمل مزايا دراسة ممارسات القصص المحلية، على النقيض من بناء نماذج مجردة للتنوع البنيوي. على سبيل المثال، يلخص بريان جرينسبان Brian Greenspan في الفصل الثامن تطور النموذج الأولي لقصة الهجرة الجماعية " Storytrek "، من أجل رقمنة digitizing الأغاني الخاصة بالسكان الأصليين. في هذا الإطار، تقوم هيذر لوثرنجتون Heather Lotherington بتقييم فعالية مشروع " تعدد وسائط القراءة والكتابة "[2] multiliteracies في معالجة قضايا الإدماج الثقافي في المدارس الابتدائية الكندية. في هذين الفصلين، يسلط الكاتبين الضوء على السياسة الثقافية التي تتحكم في إنشاء قصص الوسائط الجديدة media. ويحاجج جرينسبان بدقة بأن استخدامات الفضاءات الافتراضية ليست أكثر حيادية من تخصيص الفضاءات الجغرافية؛ ويشير إلى تحديات استخدام المعلومات الجغرافية المكانية لتصوير نصوص تشعبية متنقلة، مستمدة من الأغاني المحلية aboriginal. وتعرض لو ثرنجتون مطلبا آخر، مختلفا إلى حد ما لاستخدام التكنولوجيا لفائدة جماعات الأقليات. بالنسبة لها، يتم تمكين الأطفال في المرحلة الابتدائية من إعادة سرد القصص الخيالية التقليدية باستخدام مجموعة من التكنولوجيات الرقمية، بطريقة تشركهم بنجاح في ممارسات سرد القصص التي تتجاوز تعلم القراءة والكتابة المطبوعة وحدها.

1-3 التوسع ما بعد الكلاسيكي

يتميز تنوع السرديات المعاصرة بالتوسع الذي يتجاوز المنظورات الأدبية ومجموعة البيانات data set الخاصة بالسرديات الكلاسيكية. ويتجلى هذا التوسع في السرديات الرقمية بعدة طرق. منذ البداية، كان جرى دمج المقاربات السردية والوسائط الجديدة من خلال منظور متعدد التخصصات، بالاعتماد على مفاهيم من مجالات متعددة مثل الذكاء الاصطناعي وعلوم الكمبيوتر ومعالجة النصوص والممارسات التي توسع نطاق البيانات الوسائطية والنوعية والصيغية،التي يمكن اعتبارها مثل القصة. ويهدف هذا المجلد إلى توسيع إمكانيات العمل المبتكر في هذا المجال. في هذا الإطار، يفكر كل من بانداي Punday (الفصل الأول) وجويس Joyce (الفصل الرابع) في طبيعة وتأثير وسائط الإعلام media والتوسع الوسائطي؛ ويستكشف مقال سالواي Salway وهيرمان Herman (الفصل السادس) كيف يمكن استخدام حزمة برمجيات تحليل النصوص المتاحة مجانا لدراسة المتون السردية corpora، ويبرهن كيف يمكن للتقدم التكنولوجي أن يسفر عن أدوات جديدة للتحليل السردي. من ناحية أخرى، إن المساهمات - مثل دراسة إنسلين Ensslin للرواية التشعبية التجريبية، ومقال لوديغكتون Lotherington حول الصور والأفلام التي تم إنشاؤها بواسطة أطفال المدارس- توضح كيف أن نفس التكنولوجيات الرقمية يمكن استخدامها لدعم الإنتاج السردي متعدد الوسائط. علاوة على ذلك، أدى توسيع السرديات البنيوية الكلاسيكية من خلال المنظورات النقدية المستمدة من الحقول المعرفية الأخرى إلى زيادة حساسية الآثار السياسية للسرد؛ وفي الواقع للنظرية السردية ذاتها. وإذا كانت النتائج العملية لهذا التسييس تظل مسألة مطروحة للنقاش (كوري (1998 Currie، فقد جرى استبدال الحياد الظاهر للأنظمة السردية بسرديات نقدية تلفت الانتباه إلى أخلاقيات سرد القصص، وتدافع عن القيمة المتأصلة للممارسات السردية بين جماعات الأقليات التي ظلت تعاني من التهميش. والآن، مع دراسة الروايات الرقمية، يمكننا رسم خريطة لظهور حساسية سياسية مماثلة. والعديد من الدراسات المدرجة في هذا المجلد تتناول الخصائص الشكلية للقصص الرقمية ذات المنظورات النقدية التي تحاول فحص أوجه عدم المساواة المتعلقة بالجندر gender أو الهوية الثقافية.

بهذه الطريقة، توضح المقالات كيف تجاوزت السرديات المعاصرة حدود الشكلانية لاستكشاف قضايا تتصل بالحفاظ على تأمين البوابات الإعلامية gatekeeping وإمكانية الوصول إلى المعلومات ( من يمكنه سرد أنواع القصص، وفي أي سياق)، ومساءلة ازدياد خصخصة corporatization الامتيازات عبر الوسائط الإعلامية، مثل فيلم حرب النجوم Star Wars للوكاش Lucas الذي يناقشه نيومان Newman وسيمونز Simons في الفصل العاشر، أو ظاهرة فيلم هاري بوتر Harry Potter الذي يناقشه توماس Thomas في الفصل الحادي عشر. كما تمت مناقشة تأثير ممارسات خصخصة السرد عبر الوسائطي across media في عمل كوبلي Cobley وهايفنز Haaeffner الذي يستقصي التغيرات في تنسيق أقراص الفيديو الرقمية formatting DVD.

هكذا، يتبين لنا أن اتساع المجال النقدي والسياقي للسرديات الرقمية يدين بالشيء الكثير لمبادئ نظرية الوسائط الجديدة، التي لا تهتم بالخصائص الأسلوبية أو النصية لأشكال السرد الجديدة بقدر اهتمامها بالبيئة والتشكيلات الاجتماعية والثقافية التي تنتجها وتستهلكها، وبالاستخدامات الثقافية التي يمكن أن تنجز فيها الممارسات السردية.

ومن أجل تفادي الحتمية التكنولوجية والتقدمية الفجة progressivism، أعادت نظرية الوسائط الجديدة توجيه النقاش في هذه الممارسات والمجتمعات المحددة ضمن نقاش أوسع حول العولمة والإمبريالية الثقافية؛ وتتراوح المواقف حول الوسائط الجديدة من الحماس لإمكانية دمقرطة وسائل الإعلام التفاعلية أوالتشاركية إلى الشك والارتياب في اقتصادات الاستخدام، التي قد تهمش بل حتى تقصي العديد من الفئات الاجتماعية.

ويرى بعض المنظرين أن الإمكانات التحويلية للثقافات الفرعية التي أوجدتها الوسائط الجديدة هي شيء يجب تثمينه، ويتطلب إعادة التفكير في النماذج والبراديغمات الأساسية في اتجاه ترسيخ مبدأ التهجين بدلا من الأضداد الثنائية؛ على سبيل المثال، المركز مقابل الهامش، الاتباعي مقابل الابتداعي. وفي الوقت نفسه توضح المفاهيم الأساسية مثل التقارب (جينكيز Jenkins 2006) والمعالجة (بولتر وجروسين Polter and Grusin 1999) الحاجة إلى تجاوز المقولات والحدود الثابتة، والعمل على الاستجابة للممارسات المتغيرة والمتطورة والمزايا التي تتيحها التكنولوجيات الجديدة. وتشكك نظرية الوسائط، وبشكل خاص، نظرية الوسائط الجديدة في التركيز التقليدي للسرديات على النص. وفي المقابل يتهم علماء السرديات الباحثين في وسائل الإعلام ب " العمى النصي " (هوسكين 2004، Hauskine) الذي يتجلى في إحجامهم عن الانخراط في التحليل النصي، وفي تجاهلهم المتعجرف في كثير من الأحيان للمصطلحات والشروط النصية لأنواع السرد التي يدرسونها. وفي كلا الحقلين (السرديات ونظرية الوسائط)، يتمثل التحدي في ايجاد لغة تستبدل مفهوم النص بِعَدِّهِ موضوعا ثابتا بمفهوم النصوص بِعَدِّهَا عمليات دينامية. وبالطريقة نفسها، أدرك كل من الدارسين في وسائل الإعلام وعلماء السرد الحاجة إلى رؤية القراء والجمهور ليس بوصفهم متلقين سلبيين للمضامين الدلالية، بل مشاركين في الإنتاج المشترك coproduction لمعاني النص. ومع ذلك، فإن الاختلافات الطفيفة في الفروق الدقيقة في المصطلحات تستمر في إدامة الشعور بالانقسام، حتى عندما يكون الموضوع الذي يتم فحصه متشابها. على سبيل المثال، يفضل منظرو وسائل الإعلام استخدام مصطلح السرد العابر للوسائط transmedia (جينكينز Jenkins،2007)، بينما يفضل علماء السرديات مصطلح عبر الوسائطي transmedial، وذلك لإبراز الاهتمام بالطابع المادي materiality لوسائل الإعلام المختلفة، والإقرار بتأثير النظرية السيميائية ( رايان Ryan، 2007). وفي نظرية الوسائط الجديدة، تنطوي النصوص والمنصات عبر الوسائطية platforms على قيمة لوصف ما تم تسميته في السرديات الرقمية بالسرد التوزيعي distrubited (والكر Wallker، 2004). وبشكل أكثر وضوحا، بذلت محاولات لتحدي المدى الذي يجب فيه فهم ممارسات الوسائط الجديدة بالمصطلحات السردية. وفي الواقع يتهم ليف مانوفيتش Lev Manovich الباحثين في وسائل الإعلام الجديدة بالاستخدام المفرط لكلمة السرد " للتستر على حقيقة أننا لم نطور لغة لوصف هذه الموضوعات الجديدة والغريبة". بدلا من ذلك، يقترح مانوفيتش قاعدة البيانات database أو الخوارزمية algorithme كطريقة لفهم هذا المجال الثقافي الناشئ بشكل أفضل. وفي الإطار نفسه، عارض إسبن آرسيث Easpen Aaarseth الاعتماد على النماذج السردية فيما يتعلق يألعاب الكمبيوتر، واقترح بدلا من ذلك مصطلح "علم دراسة الألعاب" Ludology لإبراز أهمية اللعب والتفاعل بين المشاركين.

وإذا كان هذا المجلد متحمسا بشكل عام للمزايا وللإمكانيات التي أتاحتها التكنولوجيات والممارسات الرقمية الجديدة، من المهم أن نشير إلى وجود أصوات معارضة تهاجم اليوتوبيا السيبرانية cybertopianism لدى الكثير من الدارسين الحاليين. وعلى وجه الخصوص، تحدث نقاد الأدب مثل سفين بيركيرتس Sven Birkerts (1994) ضد ما يرون أنه هجوم على الثقافات المطبوعة وعلى الممارسات الراسخة للقراءة النقدية والتحليل. وفي الاتجاه نفسه، استخدم ديفيد مول David Miall بحثا تجريبيا على القراء لإثبات كيف أن رواية النص التشعبي تعطل تجربة الانغماس والاستيعاب التي يجادل بأنها جوهرية للتجربة الأدبية، ولتحدي الافتراض القائل بأنه " يمكن أن نجعل الأدب يرقص على نغمة الوسائط المتعددة" (مول Miall ودوبسون Dobson، 2001). وإذا كنا نؤكد على أن القصص الرقمية الجديدة تتقاطع صراحة مع أسئلة الأدبية literariness (على سبيل المثال، رواية النص التشعبي، وقصص المعجبين)، يصبح من الضروري تقييم واستكشاف المكان الثقافي الذي تنجز فيه هذه الممارسات ومدى استمرارها في تقديم نوع من المشاركة العاطفية التي يرى الناقد ميال Miall أنها خاصية جوهرية للأدب.

  1. المفاهيم الأساسية في السرديات الرقمية

كما هو وضحنا سابقا، جرى تسهيل المشروع الراهن لإعادة صياغة النماذج الكلاسيكية والبنيوية للسرد وتوسيعها من خلال دراسة السرد في الوسائط الرقمية. فقد ظهرت مجموعة من المفاهيم الأساسية في هذا المشروع، التي تم استثمارها من طرف المشاركين في هذا المجلد.

2-2 التنامي السردي: الشعور بالنهاية

أدركت الدراسات المبكرة للقصة الرقمية التحدي العميق الذي تشكله الخصائص الترابطية للنصوص التشعبية hpertexts على التماسك النصي (لانداو Landaw، 1997)؛ وأشار النقاد إلى تمييز أساسي بين أعراف قراءة السرد المطبوع وقراءة القصص التي تروى باستخدام إمكانيات بنيات النص التشعبي. في هذا الإطار، تقرأ عادة القصص المطبوعة باتباع سلسلة من الصفحات المتوالية التي يحدد المؤلف تتابعها، في حين يتم التنقل في معجم lexias القصة الرقمية عبر سلسلة من الكلمات أو الأيقونات ذات الروابط التشعبية، والتي يتم اختيار تتابعها جزئيا بواسطة القارئ. بطبيعة الحال، لا يوجد أي تعارض ثنائي صارم بين قراءة النص المطبوع وقراءة النص التشعبي. إن ربط سلسلة من الصفحات المطبوعة داخل غلاف الكتاب لا يمنع القارئ من الانغماس في اللعب وقراءة الصفحات الأخيرة من القصة أولا. على النقيض من ذلك، ربما يكون كُتَّابُ القصة الرقمية حريصين على ترتيب المعجم بطريقة تجعل أجزاء القصة تتبع ترتيبا زمنيا صارما. ولا ينبغي خلط أعراف قراءة وسائط الإعلام بالبنية السردية؛ إذ قد تتضمن القصص المطبوعة أنماطا زمنية معقدة وتشكيلات مرهفة بشكل غير عادي للعوالم الممكنة، مما لا تحتاجه القصة الرقمية. ومع ذلك، فإن الأنماط الترابطية التي استثمرها عادة كُتَّابُ الموجة الأولى من القصة الرقمية تم النظر إليها على أنها توليد لطيف جديد من أنماط الحبكة، التي تتحدى طبيعة السردية ذاتها.

على وجه الخصوص، زودت المسارات المتعددة التي تميز القصة الرقمية المبكرة النقاد بمواد جديدة يمكن على أساسها النظر في أشكال ووظائف النهاية في السرد. إن النهايات المؤجلة أو إمكانية النهايات المتعددة لا تقتصر على الأنواع السردية في الوسائط الرقمية، ويمكن العثور عليها في القصص غير المتصلة عبر الأنترنت offline من الأنواع التسلسلية، مثل المسلسلات التلفزيونية soap opera، والرواية ما بعد الحداثية؛ كما أن مسألة اختتام السرد ليست مرتبطة فقط بالخيال النصي التشعبي.و في المقالات التالية في هذا المجلد، تأتي النهايات المؤجلة بأشكال عديدة، وتؤدي وظائف متعددة. في مقال كوبلي وهايفنر (الفصل التاسع)، يتم النظر إلى تطبيق "إضافات ترجمات" لأفلام دي في دي DVD add- ons على أنها تسهل الاستجابة العاطفية الفورية للنص، بينما في تحليل توماس لقصص المعجبين fanfiction (الفصل الحادي عشر)، فإن القدرة على تحديث القصص التي تتم إعادة صياغتها إلى ما لا نهاية، تشكل مصدر متعة للقارئ. وفي حالة المدونات الشخصية التي يقاربها بيج Page، تأتي النهاية المفتوحة في مشاركات المدونة العرضية وتعليقاتها. وعلى الرغم من أن النهايات المؤجلة، تشكل في الواقع موضوع اهتمام لهذه المقالات، إلا أن المؤلفين حريصون على عدم إسناد صورة موحدة لهذه النهايات. ونظرا لأن السرديات الرقمية أصبحت أكثر وعيا بالسياق، من الواضح أنه لا يمكننا وصف السرد بمصطلحات متشابهة، حيث قد تشير ميزة نصية واحدة (هنا، الانفتاح) إلى علاقة محددة بين الشكل والوظيفة ؛ وهذه المسألة جرى توضيحها في السرديات بشكل أعم (ستينبرغ Sternberg، 1982).

2-2 السرد، التخييل، والهوية

حتى الآن، تركز تأثير النصانية الرقمية في النظرية السردية - في معظمه- على التوجهات البنيوية. لكن القصص ليست مجرد متواليات من الأحداث، لأن هذه الأحداث تروى من قبل أفراد محددين وتقدم تجاربهم. ونظرا لأن دراسة النصوص الرقمية تتضمن بشكل متزايد ممارسات سردية، فمن الضروري للغاية النظر في إعادة صياغة العلاقة بين السرد والتمثيل الذاتي في سياق البيئة المتصلة عبر الأنترنت online.

لقد تم الاعتراف دائما بأن سرد القصص، سواء تم الادعاء أنها خيالية أم لا، يمثل أداة انتقائية وجزئية للتمثيل ؛ وكما يذكرنا بامبرغ Bamberg، فإن التحليل السردي ليس مقياسا شفافا للهوية ولكنه يشكل أداة "استكشافية " heuristic للنظر في كيفية تشكل الذات (2004، ص211). وتضاعف الافتراضات المتعلقة بالتمثيل المتصل عبر الأنترنت online من تعقيد المناقشات بشأن العلاقة بين السرد، والتمثيل والتخييلية fictionality. من ناحية أخرى، غالبا ما ينظر إلى الأنترنت على أنه بيئة تتيح هوية حرة على ما يبدو (على سبيل المثال، من خلال تبني أسماء مستعارة و/ أو محايدة من الناحية الجندرية gender، صور رمزية avatars، وأشكال أخرى من اللعب). من ناحية أخرى، لا تزال أعراف الأصالة سائدة - مثل الحالات المشهورة، نموذج شخصية كايسي نيكول Caycee Nicole، (شخص خيالي مصاب باللوكيميا، اختلقه ديبي سونسون سنة 2001 Debbie Swenson)- تُفهم بحق على أنها مجموعة خدع، وحيث يمكن أن يكون تشريع الخيانة الزوجية في العالم الافتراضي سببا للطلاق في المجال غير المتصل بالأنترنت offline (المجال الواقعي).

تتلاشى الحدود بين هذين الموقفين من خلال استخدامات التمثيل "التخييلي" في الأنواع الافتراضية المتصلة بالأنترنت online. على سبيل المثال، النصوص التشعبية الخاصة بالسيرة الذاتية مثل نص جسدي My body لشيلي جاكسون Shelly Jackson، الذي يمزج قصة الحياة بالعمل الفني، مما يجعل من الصعب عزل أجزاء معينة من المعلومات حول الفرد التي تعتبر صحيحة في العالم. في المقابل، تشير تقارير مؤسسة danah m. boyd إلى استخدام المراهقين الأمريكيين لمعلومات شخصية "كاذبة" على الشبكات الاجتماعية، والتي يتم وضعها كاستراتيجية متعمدة من أجل أن يعترف بها الأصدقاء على أنها خيالية، ولكن يجب أن تؤخذ على أنها أصيلة ؛ وبالتالي تجنب إثارة انتباه المتربصين غير المرغوب فيهم.

يؤدي التذبذب بين التوقعات المتناقضة للأصالة إلى غموض يتحدى حدود الخيال ( أنظر بيل Bell، الفصل السابع)؛ مما يعني أننا لا نستطيع معالجة أي نقاش حول عمل السرد والهوية برؤية جوهرانية essencialist. بدلا من ذلك، يجبرنا هذا الغموض على النظر في الطرق المختلفة التي يتعامل بها الرواة والقراء مع القصص في الوسائط الرقمية، باعتبارها جسورا بين تجاربهم الافتراضية online وتجاربهم الواقعية offline.

إن دراسة العلاقة بين الهوية في السياقات الافتراضية online والواقعية offline، يعد تذكيرا مفيدا بأن القراء والكتاب ليسوا شخصيات مجردة ولكنهم أفراد حقيقيون، وأن إنتاج أو معالجة processing القصص في الوسائط الرقمية يمثل تجربة متجسدة embodied. ومن أجل تفادي النظر إلى العالم الافتراضي online من منظور سبراني طوباوي cybertopian على أنه متحرر من القيود المادية، فإن المقالات في هذا المجلد تطرح نقاشا حول الجسد الإنساني كمورد مهم للقراء والكُتَّاب. في الفصل الذي يتناول التدوين blogging، يُنظر إلى الجسد الإنساني بِعَدِّه موقعا للدلالة، حيث يقوم المدونون بإنشاء قصص عن تجربتهم المستمرة مع المرض. في هذا السياق تفحص إنسلن Ensslin في الفصل السابع الطرق التي يتفاعل بها الجسد الإنساني مع السرد الرقمي، وتتناول نوعا فرعيا غير عادي من السرد الرقمي ؛ هو النص السبراني الفيزيائي physio- cybertext حيث يكون إبحار (تنقل) navigation القارئ عبر القصة مدفوعا بنمط تنفسه. وقد أتاح لها هذا التحليل لبولينجر Pulinger وسيمات Shemat وجدار التنفس The Breathing Wall لبابل Babel، استكشاف الفروق بين الاستجابات الجسدية والمعرفية، وإعادة صياغة مفهوم القصدية. في كلا المقالتين، تكون العلاقة بين التجربة المتجسدة للقارئ/ الكاتب والسرد دينامية ومُوَسَّطة mediated، مما يسمح لنا بإعادة النظر في ممارسات القارئ من منظور جديد.

2-3 التفاعل السردي

لوقت طويل اهتم علماء السرد بالتفاعل التواصلي بين راوي القصص والجمهور و القصة ذاتها؛ وقد ازدادت أهميته في دراسة النصوص الرقمية. ويُنظر إلى التفاعلية على أنها خاصية مطردة ملازمة للوسائط الرقمية تميزها بشكل واضح عن غيرها من الأنواع التقليدية غير الرقمية (رايان 2004، 2006؛ أرسيث 1994؛ والكر، 2003 ). وكما تلاحظ رايان في الفصل الثاني،تظل مسألة كيفية تعريف التفاعل وأشكاله المختلفة موضوع نقاش؛ وتشير إلى أن المفاهيم التقليدية للفاعل وفكرة "الإرجوديك " ergodism لا تعبر بالكامل عما تنطوي عليه الطبيعة الحوارية والتبادلية للتفاعلية. وفي العديد من مقالات هذا المجلد، تتم إعادة صياغة مفاهيم التفاعلية وتوسيع نطاقها في ضوء التطورات التكنولوجية والسردية الراهنة. في هذا الإطار يتناول كل من مونفورث Montfort (الفصل الخامس) وبيل Beel (الفصل الثالث) العوالم الممكنة التي قد يتفاعل معها المُسْتَخْدِم user بواسطة الأنواع الرقمية المختلفة. يستكشف بيل القصص المبكرة من النص التشعبي المنشورة في موقع StorySpace، ويفسر الخيارات التنقلية navigational للقارئ على أنها لحظات يتم فيها إبراز التحولات الأنطولوجية بين المستويات المختلفة من العوالم الممكنة. على النقيض من ذلك، ينطلق مونتفورت من القصة التفاعلية، ويدرس العمارة التكنولوجية التي تشكل أرضية جديدة من خلال تمكين كُتّاب القصة التفاعلية من التحكم في مستويات الحداث والتعبير للسرد بشكل منفصل. وبالاعتماد على النموذج الكلاسيكي عند Genette، يوضح كيف يمكن للمُسْتَخْدِمِين تفعيل التغيرات في الزمن والنظام، والإشارة إلى الاحتمالات المستقبلية لتوليد النص بطريقة أوتوماتية automatic.

لا ينبغي مقاربة التفاعلية على أنها ظاهرة ثنائية بحثة بين مُسْتَخْدِم user واحد ونص واحد. على العكس من ذلك، إن إمكانيات الشبكات الخاصة بالتكنولوجيا الرقمية تفيد أن التفاعلية النصية يمكن أن تقترن بالتفاعل بين المستخدِمين. ويمثل هذا العمل انزياحا عن دراسات التفاعل ذات التوجه النصي، لأنه يحول التركيز إلى المجتمعات الفعلية لرواة القصص. في السابق كانت نمذجات typologies التفاعل تميل إلى التعامل مع شخصية القارئ بمصطلحات نظرية مجردة (دوغلاس 1992، 2000). على النقيض من ذلك، أسس العديد من الكتاب في هذا المجلد تحليلاتهم للتفاعل على الدراسة التجريبية لمجتمعات معينة ومشاريع تعاونية. على سبيل المثال، يرصد روتبرغ Rettberg تاريخ وطرق التأليف التعاوني، ويحدد أشكالا مختلفة من التزام المُسْتَخْدِم الواعي والتشاركي والتعاوني، من خلال نماذج توضيحية من المشاريع الافتراضية online؛ وانطلاقا من همفهوم التفاعل التعاوني، يدعو إلى التشكيك في المفاهيم السردية narratological المعيارية مثل مفهوم "الراوي".

إن مفهوم التفاعل التعاوني يؤثر أيضا على قضايا تطور الحبكة. في هذا الإطار، يستكشف توماس في الفصل الحادي عشر وبيج في الفصل الثاني نمطين مختلفين من الجماعات يتطوران من خلال كتابة نفس القصص. ففي كل من قصة المعجبين (توماس) وكتابة المدونة (بيج)، يأخذ التفاعل شكلا مُوَسَّطا، من خلال البناء التعاوني لتعليق شارح metacommentary. ومن الواضح أن التفاعل هنا عبارة عن حوار بين المُسْتَخْدِمين وليس تنقلا (إبحارا) navigation أو تأليفا لنص معين. لذلك يحتاج الدارسون للسرد الرقمي إلى تطوير مقاربات لفهم طبيعة السرد الجارية والمركزة على العمليات ضمن هذه التفاعلات الافتراضية في الأنترنت online، وأيضا الأنواع التي تم إنشاؤها والمتنازع عليها.

  1. القصص الجديدة: جدلية النظرية والممارسة

قمنا بترتيب مقالات هذا المجلد بصورة تعكس اتساع ومرونة المقاربات الحالية في الدراسات السردية الرقمية، وتكشف فائدة هذه المقاربات في فهم الأشكال والممارسات الناشئة. ومن معايير هذا الترتيب أن تنظيم المقالات في هذا المجلد ينتقل من اقتراح نماذج نظرية جديدة وأطر مفاهيمية لتحليل القصص الرقمية، إلى استكشاف أساليب واستخدامات ومنصات جديدة للسرد، ويُتَوَّج بتحليلات محددة ومفصلة للممارسات والعمليات السردية. ومع ذلك، يوجد العديد من المسارات المتقاطعة والقواسم المشتركة بين أقسام وفصول هذا المجلد. وكما اقترحت سابقا، إن أحد الرهانات المحددة هو تحدي التقسيمات التعسفية في كثير من الأحيان بين النظرية والممارسة، أو بين الأطر النظرية وأنماط سرد القصص التي تُكَمِّل بعضها البعض ولا تتناقض.

ويمكن قراءة كل مقال من هذه المقالات بشكل فردي كمساهمة في هذا الحقل المعرفي؛ ولكن عندما يقرأ في سياق المساهمات الأخرى، يساعد كل مقال في إقامة حوار بين النظريات والممارسات والقصص التي تستمر في التطور في الوسائط الرقمية. ونأمل أن تعمل هذه المقالات على تطوير معرفتنا بهذه الأشكال، وتحفّز على تطورات جديدة في نظرية السرد؛ وربما توفر نقطة انطلاق لأشكال جديدة من ممارسة السرد؛ وإذا كانت القصص التي تمت مناقشتها هنا " جديدة"، فإنه في السنوات القادمة سيتم تعزيزها بإمكانيات سردية لم نكن نتصورها أو نتخيلها[3].

 

جامعة مولاي اسماعيل المغرب/ المدرسة العليا للأساتذة مكناس

هذا النص هو استهلال كتاب: Ruth Page and Bronwen Thomas (eds), New Narratives: Stories and Storytellings in the Digital Age. Lincoln and London: University of Nebraska Press, 2011.pp.1- 16.

 

 

·· MUD : عالم افتراضي متعدد اللاعبين في زمان حقيقي، غالبا ما يكون قائما على النص أو القصة المطبوعة. يجمع بين عناصر تقمص الأدوار و القرصنة (هكر)hack والاختراق، ولا عب في مواجهة لاعب آخر، والقصة التفاعلية والدردشة على الأنترنت oline chat.

 

··· " جماد أليس" رواية رقمية متعددة الوسائط، تربط تجارب مُصَمِّمَة الألعاب Alice Field وصديقتها الرقمية الخيالية Brad في الحلقات والمجلات ووسائل التواصل الاجتماعي والواقع الافتراضي.

[1] غالبا، في مناقشة القصص التي تعتمد على التكنولوجيات الجديدة، يتم استخدام مصطلحات الالكترونية، الرقمية، والوسائط الجديدة new media بالتبادل. ومع ذلك، فإن مصطلح الوسائط الجديدة يستخدم عادة ليشمل الاثنين الآخرين، وليشير إلى الطرق التي ساعدت بها أجهزة الكمبيوتر في تحويل " الوسائط القديمة"، وخاصة في الانتقال من التقنيات التناظرية anlogue إلى التقنيات الرقمية.

[2] تعدد المهارات هو مقاربة في نظرية محو الأمية وعلم التدريس. تتميز هذه المقاربة بجانبين أساسيين لمحو الأمية؛ أولا التنوع اللغوي، ثانيا الأشكال متعددة الوسائط للتجارب اللغوية.

[3] يتمنى المؤلفون أن نشكر ديفيد هيرمان على تعليقاته على مسودة سابقة لهذا المقال. كل الأخطاء، بالطبع، تبقى من مسؤوليتنا.

 

الإحالات

Aarseth, Espen J.1997. Cybertxt : Perspectives on Erdodigue Literature. Bltimore : John Hopkins University Press.

 ______.2 004. « Quest Games as Post-narrative Discourse ». In Narrative Across Media : The Language of Storytelling, ed.Marie-Laure Ryan, 361-76.Lincoln : Universityof Nebraska Press.

Bamberg, Michel, ed.1997.Oral Versions of Personal Experiece : Three Decades of Nrrativity Analysis. Special Issue. Journal of Nrrative and Life History7, nos.1-4.

______. 2004. « Nrrative Discourse and Identities. » In Nrratology beyond Literary Criticism, ed.I.C.Meister. T. Kindt. W. Schernus, and M. Stein, 213-37. Berlin : Walter de Gruyter.

Bartes, Roland.1977.Image-Music-text. Trans.Stephen Heath. London : Fantana.

Birkerts, Sven. 1994. The Gutenberg Elegies : The Fate of Reading in an Electronic Age. London : Faber and Faber.

Bolter, Jay, and Richard Grusin.1999. Remediation : Understanding New Media. Cambridge MA : MIT Press.

Boyd, danah m. 2008. « Taken Out of Context : American Teen Sociality in Networked Publics.’’PHD diss., University of California, Berkely.

Brooke- Rose, Christine.1990. ‘’ Whatever Hppened to Nrratology ?’’ Poetics Today 11, no. 2 :283-93.

Bubbe’ Back Porch. Available at http://www.aboutus.org/Bubbe.com(accsses

Februry24,2009).

Center for Digital Storytelling. Available at http://www.storycenter.org/ (accesses Februry 24,2009).

Currie, Mark.1998. Postmodern Narrative Theory. Bsingstoke : Mcmillan.

Douglas, Jane Yellowless.1992. ‘’ Print Pthways and Interactive Labyrinths : How Hepertext Narratives Affect the Act of Reading.’’ Ph diss., New York University.

______. 2000. The End of Books – or Books without End ? Reading Interactive Narratives. Ann Arbor : University of Michigan Press.

Fisher, Caitlin.2001. These Waves of Girls. Available at http://www.yorku.ca/caitlin/waves/ (accessed Ferbruary 13, 2009).

Fludernik, Monika.1996. Toward a ‘’Natural’’ Nrratology. London : Routledge.

Genette, Gèrard.1980. Narrative Discourse : An Essay in Method. Trans. J. E. Levin. Ithaca NY : Cornell University Press.

Georgakopoulou, Alexandra.2006. ‘’The Other Side of the Story : Towards a Narrative Analysis of Narratives –in-Interaction’’. Discourse Studies 8 :265-87.

Greimas, Algirdas J. 1966. Structural Semantics : An Attempt at a Method. Linclon : University of Nebraska Press.

Hausken, Liv.2004. ‘’Coda : Textual Theory and Blind Spots in Media Studies.’’ In Narrative across Media : The Languages of Storytelling, ed. Marie- Laure Ryan, 391-402. Linclon : University of Nebraska Press.

Hayless, N. Kathrine. 2001.’’ The Transformation of Narrative and the Materiality of Hypertext’’. Narrative 9, no. 1 : 21-39.

______. 2003. ‘’Deeper into the Machine : The Future of Electronic Literature’’. Culture Machine 5. Available at http://www.culturemachine.ner/index.php/cm/

Article/viewArticle/245/241 (accessed December2, 2010).

Herman, David.2002. Story Logic : Problemes and Possibilities of Narrative. Lincoln : University of Nebraska Press.

Jackson, Shelley. 1997. My Body, A Wunderkammer. Available at www.altx.com/thebody/ (accessed november 20, 2007).

Jenkins, Henry.2006. Convergence Culture : Where Old and New Media Collide. New York : New York University Press.

______. 2007. ‘’Transmedia Storytelling101.’’ Available at http://www.henryjenkins.org/2007/03//transmedia_storytelling_101.html (accessed February 3, 2009).

Labov, William.1972.’’ The Transformation of Experience in Nrrative Syntax.’’ In Language in the Inner City, 354-96. Philadelphia : University of Pennsylvania Press.

Labov, William , and J.Waletzky.1967. ‘’Narrative Analysis : Oral Versions of Personal Experience.’’ In Essays on the Visual Arts : Proccedings of the 1966 Annual Spring Meeting of the American Ethnological Society, ed. J.Helm, 12-44. Seattle : University of Washington Press.

Landow, George P. 1997. Hypertext 2.0 : The Convergence of Contemporary Critical Theory and Technology. Baltimore : Johns Hopkins University Press. (Orig.pub.1992.)

Larsen, Deena. 2001. Disappearing Rain. Available at http://www.deenalarsen.net/rain/ (accessed February 13, 2009).

Manovich, Lev. N.d. ‘’Dtabase as a Genre of New Media.’’. Available at http://vv.arts.ucla.edu/AI_Society/manovich.html (accessed February3, 2009).

Manovich, Lev.n.d.’’Debase as a Genre of Media’’. Available at http://vv.arts.ucla.edu/AI_Society/manovich.html (accesses Feruary3, 2009).

MecLellan, Fayith.1997.’’A Whole Other Story’’ : The Electronic Narrative of Illness Literature and Medicine 16, no.1 :88-107.

Miall, David S. 1999. ‘’Trivializing or Liberating ? The Limitations of Hypertext Theorizing’’. Mossaic32, no.2 :157-71.

Miall, David, and Teresa Dobson.2001. ‘’Reading Hypertext and the experience of Literature’’. Journal of Digital Information 2, no. 1. Available at http://journals.tdl.org/jodi/article/view/jodi-36/37 (accessed February 3, 2009).

Murray, Janet H.1997. Hamlet on the Holodeck : The Future of Narrative in Cyberspace. Cambridge MA : MIT Press.

Ong, Walter J. 1982. Orality and Literacy : The Technologizing of the word. London : Methuen.

Pullinger, Kte, and Chris Joseph. Ongoing. Inanimate Alice. Available at http://www.inanimatealeace.com/ (accessed April 22, 2010).

Pullinger, Kate, Stefan Schemat, and babel.2004. The Breathing Wall. CD-ROM. London : The Sayle Literary Agency.

Ryan, Marie-Laure. 2004. Narrative across Media : The Languages of Storytelling. LincoIn : University of Nebraska Press.

______. 2006. Avatars of Story. Minneapolis : University of Minnesota Press.

Ryman, Geoff.1997.253. Available at http://www.ryman-novel.com/ (accesses February 12, 2009).

Sternberg, Meir.1982. ‘’Proteus in Quotation Land : Mimesis and the Forms of Reported Discourse.’’ Poetics Today 3, no. 2 :107-56.

Toolan, Michael.2001. Narrative : A Critical Linguistic Introduction.2nd ed. New York : Routledge.

‘’Visual Stoey Telling.’’ Ongoing. Available at http://www.flickr.com/groups/visualstory/ (accesses December 2, 2010).

Walker, Jill.2003. ‘’Fiction and Interaction : How Clicking a Mose Can Make You Part of a Fictional World.’’ PHD diss. University of Bergen.

______. 2004.’’Distributed Narrative’’. Available at http://jilltxt.net/?p=931 (accessed December 2, 2010).