ما فتئ الاهتمام بكتابة المرأة في العالم العربي يتزايد عقدا بعد آخر، بحكم تضافر مجموعة من العوامل والسياقات التي تساهم جميعها في إضفاء مزيد من المشروعية التاريخية والإبداعية والنظرية على كتابة المرأة بشكل عام.

ملتقى "المرأة والكتابة": اهتمام متزايد بكتابة المرأة في العالم العربي

عبدالرحيم العلام

ما فتئ الاهتمام بكتابة المرأة في العالم العربي يتزايد عقدا بعد آخر، بحكم تضافر مجموعة من العوامل والسياقات التي تساهم جميعها في إضفاء مزيد من المشروعية التاريخية والإبداعية والنظرية على كتابة المرأة بشكل عام. ويمكن تحديد بعض أوجه هذا الاهتمام على مستوى تزايد التراكم لدى المرأة العربية الكاتبة، في مختلف مجالات التعبير الفكري والأدبي والنقدي والفني، بما فيها السينما، وتزايد المنابر الإعلامية التي تعنى أساسا بكتابات المرأة، ولو أنها لا تزال محدودة جدا، وخصوصا فيما يتعلق بالمجلات الثقافية والأدبية العربية المتخصصة، كمجلات: الكاتبة، وباحثات، وتايكي، وهاجر، ونون..؛ عدا ظهور مجموعة من الأنطلوجيات والببليوغرافيات والموسوعات التي تعنى بالتأريخ وتوثيق مساهمات المرأة العربية الكاتبة في مجالات الثقافة والفكر والأدب، ومن أهمها "موسوعة الكاتبة العربية" التي أعدتها مؤسسة نور بالتنسيق مع المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة.

غير أنه من بين أهم أوجه الاهتمام بكتابة المرأة العربية الإقبال المتزايد من قبل بعض الجمعيات والمؤسسات الثقافية العربية على تنظيم الملتقيات والندوات حول موضوع: "المرأة والكتابة" بشكل عام، وتحديدا في مصر والمغرب وتونس ولبنان والأردن..

ففي المغرب، على سبيل المثال، ثمة ملتقى عربيا سنويا ينظمه اتحاد كتاب المغرب بمدينة أسفي الساحلية (الجنوب الغربي لمراكش) حول "المرأة والكتابة". وقد تمكن هذا الملتقى إلى اليوم من تنظيم ست دورات، تخللتها ندوات كبرى حول مواضيع مختلفة: الكتابة واليومي- المرأة، الكتابة، المجتمع- الكتابة والهوية- ذاكرة المكان- التخييل والتلقي- محكي الأنا.. محكي الحياة، وستة لقاءات تكريمية لكاتبات وأديبات عربيات: الشاعرة العربية نازك الملائكة، الكاتبة فدوى طوقان، الفنانة التشكيلية المغربية الشعيبية طلال، الأديبة المغربية خناتة بنونة، الكاتبة المغربية ليلى أبو زيد، الشاعرة المغربية مليكة العاصمي، تقديرا من الملتقى لمساهماتهن الأدبية والفكرية ولجهودهن الكبيرة في إثراء المشهد الثقافي والأدبي والفني العربي، ورصدا أيضا لتجاربهن في الحياة والكتابة والفن. عدا ذلك، يعمل الملتقى على تنظيم عدد وافر من الأماسي واللقاءات الشعرية، بمشاركة شاعرات من المغرب والعالم العربي وأوربا، والعروض الفنية، السينمائية والموسيقية والمعارض التشكيلية، نظمت بموازاة بعضها لقاءات نقدية، من قبيل ندوة "صورة المرأة في المسرح والسينما" التي صاحبت عرض الفيلم السينمائي للمخرجة المغربية فريدة بليزيد "الدار البيضاء..الدار البيضاء".

كما تمكن هذا الملتقى، ولو بإمكانيات مادية محدودة، من استضافة عدد مهم من الفعاليات الأدبية النسائية والرجالية من المغرب والعالم العربي وأوربا، وتحديدا من ضفتي حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث كان التوجه العام للملتقى متوسطيا في البداية، مما جعله ينفتح على تجارب أدبية وإبداعية من البرتغال وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا والجزائر وتونس ومصر ولبنان وفلسطين، قبل أن يوسع الملتقى من جغرافيات المشاركات فيه، بعد أن تزايد الاهتمام به وقد أضحى له صيت عربي واسع، دفع بمنظميه إلى الانفتاح على أقطار عربية أخرى، من الكويت والعراق وسوريا والأردن والسعودية واليمن وبلاد المهجر. ويكفي أن نشير هنا إلى بعض أسماء الكاتبات والباحثات العربيات والأجنبيات، ممن شاركن في بعض دورات هذا الملتقى، لكي يتبين لنا مدى الدور اللافت الذي يقوم به الملتقى في توسيع دائرة التواصل والتعارف وتبادل التجارب والآراء بين الكاتبات العربيات ونظيراتهن من الكاتبات المغربيات، وكذا الإنصات إلى بعضهن البعض، من مختلف الأجيال والحساسيات: ميرال الطحاوي، ليلى العثمان، رشيدة الشارني، فوزية الصفار الزاوق، فاطمة يوسف العلي، زينب الأعوج، مسعودة أبو بكر، نصيرة محمدي، جليلة الطريطر، ابتسام المتوكل، بلقيس حميد حسن، ليلى محمد صالح، فاطمة ناعوت، زينب حفني، أشواق مالك، فوزية الرشيد، سحر ملص، مي خالد، لينا الطيبي، جميلة عمايرة، هدى الدغفق، والشاعرة الإيطالية الكبيرة دوناتيلا بيزوتي، والشاعرة الإسبانية كلارا خانيس، والكاتب العربي عبد الرحمن مجيد الربيعي، وغيرهم من ضيوف الملتقى..

وإذا كانت الدورة السادسة، التي نظمت في شهر يوليوز الماضي، قد عرفت انعطافا مهما على مستوى التنظيم وعدد الفعاليات المغربية والعربية المشاركة، ونوعية المداخلات والشهادات والنقاشات التي عرفتها أشغال الندوة واللقاء التكريمي الذي خصص خلال هذه الدورة لتكريم الشاعرة المغربية مليكة العاصمي، فإن هذا الملتقى في دورته السادسة قد عمل، ولأول مرة، على إصدار كتاب الدورة السابقة، يتضمن أشغال ندوتها الكبرى واللقاء التكريمي للكاتبة المغربية ليلى أبو زيد، بعد أن كانت أشغال الملتقيات السابقة تستضيفها مجلة "آفاق" التي يصدرها اتحاد كتاب المغرب. وبذلك يدخل هذا الملتقى منعطفا جديدا على مستوى التوثيق والتأريخ لأشغاله وذاكرته، وجعلهما مرجعا للباحثين والمتخصصين في كتابة المرأة بشكل عام، اعتبارا لأهمية الطروحات والتصورات والقضايا والأسئلة التي تصدر عن أعمال هذا الملتقى ومداخلاته، في جانبيه المتعلقين بالندوة واللقاء التكريمي، هذا الأخير الذي يتوخى منه المنظمون تجديد قراءة المتن الأدبي والفكري للمحتفى بهن، وتسليط المزيد من الأضواء على تجاربهن في الكتابة والفن والحياة، مما يضفي عادة نكهة وسحرا وحميمة خاصة على هذه الفقرة التي تتجاوز التكريم والمجاملة والاعتراف والتحية نحو تجديد أسئلة البحث في المنجز الثقافي والأدبي العام للمحتفى بهن..

يقع الكتاب الذي يحمل عنوانه نفس موضوع الندوة السابقة "الكتابة النسائية: التخييل والتلقي" في 284 صفحة من القطع الكبير (منشورات اتحاد كتاب المغرب 2006). ويشتمل، على تقديم مركز للكتاب من توقيع رئيس اتحاد كتاب المغرب الأستاذ عبد الحميد عقار، يؤكد فيه على ما أصبح يجسده الاهتمام المتواصل والمتزايد بالكتابة النسائية في العالم العربي كظاهرة ثقافية ونقدية إيجابية، حيث غدا الاهتمام، في نظره، منصبا على إبداع المرأة ذاتها بوصفها كاتبة منتجة للشكل والمعنى، بوصفها مركز وعي خاص، مما جعل الكتابة النسائية تبدو اليوم كتابة مضادة للقيم الذكورية ذات النزوع التسلطي الإطلاقي الاستحواذي. لذلك، يضيف عقار، فهي كتابة تترجم وعيا مجددا بالمغايرة والاختلاف، مداره مقاومة أحادية الصوت والهيمنة، وتكسيرهما. كما يشتمل الكتاب على مجموعة من الدراسات والقراءات التي قدمت خلال الندوة، تعرضت في مجملها لعدد من الأسئلة والقضايا التي تطرحها كتابات المرأة من زاوية استثمار التخييل فيها ومستويات تلقيها، من قبيل علاقة الذات بالجسد وأنماط المتخيل والحلم والتذكر والتخييل والتلقي وسؤال الاختلاف في الكتابة النسائية ومفهوم السيرة الذاتية النسائية في كتابة المرأة ومحكي الحياة النسائية في المغرب والذاكرة اليهودية بالمغرب في السرد النسائي بالفرنسية، عدا قراءات أخرى في بعض النصوص النسائية القصصية والروائية والشعرية والسيرذاتية..

كما يضم الكتاب ثماني شهادات لكاتبات مشاركات من المغرب والعالم العربي حول تجاربهن في الكتابة وتلقي نصوصهن الأدبية. في حين يشتمل الفصل الثالث من الكتاب على محور "احتفاء وتكريم"، ويتضمن المداخلات والشهادات التي ألقيت في اللقاء التكريمي للكاتبة ليلى أبو زيد، والتي تناولت معظم نصوصها في الرحلة والرواية والسيرة الذاتية، "بعيدا عن الإطراء والمجاملة المفترضة في مثل هذه المناسبة. هناك انشغال لافت ومعمم بأدبها وبكتاباتها، الأمر الذي يعني أن أفضل احتفاء رمزي بالكاتبة هو أن تكون مقروءة بذوق وثقافة، وبوعي يدرج إبداعها ضمن سياقه العام، ويضيء مكانته بالقياس إلى ذلك السياق. وهذا هو تؤكده عروض هذا المحور، وأخرى وردت ضمن محور المقاربات"، كما عبر عن ذلك عبد الحميد عقار في كلمته التقديمية. وذيل الكتاب بكلمة للمحتفى بها حول "خصوصية الأدب والنقد"، تعرضت فيها لبعض الأسئلة المتعلقة بكتابة السيرة الذاتية بين التقريرية والأدبية، وطبيعة تلقيات أعمالها الأدبية، لتختمها الكاتبة بالمناداة بالخصوصية في الأدب وبالإبداعية في النقد. 

el-allam@maktoob.com