رسالة فلسطين: خطوة نحو تجسيد الديمقراطية

المؤتمر الخامس للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية

فيحاء عبدالهادي

 
«إن المرأة الفلسطينية بتأسيسها الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، كانت أسرع من استجاب، إلى نداء الهوية الفلسطينية، الذي جسَّده تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، العام 1964، وإلى قرار المجلس الوطني الأول، والذي نصَّ على "إشراك المرأة الفلسطينية العربية في جميع مجالات العمل التنظيمي والنضالي"، ومساواتها بالرجل، في جميع الحقوق والواجبات، من أجل تحرير الوطن».

عصام عبد الهادي/ كلمة رئيسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية ـ افتتاح المؤتمر


 

 

  

يأتي انعقاد المؤتمر الخامس للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، في مدينة رام الله، من 21 ـ 24 أيار 2009، ليشكل خطوة ديمقراطية رائدة خطاها الاتحاد العام، كذراع من أذرع منظمة التحرير الفلسطينية، على طريق تفعيل هيئات المنظمة واتحاداتها الشعبية. وإذا كان انعقاد المؤتمر خطوة باتجاه العمل الديمقراطي، فهل صاحبته خطوات أخرى تعزز هذا الاتجاه، كالمساءلة والمشاركة وتداول السلطة، عبر آليات ديمقراطية؟

توقعنا أن توزِّع اللجنة التحضيرية للمؤتمر، التقرير الإداري والمالي، قبل انعقاد المؤتمر بأسبوعين على الأقل، من أجل احترام وقت المشاركات، ومن أجل إتاحة الوقت لأوسع وأعمق نقاش، قبل المصادقة عليهما، لكنا فوجئنا باستلام التقرير الإداري فقط، صبيحة انعقاد المؤتمر. وشكَّلت إجازة التقرير المالي، دون أن يكون بين أيدي المشاركات، ثغرة ديمقراطية بلا جدال، كان يمكن تلافيها. وهذا لا يدعو إلى تفعيل هيئات الاتحاد فحسب، بل إلى ضرورة تفعيل دائرة التنظيم الشعبي بمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث الرقابة على عمل آلية عمل الاتحادات الشعبية، وتقديم العون والنصح لهذه الاتحادات، وتنبيهها إلى ضرورة الإعداد المحكم والجيد لمؤتمراتها، لتكون قدوة للقاعدة الشعبية.

أثيرت قضايا مهمة لدى مناقشة التقرير الإداري، يجدر أن يفتح أوسع نقاش حولها بين أوساط النساء، ممن لم تتمكن من حضور جلسات المؤتمر، بشكل خاص، (من عضوات المؤتمر وعضوات الاتحاد) للاطلاع عليها ومناقشتها، ضماناً لمبدأ المشاركة الديمقراطي، وللانطلاق نحو آفاق عمل وآليات ديمقراطية جديدة: كيف يمكن أن تفعَّل العلاقة بين الأمانة العامة والفروع؟ كيف يمكن صياغة برنامج يلبي احتياجات النساء؟ لماذا غاب تقرير غزة عن تقرير الأمانة العامة؟ تقرير المرأة المقدسية؟ أين عمل هيئات الاتحاد الوسيطة، مثل المجلس الإداري؟ ما سر عدم انعقاده إذا سلَّمنا بصعوبة دعوة المؤتمر؟ لم لا يتبنى الاتحاد مشاريع محددة يستقطب النساء من خلالها؟ لم غاب النشاط الثقافي عن تقرير الاتحاد؟ لماذا يستطيع الاتحاد أن يؤثر في مراكز القرار ولا يستطيع التأثير في القاعدة؟ لماذا صمت التقرير عن أولوية الدور الوطني للمرأة؟ عن دور الاتحاد الوحدوي في ظل الانقسام؟ أين السياسات الإعلامية حين الحديث عن النشاط الإعلامي؟ أين الإشارة إلى ما حدث في غزة؟ أين جهد عضوات الاتحاد المتفرغات، عدا السفر للخارج؟ كيف نضمن عدم تكرار الخلل السابق؟.

عندما توزَّعت عضوات المؤتمر إلى لجان ثلاث، كنت في حيرة من أمري: هل أشارك في اللجنة السياسية؟ أم في لجنة البرامج والتوجهات؟ أم في لجنة النظام الأساسي؟ وكلها مهمة. بعد تفكير، قرَّرت ان أساهم في لجنة النظام الأساسي، حيث إمكانية ترسيخ قوانين ديمقراطية، تنسجم مع المرحلة، وتخطو بالاتحاد خطوات إلى الأمام، خاصة وأن الاتحاد قد لعب دوراً ريادياً، في الحملة الوطنية لتطوير مشاركة المرأة في الانتخابات، وتبني ضرورة اعتماد التمثيل النسبي، آلية ديمقراطية، في انتخابات المجلس التشريعي. ومن الرائع اني وجدت ضمن اللجنة العديد من العضوات، ممن تؤرقهن قضية الديمقراطية، ويرغبن بوجود تشريع ينص عليه في النظام الأساسي. وقد اتفقت عضوات اللجنة على إضافة مبدأ يضمن تداول السلطة، تجسَّد في بندين: واحد ينصّ على تولي النساء مهام قيادية، لدورتين متتاليتين فقط. وهذا يشمل هيئات الاتحاد القيادية كافة: الأمانة العامة، والمجلس الإداري، وهيئات الفروع الإدارية. والثاني ينص على انتخاب المستويات القيادية، وفقاً لمبدأ التمثيل النسبي الكامل، الأمر الذي يسهم في دمقرطة الاتحاد، ويدفع عمله خطوات إلى الأمام.

لم أتوقع أن يجري الانتخاب، وفق مبدأ التمثيل النسبي الكامل، في نهاية أعمال المؤتمر الخامس للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، ـ رغم أن القوى المؤتلفة بالاتحاد، قد نادت طويلاً بالاحتكام إلى مبدأ التمثيل النسبي، وخاصة في انتخابات المجلس التشريعي ـ إذ لم يكن بإمكان كوادر الاتحاد، النضال من أجل تطبيق القانون، في الساعات الأخيرة، دون الاستناد إلى نص صريح في النظام الأساسي. لكنَّ عضوات الاتحاد، وقد أصبح لديهن آلية ديمقراطية يحتكمن إليها، عليهنَّ ألاَّ يسمحن بانتهاك الديمقراطية تحت أي مسمى، وأن يعملن لإعادة وجه الاتحاد الديمقراطي، ليكون جديراً بتمثيل المرأة أينما وجدت، في الوطن وفي الشتات.

نحو شخصية مستقلة وعمل وحدوي 
استبشر المستقلون في الساحة الفلسطينية خيراً، حين توافق أعضاء المؤتمر الخامس للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، على انتخاب رئيسة مستقلة للمؤتمر الخامس للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وانتخاب نائبة ومقررتين، ممثلات لفصائل فلسطينية، شكَّلت أغلبية بين صفوف منتسبات الاتحاد. أحسوا أن هذا الاختيار سوف ينعكس في تشكيلات الاتحاد القيادية، مما يعبر عن فهم عميق لأهمية دور المستقلين، داخل الاتحادات الشعبية الفلسطينية. هؤلاء المستقلون، اللذين يعبِّرون عن مئات الآلاف من الشعب الفلسطيني، الذين لم يتنظَّموا ضمن صفوف التنظيمات، وأرادوا أن تضمّهم أطر شعبية تعبِّر عن همومهم ومصالحهم، وتتيح لهم مجالاً كي يشاركوا في صنع القرار بشكل ديمقراطي.

ولم يكن هذا الفهم غريباً عن فهم القيادة السياسية العميق، لدور رئاسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، منذ تأسيسه عام 1965م، حيث جرى انتخاب رئيسة مستقلة للاتحاد، شكلت بوصلة الأمان، طيلة مسيرة عمل الاتحاد. فوجئت المستقلات، وقبل أن تعلن نتائج الانتخابات، أن الأسماء المتداولة لهيئات الاتحاد القيادية، تتعامل مع المستقلات بشكل هامشي، حيث تشبَّثت التنظيمات الفلسطينيات كافة، بضرورة وجودها في هذه الهيئات، وعقدت الجلسات التشاورية، فيما بينها، بعد كل جلسة من جلسات المؤتمر. ولم تطرح إلاّ نسبة ضعيفة للنساء المستقلات، داخل الأطر القيادية، دون التشاور معها، الأمر الذي يطرح علامة استفهام كبيرة حول فهم المستويات القيادية الفلسطينية، للدور الذي يمكن أن يلعبه المستقلون، داخل الاتحادات الشعبية الفلسطينية، وإلى أهمية التركيز على شخصية مستقلة لرئاسة الاتحادات الشعبية. وكان نصيب المستقلات داخل هيئة الاتحاد القيادية الوسيطة: المجلس الإداري، خمس عضوات فقط، من بين ثلاث وسبعين عضوة، وعضوة واحدة ضمن الأمانة العامة للاتحاد، المكونة من واحد وعشرين عضوة. وحين شكِّل مكتب للمجلس الإداري، لم يجر تسمية أية عضوة مستقلة.

والحديث عن الموقف من المستقلين، يطرح موضوعاً لا يقل أهمية: هل هناك شخصية مستقلة للاتحاد؟ هل يعبِّر عن تطلعات نساء فلسطين نحو الوحدة والاستقلال والحرية؟ هل تتعامل النساء المنظَّمات بشكل مستقل عن قياداتها السياسية، حين تعبِّر عن موقف سياسي؟ بيَّنت بعض عضوات الاتحاد، أن انعقاد المؤتمر في مبنى المقاطعة، قد أضرَّ بشخصية الاتحاد المستقلة. كما تحدَّثت عضوات أخريات عن ضرورة التمييز بين عضوية الاتحاد وعضوية الفصيل السياسي. وشكَّل حضور القيادات السياسية للتنظيمات والفصائل السياسية، بعض جلسات المؤتمر، أكبر دليل على اعتماد النساء على قياداتها، في لحظات الحسم الأخيرة. وجاء مقترح البيان السياسي الختامي للاتحاد، ليدلِّل على غياب شخصية الاتحاد المستقلة، وغياب المفهوم العميق لدوره الوحدوي، لأن الحفاظ على الوحدة الوطنية، واستقلالية الموقف لا تعني الحياد، بل تعني إدانة أي موقف انقسامي فلسطيني أو موقف لا ديمقراطي، دون طبطبة أو مجاملة.

هل حدثت مخالفات تنظيمية بشأن العضوية؟ عرفت معظم عضوات الاتحاد بالكثير من المخالفات بشأن العضوية، مما يتعارض مع النظام الداخلي، مما جعلهن يتندَّرن بشأنها في كواليس المؤتمر، دون أن يجهرن برأيهن داخل جلسات المؤتمر العلنية. وأرجح أن السبب يعود إلى ثلاثة: أولها الخوف من تضرر من تجهر برأيها، من وجودها ضمن مواقع الاتحاد القيادية. وثانيها: الاعتقاد بعدم جدوى أي نقد يوجه إلى أعمال الاتحاد. وثالثها: الممارسة الانتهازية، المبنية على مشروعية المخالفة إذا كانت تخصني وعدم مشروعيتها، عندما تخص الأخريات.

حين قرأت البيان الختامي للمؤتمر، بصيغته النهائية، استبشرت خيراً. أحسست أن هناك بعض الاستجابة للملاحظات النقدية، التي وجهت إلى البيان. أضيف إليه ما يوحي باستيعاب الاتحاد لدوره في تحقيق الوحدة الوطنية. أدان البيان موقف الحكومة المقالة اللاديمقراطي، حين منعت عضوات الاتحاد من الالتحاق بالمؤتمر، ولكنه لم يدن الاعتقال على خلفية الانتماء السياسي، في الضفة وغزة.

نحن بانتظار مواقف مستقلة، حيثما تنتهك الديمقراطية وحقوق الإنسان، من أي جهة كانت، كالاعتقال، والتعذيب، والقتل، على خلفية الانتماء السياسي، وحرية التعبير، وغيرها من الانتهاكات، مما يعطي ثقلاً للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، كتنظيم شعبي رائد وحدوي، يساهم بشكل فاعل في مسيرة الشعب لتحقيق حلمه في الحرية والاستقلال من جانب، وبناء الوطن والإنسان من جانب آخر. 

faihaab@gmail.com
www.faihaab.com