تسعى هذه الدراسة المتقصية إلى الكشف عن الدلالات المتراكبة للمدينة في أعمال الشاعر المغربي الكبير أحمد المجاطي، سواء أكانت المدينة العربية أم المدينة المغربية، وتكشف عن جماليات المكان عنده واستخداماته الرمزية المتعددة.

المدينة في الشعر المغربي المعاصر

ديوان الفروسية نموذجا

مريم لحلو

تقديم
أخذ الحديث عن المكان في الشعر العربي أبعادا مختلفة، بحسب الزوايا التي عالجته من جهة، وبحسب الفهم الذي أنيط به من جهة ثانية، وبحسب المرجعيات المعرفية المتنوعة من جهة ثالثة. فهو ينأى بنفسه أن يكون مجرد مكان جغرافي، أومجرد حمولة تاريخية أو بعدا حضاريا، أوذاكرة شعبية. بل، هو تلك الأشياء جميعها منصهرة في بوتقة الذات المبدعة ووعيها الجمعي وحالاتها النفسية المتغيرة والمتجددة أبدا. فالمكان، إذاً، ليس هو ذلك المعطى الخارجي المحايد الذي نعبُرُهُ دون أن نأبه به، وإنما هو حياة. ويذهب باشلار "إلى أن المكان الذي ينجذب نحوه الخيال لا يمكن أن يبقى مكانا لا مباليا ذا أبعاد هندسية فحسب. فهو مكان قد عاش فيه بشر ليس بشكل موضوعي، بل بكل ما في الخيال من تحيز، إننا ننجذب نحوه لأنه يكثف الوجود"(1). فليس ثمة وجود بدون مكان. ويستدعي وجودُ المكانِ وجودَ الإنسانِ محور ذلك الوجود. والعامل الشاهد واقعيا على مشهد الحياة. وتتنوع الأجناس الإنسانية بتنوع المكان. إذ يصطبغ الإنسان بمكانه، ويعكس مزاج بيئته ومواصفاتها ومواضعاتها وتركيبتها النفسية(2) .

ومن الأمكنة التي فرضت حضورها، بشكل لافت، في الشعر العربي المعاصر بعامة، والشعر المغربي المعاصر بخاصة المدينة بحيث يتعذر علينا البحث عن شاعر معاصر لم يطرقه، بل إنه سيطر على بعض شعرائنا فتسلل إلى معظم قصائدهم على مدى تجربتهم الشعرية. وانتقل مع الشعراء في تطورهم من الرومانسية إلى الواقعية الاشتراكية، مرورا بما بين المذهبين من اتجاهات، آخذا أبعادا مختلفة من اغتراب إلى توظيف اجتماعي وسياسي إلى أنماط رمزية. "فالشعر الحديث(3)"، كما يذهب إلى ذلك روزنتال، تسيطر عليه، بصفة عامة أحاسيس المدن الكبرى(4). وعندما يقترن الشعر بالمدينة يعطيها زخما خاصا، يعيد صياغتها وبناءها، ويسبر أغوارها ويفشي أسرارها، ويحطم أسوارها. فتكون موطنا للخير والجمال كما تكون مصدرا للألم والضياع والغربة. تنمحي فيها الأبعاد الهندسية والعمرانية حين تصبح مصدر إلهام للشاعر، تحرره من الواقع وإكراهاته، تخترق المعيش لتغدو رمزا متعدد الوجوه والدلالات. ويعتبر الأستاذ عزا لدين إسماعيل هذا الموضوع من "الموضوعات الجديدة للشعر، تتكشف للشاعر نتيجة انهماكه العميق في روح الحضارة كما هو ماثل في إطار العصر، ومحاولتِهِ تفهمَ أبعادَ هذا الوجه الحضاري وقيمَه ومُثُلَه"(5). مؤكدا على أن الدافع الأساس لاهتمام الشعراء بموضوع المدينة دافع خارجي نتيجة تأثر هؤلاء بنماذج من الشعر الغربي وبقصيدة "الأرض الخراب" لأليوت على وجه الخصوص. بما يشيع فيها من نقمة على الحضارة الحديثة، وما خلفته من تمزق في النفس الإنسانية والعلاقات التي تربط بين الناس(6).

وفي المقابل، ينفي بعض الدارسين عن شعرائنا التقليدَ. ويرجع هذا الاهتمام إلى دوافع َداخليةٍ مرتبطةٍ بواقع تجربة العربِِ أنفسِهم. وبخصوصية تجربة كل شاعر على حدة. فالمدن العربية تشهد في عصرنا أحداثا وتحولات وتقلبات متواصلة تدعو الشاعر العربي إلى استكشافها والتعبير عن مختلف مظاهرها وأبعادها(7). والحقيقة، فشعر المدينة موضوع قديم وجديد، ويعود حضوره الخافت في الشعر العربي القديم إلى بساطة الحياة في المدن العربية. أما في فترات التراجع في الأندلس وفترة الحروب الصليبية فقد ظهر موضوعُ رثاء المدن والأمكنة بشكل كبير. ولا يعدم الشعر المغربي الحديث بعض القصائد التقليدية المعالجة لهذا الموضوع المحتاجة إلى قراءة جديدة إذ يمكن اعتبارها من القصائد الريادية في هذا الموضوع، وزيادة في الإفادة نذكربعضها: قصيدة "المدنية الحق" للشيخ عبد الله الفاسي(8)، ومقطوعات في مدن مغربية (فاس ومكناس وسلا والرباط) للشيخ محمد بوعشرين(9). وقصيدة الدارالبيضاء للأديب محمد بوجندار(10). وقصيدة الرباط للشاعر محمد الجزولي وقصيدة باريس للشاعر جعفر الناصري(11)، وغيرها من القصائد التي جمعها الشيخ محمد بن العباس القباج في كتابه الأدب العربي في المغرب الأقصى. زيادة على مانظم في المولديات والنبويات من تشوق إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم. ولكنه لم يصل إلى مستوى شعر المدينة في شعر التفعيلة الذي نتج عن ازدياد الوعي بالمكان في رؤية الشاعر المعاصر. لذلك لا أحد يستطيع أن ينفي الجذور الغربية لنشأة هذا الموضوع بهذه الرؤية. ولكن الشعراء المعاصرين تمكنوا من قولبته حسب تجاربهم الشعرية ورؤاهم الخاصة للكون والوجود.

المدينة في ديوان الفروسية لأحمد المجاطي
لن أحتاج في هذا المقام، بكل تأكيد، للتطرق لترجمة الشاعر لسببين: أولاهما أن الهدف من هذا العرض الشعر لا الشاعر رغم أنه سيتسلل عبر كِلماته، قسرا شئنا ذلك أم أبينا. ثانيهما أن الشاعر من الشهرة وعلو الكعب ما يكفينا مؤونة التعريف. ولكن لابأس من، وأستميحكم عذرا، أن أتلو عليكم بعض النعوت والألقاب والشهادات التي تواترت في حق شاعرنا المرحوم أحمد المجاطي. فهو "الشاعر الكبير" عند الأستاذ "حسن الأمراني(12)" و "أحد شعراء الطليعة المغاربة الأوائل(13)" عند الأستاذ عزيز الحسين. و "الشاعر المجدد(14)" عند الأستاذ حسن الطريبق(15)، والأستاذ عبد الله شقرون(16). و "الشاعر المتميز التجربة"(17). عند الأستاذ أحمد الزيادي. "وفارس بلا فروسية(18)" عند الأستاذ أحمد هناوي و "رمز بارز من رموز القصيدة المغربية، وفارس من فرسانها الباهرين". عند الأستاذ محمد الطوبي(19)، و "فقيه عروضي من الطراز الرفيع... وثاقب لؤلؤ العروض ومرجانه، عبر نصوصه الإبداعية المتميزة". و "فارس الحروف". و "شاعر الأجيال(20)" عند الأستاذ نجيب العوفي(21). بل هو "شاعر المغرب" عند رابطة أدباء المغرب. وغيرها من الشهادات التي قيلت في حق شاعر انتزع الاحترام والتقدير "مهما اختلفت في شأنه الآراء أو أغمزه قلم أو لسان"(22). فهو من طينة الشعراء الكبار الذين يشعلون الحرائق، ويختلف حولهم الناس. (التعبير هنا مقتبس من أستاذي الكبير حسن الأمراني)

فالأستاذ أحمد المجاطي معروف بهدوئه وقلة كلامه. وذلك أسلوبه في الحياة. والذين اقتربوا منه يؤكدون ذلك. يقول عنه مبعوث الطليعة الأدبية الأستاذ محمد خلف أثناء زيارته له بالرباط: "حين التقيت به في بيته المتواضع والذي أصبح ملتقى للأصدقاء من زملائه وتلامذته، حيث الحركة الثقافية في المغرب تصبح بهذا العنف من اللقاءات، وجدت، وقد صدمني صغر سنه، هدوؤه العميق وصوته المبحوح المعبر. وربما أدركت سر العبارة الشهيرة: الرجل أسلوبه. إن أسلوب الشاعر أحمد المجاطي سواء في الحديث أو الشعر يكاد أن يكون واحدا. أعني هناك نافذة مفتوحة ومضاءة بين الشعر والنثر لديه"(23).

المكان المجاطي:
يحضر المكان بشكل كبير في شعر المجاطي على سبيل المثل نذكر: الأطلس الخمارة، القبر، السجن، الصحراء، البحر، الدرب، شرفات البيوت، الشوارع، المقهى، الأقبية، جبل الشيخ إلخ زد على ذلك ذكره بالاسم لعدد لايستهان به من أسماء المدن عربية أومغربية أوأندلسية (مكة والقدس ودمشق واللاذقية وصنعاء ووهران وطنجة وسبتة وتطوان والقصر الكبير وفاس والرباط وورزازات والدار البيضاء ومراكش وغرناطة وقرطبة). فهو يذكرها بالاسم ذلك إن "الشاعر الحديث، حسب قول الأستاذ إحسان عباس، يحدد المدينة التي يتحدّث عنها باسمها غالبا فهي بغداد أو بيروت أو دمشق أو القاهرة. ولا يتحدث عن المدينة بإطلاق إلا نادرا(24)" فما سبب كثرة ذكره للمدن؟ يرجع الناقد محيي الدين صبحي ذلك إلى كون "المجاطي شاعر موضوعي بالفطرة، إلى حد يصعب معه أن نلمح حضور ذات فردية. فهناك دائما قصيدة عن وضع خارجي"(25).

ولحسن الحظ، فالمجاطي اجتمع فيه المبدع والناقد في آن. فهو نفسه في مكان آخر هو كتابه ظاهرة الشعر الحديث يعطينا السبب يقول: "ولعل السبب أن الشاعر العربي الذي يؤمن بأن هدف الشعر هو تفسير العالم وتغييره، قد وجد في المدينة مجالا خصبا للعمل من أجل تحقيق هدفه، لاسيما إذا أدخلنا في الحساب "أن في المدينة يتمثل الوجه الحضاري للأمة، وبخاصة الوجه السياسي"(26). "(27) ما موقع المدينة في الفروسية؟ وماهي خصوصية وتميز المدينة المجاطية؟ ذلك ما سنمسه مسا في محاولة قد تجيب عن هذه الأسئلة ارتأت أن أقسم العرض إلى قسمين متكاملين. الأول ويتضمن قراءة في العتبات واقتصرت فيها على العناوين. والثاني مأساة الواقع العربي والمغربي من خلال مدنه فاقتصرت على المدينة رمزا للصمت والغربة والمدينة رمزا للخيانة والمدينة رمزا للقضية والمدينة رمزا للثورة أوالحلم".

قراءة في العتبات:
نلاحظ أن أسماء المدن تتسنم خمس قصائد من أصل سبعَ عشْرةَ واحدة. القدس وسبتة وكتابة على شاطئ طنجة والدار البيضاء ووراء أسوار دمشق. فهذه العناوين لم يتم اختيارها اعتباطا. فهي عنصر تسلطي يمنهج القراءة. وهذه السيطرة الفعلية تؤثر في أي تأويل للنص. فالعنوان، حسب ليو هوك يشكل خلاصةً للنص ولو أنها خلاصةٌ جزئية. وإذ أنه يعلو مجموع النص، فإنه يتطلب تقريبه من كل جملة من أول جملة إلى آخر جملة. وعليه يتجلى معنى النص منذ العنوان. بل يمكن القول إن اتجاه أوتوجه النص، يستشعر منذ الخطاب العنواني. فالعنوان يتم اختياره لغاية ما. ذلك أن هناك قصدا يسبق الاختيار ويحفزه. مثلما أن هناك تأثيرا أووقعا حاصلا لدى المتلقين. وعلى هذا الأساس يحدَّدُ العنوان باعتباره "متلقياّ للأيديولوجيا، في أنماط سياقية معينة"(28). إما السياق السيكولوجي والإدراكي حيث العنوان غارق في سياق نفسي، لأنه يُقدَّم قصدا بأمل إثارة انتباه القارئ وإقناعه. وإما السياق الاجتماعي إذ يستهدف العنوان جمهورا محددا اجتماعيا. ويتمّ إنتاجه في وسط سوسيو ـ ثقافي محدّد، ويُرَوَّجُ بين فئات اجتماعية محددة. فالعنوان شأنه شأن النص، له حياة اجتماعية في سياق اجتماعي أو ثقافي.

من هنا تتجلى لنا أهمية العنوان من جهة والعناية التي خص بها الشاعر عناوينه خاصة أنه من الذين يختارون كِلماتهم بكل عناية وممن يبيتون بأبوابها يصادون وحوشا نزعا. فلا تسدد إلا مثقفة، محككة، منقحة. والأغرب أنه حتى بعد خروجها للناس في أبهى حللها تراه يحذف بعض الجمل الشعرية أويعيد ترتيبها وتتبع نواحي العوار التي تبدت له بعد النشر(29). إنه الإحساس بالمسؤولية الجسيمة تجاه الحرف وتجاه المتلقي. ولعل الإحساسَ عينَهُ هو الذي منعه من نشر الكثير من قصائده وعمّى عنها بدعوى أنها لم تصل النضج الفكري والفني المطلوب... ولاشك أن العنوان نفسه نال قسطا، ولربما القسط الأكبر، من ذاك التنقيح والتحكيك. فالمدن التي تسنَّمت القصائد هي مدن عربية بامتياز. الدار البيضاء مسقط رأسه. ودمشق محطة دراسته الجامعية، وطنجة مدينة طارق بن زياد، وسبتة والقدس المدينتان السليبتان. فكل واحدة من هذه المدن إلا ولها مكانة خاصة لديه والتصاق حميمي بوجدانه ولعلها مدن يحبها وتحبه ذلك الحب القاسي. ففي حديثه حزن عميق على مدنه التي يعتبرها أحيانا من نسائه العذارى. وكثير من الشعراء العرب اعتبروا المدينة امرأة "ومن السهل أن نجد العلة في استعمال هذه الصور. فالمدينة في اللغة مؤنثة وفي معظم الأحيان كانت حركة التاريخ ضد المدن فتحا واجتياحا واغتصابا"(30).

كما أن هذه العناوين يمكن أن نقسمها إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى تضم قصائد: القدس، الدار البيضاء، سبتة. تميزت هذه العناوين بالقصر الشديد فهي تبئّرُ المكان فقط ليحضر بكل ثقله المرجعي وأثره الواقعي أمام مرأى ومسمع المتلقي عازفة على وتر الإيحاء. تحتم علينا الرجوع بها إلى الحمولة الحضارية والتراثية لهذه الأمكنة الجغرافية. التي بدون شك كانت حاضرة في ذهن ووجدان المبدع خاصة أنه كان من زمرة المثقفين الذين يهجسون تراثا. "ففي الديوان المغربي الحديث، نجد الواقع محكوما في رباط متين مع معطى التاريخ"(31). فالقدس عنوانا لقصيدة يحدد مبدئيا قصد الرسالة المحتمل لمن كانت له خلفية معرفية حول القدس وتاريخها والأحداث التي تعرضت إليها قديما وحديثا ومازالت (اللهم انصر إخواننا في القدس وفي غزة وفي فلسطين) وموقف الدول العربية والإسلامية من قضيتها. وكذلك سبتة يحيل ذكرها تلقائيا إلى الاحتلال الإسباني لها لاحول للفتكة البكر فيها ولاحول للنخوة العربية. فهي وأختها مليلية جرحان غائران في جسد الأمة الإسلامية، يذكرنا دوما بما ضاع بالأمس ويضيع اليوم. من طمس للمعالم الإسلامية فيها، وهي في العمق لا تختلف كثيرًا في شيء عن تلك التي بذَلَها الصليبيون والمغول في كل بقعة إسلامية وضعوا أيديَهم عليها، أو تلك التي يبذلها الصهاينة في فلسطين اليوم. فسبتة والقدس وجهان لعملة واحدة. تاريخ مجيد وواقع جريح.

ويأتي عنوان "الدار البيضاء"، بعد أن تعرض لحذف جزء كبير منه ذلك إن الشاعر نشر القصيدة في المرة الأولى تحت عنوان "حوار مع الدار البيضاء". ولاشك أن العنوان بهذه الصيغة يحيل على نوع القصيدة فهي حوارية ولا يخفى أن الحوار شكل من أشكال التواصل يتبادل فيه الكلام شخصان أوأكثر. على أي فهي مسقط رأس الشاعر الذي يحيل إلى أكبر مدينة في المغرب وأكثر المدن العربية حضوراً في الثقافة الأوربية سواء في الأدب أو الفن. أما وجهها المعماري فهو لوحة مثيرة تشكلت على مر العصور، سواء أفي المشروع الكولونيالي الفرنسي، أو المشروع الإمبريالي الأمريكي، أوالمشروع المحلي، كل منها ترك آثاره على صفحة المدينة. ولكن هناك وجه آخر تخفيه المدينة الكبيرة وراء بريقها الخادع. الكادحون بطيبوبة، والبيوت الواطئة ومجتمع الهامش، وليلها الكاسر الموحش، دعارة وجريمة ومخدرات وجهل مطبق. (رصده بدقة متناهية قصاصونا وروائيونا الكبار). وميناؤها التي رست فيه أكزوديس المقلة لفلول اليهود الآمّين فلسطين.

المجموعة الثانية تضم قصيدة: "كتابة على شاطئ طنجة" وقصيدة "وراء أسوار دمشق" أو "من تجليات الغربة وراء أسوار دمشق" تميزت هذه العناوين بالطول مُلحَّة على المكان.. زيادة على حرف الجر على الدال على الاستعلاء وحرف الجر من الدال على التقليل. ووراء ظرف المكان الذي يحدد الموقع بالضبط. ثم إيراده للفظي شاطئ وأسوار نكريتن أيضا معرفتين ومخصصتين بالإضافة فليس أي شاطئ أو أية أسوار بل هما خاصان بمدينين محددتين سلفا. ومن جهة أخرى فلفظة كتابة الواردة نكرة تحدد نوع النص. وإذا عدنا للدرس البلاغي العربي نجد أن العلامة ابن الزملكاني يذهب إلى أن "التنكير والإبهام قد يقف على تعريفٍ وإفهامٍ يعجَز عنه العلم، ويقصُر ُعن صنيعِه بيانُ القلمِ"(32). فالنكرة تصبح أكثر زخما ورحابة من المعرفة. وفما المقصود بالكتابة هنا؟ الكتابة الشعرية أوالنثرية أو العادية التي تخطط على نقا الرمل فلا يحفظها الريح ولا تعيها الرمال. خصوصا أننا نجد مثل هذا التعبير في قصيدة "وراء أسوار دمشق" مخاطبا به الشاعر محمود سامي البارودي:

وقيلَ نَسَوكَ
فما أنتَ فيهِم سُؤالٌ على وترٍ من رَبابِ
ولا بيتُ شعرٍ على هامشٍ
من كتاب
ولانشقوا اسمك
حتّى على شاطئ اللاذقيهْ

وتلاحَظ السخرية الخفية في لفظة نقش. إذا فمصير الكتابة على شاطئ طنجة كمصير اسم البارودي منقوشا على شاطئ اللاذقية دون ريب. أو مصير الشاعر نفسه منقوشا على شاطئ الدار البيضاء. ويتكرر هذا التعبير في نهاية القصيدة نفسها مقرونا بالكتابة على شاهد قبر. إذا هي كتابة للنسيان. يقول:

فمن يَكتُبُ اليومَ حتّى على
شاهدِ القبرِ، حتى على شاطئِ اللاذقية؟

والسطران الشعريان من زيادات مجلة المشكاة المعتمدة على الأصول الأولى، محذوفان من الديوان الذي كان مرشحا للجائزة. فمادافع الشاعر لهذا الحذف؟ ولماذا طنجة بالذات وهناك شواطئ أخرى قريبة وبعيدة. هل لأنها المدينة التي ألهمت الأساطير القديمة وسحرت المبدعين عبر التاريخ. أم لأنها ظلت منذ تأسيسها أطماع العديد من الدول: القرطاجنيين والرومان والفينيقيين والوندال والبرتغاليين والأسبان والإنجليز أم لأنها مدينة طارق بن زياد الذي انطلق من أحد شواطئها نحو "الجزيرة الخضراء" لفتح الأندلس. أم لأن عبرها كانت الحركة الوطنية المغربية تبلغ مواقفها للرأي العام العالمي، أم لأن على أرضها وقع في سنة 1947 اللقاء التاريخي بين ممثلي حركات التحرر المغاربية، "حزب الاستقلال" المغربي و "جبهة التحرير الوطني" الجزائرية و "الحزب الدستوري" التونسي. أم لأنها مكان إعلان الراحل محمد الخامس في خطابه التاريخي يوم 9 أبريل 1947 لأول مرة عن حق الشعب المغربي في الاستقلال والوحدة؟

ولماذا أيضا دمشق والأسوار بالتحديد هل هو أيضا إحالة متعمدة تاريخيا لفتحها الباهر بفضل حنكة وذكاء خالد بن الوليد بعد معركة اليرموك رغم مناعة الأسوار؟ أم تذكر لماض تليد في عهد الأمويين والعباسيين. واستطاعتها الصمود في وجه المغول محتمية بفارسها النبيل الظاهر بيبرس؟ وكما هو معلوم، كلمة الأسوار تحيل على رمزيات كثيرة وأحيانا متناقضة. فقد ترمز إلى العزلة والغربة أو الحماية أوالقوانين أوالأسرار أوالقيود أو السجون الحادة من الحرية، أو وسيلة للدفاع وقد تفرغ من كل حمولاتها فتصبح مجرد آثار مزينة وفلكلور معروض للسياح. أما تجليات فلفظ يحيل على المعجم الصوفي وهو "ما يظهر للقلوب من أنوار الغيوب"(33). وهي عند المتصوفة درجات كلها مقتبسة من النص القرآني الوارد في سورة الأعراف(34). كما أن التجليات هي أيضا، على رأي المرحوم محمد بنعمارة "ما يبدو خفيا خلفيا، يتوارى بين ركام الألفاظ، وتحجبه أساليب التعبير، وتخفيه المعاني. حتى إذا بلغت قراءة النص الشعري مستوى الكشف بدأ ذلك الخفي يخرج من الخفاء(35)" فكيف تحذف كلمة بهذه الحمولة من النسخة المنقحة. هل هو إكراه الاختصار والإيجاز أم تراجع وخشية من البوح؟.

وإذا فسحنا المجال للمفاهيم المعجمية وللدلالات الرمزية وللمعلومات التاريخية لهذه المدينة أو تلك، أو هذه الكِلمة أو تلك، ممن خصّها الشاعر بقصائده لاطال بنا المقام. وهنا يكمن جمال النص المشْرَع على القراءات المتعددة. غير أن المحلل، حسب رأي الناقد محمد مفتاح: "يجب أ لا ينساق مع تداعياته المعرفية، ولكن عليه أن يراعي ما يسمى بمبدإ التأويل المحلي الذي يُعيرُ الانتباه إلى السياق المحيط باللفظ أوبالجملة، ووحدته، والمحاذاة الزمنية والمكانية، والعلاقات المعجمية، وتفضيل المعنى الأقرب على الأبعد، ومقصدية الشاعر"(36). من هنا سنحاول الولوج إلى الموضوعة المدينة المجاطية من خلال مأساة الواقع العربي والمغربي.  

مأساة الواقع العربي والمغربي من خلال مدنه:
تجدر الإشارة، بدءا، إلى أن دارس موضوع المدينة في أشعار شاعر ما ملزم بمعرفة نشأة هذا الشاعر وعلاقته بمدينته الأم. فأحمد المجاطي شاعر بيضاوي ازداد ونشأ ودرس ودرّس في كبريات المدن المغربية والعربية. فهو شاعرٌ مَدَني بامتياز وأشعاره منغمسة في جو المدينة إلا ما شذَّ منها. يقول في استجواب خص به جريدة الاتحاد الاشتراكي: ولدت في بيت كان عبارة عن مدرسة للوطنية. الوالد والأهل والأصدقاء كانوا يشكلون خلية حية للفعل النضالي الوطني. وفي ذلك الفضاء تربى مصطفى المعداوي على العمل الفدائي في حين انصرفت إلى العمل الثقافي والإبداعي مشبعا بنسغ الحياة وحركية الواقع(37). "لذلك فرؤيته للمدينة ستختلف عن غيره من الشعراء العرب أمثال بدر شاكر السياب وعبد المعطي حجازي وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري. بما أنهم جميعهم كانوا من أصول ريفية هاجرت إلى المدينة وظلت تحن إلى العالم الأول الأكثر بساطةً ونقاءً. ولكنه يشترك معهم ومع غيرهم من الشعراء الملتزمين في اتخاذ المدن مرايا تعكس مواقفهم الإيديولوجية. ووعاء حضاريا يستغله الشاعر لتصوير التمزق أوالضياع ويجعله إطارا، محض إطار، لفلسفته. حسب تعبير الأستاذ إحسان عباس. ويأتي حديثه عن القرية أو البادية في كتاباته الأولى التي غض الطرف عنها في الديوان المنشور مثل مذكرات مشردة(38)، وقصيدة الصمت اللعين (وعيون ترفض الإدلاج في وعد المدينة) عابرا ليس نابعا، في نظري، من تجربة شخصية مادام ابنَ المدينة ولادةً ونشأةً.

لقد استطاع المجاطي أن يرسم واقع وطنه وواقع الأمة العربية الإسلامية من خلال مدنها المعبرة عن ماضيها التليد وحاضرها المهين. هذا الواقع المحكوم في ارتباط متين مع المعطى التاريخي التراثي". "فالمدينة العربية، في نظر المجاطي، قد فقدت كثيرا من مظاهر الأصالة، منذ غزتها المدنية الأوربية، فأصبحت بعماراتها، وطرقها، وبدخول الآليات إلى مصانعها، لباسا فضفاضا لاينا سب واقع الأمة المهزوم. من هنا كان إحساس الشاعر بالغربة، هو أول حقيقة تواجهنا في علاقته بالمدينة ومن فيها من أناس وقيم وأشياء"(39).

(1964 ـ 1985) كانت هذه المسافة الزمنية، الطويلة نسبيا، التي تمثل النضج الفني والفكري للشاعر حلبةً لعدة أحداث مغربية وعربية تكشفت عن صراعات في جسد الأمة العربية الإسلامية. وشعر المجاطي، كأي أثر إبداعي، ارتبط بالمجتمع والأحداث السياسية والاقتصادية الكبرى أو الجزئية. بل هو المصور لنسغ الحياة فيها. لكن هذا لايعني القول بأن العمل الإبداعي يكون نتيجة ميكانيكية وإفرازا اجتماعيا لاغير. بل يجب أن نراعي، داخله، الملامح الفردية المميزة له. فهو ليس مجرد انعكاس للوعي الجماعي كما تذهب إلى ذلك البنيوية الشكلية بل ينبغي الغوص أقصى ما يمكن في المعنى التاريخي والفردي. وهذه المدن جميعها ترتبط برباط وشيج في قلب الشاعر لذلك سنميز بين المدينة رمزا للصمت والغربة والمدينة رمزا للخيانة والمدينة رمزا للقضية والمدينة رمزا للثورة والحلم.  

المدينة رمزا للغربة والصمت:
لقد عقد أحمد المجاطي لتجربة الغربة والضياع الفصل الثاني في كتابه ظاهرة الشعر الحديث هدفه فيها، حسب رأيه، هو توكيد أصالة التجربة، والكشف عن جذورها في تربة الواقع. يقول: "سنتعامل مع الشاعر بوصفه إنسانا غريبا عن كل ما حوله، غريبا في الكون الذي يشمله، وفي المدينة التي يضطرب فيها، وفي الحب الذي يملأ قلبه، وفي الكلمة التي كانت في البدء... إن ما يعنيه مصطلح الغربة عندنا، هو غربة الشاعر العربي في الواقع الحضاري بوصفه كلا"(40). ألسنا نخالها كأن الشاعر يقوم بعملية إسقاطية فيتحدث عن تجربته الشخصية من خلال شعراء آخرين؟ فهذا الواقع العربي المرير، هو بالضبط، ما سيؤدي بالشاعر إلى استشعار الغربة. وهذا الشعور المتسرب إلى نصوصه يوحي بأن هذه الغربة تعبر عن وعيه بواقعه وشروطه. فيحاول تعريته لأولئك الذين يتمتعون باللامبالاة المريحة. فهو من أجلهم يتعذب وعدم تجاوبهم معه يلقيه إلى شعور فظيع بالغربة تكاد تلتهم هي وموضوعة الصمت، المنبثقة عنها، الديوان برمته. فهو غريب عن نفسه، غريب عن الجامعة مكان تدريسه، غريب عن مدينة فاس الضامة له وغريب عن الوطن الضام للجميع، يقول في قصيدة ملصقات على ظهر المهراز:

وعشرا من السنوات/ تكشّفن عن لغةٍ
تتهددُ حتّى الأماني فينا(41).

وتتبلور هذه الغربة شيئا فشيئا فهي "من العمق بحيث تبلغ أبعادا لا قياس لها. تتجاوز حدود البكاء الرومنطيقي المتكلف وتذكر على الأصح بعالم العبث الوجودي"(42). ولكنها سرعان ما تتحول لتصير غربة إنسانية يعبر عنها بغربة الإسلام عن دياره وهي نفحة إسلامية خالصة تعود لتربط الشاعر بأصوله ودينه(43)، وغربة الدين هي أيضا من الأسباب التي أدت إلى نكسة هذا المجتمع، إن لم نقل أنها السبب الأول والحقيقي. فلنستمع إلى بعض ذلك من قصيدة مشاهد من سقوط الحكمة في دار لقمان:

أهذه دارك يا لقمان؟
يا قمرا ينوء في غيابة الجبِّ
أما تنفَضُ عن كاهلك الحجاره؟
أما تعيدُ السيفَ واليراعْ
من غابةِ الشمس
ومن جزائر الشعاعْ؟
أما تعيد اللهَ من غربته
لوطن العباره؟

وغربة الدين تتجلى عنده أيضا من خلال غربة دستوره القرآن الكريم، يقول من قصيدة: كتابة على شاطئ طنجة:

ويبقى الحرفُ مصلوبا على سارية القصر
كأنَّ اللهَ لم يصدع به
سيفا/ وشمسا/ ورجاءا

ويمكن الجزم أن إحساس الشاعر بالغربة ينبثق، أيضا، من عقليته التراثية العاشقة للأصالة العربية وملاحظته، في ظاهرة الشعر الحديث(44)، أن "المدينة العربية فقدت كثيرا من مظاهر الأصالة، منذ غزتها المدنية الأوربية، فأصبحت بعماراتها، وطرقها، وبدخول الآليات إلى مصانعها، لباسا فضفاضا لايناسب واقع الأمة المهزوم. من هنا كان إحساس الشاعر بالغربة، هو أول حقيقة تواجهنا في علاقته بالمدينة ومن فيها من أناس وقيم وأشياء"(45). أليس نخال المجاطي هنا أيضا، وكأنه يحلل قصيدته التي اختار لها "السقوط" عنوانا؟ يقول في افتتاحيتها:

تَلْبَسُني الأشياء
حين يرحلُ النهارْ
تلبسني شوارع المدينهْ
أسكنُ في قرارةِ الكأسِ
أحيلُ شبحي
مرايا
أرقصُ في مملكة العرايا
أعشقُ كلَّ هاجسٍ غُفلٍ
وكلَّ نزوة
أميرهْ

وهو وإن لم يكثر من تصوير المدينة في ثوبها المادي، وحقيقتها المفرغة من كل محتوى انساني، فلا شك أنه كنى على ذلك، ونضرب لذلك قصيدة الفروسية المصاغة من واقع الفلكلور المغربي. وكأن الوطن تحول إلى مادة سياحية استهلاكية هدفها فقط جلب رضا الأجانب. ونجد إشارات أخر في أمكنة متفرقة من الديوان مثل قوله من قصيدة كتابة على شاطئ طنجة:

تخرجُ الأكفان من أجداثِها يوما
وتبقى هاهنا العتمة والسائحة
الحمقاء
ويقول مخاطبا الدار البيضاء في القصيدة الحاملة للعنوان نفسه:
حين أذكر أحبابَ قلبي أنثُرُ
أسماءهم واحدا واحدا
حين أذكر أحلام قلبي، هل أنت
سائحة يستبي الرملُ
أحلامك البارسيه؟

ألم يعد الوطن مجرد معرض لسائحة تعشق جمع الصور، والتمدد على الرمال؟؟ فما الصمت إلا نتيجة حتمية لهذه الغربة الكبيرة التي يستشعرها الشاعر لذلك نراها هي ورديفاتها (السكون، السكوت...) تهيمن على أغلب قصائد الديوان بل قد تتكرر أكثر من مرة في قصيد واحد. فهو الصمت الظامئ(46)، اللعين(47)، اللئيم، العظيم(48) إلخ. فما خلفيات هذا السكون الذي توصف به هذه الأمكنة/ المدن؟ وماهي رؤية المجاطي للواقع المغربي في تلك المرحلة (الستين والسبعين) فالتيه والانتظار بدون أمل ومحاسبة الآخرين في أجواء الهزيمة والحقد، كلها أحوال تؤدي إلى العزلة وتغري في آخر المطاف بالكف نهائيا عن الكلام. ولكنه صمت رديف للطاعة والخضوع والاستسلام غير تواق للثورة والتغيير. وهو ما أقلق الشاعر وأسلمه إلى اليأس يقول في قصيدة "مدينتي":

مدينتي صمتٌ ووِقفة انحناء طيّعهْ
وبضعةٌ من أعظم مع الأسى مضطجِعهْ
لم تعصف الريح بها منذ قرون أربعه
فالصمت يكفن كل شيء في المدن، يقول في "عودة المرجفين":
حين عادوا كحَّلَ الصّمْتُ جُفُونَهْ
مَدَّ للفجرِ يَداً/ أرخى جُنُونَ الضّوءِ/ في ليلِ المدينه.
كذلك فلنستمع إليه وهو ينادي مسقط راسه:
ناديتُ/ ما أجابَتِ السّيوفْ/ يادارنا البيضاءَ من أسْرى بريشٍ من جناح الليلِ/
في عينيكِ/ دقَّ الفجرَ مسماراً/ يادارنا/ حتّى كأن الموجَ غمْرٌ/
من أريجِ الموتِ/... بقية الحديثِ/ صمتٌ(49).

وإذا عجنا على قصيدة قراءة في مرآة النهر المتجمد نلاحظ أنها تعكس بوضوح انكسار المد الجماهيري الذي:

يحملُ في غُثائهِ الأشجارْ/ والكتُبَ الصفراءَ/ والموائدْ/
والصمتَ والقصائدْ/ ودار لقمان/ وأطلالها والمدن الأسوار

فهم على كثرتهم غثاء كغثاء السيل. يحملون معهم عناصر ضعفهم والحواجز التي تمنعهم من ثورة حقيقية. "المدن الأسوار" فالسور يبقى حاجزا عنيدا يحد كل ثورة. والصمت يلف الأشعار أيضا "فالصمت" في المقطع السابق، يظهر معطوفا على القصائد وهذه المجاورة لاتلبث أن تكشف عن كون هذه القصائد "رديفة للصمت إذ لم تعُد تفي بشيء وباتت عديمة الجدوى خالية من أي معنى. فالشعر كالنهر الهادر يفترض فيه أن يغلب الصمت. لكن هيهات. إن أحداث الواقع اغتالت كل أمل، وشاخ نهرنا هذا الذي بدأ هادرا وما فتئَ أن تضاءلَ، على غرار ما شاخت كلمات الشعر ودخلت جميعها في زمن الصمت والدمعة المالحة"(50) . وذلك ما يظهر بوضوح وهو يخاطب الدار البيضاء، يقول:

وأنت عل الضّفة الألفِ/ مبحرةٌ في السّعال/
وفي عثرات الرّجال/ مبحرةٌ/ يسقطُ النهرُ فيكِ/ وتسقط كلُّ البنادقِ قتلى
وتدخلُ كلُّ الدّواوينِ في زمن الصمتِ/ والدّمعةِ المالحهْ(51)،

فيها استقالة تامة لكل شيء. ويتنامى هذا الصمت في قصيدة كتابة على شاطئ طنجة فيصبح منبرا. يقول:

آه أمسى جبلُ الريفِ سراديبَ/ وعادَ الصّمتُ منبرْ/
ثم تتحول سبتة إلى زنزانة للصمت:
... وزنزانةٌ يشمخُ الصمتُ في قبضتيها

وتعنو الدّواة/ أقولُ عرفتك أنتِ.../ ويخذُلني العشقُ/ تصرعني قهقهاتُ السّكارى/ فهل أنتِ واحدةٌ من نسائيَ العذارى/ أم أنك عينانِ غرناطةٌ فيهما طفلةٌ؟/ آه قاتلتي أنتِ...

هذه بعض المقاطع الشعرية التي ترصد بوضوح ذلك الصمت والاستسلام والشعور بالخيبة الذي يلف المدن المجاطية. رؤية متشحة بالسواد. "ولكن السكون ليس رهنا بالواقع" (أو بالأمكنة/ المدن هنا) بل رهن بالإنسان الذي يشكل هذا الواقع يصنعه. رهن بنحن الذين انتجعنا الصمت في المغارة. ولفظة نحن هنا ليست إطلاقية ولا ينبغي فهمها كذلك. إنها شريحة معينة من المجتمع، وبالضبط فهي شريحة البرجوازية الصغيرة، كما يذهب لذلك الأستاذ نجيب العوفي، التي يمثلها المجاطي أدق تمثيل... ومن ثم فهي تتشرنق على ذاتها، تلوك عجزها وتذبذبها وتتلهى بأحلامها وسلبياتها بعيدة عن المحيط خائفة من البلل... فالبورجوازية الصغيرة وهي شريحة كانت وما تزال ـ رغم نواياها التقدمية المغرية ـ فضفاضةَ الإهاب مراوغة َ السلوك، ذات أحلام جامحة ويد متقلصة(52). قد نتفق مع ناقدنا الكبير في بعض الجوانب، رغم النكهة الإيديولوجية الطاغية على نقده. (هنا يمكن الرجوع لمقال قيم للأستاذ ميمون مسلك منشور بمجلة المشكاة تحت عنوان: الشعر المغربي الحديث(53) وبؤس النقد) ولكن ألا يشفع للمجاطي أنه فضل السكوت على تزكية بعض المشاريع الثقافية التي تخون مبادئه التي بشر بها في المقال الافتتاحي لمجلة أقلام قبل أربعين سنة من الآن؟ يقول: "إن الثقافة الإنسانية تحتاج إلى تجارب ذات صدق وحرارة، ولن يتم ذلك إلا بمعاناة فعلية لقضايانا ووساوسنا القومية ننتزع منها أنقى القيم لنساهم بها في حضارة الإنسان... ولكننا نكتفي هنا بأن ننبه إلى أن شرف الكلمة وصدقها يقتضيان ألا نزكي بكتاباتنا بعض المشاريع الثقافية الملحقة بأجهزة رجعية كل همها هو أن تجفف الثقافة من ينابيعها وتقتل فيها بذورها الخلاقة... إن وعي المثقفين إذاً بالسلاح الذي يمتلكونه يقتضي التكتل لكي تحافظ الكلمة على صدقها ونقاوتها وقوتها الخلاقة"(54).

كما أننا إذا عدنا للظروف السياسية التي ساهمت في إنتاج شعر تلك الفترة نجد أن المجتمع المغربي عاش عدة أزمات من الستينات إلى اليوم، ولايمكن بسهولة الإدلاء بأسبابها الحقيقية لأن ذلك من اختصاص علماء الاجتماع والسياسة وهي، أيضا، أمور لايمكن أن يستوعبها عرض كهذا. ولكن، مع ذلك يمكن القول أنها ليست أزمة أفراد بل كانت أزمة علاقات واختيار اقتصادي بالأساس. والشاعر المغربي، كما يذهب إلى ذلك الأستاذ إدريس الناقوري: "كان على وعي تام بظروفه الذاتية والموضوعية. وهي بالتحديد ظروف القهر والعدوان المتولدة عن سيطرة النظام الرأسمالي الاستغلالي. وترسب مخلفاته في أكثر مجالات المجتمع المغربي حيوية وحساسية"(55).

ويؤكد ذلك ماقاله أحد مجايلي الشاعر، وهو الأستاذ محمد المعطي القرقوري يقول: "لقد كانت سنة 1956 بالنسبة للكثيرين من جماهير الشعب المغربي، تشير إلى نهايةِ عهدٍ مُباد وبدايةٍ لعهدٍ جديد... ففيها حصل المغرب على استقلاله ووحدته وسيادته التي كان المستعمر سَلبََه إياها لفترة من الزمن، لم تخمد فيها مقاومة الثوار المغاربة ولا كلَّت جهاداتهم ضد العدو، غير أن هذا الاعتبار لم يلبث أن تقلصت ظلاله وتبينت حقيقته على محك الواقع المعاش، بعد فترة وجيزة من ذلك التاريخ. أي منذ نهاية الستينات... وبيان ذلك أن إشراقة فجر الاستقلال كانت بالنسبة للجماهير المناضلة على اختلاف فئاتها تمثل ذلك الأمل المنشود والحلم الغالي... المزيد من الحرية والديمقراطية والسيادة والتحرر. غير أن هذه الآمال العريضة التي كانت تختلج في نفوس الجماهير المغربية سرعان ما بدأت تتهاوى واحدا بعد الآخر". "والشاعر المغربي الحديث انطلق من داخل هذا الجو المفعم بضروب من المتناقضات. فأصبح المترجم الأمين والمعبر الصادق عن المشاعر الإنسانية المتأججة في نفوس الجماهير المناضلة في كل الجبهات. وهكذا كان الطابع البارز والغالب على كل الأعمال الأصيلة التي أبدعها شعراؤنا الحديثون، هو تلك النغمة الحزينة المفعمة بالأسى والأنين، ومرد ذلك ومصدره يكمنان في جوهر تلك الخيبة المريرة التي مُنيَ بها الإنسان المغربي المناضل... وقد أبدع المجاطي كثيرا في تصوير تلك المأساة تصويرا واعيا بتلك الدراما الحياتية التي يعيشها إنساننا المعاصر"(56). من تم هل نلوم الشعر إن سقط في زمن الصمت والدمعة المالحة؟

بل إن المجاطي في الفصل نفسه المذكور آنفا، نجده يحاول إيجاد تفسير لتجربة الغربة والضياع ويسجل أن نجاحها يكمن في أنها: "لم تكن هما فرديا، كالهم الذي أغرق تجربة شعراء التيارات الذاتية، في الظلمة والقتامة، واليأس. إنه هم جماعي نابع من تفتت الأرض تحت أقدامنا، ومن ارتفاع أسوار الحديد أمام كل خطوة نخطوها، نابع من قِصَر عصر الأفراح التي تبزغ في سمائنا بين الحين والحين، فنحسب أنها الفجر الصادق، حتى إذا فتحنا أذرعنا للقاء المنتظر، تكشف أقنعة الضوء عن أنياب الموت والفزع"(57). فثمة ارتباط وثيق بين معنى الضياع والغربة وبين معنى التجدد، واليقظة والبعث. إن الحدّة التي عانى بها الشاعر الحديث تجربة الضياع والغربة، تكشف عن وظيفة هذه التجربة في تعرية جوانب الظلمة والجفاف والموت في النفس العربية، "والواقع العربي لامن أجل الوقوف عليها كما يقف الشاهد على القبر، بل من أجل تحويل الظلمة إلى فجر صادق، وتحويل الجفاف إلى خصوبة وتحويل الموت نفسه إلى حياة"(58). وذلك ما سنلمسه، إن شاء الله، في محور المدينة رمزا للثورة والحلم.  

المدينة القضية:
لم يقف الشعر المغربي المعاصر محايدا أمام الهزائم المتوالية التي مُني بها العالم العربي فالشعر بعد حزيران، على حد زعم الشاعر نزار قباني، يكون قطعة سلاح أو لايكون، يكون بندقية، خندقا، لغما أو لا يكون(59). وباستقراء التاريخ الشخصي للشاعر نجد أن رحلته الدراسية الدمشقية المبتدئة أواخر سنوات الخمسين والمتوجة بنيله شهادة الإجازة في الأدب سنة 1962. مكنته من معانقة الغربة والالتحام بالأصالة العربية المحطمة والوقوف على أطلال المجد العربي التليد الذي أمسى مزقا متناثرة بفعل النكبات والكوارث الاجتماعية. والحقيقة أن المجاطي أدخل القصيدة المغربية الهاجسة فلسطينيا طورا جديدا ذلك أن "في قصيدة المرحلة السابقة، حسب نجيب العوفي، كان هناك اغتراب عن القضية بقدر ما تلوك القصيدة اسم فلسطين. وفي قصيدة هذه المرحلة أصبح هناك اقتراب من القضية بقدر ما تتحاشى وتتهيب اسم فلسطين. لقد اختمر الهاجس الفلسطيني أوكاد في ضمير القصيدة الستينية. وتجرد من تلك الأقمطة السميكة واتقد جمرة كاوية في الشغاف"(60). ولم تكن قصيدة القدس المنشورة سنة 1967 وحدها من حاول الشاعر من خلالها رصد واقع هذه المدينة التي كان لدوي سقوطها أثرٌ فاجعٌ على نفسية الشاعر ووعيه بل نجد أخوات لها مهدت لها الطريق وبالضبط نقصد قصيدة "أكزوديس في الدار البيضاء" المنشورة سنة 1964. التي امتزج فيها الوعي الوطني والوعي بمشكلات الواقع العربي. "فالوطن الذي يأوي المهاجرين الصهاينة ويفتح لهم مراسيه في أثناء هجرتهم إلى الأرض العربية ليعيثوا فيها فسادا وينكبوا أهلها، لا عيب فيه سوى أنه يتواطأ مع الاستعمار في تقتيل وتشريد شعب عربي آمن.. والقصيدة إدانة صارخة ضد واقع متخاذل أسلمت الشاعر إلى وضعية حرجة فلا المأساةُ مسحت ليلَه العربيَّ بالردى، ولا النصرُ تحقق فتم الخلاص":

فأينَ أفرّ؟ لانفقٌ تغلغلَ في الثَّرى وانسابْ
ولاكفٌّ تهُدُّ السّورَ، تغسلُ لعنةَ الأحقابْ(61).

ولا تخرج بنا قصيدة القدس، أيضا، "كثيرا عن أجواء المأساة والألم ففيها أيضا يمتزج الشعور بالفاجعة التي تفجرت على المستوى القومي بالإدانة الكلية للبنى الخائرة التي كرست الهزيمة(62)" وتشكل سدودا تحول دون الخلاص:

فجِئْتُ إلَيْكِ مَدفونا
أنوءُ بضحكة ِ القرصانْ
وبُؤْسِ الفجرِ
في وهرانْ
وصمتِ الربِّ أبحَرً في خرائبِ مكَّةَ
أوطورِ سينينَا

وهو بهذا يدين الأنظمة الحاكمة "وصمت القدرة العليا في الحجاز ومصر سيناء(63)"

نلاحظ في هذا المقطع وجود ثلاثة أمكنة لكل منها حمولته، مكة ومكانتها في قلوب المسلمين وطور سنين أي مصر لأهميتها في تحريك خيوط القضية العربية ووهران إشارة لكبوة النهوض الثوري في الجزائر. وكلها تأتي مصحوبة بالسلبية، (بُؤْسِ الفجر في وهرانْ وصمتِ الربِّ في خرائبِ مكَّةَ أوطورِ سينينَا).

وهذه المعيقات تجعل الوصول إلى القدس صعبا.
من أين آتيك/ وأنت الموتُ/
وأنت الموتُ
أنت المبتغى
الأصعبْ

وتدور القصيدة دائرة تكاد تكون تامة تعلن بها استمرار المأساة هذه المدينة:

تصبين القبوَ وتشربين فتظمأُ الصحراءْ
ظمئنا والردى فيك
فأين نموتُ 
ياعمهْ

ولايقدم لنا الشاعر حلولا جاهزة، مجانية، تظليلية. وإنما يقف شاهدا يتفاعل مع الأحداث كي ينقلها كما هي:

وتَشمُخُ في شُقُوقِ التّيهِ
تشمُخُ لسعةُ العقربْ

"وهذه القصيدة تعكس وعيه الحاد بضخامة المأساة ووقوفه على حقيقة أسبابها وبواعثها لذلك فإننا نعتقد أن الشاعر دعا من خلفياته المعرفية ما احتاج إليه لصياغة قصيدته، وما أراده. فهو، بلاشك، مطلع على بعض القرآن، والحديث، والأساطير، والتاريخ، والشعر والشعراء، أي بعض ما يتصل بالقدس من قريب أوبعيد. وكل هذا التراث القديم والمعاصر يضفي قدسية على هذا المكان كما أنه قرأ أو سمع ماانتهت إليه حالة القدس في الحاضر، وقد تلقى بالقنوات المعرفية نفسها ماقيل في تيه بني إسرائيل، ومكرهم، ودهائهم، وخبثهم، وما انتهى إليه أمرهم في الحاضر، وعاش تفاصيل الحدث التاريخي ـ المأساة ويعيش نتائجه... إن معرفة الشاعر للعالم هذه هي التي كانت وراء هذا النص الحدث، المنفتح ـ المنغلق، وهي المؤشرات والإشارات التي ترشد المتلقي إلى الطريق المباح المؤدي إلى المعنى"(64).

ويمكن أن نستنج في الختم أن قصيدة القدس مرثية تنزف دما وصفاء وانتماء. وقد ختم بها الشاعر مجموعة الفروسية كتعليق صارخ يقول: إن كل الفورات والثورات العربية انتهت بسقوط القدس(65) .  

المدينة رمزا للخيانة:
إذا كانت القدس صخرة عظيمة تدحرجت إلى هاوية السقوط لكي تقلق ضمير الأمة وتحوله من الانفعال إلى الفعل فإن عواصم أخرى تحولت من المساندة إلى الخيانة نتيجة "تحولات سياسية طارئة"(66). "فيوم انفصلت الوحدة بين الجمهورية العربية وسوريا أوقع هذا الانفصال في نفوس العرب، لافي مصر وسوريا وحدها، بل في الوطن العربي كله، أوقع ألما ومرارة لاحد لهما، بل أحدث نوعا من التخلخل والفراغ القاتل"(67). وهذا ما تجلى في قصيدة "من تجليات الغربة وراء أسوار دمشق". التي يتمازج فيها الذاتي والموضوعي والكائن والممكن وماكان. فدمشق، معنى فرديا عند الشاعر هي موطن دراسته وفورة شباب. فهذه الرحلة إلى المشرق "مكنت المجاطي من معانقة الغربة والالتحام بالأصالة العربية المحطمة والوقوف على أطلال المجد العربي التليد الذي أمسى مزقا متناثرة بفعل النكبات والكوارث الاجتماعية" (68). من هنا تم ذلك التمازج بين المعنى الفردي والمعنى التاريخي. فدمشق هي عاصمة بني أمية الذين ساهموا في تغيير مجرى التاريخ العربي الإسلامي:

ويبحرُ بابُ دمشقَ
وملهى الوليد/ وقصرُ هشامْ

وهي أيضا دمشق المرأة التي احتضنت المجاطي يوما كما احتضنت قبله البارودي. ونراه فيها وقد تقمص شخصية هذا الشاعر الذي رأى فيه نفسه "وأحسَّ بأحاسيسه وهو يعاني من الوحدة في غربته فرأى أنه قد اغتيلَ بالنفي وبخيانة قومه وهجرهم له. تجاوز المجاطي بهذه الطريقة مشاكله الشخصية ووجد متنفسا ومجنحا سما به إلى مستوى أعم، مستوى القضية القومية"(69). ولكن هاهي ذي تخونه وتتنكر له كما تنكرت في السابق للشاعر المصري:

وقيل نسوك/ فما أنت فيهمْ سؤال
على وتر من رباب ولابيتُ شعرٍ على هامشٍ/ من كتابِ/
ولانقشوا اسمكَ/ حتّى على شاطئ اللاذقية

وهذا التقمص "ليس حيلة شعرية، بل هو نموذج بدئي كامن في شخصية كل شاعر قومي يحس أنه مسؤول عن مصير أمته... إن ظهور هذا النموذج البدئي في هذا السياق من قصيدة المجاطي، برهان على أن القصيدةَ تصدرُ عن اللاوعي الجمعي في نفسه، وليس دليلا بحال من الأحوال على تأثره بالبياتي، لأن المسألة ليست تقنية واعية، بل تعتمد على قدرة الشاعر في الغوص إلى أعماق الوجدان الجمعي، ثم تجسيده والتعبير عنه في السياق المناسب للقصيدة والمرحلة.

والمرحلة هي أوائل السبعينات، بعد سنوات من هزيمة حزيران1967، حين لم يستطع الوعي العربي، مجسدا بشعرائه وقصاصيه ومفكريه، لاأن يسلموا بالهزيمة ولايتنبأوا بالنصر فابتكروا ـ بطريقة جماعية ولاواعية ـ تقنية التعليق أي تعليق الحكم على المستقبل... وهذا النموذج... يأتي دائما في نهاية مرحلة التحولات التي ابتكرها المجاطي، بديلا للتعليق في الرواية أو للدعاء عند البياتي. ومغزى هذه التحولات هو انحلال الشعور بالقصد وبالمستقبل على نحو ما يبين توينبي"(70).

ودمشق المرأة الخائنة تتحول إلى دمشق المدينة العربية الغادرة التي تتحول من المساندة إلى الخيانة:

دمشق على سفحِ قاسيونَ بانه
وشاهد قبرٍ جفته المنون/ دمشقُ تخون

هذه العلاقة الجدلية بين الذات والموضوع، وبين دمشق المرأة العاشقة والمعشوقة، ودمشق المدينة يوقع الشاعر في تناقض بين الحب واللاحب. فكيف يكون العشق مع الخيانة؟ إن إحساس الحب ينبلج رغما عنه ما دامت موطن أحلى فترات شبابه فهي التي ضمته طالبا. وهي مهد حبه الدمشقي الفاشل كما يذهب إلى ذلك الأستاذ عزيز حسين(71). وإحساس الكراهية ينبع بسبب من هذه الذكرى الأليمة ومن خيانتها للقضية العربية في الوقت نفسه. فدمشق صارت لديه عبارة عن مكان يندمج فيه الماضي بالحاضر والتاريخ الفردي بالتاريخ الجمعي للأمة. فهي موطن الخلافة الأموية قديما وموطن الحكومة السورية حديثا وفي كلتا الحالتين كانت خائنة.. وهذا التردد بين الحب واللاحب نمّى لدى الشاعر إحساسا بالشفقة:

ولم يبق إلَّاكَ
يبعثُ من قُبَّةِ الموتِ فيها
دمشقَ القتيلهْ

فعشق الشاعر لهذه المدينة يجعل العواطف تتدفق. والواقع الرديء يجعل وعيه يتنامى ليرصد الواقع بموضوعية. وفي هذه القصيدة "يبدو المجاطي عاشقا ولهانا يعشق دمشق الحب، دمشق البان. ويعشق دمشق القضية ودمشق الثورة. وهو في العشق الأخير يلتقي بكثير من معاصريه". حسب الأستاذ إدريس الناقوري.

أما الأستاذ محيي الدين صبحي فلا يخفي شدة إعجابه بالشاعر ويذهب إلى أن "الشعراء العرب تباروا في وصف دمشق من حسان بن ثابت إلى البحتري فشوقي، لكن أحدا منهم لم ينقل إلينا ما اعتلج في نفسه من فرحة الخلق، وحلاوة الإبداع، مثل قول المجاطي":

وأمْسَت ولادةَ حرفٍ
وفَرْحَةَ بَدْءٍ
وفَجْرَ قصيدهْ

"فهو مغربي يعود إلى دمشق عودة الجزء إلى الكل. لكن هذا التكامل سرعان مايتفكك حين تتوارى دمشق عن القلب. ويبعد الشاعر إلى منفاه، ويخيم النسيان على ذكراه. لكنه لايستسلم، فيعود في المقطع الثاني إلى البحث عن دمشق في كل ما تجسده:

وتبحثُ عن غوطةِ الغربِ في كلّملهى، وفي كل حانه
وفي كل دربٍ تجوعُ البنادقُ فيه وتعرى
وفي كل كأسٍ قرارتها تاجُ كسرى

ومرة أخرى لايتم هذا التكامل حين يظن الشاعر أن دمشق خانت رسالتها فيسقط كما سقط سابقا في قصيدة السقوط في التصالح والتسوية:

فسيان أن يثمرَ الحقلُ بانا
وأن يثمر الحقل خنجر غدر 

المدينة الثورة/ الحلم:
إن قطب الحركة يمشي متوازيا مع قطب الصمت الآنف الذكر. إذ يحاول استشراف مستقبل مضيء. فنراه بعد كبوته يقف متفائلا وخصيصة التفاؤل لها جذور عميقة في تربة الفكر الاشتراكي الذي تأثر به معظم شعراء الثورة العرب"(72). ومن ضمنهم أحمد المجاطيوينبغي التذكير هنا أن الشاعر كان عضوا في هيئة تحرير مجلة أقلام وهي "مجلة ذات اتجاه يساري واضح"(73).

فالاشتراكية فكرا مذهب متفائل والإنسان الاشتراكي "متفائل في عمقه وإن بدا عليه في بعض اللحظات نوع من الحزن أو مسحة من التشاؤم العابر"(74). فلنستمع إليه في قصيدة وراء أسوار دمشق:

فمن يكتبُ اليومَ/ حتّى على قبضةٍ من دخان:
دمشقُ على متنِ ظبيةِ بانِ/ تعودُ إلى شاطئِ الأطلسي/
تمدّ ضفائرها/ تتجدّدُ/
تغدو ولادةَ حرفٍ/ وفرحةَ بدءٍ/
وفجر حقيقهْ/ تشقُّ بأصبعها قبّةَ الموتِ/ ترجعُ معشوقةً وعشيقهْ.
ويتوهج عشقه للثورة في دار لقمان عام1965:
وهذه الشوارعُ الوثابةْ/ تملكُ أن تشعلني سيفا/
وأن تدحوَني/ تحت جدار الليل/ خيط نارْ/
أن تشرعَ الرماحَ من سوالفِ العذارى/ وتنزعَ الكِلْمةَ من مستنقعِ الحِجارْ/
يازمنا ينوءُ في جوانحِ النّسورْ/ يازمنَ السبحةِ والسُّدّةِ/ والبخورْ/
فجّرْ غُصونَ الدّمِ في غيمتِكَ الشّيباءْ/ وامسحْ جبينَ الماءْ/ بالرّفضِ/
فالأشعارْ/ ونشوةُ الرحيقِ في شقائقِ النّعمانْ
ترفضُ أن تسيرَ في جنازةِ القرصانْ(75).

والخصيصة الأخرى التي يرتكز عليها شعر الثورة هي خصيصة الغضب. ولكن غضب المجاطي هادئ ورزين يكاد يلتهم الديوان برمته. فهو غاضب على الأوضاع الاجتماعية في وطنه الكبير والصغير غاضب على السكون الذي ران ويرين على المجتمع. وفي كلمة للأستاذ محمد عزيز لحبابي عن المجاطي يقول فيها: "أيها الغاضب. يحقّ لك التوتر والغضب، إنه التزام. لقد وعيت أبعاد الكارثة بدون استسلام"(76). وهذا الغضب في أعلى درجاته يصير شكا وعدمية. تفقده التصالح مع الذات والعالم. أما في أدنى درجاته فيصير لامبالاةً وهروبا. ونجده غير ما مرة يؤكد على ضرورة الالتزام في الشعر يقول في المقال الافتتاحي لمجلة أقلام تحت عنوان "نحو انطلاقة أدبية صحيحة"... هل نحن ملتزمون إزاء قضايا الحياة؟ "وهنا سيكون معنى الالتزام هو الإخلاص للنفس وللجماعة وللإنسان مع توفر القدرة على الارتفاع إلى مثل هذه المستويات سواء فيما يتعلق بالفكرة أو بوسائل الإبداع الفني"(77).

وهذا الالتزام وذاك الغضب ناجمان عن ممارسات الاستعمار في الأرض العربية سواء أفي فلسطين أم في سبتة. بالإضافة إلى لامبالاة الآخرين واستسلامهم وخضوعهم. ورغم ذلك فهو يحاول أن يصبغ رؤيته بالإشراق والأمل فهو حسب الأستاذ إدريس الناقوري: "يشجب الواقع ويحمل بشارة المستقبل(78)" وشجب الواقع المغربي يتجلى، بوضوح، في قصيدة أخرى هي قصيدة ملصقات على ظهر المهراز هذه القصيدة التي يمكن تسميتها بمدينة "فاس" ذلك أن حضور هذه المدينة قويٌّ منذ بدء القصيدة. فالشاعر يتحدث عن محل سكناه بها وتعايشه مع تلك الشخصية الخائنة. ثم عن تجربته الجامعية بها أستاذا بكلية الآداب/ ظهر المهراز. وما يهمنا في هذه القصيدة هو الإشارات الثورية فيها النابعة من ملاحظاته حول محاولات هدم الجامعة المغربية عن طريق ما يسمى بالإصلاح. والروح الثورية تتجلى في اختياره صفوف الخوارج. فالإشارات إلى هذه الفرقة الإسلامية متكررة في شعر الطليعة الذي يعد أحمد المجاطي أحد رواده(79).

فالخوارج الذين كان من بينهم شعراء اشتهروا بقولهم وفعلهم عرفوا فعلا بمواجهتهم الشجاعة للموت، فلقد باعوا أرواحهم لله الذي وعدهم لكونه مجاهدين بالجنة. ولقد عُرفوا بمعاداتهم أيضا لنظام الخلافة الوراثي، ومساندتهم للطبقات الشعبية المعوزة. ويذهب الأستاذ عزيز حسين إلى أن لشعراء الطليعة، والمجاطي على رأسهم، أكثرَ من دافع كي يروا فيهم معين الإلهام فهاهو يقول:

...
حَسَنًا/
غيرَ أنّي تَخَيّرْتُ صَفَّ الخوارجِ
هذي هُتافاتُنا تملأ الرحبَ/
فاسْتًرقِ السّمْعَ/ إِنْ شِئْتَ/
أو فادعُ نادِيَكَ المتَمركزَ/ في الحَرمِ الجامعي/
استرحْ
لحظةً/ ثمة ابتدأ الزحفُ/
كانوا خفافا/ تعالت أكُفّهمُ/ أطلقوا النارَ/
فانفتحتْ ثغرةٌ/ في صُفُوفِ الخوارجِ...
ياأيها الوافدُ المتلفّعُ/ بالدمعة النّازفةِ/ قفْ على مدخل الحيِّ/
حيث استدارت رؤوسُ العصاةِ وهذا دمي/ ولتكن فاسُ كأسكَ/
إن الرباطَ التي تتعهرُ يوما
تعيد بكارتها
نستوي طفلة/ فسلاماً/ إذا جاء يوا قرارٌ/
يعيد الرؤوس إلأى أعناقها/
والدّماءَ/ إلى حيث كانت تسيلْ/
وقرارٌ بوقف الزمانِ/ وإجلاء زالاغَ عن حبه المستحيلْ...

والخصيصة الأخرى هي الأمل التي تعمد إلى تجاوز وتغيير عالم القمع والسقوط الرهيب. ويظهر جليا في قصيدة الدارالبيضاء إذا ما وثقنا بسطورها الأولى. فنجده يعلن في البداية:

هاأنا ذا أمسك الريحَ/ أنسجُ من صدإ القيدِ رايهْ
ومن صدإ القيدِ/ مَقبرةً للحروفِ/ ومِحبرةً للسّيوفِ/ وقيثارةً للشجنْ.
وأنتِ على شِرعةِ الصّمتِ ممدودهْ
بين قيدي وبيني/ وبين حدود الوطنْ

فهذه الأبيات تحمل بين طياتها معاناة السجن والثورة. ورغم بساطة تركيبها إلا أنها مركزة بدقة شديدة، "مشحونة إلى أقصى حد بخيال شديد الانضباط: فمن صدإ القيد يمكن للحر أن ينسج راية، ويمكن أيضا للطغيان أن يصنع من صدإ القيد مقبرة للحروف. الطباق ذاتُهُ يتكرر في أن من صدإ القيد يمكن صنع محبرة تغمد فيها السيوف، لتُسَلَّ وتكتب تاريخا جديداً(80).

ويؤكد نواياه الثورية في النهاية":
فيا أخت غرناطةَ الجوعِ
شُقّي قميصي
امسحيه على جبلِ الرّيف/ واستخلصي من بقايَايَ/
شيئا سوى الخمرِ/ والشهوة النابحهْ

فالعبارتان الأمريتان الإنشائيتان "شقي قميصي" وامسحيه على جبل الريف "تستحضران بقوة المعجزة التي يرويها القرآن الكريم في سورة يوسف عليه السلام. حيث يستعيد المجاطي هذه القصيدة للإيحاء إلينا مرة أخرى بأن به قوةً ثورية تهتز جبال الريف ثانية لمجرد مسحها بقميصه وترتد بصيرة. واستحضار هذه الجبال بعينها له أيضا دلالته التاريخية الثورية عند المغاربة. ويظهر المد الثوري بوضوح في قصيدة سبتة فالشاعر يعد بالكثير من العطاء والحرية ممثلة في شخصية تاريخية ارتبط ذكرها بهذا المكان بالذات:

سآتي على صهوةِ الغيمِ/ آتي على صهوةِ الضّيمِ/ آتي/ على كلّ نقعٍ يثارُ
وآتيكِ/ أمنحُ عينيْكِ لونَ سهادي/ وحزْنَ صهيلِ جوادي
وأمنح عينيكِ صولة طارقْ(81).

فهذه الأبيات وقصيدة سبتة برمتها ركز فيها الشاعر على الحضور العربي القديم في الأندلس من خلال مدينتين أندلسيتين هما: غرناطة وقرطبة. تتشكل صورة الأندلس عند الشاعر، انطلاقا من هذه القصيدة، من ثلاثة أقانيم غرناطة وقرطبة وطارق بن زياد. فإذا كانت قرطبة رمزا لتحقيق الغايات عند عبد الرحمن الداخل فإن غرناطةَ رمزٌ لسقوط الحكم العربي الإسلامي في الأندلس. أما شخصية طارق فقد استدعاها الشاعر، كغيره من الشعراء الفسطينيين بخاصة، وفق حاجته الإبداعية، وخدمة للفكرة التي يود توصيلها محاولا خلق نوع من التوازن بين الإبداع والالتزام، من هنا جاءت شخصية طارق بن زياد وانتصارها البارع رغم ضعف العدد والعدّة، محفزا للخروج من الواقع المتردّي وتجاوز الهزيمة"(82). فالمجاطي يستلهم نموذج الشاعر الفارس. ومثل هذا النموذج يأتي دائما ـ حسب محيي الدين صبحي ـ في نهاية مرحلة التحولات التي ابتكرها المجاطي بديلا للتعليق في الرواية او الدعاء عند البياتي(83). "أما الأستاذ محمد بنيس فقد فسمى هذا النموذج بالبطل المفرد". "فهو فرد لاكالأفراد، يملك قوة تحويل الواقع من سكونيته إلى دينامية غير عادية، تقتلع جذور التعفن وأسباب النكوص"(84). وهذا النموذج من الأسباب التي أباحت للأستاذ محمد بنيس تصنيف، شعر المجاطي ضمن "بنية الانتظار" وهو أمر فيه نظر ليس محله هنا في هذا العرض. "هل نحن ملتزمون إزاء قضايا الحياة؟ وهنا سيكون معنى الالتزام هو الإخلاص للنفس وللجماعة وللإنسان مع توفر القدرة على الارتفاع إلى مثل هذه المستويات سواء فيما يتعلق بالفكرة أو بوسائل الإبداع الفني". أقلام س 1. ع 3. يوليوز 1964. مقال: "نحو انطلاقة أدبية صحيحة" أحمد المجاطي ص 13 

الخاتمة:
لقد كانت جولتنا مع المكان أو المدينة المجاطية ممتعة، ولكن كلما استبدت بنا النفحات الشعرية الباذخة، المتوهجة عشقا لهذا الوطن الكبير بأمكنته المتعددة ظهر لنا أنها من السعة ما أرغمنا على الاعتراف بمحدودية التصور الذي أنشأناه قبلا. لذلك نستميحكم عذرا إذا غضضنا الطرف عن ذكر بعض المدن مثل مراكش والرباط وغيرهما، طلبا للإيجاز. فهذه المدن المجاطية على كثرة أسمائها وتردد ذكرها في الديوان، وخصوصية وشخصية كل واحدة منها، نجدها في الكثير من الأحيان تصبح أكثر شمولية فتتداخل فيما بينها، فتصير كلُّ واحدة منها تعبيرا عن جانب من جوانب هذا الوطن الكبير. فالعلاقات بينها ماهي إلا علاقة الأجزاء بالكل مادامت معبرة عن الوطن العربي. ومادام الوطن العربي، في فترة ما من فترات التجربة الشعرية، يتحول إلى خمارة وهو العنوان الأول للديوان. "ويرجع المجاطي اختياره له لأن الخمارة رمز لتدهور المجتمع إقليميا وعربيا وترديه وسقوطه على كافة المستويات"(85). وأختم هذا العرض بشهادة فريدة من ناقد كبير هو محيي الدين صبحي يقول فيها:

"إن قصائد هذه المجموعة، السقوط، تقوم على توتر شديد بين الذل الذي تحياه المدن العربية، وبين عشق الشاعر لها. العشق يمنح القصائد دفقة عاطفية غامرة، أما المشاهد الموضوعية المعروضة بشكل تقريري، فتمنح أجواء القصيدة صلابة، وتملأ مضمونها بمحسوسية معيشة، مما يجعل المكان العربي يحدد الزمان العربي الرديء، بخلاف ما عليه الحال في قصائد بقية الشعراء المعاصرين. وهذا كله يدفعني إلى لمس ناحية من نواحي التجديد، تمكن المجاطي من إدخالها على الشعر العربي الحديث، بصمت ودون ادعاء حداثة مزعومة. فضلا على عن لكل قصيدة شخصية، وفي كل منها بانوراما عن الحياة العربية.. مما يرخص لي بالشهادة أن قصائد المدن في مجموعة السقوط، من أفضل ما في بابها في الشعر العربي الحديث"(86).

ويبقى في النفس أشياء كثيرة عن التجربة المجاطية. وعن هذا الشعر الحلو المر في آن.  

أستاذة باحثة، وجدة ـ المغرب 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعض المصادر والمراجع

مرجع أجنبي:

الدوريات والمجلات والصحف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ جماليات المكان: غاستون باشلار ترجمة غالب هلسا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، لبنان 1974.
(2) ـ المكان في الرواية السعودية محمد الدبيسي، ضمن أبحاث الندوة الأدبية: "الرواية بوصفها الأكثر حضورا" نادي القصيم الأدبي ط1 ـ 1424هـ ص 354. نقلا عم علامات في النقد المجلد 13. الجزء 52.
(3) ـ المدينة في الشعر العربي المعاصر مختار علي أبوغالي سلسلة عالم المعرفة العدد196 أبريل 1995 ص: 10.
(4) ـ شعراء المدرسة الحديثة ترجمة جميل الحسيني، ط 1. نشر المكتبة الأهلية، بيروت، ص 166.
(5) ـ الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية عز الدين إسماعيل ط 3. 1978 دار الفكر العربي. ص 328.
(6) ـ الشعر العربي المعاصر: 328.
(7) ـ المدينة في الشعر العربي المعاصر: 10
(8) ـ الأدب العربي في المغرب الأقصى محمد العباس القباج ج 1 و 2 ط 1 (1347 ـ 1929). ص 36. منها قوله: ليس التمدن بالتزويق مسخرة % إن التمدن ما أولاك مفتخرا
ليس التمدن في عيب الذين مضوا % بل التمدن في إجلال من غبرا
(9) ـ الأدب العربي في المغرب الأقصى: 49.
(10) ـ يقول فيها مثلا: صدق الذي سماك بالبيضاء % من أجل ما لك من يد بيضاء
لاغرو أنك جميلة المدن التي % في غربنا جلت عن النضراء
ذات الحضارة والنضارة والتجا % رة والعمارة من بني حواء... الأدب العربي في المغرب الأقصى: 67
(11) ـ يقول في مطلعها: دع الوقوف على الأطلال والدمن % وما تهيج من شجو ومن شجن
إن المنازل من سلع ومن إضم % معاهد أقفرت في سالف الزمن
واذكر محاسن باريس وما جمعت % مما يسليك عن أهل وعن وطن الأدب العربي في المغرب الأقصى: 111.
(12) ـ المشكاة عدد 24: ص 2.
(13) ـ شعر الطليعة في المغرب عزيز حسين منشورات عويدات الدار البيضاء ط 1. 1987 بيروت ـ باريس سوشبريس ـ ص 95.
(14) ـ جولة في عالم الشعر والشعراء بالمغرب عبد الله شقرون ط: 1. 2006 مطبعة النجاح الجديدة ـ الدار البيضاء. ص 193.
(15) ـ جريدة العلم بتاريخ 26 ـ 01 ـ 1975.
(16) ـ جولة في عالم الشعر والشعراء بالمغرب: 193.
(17) ـ المشكاة عدد 24. ص 4.
(18) ـ المشكاة عدد 24. ص 13.
(19) ـ المشكاة عدد 24. ص
(20) ـ مساءلة الحداثة نجيب العوفي سلسلة شراع العدد 5. (1417 ـ 1996) ص 46. دار النشر المغربية أديما. ص 92.
(21) ـ مساءلة الحداثة: 46.
(22) ـ جدل القراءة نجيب العوفي ط 1. 1983 نشر وطبع دار النشر المغربية الدار البيضاء. ص 42
(23) ـ استجواب الطليعة الأدبية مع الشاعر ع 2. 3 فبراير 1977. نقلا عن البيان الثقافي ع 17.
(24) ـ اتجاهات الشعر العربي المعاصر: إحسان عباس سلسلة عالم المعرفة ع 2. فبراير 1978.
(25) ـ الفروسية 133.
(26) ـ الشعر العربي المعاصر: 328.
(27) ـ ظاهرة الشعر الحديث أحمد المجاطي ط الثانية: (1428 ـ 2007) شركة النشر والتوزيع المدارس الدار البيضاء ص 72.
(28) ـ ليو هوك la marque du titre (dispositifs semiotiques dune pratique textuelle)mouton editeur. la haye ـ paris ـ newyork 1981. p 286: 280.
(29) ـ يزعم "سارتر" "SARTRE" أن العمل الفني مهما بدا منتهيا، فهو ليس كذلك، بل يحتاج إلى من يكمله، بل يحتاج دوما إلى من يكمله. وهو في أثناء هذه العملية لا يمل من الاستزادة، كلما قلنا له هل اكتفيت قال هل من مزيد: ونلحظ ذلك عند المجاطي في التغييرات التي شابت العناوين مثل قصيدة حين عاد المرجفون وقصيدة من تجليات الغربة وراء أسوار دمشق. ويلحظ داخل المتن الشعري نفسه. فقد سبق له أن نشر أغلبية قصائده في مجلة أقلام وأدخل عليها تعديلات بعد إعادة نشرها في الديوان الحائز على جائزة ابن زيدون. ثم أخرج الأصول هذه المرة ونشرت بملحق مجلة المشكاة. لذلك تلحظ الاختلافات الكثيرة. رصد بعضها الأستاذ محمد خليل، مقال شعر أحمد المجاطي بين ديوان الفروسية ومجلة المشكاة ص 11. العدد 41. السنة 1424/ 2003
(30) ـ اتجاهات الشعر العربي: 93.
(31) ـ مقال: "حول الشعر في ديوان المغرب الحديث" خلال مصطفى ص: 96. أقلام (السلسلة الجديدة) السنة 3. ع 2. مارس 1978
(32) ـ التبيان في علم البيان المطلع على إعجاز القرآن لابن الزملكاني تحقيق الدكتور أحمد مطلوب والدكتورة خديجة الحديثي مطبعة العاني بغداد الطبعة الأولى 1384 هـ ـ 1964م، ص 52
(33) ـ اصطلاحات الصوفية لكمال الدين عبد الرزاق القاشاني تحقيق: محمد كمال إبراهيم جعفر. ط 1. 1981 الهيئة المصرية العامة للكتاب ص 155.
(34) ـ يقول تعالى: "فلما تجلََّى رَبُّهُ للجبلِ جَعلَهُ دكَّا". الأعراف: ج 143.
(35) ـ الصوفية في الشعر المغربي المعاصر لمحمد بنعمارة ط 1. (1421 ـ 2000) شركة النشر والتوزيع ـ المدارس ـ الدار البيضاء. ص 146.
(36) ـ دينامية النص محمد مفتاح ط 1 1987 الناشر: المركز الثقافي العربي. بيروت لبنان. المغرب ـ الدار البيضاء. ص 60.
(37) ـ الاتحاد الاشتراكي الملحق الثقافي الأحد 10 أبريل 1988 العدد 221.
(38) ـ أقلام السنة الأولى ع 6. سنة 1964. ص 6.
(39) ـ ظاهرة الشعر الحديث: 72.
(40) ـ ظاهرة الشعر الحديث: 103، 104.
(41) ـ الفروسية 40.
(42) ـ شعر الطليعة بالمغرب: 172.
(43) ـ نشير هنا إلى اللمحة الذكية لأستاذنا الجليل الدكتور حسن الأمراني في الكلمة الافتتاحية لمجلة المشكاة العدد التاريخي العرفاني الذي خصت به المجلة أحمد المجاطي: البيت منظم بطريقة ممتازة. أمامي، على الرف، كتب إسلامية... ثم لماذا يمنح الشاعر، في آخر حياته، مجلة إسلامية، أغلب أشعاره حتى تلك التي ضن بها على ديوانه الوحيد هو الشاعر المعروف بتوجهه اليساري؟
(44) ـ ظاهرة الشعر الحديث: 72
(45) ـ ظاهرة الشعر الحديث: 72.
(46) ـ الفروسية: كبوة الريح.
(47) ـ الفروسية: الصمت اللعين.
(48) ـ الفروسية: وراء الجزر.
(49) ـ الفروسية: دار لقمان 1965.
(50) ـ خصوصية النص الشعري الطليعي عزيز حسين ط 1. 2008 مطبعة دار النشر المغربية الدار البيضاء ص 194.
(51) ـ الفروسية: الدار البيضاء.
(52) ـ درجة الوعي في الكتابة نجيب العوفي ط 1. 1980 طبع ونشر دار النشر المغربية الدار البيضاء ص 48.
(53) ـ المشكاة ع 41. السنة 1424/ 2003.
(54) ـ أقلام السنة 2. ع 1. فبراير 1966 المقال الافتتاحي: المثقفون والكلمة. أحمد المجاطي ص 2.
(55) ـ المصطلح المشترك لإدريس الناقوري ط 3. 1985 مطبعة دار النشر المغربية ـ الدار البيضاء. ص 246.
(56) ـ أقلام (السلسلة الجديدة) يوليوز 1973. العدد 6. مقال: الشعر المغربي الحديث: إمكانياته وآفاقه للأستاذ محمد المعطي القرقوري. ص 101 وما بعدها.
(57) ـ ظاهرة الشعر الحديث: 104.
(58) ـ ظاهرة الشعر الحديث: 94.
(59) ـ قصتي مع الشعرنزار قباني: 232
(60) ـ جدل القراءة: 64.
(61) ـ الفروسية: أكزوديس في الدار البيضاء، الديوان 102.
(62) ـ المصطلح المشترك: 244.
(63) ـ المصطلح المشترك: 246.
(64) ـ دينامية النص: 71. وللأستاذ محمد مفتاح تحليل بديع للقصية في كتابه دينامية النص المرجو العودة إليه هناك.
(65) ـ الفروسية: 135.
(66) ـ المصطلح المشترك: 266.
(67) ـ الشعر في إطار العصر الثوري عز الدين إسماعيل ط 1. 1974. دار القلم بيروت لبنان. ص 62
(68) ـ المصطلح المشترك: 240.
(69) ـ خصوصية النص الطليعي: 173
(70) ـ الديوان: 155، 156.
(71) ـ خصوصية النص الطليعي: 173
(72) ـ شعر الثورة في الأدب العربي لعبد الرحمن حوطش ط 1 1987 مكتبة المعارف الرباط ص: 380.
(73) ـ شعر الطليعة بالمغرب: 67.
(74) ـ شعر الثورة في الأدب العربي: 380.
(75) ـ الديوان: 32.
(76) ـ الاتحاد الاشتراكي: مقال "الأستاذ محمد عزيز لحبابي يخاطب المجاطي/ النبوغ المغربي" العدد 1608.
(77) ـ أقلام س 1. ع 3. يوليوز 1964. مقال: "نحو انطلاقة أدبية صحيحة" أحمد المجاطي ص 13
(78) ـ المصطلح المشترك:250.
(79) ـ ينظر شعر الطليعة في المغرب.
(80) ـ الديوان 134.
(81) ـ الديوان: 63.
(82) ـ عالم الفكر المجلد 28. العدد 4. سنة 2000. مقال "حضور الأندلس في الأدب الفلسطيني الحديث" د. محمد عبد الله الجعيدي ص: 9.
(83) ـ الديوان: 168.
(84) ـ ظاهرة الشعر المعاصر بالمغرب محمد بنيس ط 2. 1985. دار التنوير للطباعة والنشر. والمركز الثقافي العربي. 226.
(85) ـ الاتحاد الاشتراكي الملحق الثقافي حوار مع الشاعر العدد 208.
(86) ـ الديوان 137.