رسالة ليبيا: المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني بالجزائر

وتكريم حسن عريبي وتأبين حمد المسماري

محمد الأصفر

أهم حدث ثقافي خلال شهر يوليو الماضي هو المشاركة الليبية في المهرجان الثقافي الآفريقي الثاني المقام في الجزائر في الفترة من 5 ـ 7 إلى 21 ـ 2009 م والمتضمن لعدة أنشطة تشمل جوانب الثقافة جميعها من أدب وفن وفكر وتاريخ وآثار ومسرح وسينما وموسيقا وغيرها.. وقد جاءت المشاركة الليبية مشاركة رمزية وخجولة حيث لم تتضمن إلا مشاركة مسرحي ليبي واحد ببحث في ندوة المسرح ومشاركة المخرج عبد الله الزروق بفيلمه معزوفة المطر في المهرجان السينمائي ولعل المشاركة الوحيدة المهمة هي مشاركة الفرقة الوطنية للفنون الشعبية بثلاث رقصات شعبية أدتها في مدن بلعباس والجزائر العاصمة والبليدة وعلى الرغم من أن ليبيا تدعم إفريقيا وتم الكتابة عن هذا المهرجان في الصحف المحلية والعربية قبل بدايته بشهرين مقترحين عدة فرق مسرحية وأسماء مهمة لها مساهماتها في الأدب الإفريقي وعلى رأسهم الروائي إبراهيم الكوني إلا أنه عند سفر الوفد الليبي لم نجد في الطائرة الخاصة التي أقلتنا أي أدباء أو كتاب والغالبية كانوا من أعضاء فرقة الفنون الشعبية حيث لم يشارك في هذا المهرجان إلا كاتبين أو ثلاثة مع صحفيين وبعض المصورين.. ونعتقد أن فرصة مثل هذه يجتمع فيها الكثير من أدباء وفنانين إفريقيا كفيلة بأن تمنح الكاتب الليبي وخاصة الشاب جرعات مهمة من الاحتكاك الإبداعي التي حتما ستنعكس على المشهد الثقافي بشكل عام.

لم نشارك في معارض الكتاب ولا معارض الفنون التشكيلية ولا الحفلات الغنائية ولا الورش الأدبية والسينمائية وجل مشاركتنا اختزلت في عرض شريط معزوفة المطر وهذا العرض غير مدرج في الجدول العام وجاءت المشاركة بمجهودات قام بها المخرج الزروق أثناء مشاركته في ملتقى السينمائيين الأفارقة وفي عروض فرقة الفنون الشعبية التي حقيقة أبدعت وفرضت نفسها بموسيقاها ورقصاتها الشعبية وبأزيائها التى تألقت وسط صخب الألوان الإفريقية الفاقعة.. والجدير بالذكر أن هذه الفرقة قد تم تجميعها بعجالة قبل المهرجان بإسبوعين وكان أعضاء الفرقة خليط من عدة مدن ليبية من الشمال والجنوب والشرق والغرب واستطاع مصمم الرقصات الفنان عبد الوهاب الزروالي أن يقيم لهم معسكرا مكثفا في غابة جودائم وأن يؤلف بينهم جميعا ويجمعهم في ثلاث رقصات فاختلط طوارق ليبيا من مدينة غات براقصي غدامس وراقصي شرق ليبيا الجبل الأخضر وبنغازي وراقصي غرب ليبيا طرابلس وضواحيها واستطاعوا بفضل الجهد المبذول وحبهم للفن أن يتأقلموا وأن يقدموا رقصات نالت إعجاب الجمهور الجزائري وخظيت بإقبال جماهيري كبير.

كذلك عرض شريط معزوفة المطر لاقى نجاحا ومتابعة جيدة ومن خلال متابعتنا اليومية للمهرجان الثقافي الأفريقي وحضورنا لملتقى السينما الأفريقية على مدى يومين ومشاهدتنا لعدة عروض من بلدان إفريقية مختلفة، نستطيع أن نقول إن شريط "معزوفة المطر"، استطاع أن يأخذ مكانه الجميل ضمن الأشرطة المميزة التي عرضت. وقد شهد الشريط حضورا نوعيا من المهتمين بفن السينما كذلك حضر مشاهدة العرض معظم أفراد الوفد الليبي من صحفيين وأدباء وموظفين رسميين بالإضافة إلى الفرقة الوطنية للفنون الشعبية والتي أضفت على المشاركة الليبية خصوصية ونكهة متميزة استطاعت بموسيقاها الأصيلة ورقصاتها المعبرة أن تجلب الكثير من الجماهير وأن تنال الإعجاب من كل مرتادي مجمع رياض الفتح الذي يحتوي متحف المجاهدين الجزائريين خاصة من العائلات.

والجدير بالذكر أن فيلم "معزوفة المطر" من أهم الأشرطة السينمائية الليبية وسبق له أن شارك في عدة مهرجانات بالمغرب وسوريا ومصر ونال عدة جوائز وشهادات تقدير، وهو يحكي عن رؤية فلسفية للحياة من خلال متابعة حياة وشاب في زمن قصير قدره ليلة واحدة وفي ظل ظروف مناخية قاسية حيث المطر والبرد والشتاء. والفيلم يحمل دلالات كثيرة ويصور حياة المجتمع الليبي خاصة فترة الثمانينات من القرن المنصرم ومن خلال حديثي مع المخرج المبدع عبد الله الزروق عن ذكرياته مع هذا الفيلم قال لي إن أول عرض افتتاحي للفيلم كان في قاعة المجاهد ببنغازي بشارع جمال عبد الناصر وقد شهد الافتتاح حضور جماهير غفيرة ومعظم الفعاليات الشعبية في المدينة وتم قفل الشارع الذي أمام السينما بسبب وفرة المشاهدين وقد كان عرضا ناجحا أشعرني بالسعادة وأن هذا الفيلم ميزانيته قليلة لم تتجاوز 100 ألف دينار ليبي فقط وأن الطاقم الفني للفيلم من ممثلين وتقنيين كلهم ليبيين باستثناء الممثلة التونسية القديرة منى نور الدين التي أسندت لها دور الأم.

من الأشياء الجميلة خلال يوم العرض هذا أن اللجنة المشرفة علقت ملصقات إعلانية عن العرض الليبي ووزعت مطوية جميلة بها نبذة تاريخية عن تاريخ السينما الليبية حيث أدرجت فيها عدة أسماء لأفلام ومخرجين ليبيين منها:

الشظية للمخرج الراحل محمد الفرجاني
معزوفة المطر للمخرج عبداللله الزروق
الأصابع الناعمة للمخرج محمد المسماري
التابوت للمخرج ناجي أ بوسبعة
سيرة ثلث الجسد للمخرج صلاح قويدر
سر الميت للمخرج الراحل محمد سويسي
وقد تم كتابة النبذة التاريخية في المطوية باللغات الثلاثة..

لقد كان عرض "معزوفة المطر" عرضا ناجحا وشعبيا قدم بانوراما شاملة عن أهم ملامح السينما الليبية وأعطى صورة جميلة للحياة في ليبيا عبر تصويره للمشاهد في مدينة طرابلس وانتقال العدسة بين أزقة وشوارع المدينة القديمة وقد اعتمد كثيرا المخرج وكاتب السيناريو على استخدام اللقطات الاسترجاعية والتي تمكن الفنان من الإبحار في الزمن الماضي وحتى المستقبل وتقديم أكثر من رؤية وهو واقف في مكانه.

لا نريد أن نفسر الفيلم أو نقول إنه يقصد هذا وبه دلالات وسيميائية وأنه يتحدث عن الجذور والانتقال من مكان إلى مكان يجب أن يكون على درب العرق والجهد والموهبة وليس بالمجانية أو بتقديم رشوة الجسد ونقول فقط أننا شاهدنا عرضا ممتعا غير مملل وغير جالب للنعاس.. عرض شيق رحل بنا من كرسي المشاهدة ووضعنا أبطالا على الشاشة نتحرك في قلب المشاهدين ونشارك روح المخرج متعتها. 

تكريم فنان المألوف الراحل حسن عريبي
في قاعة الشعب بطرابلس أقيم حفلا تكريميا لفقيد الموسيقا الفنان حسن عريبي وقد كان هذا الاحتفال من تنظيم مجلس الثقافة العام الليبي وبرعاية المؤسسة العام للثقافة وهيئة إذاعات الجماهيرية وقد شارك في هذا التكريم العديد من الفنانين الليبيين والعرب منهم سلاف التونسية والليبيين عادل عبد المجيد وسالمين الزروق وراسم فخري وألقيت في الحفل الذي استمر ليومين كلمات تأبينية وكلمات شكر من فنانين جايلوا الراحل منهم الموسيقار يوسف العالم والجدير بالذكر أن هذا الحفل حضره وفدا عربيا يمثل مجمع الموسيقا العربية على رأسهم الدكتورة رتيبة محمود أحمد الحفني من مصر ومن العراق هشام يشوع شرف ومن الجزائر الأمين بشيشي.. كما حضره عدد من المسؤولين الليبيين والضيوف والمهتمين بفن الموشحات والمألوف الذي اشتهر به الموسيقار الراحل. 

تأبين الكاتب الراحل حمد المسماري
حمد المسماري كاتب ليبي شاب رحل الشهر الماضي وهو من أبرز كتاب المقالة الصحفية التي تناقش الشأن العام وتهتم بمشاكل المواطن بالإضافة إلى نجاحه الكبير في إعداد البرامج الإذاعية الأدبية وكذلك كتب الشعر وأصدر ديوان بعنوان صلاة العابرين وهو كاتب مكافح منح كل وقته للكتابة والصحافة وشارك في الحراك الثقافي الذي نشط في السنوات الأخيرة في ليبيا بجد وتأثير وها هم الأصدقاء يجتمعون من أجل تأبينه وذكره بالخير وتثمين جهوده وشكره في هذا الغياب الإجباري وقد قام المركز الثقافي بالصابري بتنظيم هذا الحفل الذي تضمن كلمات من مسؤولي الثقافة بمدينة بنغازي وكلمات من أصدقاء الراحل من الكتاب وقد حضر هذا الحفل جمهور كبير من محبي كتابات المسماري ذات اللغة الرشيقة والجمل المموسقة والتي تستطيع الوصول إلى هدفها بسهولة وقد عرضت في الحفل حقيبته البنية وصورة ابنته الوحيدة صالحة التى عمرها ثلاثة شهور فقط بالإضافة إلى ديوانه الوحيد صلاة العابرين

وقد بدأت الاحتفالية بكلمة اللجنة التحضيرية والتي تقول خسرنا قلماً جريئاً بدأ يأخذ مكانه في كتابة المقالة الصحفية التي تعتمد نقد الظواهر السلبية في حياتنا بأسلوب حاد وقوي يثير القارئ ويستفز المؤسسات الإدارية ويدق مساميره النقدية في جميع الجدران المتهالكة وفي عمق الأخشاب المنخورة، لقد تمكن المسماري من لفت انتباه القراء بما يكتبه ويطرحه من أفكار عبر زوايته المنتظمة على صفحات صحيفة قورينا. انه الكاتب المشاكس الذي اتفق معه الكثيرون وأختلف معه الكثيرون.

وهذه بعض شهادات الأدباء في الراحل وكتاباته:
القاص عبد القادر الدرسي:

عاصرت المسماري كاتباً وإنسانا وكنا نطمح إلى وضع تصورات جميلة لهذا الوطن، كنا شبابا نعيش اللحظة، نريد ان نرى الشمس وهي تشع على الجميع، كنا مجموعة من الأصدقاء نختلف في التوجهات والتفكير وكان اختلافنا جميلا. 

الأستاذ محمد الشويهدي أمين دار الكتب الوطنية:

لدى المؤسسة العامة للثقافة رغبة في إعادة طباعة ديوان الراحل حمد المسماري ومخطوط كتابه الموجود بمجلس الثقافة العام. كما سيتم تسمية أثر ثقافي باسمه.

وان المسماري كان بالنسبة لي على المستوى الشخصي صديق وعلى مستوى دار الكتب الوطنية رائداً وكان يسهم إسهاما فاعلاً في كل نشاطاتها.

عاش المسماري عمرا قصيرا لا يتوافق مع ما كان يحمله من طموحات. لمسة الوفاء في هذا اليوم نتمنى ان تتكرر.  

الأستاذ سعد نافو:
كنا نطلق عليه "صوت البسطاء" كتب عنهم ولهم وانحاز لأحلامهم الصغيرة. لم يعزف المسماري لحن الطموحات البعيدة لهذا عاش القناعة.  

القاص محمد عقيلة العمامي:
حمد المسماري كان مهموما بحب الوطن وقد تمثل هذا الحب في عشقه لبنغازي وفي حبه لأدبياتنا ولعل اهتمامه وغيرته على إرث رموز التنويريين الليبيين مثل الصادق النيهوم وخليفة الفاخري وعلي الفزاني وعبدا لله القويري تؤكد حبه العميق لهذا الأدب.  

الكاتب محمد السنوسي الغزالي: أجمل ما في المسماري انه كان محبا للكاتب الصادق النيهوم ليس بمعنى شخصي ولكن بالمعنى الثقافي الدقيق. والشيء الجميل الآخر الذي لا يتوفر في الكثيرين منا هو قدرته على استيعاب النقد وعدم شخصنته.