في مقالته يراجع الباحث المغربي نظرية التحليل النفسي في علاقتها مع الدراسة الأدبية في الثقافة الغربية والعربية. ويتناول التغيرات التي طرأت على الممارسة النقدية نتيجة لتطورات علم النفس وانتقال محور النقد من سيكولوجية المرسل إلى المتلقي وفنتازيا العمل الأدبي واللغة.

مجالات الدراسة النفسية للأدب

أحمد استيرو

مقدمة
الحديث عن مجالات الدراسة النفسية للأدب يعني الحديث عن الزوايا المكونة للظاهرة الأدبية، والحديث عن الدراسة النفسية يعني الحديث عن تيارات هذه الدراسة من: تيار النقد النفسي، تيار التحليل النفسي، وتيار علم النفس الأدبي، أما الأدب فيفيد بمختلف أنواعه (الشعر والسرد)، وكل هذه العناصر سنعمل على الحديث عنها في الغرب ولدى العرب بهذا العرض.

فما هي المجالات التي اهتمت بها الدراسة النفسية للأدب؟ وفي أي مجال أثمرت جهود رواد هذا الاتجاه في الدراسة الأدبية؟ ثم ما هي المسوغات التي دفعتهم إلى العناية بزاوية دون أخرى بالعمل الأدبي؟ 

مجالات الدراسة النفسية للأدب عند الغرب
ركزت الدراسة النفسية للأدب على بعض الزوايا التي ترتكز عليها الظاهرة الأدبية وإن كان اهتمامها بمجال دون آخر متفاوتاً، فمن زاوية المرسل اهتم فرويد بشخصية الأديب المبدع في بعض أعماله مثل تحليله لشخصية الفنان الرسام الإيطالي ليوناردو دافينتشي، ولشخصية الكاتب الروائي الروسي دوستويفسكي، ليوقف على بعض الخصائص النفسية كاشفاً أسرارها، موضحاً بعض الظواهر التي تتميز بها كل شخصية، فقد ذهب مثلاً إلى استنباط ما تحتفظ به ذاكرة دافتشي ليفسر سر البطء الذي اشتهر به في إنجاز أعماله العظيمة. كما اكتشف أن دوستويفسكي كان عصابياً، وعلل سبب عصابيته على أنها آتية من سيطرة عقدة أوديب عليه(1). وعلى هذا الأساس يكون فرويد قد اهتم بزاوية المرسل في جانبه الباطني من الوعي.

أما عن ادلر تلميذ فرويد الذي وافقه في إعطاء الأهمية لللاشعور في الشخصية غير أنه سرعان ما انشق عنه، وذلك عندما اهتم بالمرسل لكن من حيث اعتباره أن الشعور ليس له قواسم مشتركة بين كافة الناس، فكل شخص محكوم بسيكولوجيته الفردية التي تميزه عن الآخرين معتمداً على مفهوم النقص الذي يشعر به الشخص فيحاول إثبات ذاته وتجاوز هذا الشعور بالدونية من خلال التعويض الذي يجده في الفن والأدب(2).

بالإضافة إلى هذين العلمين، هناك كارل غوستاف يونغ الذي أولى العناية بزاوية المرسل لكن حيث من اللاشعور الجمعي المترسب في الأعماق للإنسانية بالتوارث(3)، والمتمثلة أساساً في الأساطير والخرافات التي يستحضرها الفنانون والأدباء والعباقرة عن طريق أحلام اليقظة بواسطة الحدس.

وبهذا يتبين أن التحليل النفسي مع فرويد وتلامذته قد حرصوا على الاهتمام بزاوية المخاطِب، سواء في جانبه اللاواعي المتكون من عقد نفسية غريزية، أو من حيث اللاوعي القائم على الشعور بعقدة النقص، أو من حيث اللاشعور الجمعي.

الرسالة: أما شارل مورون وإن وقف على "شخصية الأديب وتاريخها باعتبارها موضوعا للنقد النفسي، فإنه يشير إلى أن هناك عاملين آخرين يدخلان في الإبداع الأدبي ويؤثران فيه وهما: الوسط الاجتماعي وتاريخه، واللغة وتاريخها"(4).

إلا أن توجه شارل مورون خالف فرويد موجهاً إليه انتقاداً اعتبر فيه فرويد هدف في دراسته الغاية العلاجية، معتبراً المبدع مجرد حالة مرضية لكون التحليل النفسي في نظره "يؤول النتاجات الأدبية على اعتبار أنها مجرد تعبيرات عن لا شعور مرضي في الغالب"(5)، فاقترح بذلك مورون بديلاً عن تطبيق التحليل النفسي الذي مارسه فرويد للكشف عن الحياة النفسية الباطنية للمبدع؛ وهو "النقد النفساني la psychocritique"، حيث يتحول هم الناقد إلى الاشتغال على النصوص الإبداعية، وعلى الكلمات التي تتألف منها، مركباً الصور المتعاودة في الأثر الأدبي بعضها على بعض، أي تحليل العناصر المتماثلة في الصور الأدبية المتداعية المكونة لشبكة من الدلالات المتصلة باللاوعي والمحيلة عليه، والممثلة لواقع خفي لا يعرفه وعي الأديب إلا معرفة جزئية.

وبهذا، تكون دراسة شارل مورون قد قاربت إحدى زوايا ركح الظاهرة الأدبية، من خلال انطلاقها من تناول الصورة المجازية المتكررة التي يحصل من خلالها الناقد على الشبكة الدلالية، ومن الشبكة الدلالية يصل إلى الصور الأسطورية ومنها إلى الحال المأساوي، وبذلك يقف الناقد على الباطن الذي انطلق منه الأثر الأدبي.

وما يعضد انتقاد مورون لفرويد في إقصائه جانب الرسالة من دراسته واعتماده على معالجة شخصية الباث، هو تصريح فرويد (نفسه) بعدم اهتمامه في التحليل النفسي بطبيعة الإبداع أو بنائه الداخلي، يقول فرويد: "علينا أن نعترف للناس العاديين الذين ربما كانوا ينتظرون من التحليل النفسي شيئاً أكثر من اللازم بهذا الصدد، بأن التحليل النفسي لا يسلط أي ضوء كاشف على مشكلتين قد تكونان أهم مشكلتين على الإطلاق بالنسبة إلى الجمهور، ذلك أن التحليل النفسي لا يستطيع أن يفيد بشيء في مجال الوقوف على سر الموهبة الفنية، كما أنه ليس من اختصاصه أن يزيح النقاب عن الوسائل التي يستخدمها الفنان في عمله، أي أن يكشف عن التقنية الفنية."(6).

غير أن بعض أعمال فرويد تتناقض حتى مع هذا الرأي، فتحليله لرواية "غراديفا" لفلهم ينسن يعكس مدى اهتمامه بالأثر الإبداعي في حد ذاته، وذلك عندما حرص على وضع الأحلام الواردة في تضاعيف العمل ضمن السياق العام للنص الأدبي، فحاول فك شفراتها في مقاطع مختلفة من الرواية، مخالفا الرأي الذي يعتبر الأحلام الواردة في الروايات ليست إلا زخارف تزينيّة، بل يرى أن قيمتها ومعناها يوجد في تفاعل مع مجموع العمل يقول في ذلك: "فمن أي نقطة ينبغي أن نتناول ذلك المنام لندمجه بالمجموع، إذ كنا لا نريد له أن يبقى مجرد زخرف لا طائل فيه من زخارف القصة"(7).

المرسل إليه: نجد العناية بالضلع الثالث للركح الأدبي مع علم النفس التجريبي ممثلاً في بارليت وميشال فايول في مفهوم الخطاطة (schéma) إذ اهتما بعلاقة المتلقي بالنص القصصي، لكن هذا الاهتمام لم ينهض على تناول التفاعل الواعي أو اللاواعي بين الخطاب والمخاطب، بل عبر دراسة النشاط الذهني المتصل بعملية التذكر الذي يولده فعل القراءة أو الاستماع إلى النص الإبداعي.

وعليه، هدف علماء النفس التجريبيين إلى ضبط تعامل المتلقي مع النصوص الأدبية من خلال عملية تذكر النصوص وإعادة إنتاجها(8).

مجالات الدراسة النفسية للأدب عند العرب
مع ظهور خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث تحت الدراسة النقدية للأدب وجهة أخرى للاهتمام بإحدى زوايا الظاهرة الأدبية، فكيف ذلك؟

تراوح الاهتمام بإحدى مجالات العمل الأدبي بين التركيز على المرسل أو الرسالة أو المرسل إليه.

المرسل: اهتم محمد خلف الله أحمد على تحليل بعض الشخصيات في مؤلفه "دراسات في الأدب الإسلامي" مستجلياً خصوصياتها النفسية مستلهما في عمله تصور فرويد عن أجهزة النفس الإنسانية التي على وفقها درس كلا من شاعر الرسول عليه الصلاة والسلام، الصاحبان أبو بكر وعمر، الحجاج، الغزالي، جلال الدين الرومي، عبد القاهر الجرجاني(9).

كما ركز عبد الحميد حسن على المرسل من زاوية قواه النفسية الواعية المتحكمة في نشاطه وعلاقاته، ومن ثمة العمل الأدبي، منطلقا في ذلك بتحليل للأصول الفنية للأدب والتي حددها في أربعة أصول هي:

1 ـ العاطفة: التي اعتبرها "لب الفنون وعمادها، وهي المعزف الذي تصدح له أوكار الأدب وعليه يعزف الأديب"(10) جاعلاً من هذا الأساس المحفز الأول الذي ينطلق منه الفنان أو الأديب للتعبير عن وجدانه وما يكتنفه من ألم أو أمل، والكاشفة عن حيوية الذات في أوضاعها المختلفة، لذا وجدت الدراسة النفسية تبريرها بالاهتمام بالمؤلف.

2 ـ الخيال: الذي قسمه إلى نمطين: خيال حضوري مشترك بين الناس، وخيال اختراعي يختص به المبدعون، ومن هذا التوزيع يبرز اهتمامه بالمرسل لكونه يحاول التفرد في خلق صوره الفنية.

3 ـ الحقائق والأفكار: التي ميز بين مصدرين لها: العقل الواعي والعقل الباطن، وقد اعتبر هذا الأصل هو:"المنبت الذي يجد فيه الفنان مكانا خصبا صالحا لغرس إيحاءاته، ويستعين به على أن يجعل لأخيلته موضعا، أو أن يجسمها حتى تتجلى كأنها حقائق"(11).

4 ـ الأسلوب: يعتبر هذا الأصل أبرز دليل على عناية عبد الحميد حسن بالرسالة في العملية الإبداعية، وذلك لأنها هي: "القالب الذي يصب فيه الكاتب فكره وعاطفته، وهو المنهاج الذي ينهجه في الإفصاح عما في نفسه، وهو الطابع الذي تطبع به كتاباته وتتسم به إنتاجه"(12).

ومنه يمكن الولوج إلى عالم المؤلف/ المرسل لدراسة طريقته الخاصة في التعبير عما في نفسه، ومقارنة إنتاجه عن غيره من الأدباء.

يلاحظ مما سبق أن د.عبد الحميد حسن استند في دراسته للأدب إلى دور اللاشعور في اختزان الأفكار والمعاني والأخيلة التي يستقي منها الأديب مادته للتعبير عن أحاسيسه، وعليه يكون قد اهتم بجانب المرسل من زاوية وعيه أكثر من أي جانب آخر في العملية الإبداعية.

علاوة عن د.عبد الحميد حسن، نجد محمد النويهي قد سعى في دراسته للأدب إلى تحليل شخصيات الأدباء حافرا في أعماقها الدفينة، باحثا عن العقد النفسية المتوارية والمتحكمة فيهم قصد تفسير أفعالها الشخصية وتصرفاتها الظاهرة من جهة، وفهم إنتاجها الأدبي من جهة أخرى، جاعلا الإنتاج الأدبي والتعبير الفني انعكاساً للاوعي الشخصية (المرسل).

وعلى هذا الأساس، اهتم النويهي في بحثه عن العوالم الداخلية لشخصية المبدع (المرسل) قصد استجلاء قواها الباطنية غير الواعية المتبلورة في الإنتاج الأدبي، فكان بذلك يتتبع عناصرها النفسية الموجهة لشخصية المبدع، وكيف كيفت شعرها حسب طبيعة اختلالات عقدها النفسية الدفينة.

وقد صرح محمد النويهي عن طبيعة دراسته للمرسل بطرحه سؤالا يتعلق بـ "عمَ تنتج الشخصية الإنسانية؟" فأجاب على أنها تنتج عن عوامل كثيرة مختلفة قسمها قسمين: عوامل التكوين الفردي، وعوامل البيئة. يقول: "أما القسم الأول فنعني به طبيعة الفرد نفسه، أو جبلته التي خلق عليها، وما به من استعدادات ونزعات ومحاسن ومساوئ فطرته عليها عوامل التكوين الوراثي من التكوين العقلي، وطبيعة الجهاز العصبي، وطبيعة الجهاز الجنسي(...). أما القسم الثاني، فهو عوامل البيئة، وتأثيرها ظروفها الزمانية والمكانية في أي عصر ولد هذا الفرد، وفي أي مكان، وما حال عصره وموطنه من الوجهة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والخلقية والثقافية (...) وبأي أوساط خاصة اختلط، وأي أحداث حدثت له في مراحل حياته المتعاقبة فجعلته ينزع منزعاً خاصاً في السلوك أو التفكير"(13).

غير أنه لا يعتبر الشخصية تتكون من خلال إحدى هذه العناصر فقط، بل إما أن تتفاعل أو تهيمن إحداهما على الأخرى، وعلى هذا الأساس يكون النويهي قد زاوج في دراسته للشخصية الأدبية بين استجلاء عواملها الخارجية (البيئة والزمان والمكان) وعواملها الداخلية المتحكمة فيها (التكوين الجسمي للشخصية، القوى الباطنية غير الواعية) قصد فهم سلوكها وإنتاجها الأدبي.

ولم يحد مصطفى السويف عن هذا المسار في الدراسة النفسية للأدب المرتكزة أساساً على تحليل الشخصية الأديب، إذ أطر مجال دراسته عن عبقرية الشاعر فتساءل عن كيف يبدع الشاعر القصيدة؟ فوجد أن العبقرية تنتج عن الصراع بين (الأنا) الشاعر و(النحن) الجماعة(14)، فكان توجهه إلى الاهتمام بالمرسل مباشرة من خلال القيام بعمليات (الاستخبار والاستبصار وتحليل المسودات).

ومن هذا يكون السويف قد غلب مجال المرسل في الدراسة النفسية للأدب من خلال الاهتمام بجانبها السلوكي عن المجالات الأخرى.

الرسالة: رغم تركيز رواد التحليل النفسي للأدب العربي على تحليل شخصيات الأدباء أساساً، فإنهم اهتموا بالخطاب الأدبي بشكل ثانوي، متعاملين في دراستهم له بمنطلقين مختلفين كما ذهب إلى ذلك د.عبد العزيز جسوس بقوله إما "اعتبار النصوص الأدبية وثائق تؤكد التحليل النفسي المقدم حول الشخصية أو تجسيد سماتها النفسية، وهو المنطق الذي ساء في هذه الدراسات التحليلية. أو تحليل النصوص الأدبية للكشف عن التجليات النفسية للشخصية المحللة، وهو المنطق الذي يلاحظ في بعض هذه الدراسات"(15).

فمثلاً تحليل النويهي لشعر بشار رام من خلاله إثبات السمة النفسية المنعكسة في نصوصه وإبراز طبيعة عبقريته المتفتقة في شعر الغزلي، قائما في دراسته على تتبع أربع خطوات إجرائية هي: تقديم النص حسب ظروف إنتاجه شرح أبيات النص (أسلوبا القدم والجدة، الطول أو القصر في الجمل...) فالمعنى الإجمالي (تركيز المضمون في معنى مركزي) ثم التعليق على النص.

كما أقام دراسته على مقولات أساس هي: الفهم: أي التركيز على فهم النص بتحديد مناسبته أو ملابساته الخاصة، والتحليل المؤسس على الفهم المقترح، حيث ينتقل من داخل النص إلى خارجه ثم الحكم الذي ينهض على تحديد علاقة النص بالنويهي نفسه(16).

الأمر نفسه نجده مع عز الدين إسماعيل الذي نهض في تحليل النصوص الأدبية من الوجهة النفسية من خلال عناصرها الداخلية (موسيقى الشعر) و(الصورة الشعرية) مبرزاً درجة انعكاس روح الشاعر وتصرفاته ونفسيته فيها. وهذا ما فعله في تحليله للصورة الشعرية ببيت ذي الرمة في مدح الخليفة عبد الملك بن مروان(17).

المرسل إليه: أرجع د.حامد عبد القادر الإنتاج والت قدير الأدبيين إلى العمليات العقلية للإنسان، فمادام ـ في نظره ـ علم النفس يبحث في "الحياة العملية" ومادام الأدب نتاج العقول، فإن هناك علاقة بين علم النفس والأدب لأنه:"حيثما يوجد نشاط عقلي توجد مادة لعلم النفس"(18).

وقد اعتبر د. حامد عبد القادر العمليات العقلية المؤثرة في الأدب إنتاجاً وتلقياً من مكونات ثقافة الناقد الأدبي (المتلقي) المتحكمة فيه لحظة مزاولته للنقد الأدبي(19).

وعلى هذا الأساس، يتضح أن حامد عبد القادر اهتم بزاوية المرسل إليه من خلال تقديمه للصفات الواجبة تغورها في الناقد (المستقبل للعمل الأدبي) قصد تقويم النص الأدبي والحكم عليه من وجهة عقلية مادام هو نشاط عقلي. 

المجال الذي أثمرت فيه جهود النقاد العرب النفسيين، ودوافع العناية به
من خلال استعراضنا لكيفية البحث في الدراسة النفسية للأدب، يمكننا القول أن معظم النقاد الذين متحوا مفاهيمهم الإجرائية من إحدى تيارات خطاب علم النفس قد ركزوا اهتمامهم على زاوية واحدة في ركح الظاهرة الإبداعية وهي المرسل. وقد كان الدافع إلى إيلاء العناية بهذا المجال عن غيره هيمنة "مفاهيمهم الذاتية للأدب في إنتاجه وتلقيه والمشروطة بمرحلتهم اجتماعياً بسيطرة الطبقة الوسطى، وفكرياً بشيوع الفكر الليبرالي المعتد بالفردية، وسياسياً بالدعوة إلى الاستقلال والديمقراطية والإصلاح الاجتماعي، وأدبياً بالدعوة إلى الإصلاح الاجتماعي عن طريق تحسيس المواطنين بالقيم النبيلة التي يجب أن يكرسها الأديب في إنتاجه وأن يدافع عنها الناقد في نقده"(20).

من خلال هذا النص يؤكد د. جسوس أن هاجس الذاتية في الإبداع والفكر دفع النقاد إلى الاهتمام بالجانب الذاتي المعبر عن المشاعر والأحاسيس، فكان بذلك خطابهم النقدي نتيجة لمفاهيمهم الذاتية للأدب.

كما اهتموا بالأدب من زاوية المرسل وإن تحدثوا أحيانا عن المرسل إليه، لان الإطار العام لخطابهم هو الكشف عن الملكات العقلية المتحكمة في عملية الإنتاج(21)، أما جانب اهتمامهم بالرسالة فإن قصورا يسجل في عنايتهم بها، ويتجلى ذلك في:

ـ عدم رد الآثار الإبداعية إلى الأحداث اليومية التي يعشها المؤلفون، بل ترد إلى لا وعيهم، وإلى ما في بواطنهم من عقد ومركبات نفسية، ونتيجة لذلك يظل الأثر ثانويا يتخذونه علة لمعرفة ذوات أخرى.
ـ حديثهم عن النص الأدبي في كثير من حالاته لا علاقة له بخطاب علم النفس، بقدر ما له صلة بالذوق الذاتي ومفاهيم ومصطلحات مستمدة من النقد الغربي والعربي.
ـ الانتقائية المؤذية إلى تهميش العناصر التي لا تنسجم مع تحليل الناقد.
ـ التعميمية المؤذية بالنصوص الأدبية رغم اختلاف مراحل إنتاجها في حياة المبدع على أنها تعكس شيئا واحدا، وكأن هذه النفسية مستقرة في وضعية واحدة.
ـ التعسف على الشخصية الأدبية من خلال فصلها عن واقعها الاجتماعي والثقافي، واختزالها في حالة نفسية (مرضية) تبرر بها مضامين الأعمال. 

خاتمة
لا يمكن نكران أهمية الدراسة النفسية للأدب، إذ قدمت آليات لمقاربة إحدى زوايا العمل الأدبي المتجلية في المرسل، بيد أنها همشت باقي عناصره الأخرى، مما يجعلها عرضة للنقد. إذ لا يمكن فهم المنتوج الأدبي إلا في تكامليته، من حيث معالجة مكوناته الداخلية (اللغة) والخارجية (المتلقي)، (المجتمع)، (الأخلاق)...

لهذا فإن "كل تركيز على جانب واحد من جوانب الظاهرة الأدبية ـ اعتماداً على علم إنساني معين ـ يفتقر إلى الدقة والموضوعية بغياب اهتمامه بالجوانب الأخرى"(22)

أستاذ باحث من المغرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ـ حميد لحمداني: النقد النفسي البمعاصر تطبيقاته في مجال السرد، منشورالت دراسالت سال، 1991، ص:13.
(2) ـ علي زيعور، مذاهب علم النفس، دار الأندلس، بيروت 1977، ص244 ـ 251.
(3) ـ علي زيعور، مذاهب علم النفس، مرجع مذكور، ص251 ـ 259.
(4) ـ حسين الواد: في مناهج الدراسة الأدبية، منشورات الجامعة، البيضاء، 1984، ص46.
(5) ـ حميد لحمداني: مرجع سابق، ص12.
(6) ـ سيغموند فرويد: التحليل النفسي والفن، دافنشي ـ دوتسويفسكي، ترجمة: سمير كرم، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، ط2، 1979، ص94.
(7) ـ سيغموند فرويد: الهذيان والأحلام في الفن، تر: جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت ط.1، 1978، ص49.
(8) ـ حميد لحمداني: مرجع مذكور، ص25.
(9) ـ ينظر كتاب: محمد خلف الله أحمد، دراسات في الأدب الإسلامي، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، ط1، 1947.
(10) ـ عبد الحميد حسن: الأصول الفنية للأدب، مكتبة الأنجلوالمصرية، القاهرة ط2، 1964، ص71.
(11) ـ عبد الحميد حسن، مرجع مذكور، ص175.
(12) ـ نفسه، ص205.
(13) ـ محمد النويهي: شخصية بشار، دار الفكر، بيروت، ط2، 1971، ص7.
(14) ـ مصطفى السويف: الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة، منشورات جماعة علم النفس التكاملي، دار المعارف بمصر، ط3، 1969، ص130.
(15) ـ عبد العزيز جسوس: خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، ط1، 2006، ص136 ـ 137.
(16) ـ عبد العزيز جسوس، مرجع مذكور، ص137 ـ 142.
(17) ـ عز الدين إسماعيل: التفسير النفسي للأدب، دار العودة، دار الثقافة، بيروت، 1963، ص92 ـ 93.
(18) ـ حامد عبد القادر: دراسات في علم النفس الأدبي، لجنة البيان العربي، المطبعة النموذجية، 1949، ص150.
(19) ـ عبد العزيز جسوس، مرجع مذكور، ص89.
(20) ـ نفسه، ص92.
(21) ـ نفسه، ص93.
(22) ـ عبد العزيز جسوس، مرجع مذكور، ص152. 

بيبليوغرافيا:
1 ـ عز الدين إسماعيل: التفسير النفسي للأدب، دار العودة، دار الثقافة، بيروت، دط، 1963.
2 ـ عبد العزيز جسوس: خطاب علم النفس في النقد الأدبي العربي الحديث، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، ط1، 2006.
3 ـ عبد الحميد حسن: الأصول الفنية للأدب، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط2، 1964.
4 ـ محمد خلف الله أحمد: دراسات في الأدب الإسلامي، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، ط1، 1947.
5 ـ علي زيعور: مذاهب علم النفس، دار الأندلس، بيروت، دط، 1977.
6 ـ مصطفى السويف: الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة، منشورات جامعة علم النفس التكاملي، دار المعارف بمصر، ط3، 1969.
7 ـ سيغمون فرويد:
ـ التحليل النفسي والفن، دافنتشي، دويستوفسكي، تر: سمير كرم، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، ط2، 1979.
ـ الهذيان والأحلام في الفن، تر: جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، ط1، 1978.
8 ـ حامد عبد القادر: دراسات في علم النفس الأدبي، لجنة البيان العربي، المطبعة النموذجية، دط، 1949.
9 ـ حميد لحمداني: النقد النفسي المعاصر، تطبيقاته في مجال السرد، منشورات دراسات سال، دط، 1991.
10 ـ محمد النويهي: شخصية بشار، دار الفكر، بيروت، ط 2، 1971.
11 ـ حسين الواد: في مناهج الدراسة الأدبية، منشورات الجامعة، البيضاء، دط، 1984.