هي دعوة من شاعر مغربي يجرب فنون القول من مهاده، هي ليست دعوة للرقص ولا لتجريب فنون لتلاوين الجسد. هي دعوة لالتئام ما تبقى من أسارير التصدي ومقاومة هذا الكساد الذي حجبت سحبه كوة الأمل، لذلك يصحبنا الشاعر في قصيدة نقدية لاذعة لحفل يأسنا الجماعي لعلنا نفتح جسرا في النفق

هَكَذَا يَرْقُصُونَ!

فتح الله بوعزة

(1)

ها... قدِ اكْتَملَ السَّردُ

وهَبَّ الأسلافُ إلى الرَّقْصِ ثَانِيةً

لا نَبيذٌ وَلا نِسْوةٌ بِالْمَدينَةِ

يَفْسخْنَ لِحَاء الْكَلامِ

كَمَا يَفْعَلُ الْغُرَباءُ بِأَسْمائِنا

لا غَيْمٌ يَعْقُبُ أَقْواسَهُمْ

لاَ لَيلٌ وَ لاَ شَمْسٌ

رَمْلٌ نَاعِمٌ

وَرَذاذٌ خَفيفٌ فَقَطْ!

ها هُمْ يَرْقُصُونَ فُرادَى وَمَثْنَى

يَلْتَئِمُونَ و يَنْفَصِلُونْ

يَنْقَبِضُونَ ويَنْبَسِطُونَ

وَقَدْ يَهْرَعُونَ إلى نَبْعٍ بالْجِوارِ

فَيَغْتَسِلونَ

(كَما يفْعلُ الْقُرْصَانُ مَسَاءَ الْحَكْيِ)

 يَحْتَجِبُونَ وراءَ الظِّلاَلِ قَلِيلاً

ثُمَّ يَذُوبُونَ فِي الرَّقْصِ ثَانِيةً!

 

(2)

ها... قَدِ اكْتَمَلَ السَّرْدُ

لاَ لَيْلٌ يُؤْوِينَا

 لاَ مَطَرٌ طَارِئٌ

 يَتَخَثَّرُ  مِثْلَ دَمٍ مَهْجُورٍ

عَلَى حَاشِيةِ اللِّسَانِ

ولاَ أَبَدٌ مُقْلِقٌ

نَحْرُسُ نَسْلَهُ في الْبَرَارِي الْكَظِيمَةِ

لاَ نَخْلٌ يَنْمُوُ خَلْفَكَ بَغْتَةً

وَحْدَكَ في الْخَلاءِ الْغَامِرِ

تحرس مَا حَفَرَ الْبَرْقُ

في الْحَلْقِ مِنْ صَهَدٍ!

 

(3)

ها... قَدِ اكْتَملَ السَّردُ

اِحْمِلْ أباكَ الَّذي اهْتَرَأَ الرَّعْدُ

بَيْنَ يَدَيْهِ وَ ذابَتْ سَنَابكُهُ

خُذْ رُمْحَكَ والْحَقْ بِي

في الْمَسَاءِ الْخَلْفِيِّ لِلْحَكْيِ

 بَيْنَ الرَّذاذِ وَمَا يُشْبِهُ الدُّخَّانَ النَّاعِمَ

 حَيْثُ الْمَوْتَى يَعْدونَ صَوْبَ مَرافِئِهِمْ

مُنْهَكينَ كَأَنَّ جَحَافِلَ طَيْرٍ

 تَأْكُلُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ

و خُطَاهُمْ وَ مَا يَشْتَهُونَ

كَأَن الرعَافَ يُبَاغِتُهُمْ مِنْ جَدِيدٍ

أَوْ هَكَذَا يَرْقُصُونْ!

خُذْ لَوْحَكَ وَالْحَقْ بِي

 في الْمَسَاءِ الْخَلْفِيِّ لِلْحَكْيِ

حَيْثُ تَهِيمُ الْقَوافِلُ فِي غَبَشِ امْرَأَةٍ 

تَرَكَتْ أَغْصَانَكَ تَبْلَى

بَيْنَ الرَّذاذِ وَمَا يُشْبِهُ الدُّخَّانَ النَّاعِمَ

لاَ وَقْتَ لِلسَّرْدِ يَا ضَيْفِي

خَلْفَكَ يَنْمُو شَجَرٌ كاتِمٌ

أَمْرَدُ بِذِراعَيْنِ مِنْ لَهَبٍ

لا سَمْتَ لَهُ

خَلْفَكَ

 تَتَشَظَّى سَبايا الْبَدْوِ الْمُنْعَطِفاتِ

على بَلَحِ الأَسْلاَفِ

 إِلَى سَقْفَيْنِ:

حُطَامٌ عَالٍ جِدا حَدَّ اللُّهَاثِ

وَ دُخَّانٌ بَاهِتٌ يَتَخَثَّرُ فِي مَشْيِهِ

خَلْفَكَ وَابِلٌ

بَعْدِيَ وَابِلٌ

بَيْنَنَا حُجُبٌ وَ رَصَاصٌ

بَيْنِي وَ بَيْنِي مُنْعَطَفٌ زَائِغٌ

هَاتِ قَوْسَكَ

 خُذْ فَرَسِي

هَلْ نُحَارِبُ ثَانِيَةً

يَا أَبَانَا الذِي احْتَرَقَ الرعْدُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ؟

 

 

(*) فتح الله بوعزة: شاعر من المغرب؛ صدرت له مجموعة شعرية بعنوان " " قَابَ كَأْسَيْنِ مِنْ رِيحِهِ" ـ الطبعة الأولى يونيو 2010.