تخص الشاعرة العراقية (الكلمة) بهذا النص الشعري الطويل، وهو ديوان في دروس المحبة بحس معرفي صوفي، يستدعي حقولا متعددة: الأديان والتاريخ والشعر والطبيعة والفلسفة والتصوف .. محاولة في ترميم الخراب الذي يعم الكيان الإنساني. مما يوسع من هامش أفق "القصيدة الأطروحة" التي تبني خطابها المتفرد.

كتاب الوجد (ديوان)

بشرى البستاني

هي محاولة لتأثيث الفراغ

يوم انتهت محنه المفهوم مع التصوف التقليدي كانت قصيدة الصومعة عام 1996 (البحر يصطاد الضفاف.. بغداد، 2000) تلك القصيدة التي أدركت أن الصدام مع الراهن الذي يسحق الإنسان لن يتجلى إلا في الاستغراق حبا والتسامي بالحرية مشروعا حياتيا شاملا يتجاوز المحدود والمقيد معلنا الثورة على مشاريع تهميش الحياة وضرب طاقتها للحد من فعاليتها بأي حجة من الحجج فكانت الصومعة هي البداية :

 النار والخمر يموران بهذا القلبْ ..

 والحب والوجد وحمى الورد ْ..

 لا تبتعد ففي خبايا زهرة الرمانْ ،

 يختبئ الزمانْ

 فيحرق الصوفي كوفيته ويخسر الرهان ْ …!

وظل الموقف يتجذر مدركا أن الخلاص في كسر المحدودية على الأصعدة كافة، ومع توتر الأزمة واشتباكها كانت الشعرية تزداد التحاما بالشحطة الصوفية وهما ينزاحان عما صار في الألفة ، الى دهشة تفاجئ وتتوهج وتغري وتغوي، إنها الشعرية التي تدهمها في النص شطحة التصوف لترقى بها عابرة  الحدود متجلية بتوق الروح نحو الانفراج ولا خلاص ، فوصول الشاعر/ الصوفي هو اللاوصول دوما، لأن الوصول إنما يحيل على موت السؤال وسكون النار وانطفاء البحث المكابد، وهذا ما رمى إليه ابن عربي …

”كل شوق يؤول بالوصال الى انطفاء لا يُعوُل ُعليه “..

لأن المراد هو أن تغرس اللحظة في المكان باحثا عن مأوى، هو أن تنتزع اللحظة من المكان لتسريَ بها في المجهول، وهو أن تحُول بين اللوعة وفضائها لتزيدها اشتعالا، هو أن تواصل البحث فلا تجد، وحينما تتوهم أنك وجدت تدرك أنك لم تجد ذاك الذي  تسعى إليه.

اللحظة الصوفية إذ تلحتم بالشعرية تزيدها ألقا وإرباكا وانفتاحا على المطلق ولذلك تتسع للمتناقضات كلها، لا منطق في هذه اللحظة ولا تعاقب بل دوران لاهب في كل اتجاه وسؤال يفضي الى سؤال الى سؤال …

هذا النص / القصيدة احتراق في الإشارات وذوبان في مياه الينابيع التي أنتجتها ….

 إنها حب يتفجر في كل اتجاه، حب ينتظر، يحترق يبحث يريد يسعى 

 حب يحرض الكون على الاشتعال ويحرض الإنسان على الإقبال ويحرض الأنهار والمحيطات والغابات والصحارى على التمرد مطالبة بالتواشج والتواصل والانسجام من اجل الإمساك بمفاتيح الحرية وهي تدق ّأبواب السجون ودهاليز التعذيب وسراديب الوحشة وليالي التغرب  وحمى المواجد، كي تطلق الثوار والعشاق والمنكسرين بالألم  ،ولكي تكسر يد الطغاة وهي تطلق الصواريخ على حلم الإنسان …

 كل ذلك بالحب وبالحب وحده، الحب الذي يتعالى على الانفصال ويدحض القطيعة والخطيئة، لذلك امتزجت إشاراته امتزاج توحد: من الأديان والتاريخ والشعر والطبيعة والفلسفة والتصوف، ومن عذاب الإنسان الذي يحلم بتأثيث الفراغ بالجمال،

أليس ذلك حقا …!!

 

(1)

أيتها الحالات …

أيتها اللهفات ..

أيتها المواجد …

الحبّ في بلاء،

فحجبه اشتعال،

وكشفه،

ووصله،

وحاؤه،

وباؤه،

وبابُ بيتي كان آمناً مستور،

مدججا بصولةِ الديجور،..

فكيف،

كيف انسلّ خيط النور..

وأربك الأشياءْ..

*

مدينة المواجدْ،

مدينة المواجع ِ

         الحرائق ِ،

الزنابقْ

مدينة البلورْ ..

تدخلُ في مصباح روحي،

كل ليلةٍ ،

وتهتك الستورْ ..

*

الغابة الحريرْ ،

الغابة القنديلْ ،

الغابة المشاعلْ

بالثمر المستحيلْ

تنهضُ في جذور بيتي،

كلّ ليلةٍ،

وتشعل النذورْ ….

*

أيتها المسالك البهيةْ….

أيتها اللطائف السنية..

أيتها الأفلاك ْ..

متى،

متى تجرأ الفارس من واحته البعيدةْ ،

ودقّ في الصولجانْ ..

مسماره ُ..

وأربك الأمانْ..

أيتها المعارج العصية…    

 

(2)

وهو الليلُ مرة أخرى ..

يساقط أعمدته الناريةَ فوق حرير روحي..

وهي القصيدة مرة أخرى،

مذبوحةً تنتفضُ داخل قضبان الجسدْ،

تريدُ أن تعرف.

فكيف لمن لا يعرفُ أن يرى ..!

وأنا لا أعرفك لكني أحبكْ ..

ولذلك يتواصل النزيفْ..

………..

في صوتك المربك بالحيرة كأصابع الزمنْ

أفتح طرق الوقارِ،

وأشقّ مسالك العتمةْ ,

لتنهمر ينابيعي تغسل صدأ المعارك الخاسرة ِ

في أعمق شعاب الروحْ .

في صمتي الوثنيّ أكتشف أنك آتٍ،

فأفتحُ جناني،

وأدخلك قاعة العرشْ ،

فتبكي الغزالاتُ ،

وتنسابُ بالنشوةِ الغصونْ..

وأسألك:

أهذا هو ..؟

وتقول:

كأنهْ..

………………

أدعوك لأمني..

يستقبلك شجر الرحمةِ،

مصابيح الحنان ِ،

عناقيدُ الندى المنفرطة أملاً وأمناً …

تستقبلك مخابئ عطريِ

افتحُ لك أبواب الطمأنينةِ،

وتخافْ..!

في ارتباك كفيك وهما يقرآن حزني

ينفتح الوجودُ،

وتدقّ أجراسُ المعابدِ لأبصرَ الأملَ

يستعيد فرسانه ْ،

ويبدأ الكرّة من جديدْ..

*

في الليل افتح النوافذْ ..

تأتيني بدخانك الممتدّ نحوي قلائدَ  ،

وأسورةً، وشناشيلْ …

أمسك أطراف الدخان بأناملي ،

افتح فيه بيتاً صغيراً لقلبين ينام أحدهما

في شغاف الآخر،

وأقرأ حروف الوجع المتدلية من ضوءِ

عينيكَ، لتغيب الظلالْ..

أدخلُ في زمنكْ ،

في سرّ التناهي،

في لوبان الأشياءِ،

في جدلها،

ونفيها،

وانكفائها ،

وتشبثِ إرادتها بالمحالْ..

فكل وجود فناءْ،

وكل فناءٍ تحققْ

وكل تحقق فعلْ،

والفعل هو الخلقْ ،

والخلقُ مرهونٌ بقبضتك الممسكةِ زمامَ روحيَ

أن تتشظى،

وان تبعثرها يدُ الطاغوتْ..            

 

(3)

اصنعْ غيابك أنتْ ..

أما أنا..

فأصنعُ حضوري بالسكينة التي تمتد خلفَ

عينيك بحوراً هادئةْ،

تمخر فيها سفني الطافحةُ بالكنوزِ

نحو أفقٍ ليس لتجلياته حدودْ..

اصنعْ غيابك أنتْ..

أما أنا..

فأزرع بك زمني الباذخ َ الذي أمسك بعنانهْ

لم يكن لذلك الزمن أن يتسرب إلا بإرادة مهيمنةٍ

وسط ركام التخاذل،

هي إرادتي

وتبقى السماءُ تنشر أجنحتها الورديةَ باتجاه خطاي

أنا المذبوحةُ من خلايا الشعر ِ

حتى أخمص القدمين وأقولُ ..

                       لا ….

المشنوقةُ وسط غبار الزمنْ

تجددني الحرائق كل يوم ْ..

ووسط حرائق الفناء تلكْ

أكتب على أحداق النخيل: أحبكْ .

أكتب:

     شوقي إليك كنعيم أهل الجنةْ..

يتجددُ، ولا ينفدْ..

تعلمني،

أم أعلمكْ ؟

وأسورتي لها وسوسةٌ في الليل أخافها

فأطفئُ الأنوارَ،

وأدعوكْ ..

 

لا يتسربُ وجهك من بين الأصابعِ،

لا تضيع الظلالْ ،

بل تتوقف الخيولُ،

تحمي جزر الله التي تصهلُ فيها المواجدْ

لتنهمر أمطار الحقيقة متوجةً بأكاليل الرحمةْ ..

وهل الرحمةُ إلا حضوركْ..!

في الليل انتظركْ ….

ندخل الغيوم معاً،

نسرق لآلئ المطر ِ،

ونشعل في الوجودِ الحرائقْ..

في الليل انتظركْ،

فالنوم خريطةٌ لا أحبها،

خريطةٌ تدخلني في الغيابِ،

وأنا أتشبث بالحضورْ،

واليقظة سكينٌ بحدّينْ ؛

أن تجيءَ،

ولا تجيء..

وأبحثُ عنك في قصدِيةٍ تلغي البدءَ والمنتهى،

وتلغي الوسائط ْ،

لتبقى وحدك الشاهد الذي لن تقبل شهادتهْ

وأين المفرْ.؟

إذ يتحولُ العالم إلى بؤرة دافئة هي قلبي،

وتغيب المسافاتُ

الجسورُ،

الثغورُ،

المعالمْ..

وتتسمرُ الخطى محكومة بعذاب جنةٍ أزليةٍ

يدخلها العشاقُ خائفين،

أما أنا،

فلا أدخلك جنتهم..

لا أدخلك في الأشباه والنظائر،

بل أدخلك في الأضداد

لا أدخلك في الائتلافِ،

بل أدخلك في الاختلاف

في اختلافي أنا..

في توحدي،

وانصياعي

وجبروت وجدي،

وسطوة الأشياء إذ تصهلُ داخلي،

…….

في قهرها،

وانغلاقِ سلطتها الدمويْ.!

بكلٍّ تداوينا،

فلم يُشفَ ما بنا..

وتقولُ في سرّك..

أهذه امرأة،

أم جنةٌ من جحيمْ..

يأتي صوتك هادئاً يخترق صليل روحي

افتح غرف حنينه وأستسلمْ،

هل تستطيع أن تفتح غرف حناني …!

ولغتك نظامٌ يسكنني،

وكلامي حدثٌ يمورُ لظىً

فهل تطيقُ السكن فيه؟.

وبكلٍّ تداوينا..

لكنّ جراحاً بالحشى،

زيد بالشكوى إليه الجرح كيْ

أوعدوني، أو

عدوني،

وامطلوا

حكمُ دين الحبّ،

دين الحب ليْ

وأسيئوا في الهوى،

أو أحسنوا

كل شيء حسنٌ منكم لديْ..

*

في الليل انتظرك

ندخلُ جذور الرياح معاً،

نبحث عن مستقرْ ..

أختبئ في قلبك فأجدُ سفنه المثقلة نائمة ْ

أتطهر في دمك من خطايا الجوع والظمأ،

وألوبُ بالياسمينْ..

وقلبكَ يكذبُ عليّ ولا يعرفْ..

ويكذبُ عليّ وأعرف ْ،

ثم يكذب ثالثةً ،

ويعرفْ..

وقلبك جاهل ورعْ ….

لا يخاف الموتَ،

بل يخاف الحقيقةْ ،

لا يخاف الخسائرَ،

بل يخاف التجلياتْ،

وقلبك مخربٌ أخرسْ..

يمارسُ المحوَ،

وأمارسُ الكتابةْ ..

ويمارسُ الهزيمةَ،

وأمارسُ النصرْ،

ويمارس الصمتَ،

وأمارس الصوتْ..

ويسقط في النهاية مربكاً فوق صدري..

وخالدٌ هو الصوتْ ،

الصوت لا يفنى،

بل يظل يرددُ عبر الفضاءاتِ:

أحبكْ ..    

 

(4)

في أيّ نبعٍ،

أيّ حلم ْ،

داخل الزمنِ، أم خارجهْ ،

بحضور الشقائق والزنابقِِ والسكاكينِ

أم في غفلةٍ من الشجر..

داخل الوجع والحمّى،

أم خارجهما..

أين كان ذلك..

في تسلل خطوك المرهف فوق كلوم روحي،

في أنين اللهفات المذعورةْ ،

في همس شاطئ يناديني،

أم شاطئ يناديكْ..

في نزيف الغابة الخريفيّ،

في انبهار العطرِ

في وجع القداحِ وهو يتلمس حضوراً يدعي النبوّة َ

ويعيد تشكيل الأشياءِ

لكن بالأساطير التي أوصدت أبواب الخلقْ..

وأقولُ ..

أدخلني في نورك كي أمسك بجذور الرياحْ

واصنع لي لغةً تتسع لأمجاد حزني كي أبصر براهينكْ ….

وادخلْ زمني

كي تظلّ مشتعلاً فيهْ ..

أسألكَ..

لماذا أتسعُ وتضيق مفرداتكْ

وأتحرر،

وتنكسر غصونكْ..

وأشتعلُ،

وينطفئُ البنفسج..؟

وقلبي تفاحة تقطّعها سكينٌ

على مائدة شرب ْ…

بنفسجةٌ،

نامت عشرين عاماً،

ثم أفاقت طريةً واثبةْ ،

قلبي غابة رحلت بدوحها وعصافيرها

إلى قلبك فارتبك وتساقطت نجومهْ ..

ينهمرُ النغمُ،

فجرٌ يشتعل

يترددُ الصوتُ مرةً أخرى..

“استغنيتُ بما عندي، وحُقّ لي..

 

(5)

في بحيرة البجع بجعةٌ مذبوحةٌ تحاولُ

القبض على الزردْ..

في بحر مجهولٍ تنزف أعشابه في القاع دماً،

وتلتاعُ أسماكهْ ،

في الليل تتحولُ امرأةً بأجنحة ملائكيةْ ….

يأخذها الأميرُ إلى سريرهْ..

أهذا أنت إذن..

أعزل بلا حصاة ولا زيتْ :

أحملك في دمي

جذراً مقطوعاً يعرّش في الزوايا

يرتدي معطف حبي،

ويمارس أمانه ويقرأ في الليل ِ

سفر تكويني،

ثم ترميني أنامله لشفة البحرِ،

وتنام التفاصيلْ..

أريد أن اسمع ما لم تقلْ..

فما قلته صار في ذمة زمن اخرسْ …

وهي الرعشة المرهقةْ ،

إذ تتوحد أشياؤك بأشيائي،

بالكونِ،

بالأرضِ،

بالسماءْ .

بطينةٍ تجمعني وإياكَ ،

نبيةً أحرق جوفها الصدأْ

بوردٍ يغضي خجلاً إذ نلمسهْ ،

بماء دجلة إذ يصارع الزمنْ…

قاهراً يعدو فوق النيران ِ

ويربت كتف الأرض أن يتسلل إليها التعبْ…

وأريد أن أعرفك كي اعرفْ .

تنكسرُ مرآتي ،

وادخلُ في الضبابْ ..

وموتٌ هو الشوقُ،

موتٌ هو القرب،

واختار بشجاعة الفرسانِ موتي

بهياً،

ومكللاً بالرياحينْ …

وأنت تقول:

علينا ألا نموت لشيءْ

بل أن نعيش من اجل شيء..

وكيفَ ،

كيفْ ؟

ونحن نموت دوماً من اجل الأشياء التي نعيشُ

بها ولها،

 

ومن اجلها،

ولقد كتب التاريخ ذلك في سفر شهدائهْ :

كل ثانية موتْ ،

كل ثانية حياةْ

كل رعشة غيابْ ..

كل استشهاد حضورْ

وكل حضور حضارةْ ..  ..

وموتي ضراعة ٌ،

وموتك امتثالْ …

فمتى  يمتثل موتك لموتي..!

تتشظى الأشياء ُ،

تتغيرُ،

            تتحولُ،

                      تتجددُ،

                            تنفصل ُ،

                                     تتحدْ…

ونحن نتشظى،

       نتغيرُ،

           نتحولُ

           ننفصلُ ، نتحدْ….

وأنت تقولُ..

نحن لا نتغيرُ، بل ننمو..

و أقولُ ..

بالنمو نتغيرْ

نكبر، ونسمو،

وتستفيقُ من حولنا الأشياءْ..

والأرضُ، الأرضُ،

                 الأرضْ

الأرضُ التي تفتحُ نعيمها لقلبي،

وتصنعُ لي من ترابها وسادة فرحْ…

الأرض التي تصنع لي من طينها براقَ شوق ٍ

يسري بي إلى قلبك َ….

            ويعرج بي إلى الجحيمْ…

الأرضُ مائدة السكارى بنشوة معصيتهم

وليلُ الهائمين بتراتيل وجدهم …

لماذا تتركني غريبة وتمضي..!

الأرضُ الدافئةُ ،

الأرضُ الطريةُ ،

الأرضُ الحريةُ

الأرضُ الوجود ْ

الأرض النشوى بإشتعال أنهارنا

ونحن نفوح بـ : لا.

الأرض نبضُ النار الهاربة منكَ،

المجتاحة ُغيومي،

النار التي تبذر في تراب الروح لظاها،

فتنشقُ السماءُ ،

وترجفُ الراجفةُ،

وينفخُ في الصورِ

وتقومُ قيامة الأشياءْ

حيث نكون بالحضارة شهداءَ على الناسْ..

وأنتَ حضارتي،

وحريتي،

وانبعاثي …

أنت حضارتي الغاربةُ ،

وحضارتي الشاهدةُ ،

وحضارتي التي لن تجيءْ

كنتَ معي إذ لم أكن معكْ ،

واستوقفتني بعيداً تلك الأشياءُ التي

لولا وجودها فيكَ ،

ما كان وجودْ .

دعوتني فانتصر صوتكْ:

أيها الحبّ الذي يشتعل دوماً

ولا ينطفئ أبداً،

أيها الحبّ أشعلني،

ومرني بما تريدْ..

وأقولُ :

أنت الذي دعوتني،

في فلوات الروح أسمعُ صوتك يناديني:

أيها المتألمون تعالوا إليْ

فصدقتك وأتيتْ،

فالويل لعسر العالمِ إن لم تفتح أنوارَ روحكَ

لروحي..

……..

ها أنا أقصدك

بحرق أزمنة مرةٍ

ما كان لها أن تنهض لولا أن باركتها السماءْ..

ها أنا أكتب على الصخرِ..

أحبكْ

كي تتعلم الأجيالُ حواريّة الحريةْ…

تعلمني،

أمْ أعلمكْ….!

والبطولةُ أن نموتَ ظمىً

لا أن نعبّ الماءْ.!

وبطولتي أن اصنع مائي وأن أنتزعهْ ،

أن اخلق أرضاً وسماءً يُسندانِ إلى

صدركَ رأسي،

فأنا لا احبّ بطولة الاستحواذ ِ،

بل احبّ بطولة استشهادي

حضوراً وفعلاً، وحضارة

وهذا الفن من الكشف والعلم، غوره بعيدْ

والتلفُ فيه قريبْ

فإنّ من لا معرفة له بالحقائق يصبو

فأغلق بابي

وتحدث في هذا الفن معي

فليس الحضور هو هذا الموتْ

لكنه شيء “وقر في القلبِ وصدقته الجوارح”

ولقد “كذبوا بما لم يحيطوا بعلمهْ ..”

والعلمُ ،

        هو هذا الثابتُ ،

             المكينُ ، المتجلي

                يدعوني فأجيبْ ،

                        ويقصيني فأدنو ..

        في الجنةِ ،

                وفي النارْ…

        في الحجب،

                       وفي التجلياتْ…

        في الجمع، والفرقْ 

                 في السكر والصحو ِ

وفي المحو والإثباتْ ،

                وفي كل حالٍ من أحوالِ الوجود المطلقْ

                حيث تمحّي الأشباحُ،

        وتنهارُ أسوار قلبك وقلبي..

تلك هي مواعيدُ الحقيقةْ :

اقرعوا يُفتحْ لكمْ ،

لأن من يطلب يأخذْ ،

ومن يسأل يجدْ ،

ومن يقرع يُفتح لهْ..

وسماء السماوات للربْ

فكيف السموّ بالوصالِ إذن..

وهذا المطر لا أصابع له،

لا سواعد له،

ولا تجلياتْ

فمن سيحرثُ أودية الحزن هذهْ..؟

والحزن يقبضُ القلب عن التفرق  في

أودية الغفلة،

والحزن ملك إذا سكن في موضع لم يرضَ

أن يساكنه أحدْ..

وهذه الأرضُ كانت محرومة من اللون والشكلِ

والجسم والروحْ  ،

لم تكن عدماً مطلقاً بل كانت يباباً

يناكد الربيعْ ،

وها هو الربيع يحمل طوفانهُ

ويجتاح عروقَ الكونْ …

لكن سطوة الأوامر تحيقُ بالجذورْ :

“يا أرضُ ابلعي ماءك، ويا سماءُ اقلعي”

والماءُ لا يغيضُ،

تتواصلُ الزوابعُ لان الأرض لأول مرةٍ

ترفضُ الامتثالَ ،

ولا تقلعُ السماءْ …!

و..

رأيتَ الذي لا كله أنت قادرٌ

عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ

فأن كنت لا يسليك عمـن تحبه

تناءٍ ولا يشفيك طـولُ تلاقِـي

فهل أنت إلا مستعير حشاشةً

لمهجـة نفـسٍ آذنت  بفـراقِ ِ

 

(6)

” قال السالكْ  :

 فامتطيت متن الجواد العتيقْ

وقلتُ :

الرفيق، الرفيق

واحترقتُ بين دقائق ولطائفْ…

ورقائق ومعارفْ

إلى أن وقفت بي الفرس في حضرة الجرسْ ..

فسمعت صلصلة الألحان بوقوع الامتحانْ

فاقشعر جلدي

وزال ما كان عندي،

ثم هبت عليّ عواصف رياحهْ …

فسترتني بريش جناحهْ

ثم نفّس عني،

فرأيت العوالمَ يتساقطونَ

على الأغيار تساقط النسور على الملاحمْ

قال السالك:

فلما ذهبت تلك الرياح العواصفْ

وسكنت صلصلة الرعود القواصفْ

وقد تنضد الجبينُ عرقاً

وذابَ خوفاً وفرقاً

بسط لي الجناحْ

وقال:

قد مرّت الرياحْ..”"

فلا تمرّي..

أيتها الريح المجنونة الطافحة بالكنوزِ

لا تمري،

فالثمر يملأ الفجاجَ،

والملايين في جوع ووصبْ

أيتها الريحُ المجنونة

افتحي طوايا الجسد واسكني خفاياهْ

وإياك أن تغادري الخلايا..

فالغولُ التي تبتلع الريح تحوم حول الكونْ

وأنظمة قتل الإنسان تتراكم في أجهزة الإحصاءِ

والبرمجة والتدميرْ..

أيتها الريحُ العاصفةْ …

 ادخلي عروق الشجرِ ،

ادخلي عروقي..

وإياك والمهادنة ْ

فقد قال القلبُ كلمته،

وماجت الأشياءْ.

والنخلة لا تجيد الانحناءْ ..

النخلة لا تنحني، ولذلك إشتعل الكونْ.. 

أيتها الريح  الحديديةُ المرّةْ…

علمي الجبال الرأسية أن تهتز بالمطرْ

وعلمي الزوابع أن تقتلع جذور الأرضِ

كي تخرج أثقالها..

……….

يقولون ليلى عذبتك بحبها حتى انطفأت

نيران الملاحمْ..

فيا اله السماءِ،

الهي..

خذ الشوق مني

وأطفئ بنورك ناري

خذ الشوقَ مني

وأطفئ سعير قراري

خذ الشوقَ،

خذ الشوقَ،

خذ الشوقْ……

وهذا الشوق وحده لا يخونْ

لان الحبّ لم يسقط أبداً،

ولا رتق أ ثوابهْ…

ولأنه الهمّ الذي يعطل الهمومَ

ويحولُ بين الوجع والرحمةْ ..

وعلى قدر المحبة يكون الشوقْ

وقلوب المشتاقين منورةٌ بنور الله

فإذا تحرك اشتياقهم،

أضاء النور ما بين السماء والأرضْ ،

وخرّ الملائكة ساجدينْ..

والشوق يصرخ في سماوات لغة تتفجرُ

في غور روحي،

تفتح مدناً أسطوريةً تلوبُ براكينها

ليلَ نهارْ..

ويسيلُ حنانها انهاراً من عسلْ..

والله يمسك السماوات على إصبعْ ..

والأرضين على إصبع  ..

والجبال على إصبع ..

والشجر على إصبعْ …

والخلائق على إصبع ْ….

لكنه يمسك قلبي بحنان كفيه كلتيهما …

ويقول:

لا تخافي..

أنا الملكْ..

وهذا الملكُ لكِ ِ

فأوقفي انهارَ الحزنِ،

وأدخلي في الأمانْ..

لكنني لا ادخلْ ،

فأنا على الأبوابِ انتظركْ،

حيّةً،

ميتةً،

مبلولة الشعرِ،

في جسدي تفوح روا ئح نيرانٍ صحراويةْ

وفي كفيّ تنكسر كؤوس الرحمةْ ،

وأبصرها تتشظى…

 في فضاءاتٍ وأبراجٍ

وأفلاكٍ بعيدةْ ،

وفي داخلي تموج الأكوانُ والأجرامُ والنيرانْ ..

وأظلّ على أبواب العرش انتظرْ..

موحشةً،

وخائفةً بدونكْ..

 

(7)

سفرٌ في الروح ِ،

سفرٌ في القيود ،

سفرٌ في الأغلالِ

وسفر في العيون

في مياه الأصابعِ،

في سماء السواعدِ،

في العلمِ الأزلْ

ولغوبٌ في نعيم الشفتينْ

ويقولونّ..

تجنّبْ،

تجنبْ،

فكيف وأنتم حاجتي أتجنبُ…؟

*

أهذا أنت إذن،

مسافرٌ،

مقيمْ

يقذف على الأرصفةِ أوراق انتمائه ويرحلْ

ويلوبُ الرملُ،

يشتعل ُ،

يبعثْ ….

وبحرُ المواجدِ يطوي كل ذلك بصمتٍ

ويقفل ضفافهْ..

والأبيضُ المتوسط، يهادن دمي

المتوسط ُالعاشقُ، المغامرُ،

الولهُ ، المدللُ ،

     النافرْ  ،

والمذبوحُ على موائد الخمارة البيض ِ

بقبعات رؤوسهم الصفراءْ   …..

………

المتوسط المسالمُ ،

الهادئُ ،

الهائج، المجنونْ

يفتح للحبّ موجتهُ ،

ويدعوكْ  ..

وأنا أقاومُ الخطيئةْ ،

أقاوم خطاياي وخطاياك معاً،

وأسألُ..

لماذا أنت بعيدْ..؟

والمقاومةُ سرّي،

وسفري،

وسطوةُ انبعاثي

المقاومة سرّي،

وسندي،

وسعيرُ اللحظةِ التي تمسك بجلابيبِ

استغاثتي أنْ تبوحْ..

واليقين هو العلم المستودع في القلوبْ

فكيف أنتظر تحقق الأسرارِ

بأحكامِ الغيبْ..!

وأنا أقاومْ..

أقاوم حزناً مراً

حزناً رصاصياً يهبط فوق صدري

جبروتياً كصخور قلعةٍ آشوريةْ….

وأنا سجينةٌ سومرية بلا قيثارة ولا قواريرْ

       محكومةٌ بصفرة قبعاتٍ ملوثةْ..

وأنا أصلي،

أصلي،

أصلي

وأدعو السماء أن تطفئ حرائق الأنهارالقديمةِ

 كي لا تتغير معالم المدنِ،

وتسقط أعمدتها

أمام عاصفةٍ جذورها الأزلُ،

ونهايتها.. لا ابدْ..

و…..

لو أنّ ما بي على صخرٍ لأوهنهُ ..

ولذلك انهارت الجسورُ،

وتهاوت الأركانُ

وظلّ قلبك متوجساً ينتظر ما سيأتي

بعد أن يبوح الكونُ بمكنونهِ ،

وتسفر الأسرارْ..

 

(8)

من جسدنا يبدأ العالمْ ..

هكذا عرف الفلاسفة محنة البدايةْ..

محنة َالجسد-العالمْ ..

الجسد-الكون ُالمرمريّ المقدسْ

جسدك النازفُ بين ساعديْ

        يقذفه الجبل نحو البحر ِ

             ولا يغسل البحر جراحهْ…

الجسد – شجرةُ الله المخضبةُ بالنورِ ،

المشتعلة ُوجداً ومحنةْ ….

وحبك محنتي وتعويذتي وغيمُ روحي

حبك الليل المقيم بأنواره ِ ،

ولطائفه وأحواله ومقاماتهْ ….

حبك عبير الأرض إذ تصير لها أجنحةٌ بنفسجيةٌ ،

تنهض لتعانق السماء لحظة انكشاف الملكوتْ …

وحينها أستغيثُ …

الهي …

أعوذ بك من طوارق الليل إلا طارقة حبْ ..

و…………….

نهاري نهار الوالهين فان بدا

      لي الليل هزتني إليك المضاجع

….

وهكذا نبدأ وننتهي في قلاع هذا الجسدِ،

في سماواتهِ ،

في بحوره وسهوله وهضابهِ ،

وأنهاره، وخفاياه، وخطاياهُ  ،

وحقولهْ  ..

في التماع الأعينِ،

في نداء الأذرع ِ،

في الألقْ،

الألقِ القدسيّ المحرّم ْ،

وإنها الخطيئةُ هذه الوحشة ُالأبديةُ ،

ما دمنا نمتلك صدوراً وسواعدْ:

أكفٌّ مرفوعةْ

ونار موضوعة ْ

ومفاتيح جحيم تتساءلُ

لماذا أنت بعيدْ..؟

……..

ريشُ الطيور المذبوحة يخز صدري

وتلوج في حياد ذراعيكَ روحي..

وهل يحتاج العذابُ إلى براهينْ …!

يسرقك البحرُ،

يسرقك النهرُ،

تسرقك السماءُ،

تسرقك الجراحْ ،

وحدها ذراعي العاجزة عن انتزاع حضوركْ…

وأنت اللظى،

والندى،

والسناءُ،

النعيم ُ…

المنى …

وأنت القريبُ،

البعيدُ،

الغريبُ

ضلالك تقوى،

ضلاليَ خلقٌ،

وسطوٌ،

وأنشودةٌ رتلت قبل أن يخلق الكونُ

أو تستفيق البحارْ ،

وقبل انكشاف الشموس على الأفقِِ ،

قبل ولوج النهارْ..

صار بيتي يقرأ خطواتك  ..

أليفةً تستفز نيران روحي ..

هل تقرأ نيران روحي..؟

وعلى الأرائكِ،

على السجاجيد الصغيرة ِ

في الزوايا،

في الأركان الدافئة أوراقكْ …

وفي أدراج قلبي ملفات حزنك وحزني  ،

وفي خلايا غرفي ينسلّ نبضٌ جذلْ ..

نبضٌ يتفتح مدناً ومآذن ومعابدَ …

وأقماراً وجنان سعيرْ .

نبضٌ ينساب في أرجاء البيت شواطئ أمنٍ

وسطوةْ..

ويحمل لي في بهاء الليلِ نجداً وعرارها ،

ورندها،

ونوّارها،

وريمها،

وميسها،

وشجاها …

وهل بعد العشية من عرارْ.!

فيا أيتها الحقيقةُ ،

يا نور قلبي،

لا تدعي الظلام يحدثني  ،

فيوم انحدرتُ إليه أظلمت عينايْ ،

وفي ذلك الضلال سمعت صوتكَ يدعوني ..

وها أنا أعودُ إلى مياهك الحيّةْ …

اشربُ منها واغتسلْ …

بنورها أحيا..

لا يبعدني عنها أحدْ..

…………………

………………..

في أواني الطعام أبصر وجهكْ

على المنضدةِ،

في لهفة الكؤوسِ،

في فناجين القهوةِ،

وفي مرايا السكاكينْ..

والمساءاتُ وجلٌ،

ووجعٌ،

وتربصْ..

والمساءاتُ قلق الأرجوان الرصينِ

في غابةٍ مربكةْ …

ووحدي المأخوذة بخوفٍ أزليٍّ

والبحرُ ليس بملآنْ..

أشياؤك توجعني،

تنغرس جمراً في غياهب جروحي …

فكيف ستذهب أشياؤك

وتلتاع داري

دفعةً واحدة كموتٍ مفاجئ،

أم بهدوءٍ،

كأمراض الشيخوخة .. ؟

وأيهما تفضل أنتْ..

الرصاصُ المباغتُ

أم الحقن الطويلة المدى!

وأشياؤك تركن وديعة ً كطفل بريءْ

هل البريء أنتْ..؟

وأنا المقتولة، الصامدةُ، الغائبةُ،

الحاضرةُ،

المغمورةُ بالنار،

من الذي قتلني؟

وتقول: المعرفة ما وجدتهْ

والتحقق بالمعرفة ما شهدتهْ..

      وإذا كانت العبارة ستراً

فلا تطلعني على السرْ.

      أشعله في دمي،

لعلك تقاسمني اليقينْ …

……

أتشبث بالظلالِ المستحيلةْ ،

أتشبث بالشك الذي يلوح بك وينأى …

الشك الذي يجعل يقينك جمرةً

وصحراء اسمعُ نشيجها في فضاء ليل داكنْ….

والصمتُ ، الصمتْ ..

الصمتُ دوائي،

الصمتُ يصلني بكَ،

ينفتح عليكَ،

       ينفتح لكَ

ومن أجلكْ …

وللحب علامات يقفوها الفطنْ ،

والعين باب النفس الشارعْ ،

وهي المنقبة عن أسرارها ،

والمعبرة ُ، لضمائرها ،

والمعربة عن بواطنها..

وفي البواطن أذىً،

في البواطن ينزف الشجر وتذبل العصافيرُ ،

وتنكسرُ المصابيحْ ..

ومن عرف الحجابَ أشرف على الكشفْ

و..

لما شكوت الحبّ قالت كذبتني

فمالي أرى منك العظام كواسيا

وفي العظام

يموج همسُ المعرفة وهو يخاطب الوجودَ

حراً كيوم أطلقته يد الله في اليوم السادسِ

ثم استوى على العرشْ..

وعرشي مجروحة كرسيّهْ

ضيّقة ٌلا تستطيع احتواء هذا العلم الشاسع المكينْ ،

وأنت الفعل ونقيضهْ ،

والحركة ونفيها

والحياة واندحارها،

                 تعاويذ الفقراءِ أنتَ

                         رقصة الجرحى على موائد السكاكينْ،

اختبئ في ضوء عينيكَ ،

في انهار صدركَ  ،

في ماء أصابعكْ  ،

اختبئُ ،

اختبئ ُ،

اختبئْ ….

فكيف ستقذفني للطوفانِ ،

وتمضي..!

يا نسيم الريح قولي للرشا

لم يزدني الوِردُ إلا عطشا

روحه روحي،

وروحي روحه،

فكيف سأختصر وجع المسافات الهي.!

ها أنا اصعد،

اهبطْ ،

يرفعني الموجُ،

السرمدُ،

الأزلْ .

يقتلعني عصفٌ أهوجْ …

وهوجاء هي العاصفة ْ،

لأنها تنسحقُ بانسحاقنا هي الأخرى،

ومن يشفي هذا الجرح المخضب بالنارْ ؟

والليل لا حدود له..

الليل ُصحراءُ متحركة الرمال تأخذ إلى الهاوية ِ

مَنْ عليها،

تأخذني،

تأخذ لواعج صدري

وبلابل شجايَ،

ووجعي،

وانخطافاتي..

وفي الليل تلوبُ الكلماتُ،

تلوبُ اللهفاتْ،

“ولو كان البحرُ مداداً لكلمات ربي لنفد البحرُ

قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا.”

“ولو أن ما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ،

والبحرُ يمده من بعده سبعة أبحرٍ

ما نفدت كلماتُ الله.”

وأنا ترحمني كلمة واحدة ٌ تتخطفها أصابعُ

السماء والأرضْ،

تتلجلج في عينيكَ ،

ثم تختنقْ…

وتسعفني نجمةٌ تسقط من نور يقينك َ

كي تستقر في غور روحي،

لكن نجوم عينيك سكنت أبراجها

فغامت الحركةُ،

واستقر الظلام ْ..

والليل أزلٌ،

ابدْ..

والشمسُ معلقةٌ في البلاد الغريبة ِ

لا اسمعها،

تدعوني

وأدعوها،

ولا تسمعْ..

والتهمةُ دربُ الباطل،

والأسئلة فعلٌ يلوبُ،

فعلٌ مشاغبْ …

وأنا لا أحبّ الجوابَ لأنه يسلمني لنزوةٍ سجينة ٍ،

             أو أزمة مغلقةْ ،

أزمةٍ  تختصر إيقاع الموت والتمني

ورائحة مُلكٍ لا ينبغي لأحدٍ من بعده ْ،

وأين المفرْ..

عيناك سجنٌ،

 

والقصيدة سجنٌ،

والكونُ سجنْ ..

فأيّ السجون أختار..؟

إذ اختار سجن القصيدةِ ،

لا يؤويني الزمن الذي أريدْ..

سجن القصيدة لا يلبث أن يقذفني خارج زمنهْ

ليحتويني زمنان مرٌّ أحلاهما..

فأسقط ما بينِ الجحيم والزمهريرْ..

والأندلسُ بعيدةٌ،

وأنتَ بعيدْ..

والمدنُ تدورُ،

والأكوان تدورُ،

وأنا أدورْ

ووحدك الثابت راوياً

كنت مخطئة يوم اعتقدته عليماً

وحدك الثابتْ

البؤرة التي انفجرت لتتسع دوائرُ البؤر ِ

وتتشابك الخطوطْ

فيا طيفها بالخيف إن مزارها

بعيدٌ ولكن دون ذلك أهوالٌ وآجالٌ

ومسالك ومعارج ْ،

وكانت الأرضُ خربةً وخاليةً ..

وعلى وجه الغمر ظلام ْ

حتى جاءت روحكَ ،

ودبّ الحنينْ …

فيا أيتها النفسُ المطمئنة علميني

فما بين الولع والمعرفة علوم وغيومٌ

وكلومٌ علمها عند ربي،

يخرج الحيّ من الميتِ

فأخرجني من مواتِ روحي

وزد وجدها اشتعالاً،

وأنهارها فيضاً

وشجوها اغترابْ ….

وآتها اللهم المعرفة واللهفة َ

وفصل الخطابْ

 

(9)

يَخرجُ الربيعُ من بين الأصابعِ

وتنهض شمسٌ في العينينْ

تتفرش السهولُ قطاً

وتفوح الرمالْ..

ووسط الرمال شجرة مباركةٌ

يساقط ثمرها عناقيد ضوءٍ في

شُرف روحي..

ووسط الرمال شجرة تبث إشاراتها

في كل اتجاه..

فتبرق السماء ُ،

ويرعدُ الكونُ،

وتشتعل الأشياءْ .

ووسط الدوامة يملؤني صوتٌ أثيري..

باطلةٌ كل الأشياء..

بهاءُ الأرض،

عطاءُ الأرض،

العيونُ ،

الجبالُ،

الينابيعْ ،

ألقُ العناقيد،

ألقُ عينيّ وعينيكْ

القُ المعرفة ِ..

الشجرةِ التي أحبْ..

أناشيد فرحي وحزني

الوردُ المتساقط في منابتِ عدوي

باطلٌ وفانٍ،

وإلى ذهاب

وتبقى غزلانه الدائرة حول العرشْ .

تبقى مصابيحه هو،

وقناديلهُ ،

وتجلياته في شفق روحي،

تبقى نيرانهُ ،

ومواجيده ُ،

ومكابدة وصله وفصلهْ .

وثمره ُ المشتعلُ في شجر قلبي،

 المضاءُ بمشكاة فيها مصباح في زجاجةٍ

يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نارْ،

لكن النار شبّتْ…

واختلطت بالأنواء والأنوارِ،

والصور والصواعقْ ،

فارتعدت الحرائق ليبدأ سَفَرُ الروح

وأنت تقولُ لي:

في الروح صدأ

والرحيل استغاثةْ..

وأقولُ لك..

وفي السفر صدأ كذلك

وصدأ الهجران توبة

صدأ نفيك عن أشيائكَ

وأنهاركَ ،

وينابيع معرفتك،

وعذاب عذابك وعلم علمكْ ..

وبين الولع والمعرفة سفر وبرٌ وبحرٌ

وامتثالْ..

فمتى تمتثل معرفتك لمعرفتي..

وليس من دواءٍ إلا الدخول في الحضورْ

والعودُ إلى المحظورْ،

وأنا أنتظر قمراً يليق بفصولي

يليقُ بشُرف البيدِ التي تسكن دمي

يليقُ بخمر أزمنتي،

ونِداء نَداي

لكن ذراعيك ظلتا عاجزتين عن مطاولة

عنان السماء،

وظلت عنق العناق معلقة في البرزخ

والسواعد مشدودة نحو الوصلِ،

والوصلُ مؤجل..

ففي أي اللحظات ستقوم قيامة الأشياء

كي يتكشف لك نغم السماء في جلال

ملكها العتيد

وتغمرك أنهار نارها،

وخمرها،

وجمرها،

وعسلها وشجاها

ومتى يهدي الله قلوبنا لنوره

كي تفتح الأبواب المغلقة

وتفك الأسوار والأغلال

لنسقط في حضرة الشهود

ساجدين؟!

  

 

إشارات

في النص إشارات من ..

القرآن الكريم

الحديث الشريف

الكتاب المقدس

الشعر العربي القديم

نثر المعري

القشيري

ابن عربي

ابن حزم الأندلسي

القديس أوغسطين