«الفايسبوكيون» هم أبطال هذه الدولة المجازية الافتراضية للشاعر التونسي، قصيدة تحدد لنا سمات غاية في الخصوصية وبنكهة ساخرة لهذا الإنسان الرقمي «الفايسبوكي» الجديد ومعها أيضا نقترب من هذه الهزة الابستيمولوجية العميقة والتي قعدت لأقانيم ومفاهيم حديثة لانزال نتخبط في فيافيها.

دولةُ الشّعْبِ الافتِراضِي

نزار شقرون

 

الفايسبُوكيّونْ

شعبٌ افتِراضيٌّ

خُلِقَ مِنْ نَقْرِ الكَلِمَاتْ

يَشْهَدُ أنّ العاَلَمَ أَكْبَرْ

والجُغْرَافيَا مُختَزَلةٌ في شاشَهْ

وَفِي كلِّ نقْرَةٍ

تُولَدُ أسْماءْ

تطِفُّ علَى بابِكَ

تسْألُكَ أنْ تَعْبُرَ بحْرَ الرّغَبَاتْ.

 

-2-

الفايسْبُوكيّونَ

مِلْحُ الأرْضِ هاَجَرَ معَ البَجَعَاتْ

يَحْمِلُونَ السِّبَاخَ

في حَناجِرهمْ

وَفِي عيُونهِمْ حلاَوةُ الوَميضْ

يَتَنَاسَلونَ خَارِجَ غُرَفِ النّوْم

أولئك الذينَ تمنَّوا عنَاقَ الشّوَارعْ

أولئك الذينَ في السّاحَاتِ العامّهْ

 تمنّوا حربَ القُبُلاتْ.

 

-3-

مَاتَ منْ لمْ يٌهَاجِرْ

إِلَى طَعْمٍ آخَرَ للْحيَاه

ماتَتْ هذهِ اللُّغَةُ الرّجيمَةُ

إنْ خَشِيَتْ لَعْنَةَ القَواميسِ

ولمْ تُجَرّبْ لَسْعَ الحِلْمةِ في الظّلُمَاتْ 

أَماتَتْ اليَقْظَةُ

كلَّ حلْمٍ طَريٍّ

يسِيرُ بِأناملِهِ عَلَى جَمْرٍ

لِيسْرِقَ نَارَ السّماواتْ.

 

-4-

الفايسْبُوكيُّونَ

عُمّالُ مَنَاجِمِ الشّهَواتْ

يُنقّبُونَ عنْ معْدَنٍ يلْتَمِعُ فِي السّرْ

لَيْلُهمْ إبْحارٌ في ممْنُوعِ الصّباحاتْ

يَكْرَهُونَ الصّبَاحَ القَديمْ

يُحرّضُونَ النُّجُومَ علَى الشّمْس

وَلَيْسَ لَهُمْ تَوْقيتٌ للنّوْم

عُمّالٌ عُراةٌ

إلاّ منْ شَوْقِ الميّتِ إلَى الحَيَاة.

 

-5-

أصَابِعُهُمْ معاولْ

وعُيُونُهمْ معلّقَةٌ على ما وَراءَ الكَلِماتْ

آذانُهمْ مُعطّلةٌ

فِي هذَا الشّعبِ خِصْلَةُ الثّورةْ

ضدَّ تاريخِ الإنْصاتْ

يُجرّبونَ الكتَابَةَ كمَا يَشَاؤونَ

يُخرّبُونَ قَبْرَ ابْنَ جنّي دُونَ أنْ يَعْرفُوهْ

ويَسيرُونَ دونَ إضْمَارٍ

في جنَازَةِ أحاديثِ الرّواة.

 

-6-

تبًا للأبْجدِيّه

ذاكَ مِفْتَاحُ عرْبَدَةِ النّزَواتْ

أمْضيْنَا قُرونًا نَحْفظُ الأخْطاءَ في المَتاحفْ

لاَ نُؤْمِنُ بِأنَّ الأقمَارَ مُظْلِمةٌ

ولاَ نَأْمَنُ لِغيْرِ منْ يُشْبِهُنَا

وصَارتْ خلايَانَا خلاَيَاهُمْ

أولئِك الذينَ سمّرُوا لِسَانَنَا في المّعلّقَاتْ

تبّا لنَا نُلاَعِبُ النّسَاءَ

ولاَ نُجِيدُ مُواقَعَةَ اللّغَاتْ.

 

-7-

الفايسبوكيّونَ

مُتّهَمُونَ بِعُقوقِ الأمّْ

موْعُودُونَ بالجحيم تحْتَ الأقْدَامْ

وهُمْ ثابتونَ علَى كراسِيهمْ لاَ يأبَهونْ

مَاذَا لَوْ تَحرّكَ هذا الشّغَبُ العفْويُّ

ماذَا لَوْ نبَتتْ في الأرْصِفَةِ عُروقُ الجُنُونْ

أَلاَ يَحْتاجُ الوجْهُ إلى مِرْآةٍ

لِقلْبِ العيْنِ إلى الدّاخِلْ

أمْ يحْتاجُ القِنَاعُ إلى دُهونْ؟

 

-8-

في الغرْفَةِ المُغْلَقهْ

يُحَُمّضُ الفايسبوكيُّ صُورتَهَ كيْفمَا يَشْتَهي

يتَجمَّلُ أو ينْثرُ الظُّنُونْ

لَكِنّهُ حالِمٌ يَسْتَعيدُ عبَثَ الأطْفالْ

يَخْتَبِرُ الحُرّيةَ دونَ قُفّازاتْ

يُراوِدُهاَ بِوُضُوحِ النيّةِ في جِمَاعِهَا

لاَ يُريدُها عارِيَةً

شَغفُهُ الأصْليُّ بِتمنُّعِهَا

يُغرِيهِ بتقْشيرِهَا بِأظافِرِ الغِيلانْ.

 

-9-

لكنْ هيْهاتْ

سيُعْلَنُ في غرفَةِ العمليّاتْ

بأنَّ النّيّةَ العربيّةَ رَهْنَ الآلهْ

وهذا النّبضُ مجْبُولٌ علَى المُعْجِزَاتْ

 

-10-

لذَا مُباحٌ

هذَا الشّوْقُ الافْتِراضيُّ

مادَامَ لاَ يعكّرُ هدُوءَ السّجٍلاّتْ

مُبَاحٌ تَقطيرُ أزْهارِ النّهديْنِ

مادُمْتَ أمامَ الحَاسُوبِ مَمْنُوعًا منَ الرّائِحَهْ

ممْنُوعًا منْ لَحْمِيَّةِ الكائنَاتْ

مُباحٌ إعلاَنُ الدّهْشَه

منْ حَليبِ الأمّ المغْشُوش بالمَاءْ

مادُمْتَ لأبِيكَ تَحْفَظُ الآيَاتْ.

 

-11-

الفايسبُوكيّونْ

يُسرُّونَ إلَى حبيباتِهِمْ بِخطّةِ الحُرّيّهْ

يَتجَاهَلُونَ الرّقيبَ الذِي

دَمُهُ مِنْ دَمِهِمْ

وَكُرَيّاتُهُ مَحْقُونَةٌ بالدّمِ الفاسِدْ

يَسْتبْسِلُونَ فِي تَحْريرْ مُتْعَةِ التَّطاوُلْ

عَلَى حَميده وحَميدْ وحامِدُونْ

وَيُشْهِرُونَ مَشاهِدَ إخْراجِ الرَّهائِنْ

مِنْ صَمْتِ الغريزهْ.

 

-12-

الفايسبوكيّون

يقلّبونَ حَيْرَةَ الفُوتوغرافيّ

كيْفَ يُحمّضُ صورةَ حيْضِ الواقعْ

مثْلَمَا تحْتَارُ المناضِلَةُ السياسيّة

في زَنْزانَتِهَا البَاردهْ

كيْفَ تُقْنِعُ السّجّانَ

بإملاَءَاتِ العادَه الشّهريّه.

 

تونس في 4/9/2010