يفكك الباحث التونسي في قراءته لتجليات الفقه الحداثوي لا مجرد اجتهادات باحثة يندرج كتابها تحت لواء مشروع محجوب بن ميلاد ورفاقه من رواد الفكر العربيّ الحديث، المشروع الداعي إلى الثقافة التنويريّة المشغولة بشروط لحظتها التاريخيّة الواعية بمتطلّبات ثقافتها وأولويّاتها، ولكن أيضا الكثير من مصادرات هذا المشروع وتناقضاته.

التفكير بالمطرقة في الفقه الحداثويّ العربيّ

قراءة في كتاب «حيرة مسلمة» للباحثة التونسيّة د. ألفة يوسف

مصطفى القلعي

 

"لسنا في حاجة أكيدة إلى ثورة دينيّة وإحداث تحوّل في الإيمان؟"(1)

                   "يعرفن أنفسهنّ: تحتفظ النسوة، خلف كواليس الغرور الشخصيّ كلّه، بازدرائهنّ اللاّشخصيّ للمرأة"(2)

1.     البُشرى:

تشهد الساحة الثقافيّة في تونس حركيّة لافتة بفعل تواتر ظهور الكتب المهتمّة بالتفكير الإسلاميّ والشّأن الدينيّ. وقد أثارت بعض هذه الكتب سجالات فكريّة أثرت المشهد الثقافيّ في تونس ممّا يحمل المتابع لهذا المشهد على التهليل والاستبشار فمشروع "تحريك السّواكن" الذي حدس به المفكّر التونسيّ المنسيّ في الثقافة الرسميّة والمستقلّة، على السّواء، محجوب بن ميلاد، قد شرع في التحقّق. وقد يَعُدّ المثقّفون صدور كتاب «حيرة مسلمة»(3) مدرجا ضمن مشروع بن ميلاد ورفاقه من مؤسّسي الجامعة التونسيّة والفكر العربيّ الحديث في تونس، المشروع الداعي إلى الثقافة التنويريّة المشغولة بشروط لحظتها التاريخيّة الواعية بمتطلّبات ثقافتها وأولويّاتها. فعنوانا الكتاب الرئيسيّ والفرعيّ قد يعِدان باتّجاه الكتاب نحو فضح السّلط جميعها التي تغرّب الكائن عن ذاته ونحو التصدّي لها. وقد يكون المتلقّي متفائلا فيطمح إلى أن يكون الكتاب متّجها نحو مقاومة ميادين الخرافة والأصوليّة عبر طرح الأسئلة المحرجة واقتحام الأنفاق العطنة لمواجهة الظّلام مثل البحث في دور الميراث وانتقال الملكيّة والزواج والمسألة الجنسيّة في الحراك الاجتماعيّ وفي إنتاج القيم وفي علاقتها جميعا بالتخلّف والوهن الحضاريّ العربيّ المعاصر. فالفكر العربيّ المعاصر لم يتوقّف عن رسم المسارب والثنايا الكفيلة بجعل الحضارة العربيّة تدرك مواقع الحضارات المتقدّمة. من ذلك ضرورة الإقلاع عن الفكر الوهميّ والعمل بالفكر الدّقيق وتسمية الأشياء بأسمائها. هذا ما يؤمن به عزيز العظمة، مثلا. يقول: "لن يتسنّى لنا الارتقاء إلى مصاف الأمم المتقدّمة إلاّ إذا أقلعنا عن الفكر الوهميّ، واستبدلنا خفّة اليد العقليّة وصنوها الاجتماعيّ والسياسيّ، وهو الفهلويّة، بالعمل وبالفكر الدّقيق، وإن سمّينا المسمّيات بأسمائها دون طلائها بأهوائنا (…) لن يتسنّى لنا الترقّي إلاّ إذا ضحّينا بلذّة الهروب إلى الوراء والحنين إلى ما ولّى."(4)

2.     ديكور الكتابة وثقافة التسويق:

بعد الفراغ من الكتاب، وبعد خفوت نشوة الاستبشار، لا بدّ من التنويه بأنّ كلّ ما فيه مادّة صالحة للتفكيك والتأويل، إذ لا شيء اعتباطيّ أو تلقائيّ فيه. بل يبدو أنّ للكتابة ديكورا تحكمه ثقافة التسويق المعاصرة، ديكورا يسعى إلى أن يكون ذا دلالة تطال عين المتلقّي قبل ذهنه. من ذلك لون الغلاف الدّال على التّيه وعنوان الكتاب وصورة وجه الغلاف وصورة قفاه والنصّ الإشهاريّ المثبت في ظهره. فالعنوان يتركّب من كلمتين نكرتين هما: حيرة/ مسلمة، أضيفت أولاهما إلى الثانية. والإضافة تخصيص للمضاف إليه، يعني استدراجه من النّكرة المجهولة إلى النكرة المخصّصة بالتّعريف. فكلمة "حيرة" خصّصت كلمة "مسلمة" النّكرة المعرفة؛ فهي نكرة لأنّها ببساطة ليست معرّفة. وهي معرفة لأنّها صفة لامرأة تنتمي إلى الفضاء الحضاريّ الإسلاميّ بحمله التاريخيّ والجغرافيّ والثقافيّ الدينيّ الطويل. هي صفة دينيّة. فالحائرة لم توصف بطبقتها الاجتماعيّة ولا بانتمائها الثقافيّ أو الإثنيّ ولا بجنسيّتها…إلخ وإنّما بدينها الذي به تؤمن، "والدّين إيمان قبل كلّ شيء وعقيدة وجملة من التصوّرات ونسق من القيم، فمواقف مضبوطة معيّنة وسلوك فرديّ وجماعي. ويعيش البشر تجاربهم الدينيّة وهم متفاوتون من حيث النّوع واتّساع الرّقعة ووحدة الوجدان".(5)

تبعا لذلك فإنّ هذه الصّفة، في إنابتها عن النّساء المنتميات إلى الفضاء الحضاريّ الإسلاميّ، صفة مخاتلة. فهي تعمل على الإيهام بأنّ حيرة هذه المسلمة هي حيرة كلّ المسلمات في مسائل ثلاث هي الميراث والزّواج وما تسمّيه الجنسيّة المثليّة. لكنّ في التّعميم تقيم المراوغة. فالمسلِمات أصناف ومنازل وجنسيّات وثقافات وحضارات. فهل حيرة المسلمة التونسيّة هي نفسها حيرة المسلمة السعوديّة أو الأفغانيّة أو الإيرانيّة، مثلا؟ هل حيرة كلّ المسلمات حيرة واحدة؟ بل هل حيرة كلّ التونسيّات واحدة؟ فمن هي المسلمة التي بلسانها يتكلّم هذا الكتاب؟ بقي أنّ دلالات الكلمتين المتضايفتين المعجميّة متنافرة؛ فالحيرة قلق، والصفة: مسلمة، اطمئنان. فهل يمكن أن نصوغ العنوان صياغة قياسيّة بهذا الشكل: حيرة مطمئنّة/ قلق مطمئنّ/ حيرة امرأة مطمئنّة؟

على يمين العنوان كفّان مطلقتان إلى الأمام مطبقتان غير متلامستين تماما، فبينهما فجوة صغيرة لا تخلو من دلالة. وتنساب الكفّان من أعلى الصفحة لتتوقّفا قبل أن تبلغ أناملهما أسفلها. فيبدو العنوان كأنّه متّكئ عليهما ينشد السّند والطمأنينة. أو كأنّ الحيرة طالعة من الكفّين المطمئنّتين. أو لعلّ رحابة اطمئنان الكفّين ستتّسع لتحتضن حيرة المسلمة في شؤون دينها.. والواضح أنّهما كفّا امرأة؛ فأصابعهما ليّنة طويلة. وكذلك أظفار الأصابع طويلة ومسوّاة مثقّفة. والشّيء نفسه بالنّسبة إلى المعصمين واليدين. فالمعصمان أملسان. واليدان ناعمتان. ومشهد هاتين الكفّين المطبقتين اللّتين تسندان العنوان ذو دلالة تتراوح بين الحيرة والاطمئنان. فإذا انفتحتا قد تطلع من بينهما حمامة الساحر البيضاء المدهشة المحيّرة. أوقد ترتفعان قليلا إلى مستوى وجه حاملتهما حين تشرع في تلاوة الأدعية وإطلاق الأمنيات. صورة قفا الغلاف دلالاتها تتحرّك، أيضا، بين الحيرة والاطمئنان. وهي صورة فوتوغرافيّة لامرأة من الرّاجح أن تكون المؤلّفة. ولو كانت الصّورة كاملة، كما جرت عادة النّاشرين في التعريف بالمؤلّفين، ما كانت مادّة للقراءة. غير أنّها صورة ناطقة التقطت لصاحبتها أثناء الحركة. وليست صورة ثابتة. وهي صورة مشطورة لا تظهر منها سوى منطقة التفكير؛ العينين والجبين. أمّا العينان فإنّ سمتي الوداعة والانشراح غالبتان عليهما. وأمّا الجبين فإنّ ملامسة الأنامل له حركة معروفة تدلّ غالبا على الحيرة والاستغراق في التّفكير. بقي أن نلاحظ أنّ الوجه وشعر الرّأس يعسر التأكّد منهما إن كانا سافرين أم مسدل عليهما الحجاب!؟ ولعلّ مردّ ذلك شروط الديكور ومتطلّبات التسويق!!

3.     المفسّرون "المعتدون":

إنّ قارئ هذا الكتاب لا يعسر عليه الظّفر بأطروحته المركزيّة المتحكّمة في مقولاته وآرائه أو بمنهجه. فجلّ حيرات الكتاب تفتتح بالنصّ موطن الحيرة ومبعثها. ثمّ تثنّى باستعراض نماذج من التفاسير التي "تتعسّف" على النصّ بشكل من الأشكال. وتثلّث بالنتيجة النموذجيّة المشتركة بين كلّ الفصول: النصّ أزليّ حكيم والتفاسير مغرضة متآمرة على النصّ القرآنيّ، وعلى الأمّة التي تفتي لها وتشرّع. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ "حيرة مسلمة" كتاب يعمل، بوعي كامل، ودون تصريح، على أن تكون آراؤه ونتائجه عامّة تشمل كلّ المفسّرين وكلّ المذاهب لا يستثني مفسّرا ولا مذهبا، والتعميم مغالطة. فالمدوّنة التي اشتغل عليها الكتاب منتقاة بدقّة متناهية لتحقيق هذه الغاية. فهي تشمل نماذج من المعتزلة (الزمخشري (ﺘ 538 ﻫ)) وأخرى من السنّة (مثل الطّبري (ﺘ 310 ﻫ) والرّازي (ﺘ606 ﻫ)) وثالثة من الشيعة (الطّبرسي (ﺘ 548 ﻫ)). فمنطلق الكتاب مردّه رأي إيمانيّ تبسيطيّ شائع منذ فجر الإسلام مفاده أنّ ما قبل الإسلام جاهليّة دينا ودنيا، ولا شعرَ هناكَ ولا شعراء، وأنّ العهد الإسلاميّ نور جهِد المفسّرون في إعادته إلى ظلام الجاهليّة وشوفينيّة القبليّة ﺒ "إسقاطهم لتصوّراتهم الاجتماعيّة بل القبليّة على النصّ القرآنيّ العامّ والمتعدّد المعاني"(6). وهذا الرّأي لطالما ردّده الفكر الحداثويّ العربيّ واطمأنّ إليه وأخرجه من دائرة المفكّر فيه. نقرأ، مثلا، لعبد المجيد الشرفي كلاما يطابقه ما ورد في كتاب "حيرة مسلمة" أو يكاد، يقول: "كانت الغاية من التفسير تسييج الفهم والتأويل وحصرهما فيما ترتضيه الفرقة العقديّة والمذهب الفقهيّ المعتَرف بهما واللذين (كذا!!) ينتمي إليهما المفسّر. وبذلك يُغلق الباب دون الاجتهادات الحرّة الخارجة عن مجالات الاختلاف التي كرّسها التاريخ"(7). لكنّ كتاب "حيرة مسلمة" يؤكّد أنّ القرآن نصّ صالح لكلّ زمان ومكان وشعب. "وهذا ما يجعل باب الاجتهاد مفتوحا دوما على مصراعيه من جهة وما ينفي الرّأي الواحد النهائيّ من جهة أخرى"(8).

إنّ الإعلان عن فتح باب الاجتهاد الموارب أو المغلق مطلب رئيسيّ من مطالب الفكر العربيّ المعاصر. وهو إعلان فيه إيمان بالفكر النقديّ. والثّابت أنّ الفكر العربيّ المعاصر قد وجّه جهدا كبيرا نحو إعلاء النّقد وتمجيده وبيان مفهومه وآليّات عمله. ﻓ"النّقد ما هو إلاّ التفحّص المجرّح بالبداهة، النّاقض للوهم والهوى الذي يجري مجرى الرّأي والنّظر واليقين. وما هذا التفحّص إلاّ عرض للأمور على أصولها في واقع التاريخ والمجتمع، وقياسها بمعيار العقل وتناولها تناولا متنبّها إلى ما يلبّسه التاريخ على من يساهم فيه دون وعي بمقّدمات آنه وبما يحتمل من وجهات تستقبل الغد على أساس ممّا هو كائن اليوم."(9). ويمكن أن يلمح القارئ في هذا الإعلان، أيضا، جرأة وشجاعة ومساءلة عاتية للمسلّمات والمؤسّسات والسّلط. وهذا ما تصرّح به الصّرخات التي حفل بها النصّ الإشهاريّ المثبت في ظهر الكتاب. نقرأ، مثلا: "ما الذي جرى للمسلمين حتى يصير الإسلام رديفا للانغلاق والتشدّد؟ ما الذي جرى للمسلمين حتى يصبح الطّبري أو الرّازي في بعض الأحيان أكثر تفتّحا من مشايخ الأزهر أو سواه من المؤسّسات الرسميّة التي تحاول مأسسة دين لا يقوم إلاّ على علاقة فرديّة بين الإنسان وخالقه؟ ما الذي جرى لنا حتى نعبد الفقهاء والمفسّرين ونؤلّه كلامهم وننسى أنّهم مثلنا بشر يجتهدون فيخطئون ويصيبون؟ (…) وإنّنا نرفع صوتنا عاليا لنؤكّد أنّ القرآن وحده هو الصّالح لكلّ زمان ومكان أمّا قراءاته البشريّة فنسبيّة متّصلة بانتماءات أصحابها وأطرهم التاريخيّة وعقدهم النفسيّة". هذه الصّرخات العالية والأسئلة الحائرة المحرجة رسالة أو لنقل ميثاق شرف بين الكتاب وقارئه المفترض يعده بنصّ منشقّ عن السّائد مختلف عن الرّائج مخلخل للثوابت ناقد للواقع بحثا عن التّغاير مع القديم والتنامي معه انشغالا بالآن وفعلا فيه.

غير أنّ الكتاب لا يفي بما يعد به قارئه من نقد ومساءلة وخلخلة. فهو يوهم بأنّ التفكير الحداثويّ العربيّ المعاصر قد شرع في ممارسة دوره النقديّ. فباشر اقتحام معاقل التفكير الفقهيّ "المعاصر" لمناقشة مسلّماته. ولكنّه، خلافا لما وعد به، ينخرط في السّائد ويختار من السّبل أبسطها فيعمد إلى تقرير البديهيّات مثل قوله: "ولكنّنا نودّ أن نشير إلى أنّ غياب حدّ قطعيّ وصريح للّواط والسّحاق في القرآن قد ولّد خلافا بين الفقهاء والمفسّرين"(10). ويكتفي بعرض المواقف الخلافيّة في القضايا الكبرى عرضا خاليا من النّقد والتفكيك والتأويل. وهي مواقف ساكنة نائمة في مدوّنات الفقه والتّفسير. والمطلوب من هذه المواقف، في هذا الكتاب، أداء دور واحد يخدم هوى الفكر واستيهاماته: الإشهاد على "خطل" المفسّرين واعتدائهم على حكمة النص. نقرأ: "إنّ عموم القرآن الذي اختاره الله عزّ وجلّ وسكوت القرآن عن كثير من الفرائض الذي لا يمكن أن لا يكون لحكمة قد غدا مجالا لمزايدات وصراعات فرديّة لا تفسّرها إلاّ المصالح البشريّة الماديّة الدنيويّة."(11) فهل تعني ممارسة فعل التّفكير استلال المواقف والآراء الفقهيّة والشرعيّة وعرضها في كتاب منفرد؟ وهل يعتبر هذا الكتاب علامة على تراجع الفكر الحداثويّ العربيّ عن منجزاته أم نحسن الظنّ به، على ما ألفنا من عادة، فنقول إنّه كتاب منشغل بالقارئ غير العربيّ يعطف عليه ويكفيه عناء تقصّي الفكر من المصادر والأصول، فيشير إليه غمزا بأنّنا قد شفينا من أهواء أجدادنا وصرنا من المتحضّرين!!؟

4.     المحاسبة والمعاقبة:

إنّ مثل هذا الكلام "إنّ المفسّرين (…) لا يتحرّجون من إضمار وجود تحريف طرأ على القرآن أسّ الرسالة المحمّديّة" يؤكّد أنّ كتاب «حيرة مسلمة»(12) قد جاهد لتقديم عمل المفسّرين على أنّه سوء نيّة(13) مقصود. فالكتاب يوهم بأنّه يقتحم باب الاجتهاد المغلق. ولكنّه في الحقيقة محاسبة للمجتهدين ومعاقبة لهم. بل إنّه يخرج المفسّرين من التاريخ، أصلا، فيظهرهم عديمي الأخلاق مفتقرين للنزاهة العلميّة متعسّفين على النصّ الشرعيّ. لا شيء آخر نصف به ما يقوله الكتاب في مسألة شغلته شغلا هَوَسيّا؛ نعني المسألة الجنسيّة. نقرأ: "والمهمّ أنّ الرازي وعددا من المفسّرين استنكفوا من غياب حدّ صريح للّواط في القرآن فطفقوا يبذلون كلّ الجهود الحجاجيّة لإثبات ذلك الحدّ وإن كان ثمن ذلك أن يتعسّفوا على لغة النصّ القرآنيّ وعلى صريح كلام الله تعالى"(14). غير أنّ الرازي، نفسه محلّ استنكار "حيرة مسلمة" واستفظاعه، كثيرا ما كان محلّ تنزيه وتمجيد في الفكر الحداثويّ العربيّ. نقرأ عنه، ما يلي: "والحقّ أنّ من كبار المفسّرين - ونقصد فخر الدّين الرازي بالخصوص- من كان واسع الأفق، لا يسكت عن الصعوبات التي تعترضه، فيطرحها بكلّ أمانة ويحاول تذليلها ما أمكنه ذلك، مقلّبا الأمر من مختلف وجوهه وموظّفا ثقافته الموسوعيّة واطّلاعه على جلّ المعارف في عصره، أو مفوّضا الأمر إلى الله عند الفشل في إيجاد مخرج مقنع ومكتفيا بالتسليم، إلاّ أنّه لم يشذّ في كامل تفسيره في التأثّر بسنّة ثقافيّة راسخة، مكبّلة في الأغلب لأيّ تعامل مع النصّ، مستقلّ عن تأويلات السابقين."(15)

إنّ طموح كتاب "حيرة مسلمة" إلى محاسبة المفسّرين ومعاقبتهم اعتمد على أدوات ليست من حجم هذا الطموح. من ذلك الاستشهاد بالخبر استشهادا مطمئنّا إلى كيد الرواة.. ولا قلق. فيتّكئ على تمرير أخبار غير مثبتة تمريرا يفتقر إلى النّقد. وهي أخبار في غاية الخطورة. نقرأ، مثلا، هذا الكلام في مسألة الزّواج، وهو يتضمّن خبرا مسندا إلى الشيخ الطاهر بن عاشور: "ووجد نوع ثان من النّكاح يسمّى نكاح الاستبضاع وهو أن يقول الزّوج لامرأته إذا طهرتْ من حيضها: أرسلي إلى فلان فاستبضِعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسّها حتّى يتبيّن حملُها من ذلك الرّجل الذي تستبضع منه. فإذا تبيّن حملها أصابها زوجها. وإنّما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد"(16). بهيمة هي المرأة، قبل الإسلام، يأتيها الذّكر أو تذهب إليه وقت الّلقاح فتلقح.. ولا قيم ولا أعراف ولا شعر ولا ثأر!! فإن كان مقام الخبر مقاما وجوديّا دالاّ على وعي العربيّ قبل الإسلام بخطر زوال الاسم والنسب فلا بدّ من الحفاظ على المقام أو الإشارة إليه، على الأقلّ. أمّا السّكوت عن مقام الخبر، في هذا السياق، فموقف الغاية منه ملتبسة. إنّ الفكر المتهافت يفضح نفسه بنفسه. ذلك أنّ الكتاب يعود لابن عاشور، مصدر الخبر السّابق، ويسند إليه كلاما ينقض الكلام السّابق المنسوب إليه يدلّ على حرص العربيّ على امرأته باعتبارها "بيضة الدّار"(17) ومحلّ الشّرف والعرض، وهما قيمتان الدّم دونهما. نقرأ: "لا شيء يحذره العربيّ من الحرب أشدّ من سبي نسوته"(18). فكيف لهذا العربيّ، الذي يخشى على امرأته من السبي في الحرب، أن يطلب من زوجته أن تتبهّم(19) وأن تضرب في البيداء تهزّها الغلمة وعيناها تقطران شهوة بحثا عن ذكر يلقحها؟ إنّها مكائد التهافت.

لكنّ أطروحات كتاب "حيرة مسلمة" القاضية ﺒ "خطل" المفسّرين وانسياقهم وراء نزواتهم ومصالحهم الشخصيّة، تبقى في حاجة إلى البديل. ويفاجئ الكتاب قارئه حين يقرّر النزول إلى الميدان وخوض غمار التفسير.. فكان السقوط مدوّيا. نقرأ: "ننشد النّظر في الآية الأولى (20) التي شاع أنّها الآية التي تبيح تعدّد الزوجات لنبيّن خطل هذا الموقف الشائع إذ نزعم أنّ هذه الآية لم ترد في مجال إباحة تعدّد الزوجات".(21) فهل التفسير زعم وتخمين؟ يفتي"الفقه "الحداثويّ" بأنّ القرآن لم يبح تعدّد الزوجات. لكنّ هذه "الفتوى" تصطدم بالتاريخ. فكان لا بدّ من مخرج لمسألة لا شكّ فيها؛ تعدّد زوجات الرّسول، والسنّة النبويّة هي المصدر الثّاني من مصادر التّشريع الإسلاميّ بعد القرآن. فيورد الكتاب خبرا مفاده أنّ الرّسول رفض أن يسمح لعليّ بن أبي طالب بأن يتزوّج على ابنته فاطمة امرأة غيرها لأنّ في ذلك أذيّة له ولها(22). ولكنّ هذا الخبر ورطة جديدة وليس مخرجا من الورطة الأولى!! فكيف يمكن تبرير موقف الرّسول الذي يرتضي لنفسه ما لا يرتضيه لصحابته ورفاقه؟ فكان المخرج الثّاني من المخرج الأوّلِ الورطةِ أشدَّ ضعفا وهشاشة: إنسانيّة الرّسول وأبويّته حملته على أن يمنع عن غيره ما أباحه لنفسه!! نقرأ: "الرّسول الإنسان يمكن لاعتبارات شخصيّة أن يحرّم ما أباحه الله تعالى فيبيح التعدّد لرجال المسلمين جميعهم إلاّ زوج ابنته."(23)

ويتفطّن الكتاب إلى أنّه ليس بمثل هذا التّفسير والتّأويل توحّد الأحكام والأمّة. فيستدرك نازعا عن الرّسول الثوب الإنسانيّ الذي كساه إيّاه، منذ حين، قافزا على الإشكال أصلا. يقول: "ونحن لا نقف هذا الموقف الذي قد يمسّ من شمول الرّسالة وقداستها"(24). ولم يبق أمام الفقه الحداثويّ سوى اللّجوء إلى المداورة التي لا تفعل سوى أن تلقي بصاحبها في ورطة ثالثة. نقرأ: "إنّنا إذ نؤكّد البعد التاريخيّ للرّسالة المحمديّة نؤكّد في الآن نفسه البعد الحميميّ الشخصيّ لحياة الرسول الخاصّة، فليس في زواجه وهو شيخ في الخمسين بابنة التّسع سنوات ما يحمل دعوة صريحة ولا ضمنيّة إلى أن يحذو المسلمون حذوه"(25). فلماذا هذا التذكير، في هذا السياق، بمسألة زواج الرّسول من عائشة، وفارق السنّ بينهما كبير، وهي مسألة أحرجت الصّحابة والمفسّرين والفقهاء؟ إنّ هذا التذكير لا يخدم أطروحة الكتاب في الإفتاء بأنّ القرآن لا يبيح تعدّد الزّوجات. ولا يضعف مواقف المفسّرين الذين اتّكأوا على السنّة مصدرا لفتاويهم!! إذا أحسنّا الظنّ بالكتاب، نقول: إنّ هذا الأمر غامض. وأوقع الفقه الحداثويّ في دائرة المضحكات. فهل مردّ ذلك كبر المطمح ونأي السّبل إليه فاختلاط المسالك، أم مردّه صغر السنّ إذ "لم يكن يقبل على التفسير إلاّ من تقدّمت به السنّ"؟(26)

إنّ الإصرار على محاسبة المفسّرين دفع الفقه الحداثويّ إلى تسلّق جبل التفسير دون مِران ممّا أوقعه في مهاوٍ مهلكة. من ذلك اعتبار أنّ المفسّرين قد اعتدوا على "الحكمة الإلهيّة". فالمفسّرون "لا يجدون حرجا في مخالفة خيار الله تعالى أن يسكت عن حظّ الأنثيين. أليس كلّ ما يفعله الله تعالى مستندا إلى حكمة؟"(27) لكنّ الحكمة الإلهيّة المتجلّية في الصمت لا تطلب صمتا حيالها. بل إنّ الحكمة خطاب عقليّ رصين يخاطب العقل الواعي المسؤول ويستفزّه للجدل والحوار والتّفكير. لكنّ الفقه الحداثويّ يغضبه البحث في المسكوت عنه. فيتساءل مستنكرا: "لماذا لا نتعامل مع سكوت الله عزّ وجلّ عن حظّ الأنثيين باعتباره حكمة من حكمه؟"(28) إنّه لا يدرك الأشياء دون جسّ ومسّ، كما قال الشابي. فلو سكت المفسّرون عن حظّ الأنثيين، في الميراث، احتراما للحكمة الإلهيّة، كما يدعو إلى ذلك كتاب "حيرة مسلمة"، فكيف سيعالجون مسائل الميراث والتّركات المعقّدة؟ ماذا يقول القاضي للورثة الذين يستفتونه؟ إنّ الفقه الحداثويّ ينظّر للفوضى. ويدعو لهدم النّظام الفقهيّ الذي أسّسه المفسّرون والفقهاء وقد احترقوا كثيرا من أجل أن يوفّروا الأجوبة والحلول للحائرين والحائرات. إنّ قراءة المفسّرين الصّمت القرآني هي التي أطفأت حيرة السّائلين، ولو إلى حين.. إنّ قراءة الصّمت كفاءة عالية تمتّع بها المفسّرون المسلمون القدامى وافتقدها الفقهاء الحداثويّون. وقراءة الصمت القرآني ليست "تعدّيا على صمت الله الحكيم"(29)، كما يفتي كتاب "حيرة مسلمة". هذه مغالطة. لقد ركّز كتاب "حيرة مسلمة" في حديثه عن الجنسيّة المثليّة على أنّ الفعل المتحكّم في حدّ اللّواط والسّحاق هو الإيلاج. فالإيلاج الذي في الزنى قد يخلّف اختلاطا في الأنساب. أمّا في اللّواط والسّحاق فلا. ولذلك فإنّ الفقهاء والمفسّرين خفّفوا من حدّ اللّواط والسّحاق. بل إنّهم ينفون حدّ الرّجم دون نصّ شرعيّ.(30) ونفي المفسّرين حدّ الرّجم هو ما يستغربه الكتاب.

لكنّ القراءة الوجوديّة التي لم يلتفت إليها الكتاب تدفعنا إلى الإقرار بأنّ اللّواط والسّحاق أخطر من الزنى لأنّهما يقطعان النّسل أصلا. ولهذا فإنّ المفسّرين كانوا على وعي بهذه الخطورة وهم يحدّون الحدود. وكانوا بدافع الغريزة والبقاء الإنسانيّين والوعي الحضاريّ يجتهدون من أجل بيان خطر الجنسيّة المثليّة وحدّها حدّا رادعا حتى وإن لم يكن فيها حكم نصيّ قرآنيّ صريح. لعلّه من البديهيّ القول بأنّ التفسير عمل إبداعيّ. وهو، كأيّ إبداع، لا يفهم خارج إطاره التاريخيّ والثقافيّ والاجتماعيّ الذي فيه نشأ، ولا يقيَّم خارجه. كما أنّ "التّفسير كان مكوّنا من مكوّنات منظومة كاملة يشدّ بعضها بعضا ولا يمكن سحب أحد عناصرها منها دون أن يهتزّ البناء برمّته".(31) أمّا استلال جهود المفسّرين في تفكيك النّصوص وتأويلها من إطارها فهو عمل غير منهجيّ، أوّلا، وغير منصف، ثانيا. فالتّفسير لم يكن اختيارا ولا لهوا ولا تسلية فراغ ولا استجابة لنزوة عابرة.. إنّه جهد وضنى ومكابدة ورشح جبين.. إنّه إعراض عن ملذّات الدّنيا، فلا وقت لها، حبّا في الحياة.. إنّه دلالة صارخة على إيثار العلماء وعلى اختيارهم الاحتراق شموعا يستنير بوهج علمها الآخرون.. إنّه مواجهة للتّاريخ بما هو منه.. بالتّاريخ.. هو عمل شاقّ تصدّى له رجال نذروا حياتهم للإنسان.. هو خدمة عظيمة للنصّ القرآنيّ وتواصل معه.. وليس اعتداء عليه، كما يروّج لذلك كتاب "حيرة مسلمة". إنّ الثابت المعروف أنّ طموحات عمر بن الخطّاب، ولهذا الكتاب مع عمر حكاية يرويها، في التوسّع الإمبراطوريّ تحقّقت بفضل الفتوحات التي شرّقت بالإسلام وغرّبت الأمر الذي خلق وضعين معقّدين؛ حضاريّ واجتماعيّ، فرضا على المفسّرين والعلماء تحدّيات كبيرة.

فلقد انضمّت أمم وحضارات وأجناس وأعراق ولغات كثيرة مختلفة إلى الإسلام. وهي، في الغالب، تجهل العربيّة ويعسر عليها استنباط الأحكام من النّصوص الشرعيّة، بل يستحيل. واستقرّ المسلمون في المناطق المفتوحة. وانتقل الوافدون على الإسلام إلى المدن والحواضر العربيّة الإسلاميّة وأقاموا فيها. إنّ ما أتاح هذا الاختلاط العرقيّ واللّغويّ والثقافيّ والحضاريّ هو الدّين الإسلاميّ، دين التّوحيد الذي تأسّس على نصّ مؤسّس هو القرآن. فكان التحدّي العظيم المطروح على المفسّرين هو إزالة "الحيرة" عن المسلمين وتيسير عمليّة اندماجهم في الفضاء الحضاريّ العربيّ الإسلاميّ. ولم يكن ذلك متاحا بغير توحيد الأحكام وبغير توفير الأجوبة عن أسئلة المسلمين واستفهاماتهم. إنّ عمل المفسّرين كان شرطا ضروريّا لتنتظم الحياة في المدينة العربيّة الإسلاميّة النّاشئة. وهو عمل مقاوِم للفوضى. التّفسير هو من العوامل الحاسمة التي ضمنت للأمّة تماسكها حين نجح في أن يضمن للنصّ المؤسّس أن يثبت شموله ولاتاريخيّته.

5.     نوسطالجيا الاسترقاق:

إنّ قارئ كتاب «حيرة مسلمة» يلاحظ مسألة غريبة لافتة تتمثّل في نوع من الشعور بالحنين إلى أزمنة الاسترقاق. وقد تمظهر هذا الحنين في أشكال مختلفة. منها تقرير أنّ "الرقّ لم يدع إليه القرآن ولم ينه عنه ثمّ منعه المسلمون"(32). ومنها التذكير الملحاح بما اقترفه المسلمون حين أجمعوا على إلغاء استعباد الإنسانِ الإنسانَ. نقرأ: "نذكّر بأنّ هناك نصوصا صريحة قد خرقها المسلمون شأن اتّفاقهم في القرن التّاسع عشر على إلغاء الرقّ الذي لم يلغه القرآن والذي تفوق الآيات المشيرة إليه والمنظّمة له الخمس عشرة آية"(33). والغريب أنّ القارئ لا يعثر على هذا "الخرق"!! بل لولا خشية الإسقاط لقلنا إنّ أجدادنا تقدّميّون. وعلى كلّ حال، أعتقد أنّه علينا أن نفخر بأجدادنا مفكّري القرن التاسع عشر الذين امتلأوا بلحظتهم ورأوا ألاّ يتركوا أمّتهم أضحوكة بين الأمم. وإن حظينا بشيء من خيال الروائيّين فلنا أن نتخيّل حال هذه الأمّة لو لم يصادق الأجداد على قانون إلغاء الرقّ.

ومن تمظهرات نوسطالجيا الاسترقاق المعاتبةُ؛ معاتبةُ المسلمين على إلغاء الرقّ معاتبةً مشقوقة بفكرة الأنوثة المضطهدة. نقرأ: "لا نفهم كيف اتّفقت التشريعات "الإسلاميّة" جميعها على إلغاء الرقّ بدعوى أنّه غير متلائم مع جوهر الشريعة الإسلاميّة القائمة على احترام النّفس والعرض، في حين أنّ هذه التشريعات كلّها تتّفق على إقرار ضرورة طاعة الزّوجة زوجها في الفراش بما يضمره من امتلاك شخص لشخص آخر، أي بما يضمره من قبول لمفهوم العبوديّة في إطار الزواج".(34) إنّ موازنة الزواج بالعبوديّة قياس في غاية التبسيط؛ فبهذا القياس تصبح طاعة التّلميذ المعلّم عبوديّة، وطاعة الابن أمّه وأباه عبوديّة، وطاعة المرؤوس رئيسه في العمل عبوديّة، وطاعة المريض الطبيب عبوديّة…إلخ فلماذا يهمل كتاب "حيرة مسلمة" النّظر في العوامل التاريخيّة والسياسيّة والفلسفيّة وغيرها التي كانت وراء إلغاء الرقّ؟ أ ليس إلغاء الرقّ انخراطا في العصر؟ ثمّ هل كان المسلمون فيه مخيّرين؟

إنّ ممارسة القياس التبسيطيّ لم تكن دون نتائج. فقد مرّ انفعال كتاب "حيرة مسلمة" من العتاب إلى الاستنكار. والاستنكار لم يوجّه إلى المفسّرين، هذه المرّة، بل إلى السنّة. نقرأ: "ألا يجمع الرّسول صلعم مرّة أخرى بين العبد والزّوجة إذ يقول: "تقول لك زوجك أنفق عليّ وإلاّ طلّقني ويقول لك عبدك أنفق عليّ وإلاّ بعني"(35). وموطن الغرابة أنّ الكتاب جاهد من أجل تحييد السنّة من الصراع الذي افتعله مع المفسّرين. ثمّ إنّ هذا الحديث يعصف بالقياس بين الزواج والعبوديّة. فلو جارينا افتراض كتاب "حيرة مسلمة" أنّ الزواج عبوديّة فإنّ الطّلاق أو العنوسة تحرّر. أمّا بيع العبد فلا، لأنّه ليس عتقا، وإنّما هو عمليّة تبادل للعبد تتمّ داخل نظام العبوديّة.. من سيّد مالك إلى سيّد مالك ثانٍ يسلّم الإنسانُ العبدُ. فهل أنّ تمرير موقف الاستنكار والتأنيب الموجّه إلى السنّة في باب السّهو أدخل أم هي استراتيجيا الكتابة الفقهيّة الحداثويّة القائمة على الإيهام والمغالطة والتّبسيط المشرئبّة أعناق أصحابها نحو شيء ما؟ إنّ العبوديّة عار على الإنسانيّة سحبته وراءها دهورا متطاولة. ولم تتطهّر منه إلاّ حديثا. فكيف يعاتب كتاب "حيرة مسلمة" أجداده لأنّهم ساهموا في مغسلة عار الإنسانيّة؟ ألم يكن من الأحرى مقارنة العبوديّة المعلنة الملغاة بالعبوديّة المستترة القائمة، عبوديّة رأس المال.. عبوديّة الخبز؟ أمّا الزواج فإكرام للمرأة والرّجل على السّواء. إنّ الزّوجة تنجب الحياة وتضمن استمرار النّسل وتشارك الرّجل ماله وفراشه وحياته وفقره وسعادته وشقاءه. فهل هذه منزلة العبد عند سيّده حتى يقارن بالزوجة!؟

6.     القَصاص من الرّجال جميعا.. القصاص

هذا الكتاب مشقوق في الصميم بفكرة الأنوثة المضطهدة، كما لاحظنا، حتى إنّه يرسم للرّجال جميعا صورة في غاية القتامة يظهرون من خلالها " قراصنة نساء" يستلذّون باصطياد المرأة لإذلالها واستعبادها واللّهو بجسدها وانتهاك حقوقها. نقرأ: "إنّ الفقهاء والمفسّرين لم يدّخروا أيّ جهد في اعتماد الإجماع البشريّ أو بالأحرى الذكوريّ واعتماد أخبار الآحاد والقراءات الشاذّة حتى يغمطوا المرأة حقّها"(36). ثمّة حرص شديد، في هذا الكتاب، على إعادة المجتمع القهقرى إلى العصر الذكوريّ وعلى التعامي عن الواقع حيث المرأة تحيا جنبا إلى جنب مع الرجل في كلّ المواقع والمسارب والثنايا. فمقارنة الزوجة بالعبد قائمة على نوع من المسكنة والمطالبة المبطّنة بالثّأر من الرّجال الظّلمة المعتدين. وصورة الزّوج، في هذا الكتاب، أشبه ما تكون بصورة عرفناها عند شكسبير؛ صورة "تاجر البندقيّة" اليهوديّ المرابي المتاجر في لحوم البشر. وإلاّ كيف نفهم هذا الكلام: "وإذا كان المبيع في عقد الزّواج هو فرج المرأة فإنّ الرّجل يشتريه لا بما يفرضه الزّواج من ضرورة إنفاق الزّوج على زوجته فحسب ولكن بما يدفعه لها من صداق"؟(37) إنّ بيع الفروج مهنة قديمة تتمّ في المواخير وبيوت الدّعارة. وهي تجارة معروفة تشرف عليها الدّولة في أحيان كثيرة. أمّا الزّواج فكرم متبادل بين الرّجل والمرأة.

إنّ كتاب "حيرة مسلمة" كثيرا ما يفقد توازنه. فهو يخلص إلى نتائج مريبة متشدّدة ملتبسة. منها، مثلا، استنكار الإجماع واستفظاعه واعتبار ألاّ خير فيه حتى وإن كان إجماعا على الامتناع عن القتل. فالكتاب يثبت بالخبر والحديث أنّ السنّة تقضي بقتل الّلائط ومن يأتي البهيمة. لكنّ المفسّرين اجتهدوا فأجمعوا على إلغاء حكم القتل هذا. هذا الإجماع على إلغاء حكم القتل عن الّلائط هو ما استنكره الكتاب! نقرأ: "فأمّا السنّة فيبدو أنّها تشير إلى بعض حدود من يعمل عمل لوط ومن ذلك ما ينسب إلى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم من أنّه قد قال: «مَن وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» (…) وهذا ما يتلاءم مع حديث آخر للرّسول رواه أبو داود والتّرمذي والنسائي وغيرهم ورد فيه: «مَن وجدتموه قد أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة» (…) فإذا ثبت حلول الإجماع محلّ القرآن فأولى أن يحلّ رأي المفسّرين محلّ قول الرّسول أحيانا. أ ليست السنّة النبويّة الأصل التشريعيّ الثّاني بعد القرآن".(38) فهل يعني ذلك أنّ المفسّرين القدامى ألطف من الفقهاء الحداثويّين الجدد وأقلّ تشدّدا منهم؟ هل يسمح الفقه الحداثويّ لنفسه بأن يدين إلغاء حكم القتل عن الّلوطيّين؟ هل يسمح لنفسه بأن يقبل، ولو جدلا أو فرَضا، الحكم بقتل الّلوطيّين؟ .. قتلهم؟ الجواب: نعم!! وهذا الدّليل: "وحتى إن اندرجنا ضمن الرّأي المتشدّد الذي يرى ضرورة قتل كلّ الّلوطيّين أو رجمهم فلا بدّ من طرح التساؤل التالي: هل قتلنا كلّ الّلوطيّين سيقضي على الّلواط؟ وهل الّلواط شأنه في ذلك شأن ضروب السلوك الجنسيّ الأخرى اختيار عقليّ واع يكفي الرّدع للقضاء عليه؟"(39) إنّ الفقه الحداثويّ قد قبل الافتراض! إنّ اللاّفت أنّ كتاب "حيرة مسلمة" لم يدرس ظاهرة الجنسيّة المثليّة دراسة نفسيّة(40) اجتماعيّة. بل بحث في الحدّ والحكم. وأقام عند حدّ القتل واستوطن!! والسّؤال الذي يجب أن يطرح هو: ما علاقة هذه القضايا التي حيّرت كتاب "حيرة مسلمة" بواقعها وبلحظتها؟ فلا أحد يرجم اللوطيّين أو يقتلهم، اليوم. بل إنّهم مقبولون في المجتمع. وفي كثير من المجتمعات، لهم فضاءاتهم الخاصّة بهم. كما أنّهم يشاركون النّاس الفضاءات العامّة.

7.     رمز لا صنم:

لقد ترنّح الفقه الحداثويّ، في هذا الكتاب. وترنّحه هو الذي جعله يشهر مطارقه عاليا ليهوي على الرموز متوهّما أنّها أصنام. على أنّه لا يضرب ضربة واحدة قاصمة. وإنّما يختار "الضربات الوقائيّة" التي تحقّق الهدف مع إمكانيّة الحدّ من الخسائر حدّا كبيرا. إنّ استعارة هذا القاموس العسكريّ ليست من باب الهزل. بل إنّه القاموس الأصلح لتفكيك شفرات الخطاب في هذا الكتاب. ففيه مواقف إدانة واتّهام مندسّة بين صفحات متباعدة موجّهة إلى عمر بن الخطّاب. إنّ التّهم الموجّهة إلى عمر في هذا الكتاب متنوّعة. فنجد تهمة قتل العبد وحرمان المرأة من الزواج وحتى الفظاظة: "فابن الخطّاب يقتل العبد ويحرم المرأة من أيّ علاقة جنسيّة بقيّة حياتها. وهذا التشديد وإن تلاءم مع شخصيّة عمر الفظّة لاسيّما إزاء النساء"(41) ... كما نجد تهمة أخرى هي تهمة التشديد على المرأة. تقول المؤلّفة: "ولعلّ نيّة التشديد على المرأة (في موضوع العدّة) تبلغ أقصاها مع عمر بن الخطّاب".(42) كما يدينه الكتاب بتعطيل الأحكام القرآنيّة وبالتجرّؤ على النصّ الأصليّ: " ولا ننسى أنّه سبق لعمر أن عطّل حكمين قرآنيّين صريحين وهما قطع يد السّارق ومنح الصّدقات للمؤلّفة قلوبهم. فإذا كان الرّجل قد تجرّأ على النصّ الأصليّ الذي حفظه الّله عزّ وجلّ من النّقصان والتّحوير فلِم نتعجّب من نهي عمر عن متعة سمح بها القرآن؟"(43)

من خلال ما تقدّم، يجوز لنا أن نفهم أنّ كتاب "حيرة مسلمة" رسم استراتيجيا دقيقة لتدمير صورة عمر النموذجيّة. فعمر العادل الفاروق ما هو في الحقيقة سوى ظالم جائر، جاوز عدوانه على المرأة الحدود والأزمنة. وعمر الذي صارع الجبابرة وفتح الأمصار صرعته عقدة متعة المرأة!! لكنّ كتاب "حيرة مسلمة" لم يكفه أن يحمّل عمر جرائر الماضي. بل حمّله أيضا المسؤوليّة عن مصائب الحاضر، حاضرنا اليوم، نحن أبناء القرن الحادي والعشرين!! نقرأ: "لولا أنّ عمرا قد نهى عن المتعة لما وجدنا في مجتمعاتنا الإسلاميّة اليوم هذا العدد المهول من الشباب والفتيات يعانون من الحرمان العاطفيّ ومن الكبت الجنسيّ. إنّنا نفضّل على الأقلّ اعتبارا أن يولد أطفال في إطار زواج متعة فينسبون إلى آبائهم شرعا وقانونا على أن نرى هذا العدد المتزايد من الأطفال غير الشرعيّين لا يجدون في كثير من المجتمعات سندا ولا عائلا ولا اعترافا اجتماعيّا".(44) هكذا يقرّر الفقه الحداثويّ؛ الكبت الجنسيّ عند الشباب (رمز الحاضر) وتشرّد الأطفال (والطفولة رمز المستقبل) مسؤوليّة عمر بن الخطّاب لا أحد سواه لأنّه "قد نهى عن المتعة"، المتعة الجنسيّة طبعا. فلو أباحها ما وجدنا اليوم طفلا مشرّدا واحدا ولا مكبوتا واحدا. فهل سيل الأطفال المشرّدين في البرازيل، اليوم، مثلا، سببه منع عمر المتعة؟ هل يعرف البرازيليّون والتايلانديّون، مثلا، أنّ خليفة المسلمين الرّاشد الثّاني قد منع زواج المتعة، خلال القرن السّابع الميلاديّ، فكان سببا رئيسيّا في أحزانهم ونكدهم وتشرّد أطفالهم؟

إنّ لعمر بن الخطّاب شخصيّة كاريزماتيّة. وعليه إجماع شبه كامل تاريخيّا. فإليه يعود فضل توجيه طاقات الأمّة الدّاخليّة نحو الفتوحات الخارجيّة. وفي عصره ساد ازدهار اقتصاديّ كبير. وهو الوحيد بين الخلفاء الرّاشدين الذي عرف عهده استقرارا سياسيّا تامّا. فأبو بكر واجه مشكلة الردّة. وعثمان واجهته قضيّة حرق المصحف التي انتهت بقتله. وعليّ وقع فريسة الفتنة الكبرى. فاستهداف هذه الشخصيّة بالاتّهام والإدانة لا يبدو أنّه بريء!! وإنّما يبدو استهدافا استراتيجيّا الغاية منه تحطيم الرّمز الكبير. لكنّ الرّمز يأبى التحطّم لأنّه يقيم في مناطق لا تطالها مطارق الهدّامين؛ يقيم في الأفئدة والقلوب والأذهان. والرّمز من إنتاج المخيّلة والحلم. أمّا الأصنام فيسير هدمها لأنّها تنتصب في السّاحات والميادين. وهي مقدودة من الطّين أو من المعادن. إنّ عمر رمز لا صنم.. إنّه لن يتهدّم.

8.     مواجهة التّاريخ بالنّزوات:

في كتاب "حيرة مسلمة" إصرار عجيب على التعامي عن أسئلة العصر وقرار بالخروج منه بالبحث عن حلول لمشاكل غير موجودة في المجتمع موضوعِ الدراسة. والكتاب لا يفعل سوى أن يمعن في تغييب المتلقّي عن الأسئلة الحقيقيّة التي تُشْكِل عليه ويضنيه أمرها والزجّ به في متاهات فقهيّة سلفيّة خلافيّة لا تفيده في شيء. ومن الحلول التي يلحّ عليها الكتاب ويراها لازمة لإصلاح مؤسّسة الزّواج ضرورة تعديل شروطه. فيقترح أنّه "علينا أن نعيد النّظر في اعتبار البلوغ البيولوجيّ وحده منطلقا لإمكان الزواج".(45) أمّا الشرط الرئيسيّ الذي لا مناص منه لذلك فهو ضرورة "تقنين السنّ الدّنيا للزواج بما يتلاءم مع طبيعة المجتمعات واختلاف قيمها وتصوّراتها عبر الأزمان".(46) إنّ من يقرأ هذا الكلام يصيبه العجب!! فيعتقد أنّ تونس، مثلا، بلد يعيش "حالة زواج" وأنّ أهل هذا البلد مزواجون!! وهو ما دعا الفقه الحداثويّ إلى أن يضطلع بدوره في الإفتاء والتفكير ويساهم، من موقعه، في البحث عن الحلّ الملائم لهذه الحالة الأزمة. ففي أيّ مجتمع يعدّ البلوغ البيولوجيّ وحده منطلقا لإمكان الزواج؟ هذا الكلام نظريّ. بل هو يهوّم في مدن الخيال. ولا علاقة له بالواقع. فسنّ الزواج متأخّرة جدّا في تونس، مثلا، مقارنة بباقي الدول الإسلاميّة. وليس مردّ الأمر فقهيّا مفاده التزام التونسيّين بفتاوى الفقهاء القدامى أو المحدثين أو عدم التزام. وإنّما السّبب واضح وبسيط ولا يحتاج إلى تنظير ولا إلى عبقريّة. فهو سبب اجتماعيّ بالأساس يتمثّل في ثقل وطأة مشكلة البطالة وفي صيغ الانتداب والتوظيف الحديثة التي لا توفّر الحدّ الأدنى الماديّ والنفسيّ الّلازمين للزواج، إضافة إلى غلاء المعيشة بفعل تسيّد رأس المال. ويروج أنّ جنازة كئيبة تعدّ لمؤسّسة الزواج قريبا، فلنطلب لها الغفران وللفقهاء الحداثويّين جميل الصّبر والسلوان. أمّا رأس المال فإنّه سيشرع في إقامة حفلات صاخبة ماجنة مبذّرة في أعلى قمّة جبل أولمب احتفالا بانتصاره على الحياة.

إنّ الكبت الجنسيّ أرّق الفقه الحداثويّ. ففكّر، ثمّ صرّح بأنّه عثر على التّعويذة السحريّة: إنّهما حلاّن بسيطان متاحان وغير مكلّفين؛ أوّلهما زواج المتعة الذي أقرّه القرآن!! نقرأ: "نعتقد أنّ إقرار القرآن بزواج المتعة من وجوه تيسير سبل العلاقة الجنسيّة"(47). ويفتي الفقه الحداثويّ بأنّ "زواج المتعة لا يمسّ بالثوابت الاجتماعيّة للمجتمع الإسلاميّ القديم. إنّه لا يمسّ بالنّسب ولا يخرق النّسيج الاجتماعيّ"(48) فلا ضير منه ولا خطر فيه. وثانيهما الاستمناء. نقرأ الفتوى: "أَوَلاَ يكون الاستمناء الذي يمارسه عدد كبير من الشباب المسلم ضرورة يفرضها بؤس العلاقات الجنسيّة في مجتمعاتنا الإسلاميّة اليوم تصوّرا وممارسة؟"(49) بإباحة زواج المتعة يتوهّم الفقه الحداثويّ أنّه انتهى من تهديم الرّمز.. عمر الذي كان قد منعه دون نصّ شرعيّ، فجر الإسلام. وبالدّعوة إلى ممارسة زواج المتعة تقتصّ المرأة لنفسها من الحرمان دهورا وتحلم بالوعد القريب؛ ولائم الغلمة والشّهوة. بزواج المتعة والاستمناء ينظّر الفقه الحداثويّ لتنظيم المجتمع. بالاستمناء تبنى الأُسر وتحلّ مشاكل الشباب ويساهم العرب في بناء القيم الكونيّة. الزّواج استعباد للمرأة وزواج المتعة متعة وحريّة وكرامة لها. هذه بدائل الفقه الحداثويّ .. هذه طموحات كتاب "حيرة مسلمة" التي أُقِرُّ بأنّه جاهد في التنظير لها وكابد جهادا ومكابدة مستميتين

حواشي

(1)        زهير الخويلدي: لزوميّة العود على بدء، تونس، 2008، ص 271.

(2)        فريدريش نيتشه: ما وراء الخير والشرّ: تباشير فلسفة المستقبل، ترجمة: جيزيلا فالور حجّار، مراجعة: موسى وهبة، دار الفارابي، ط1، 2003، ص 106.

(3)        د. ألفة يوسف: حيرة مسلمة في الميراث والزواج والجنسيّة المثليّة، دار سحر للنشر ط 1، أفريل 2008، تونس

(4)        عزيز العظمة: دنيا الدّين في حاضر العرب، دار الطليعة، بيروت، ط 1، 1996، ص 11.

(5)        د. عبد الوهاب بوحديبة: تقديم كتاب: أبعاد الدّين الاجتماعيّة، تعريب: صالح البكّاري، الدار التونسيّة للنشر، 1993، ص 05.

(6)        حيرة مسلمة، نفسه، ص 130.

(7)        عبد المجيد الشرفي: الإسلام بين الرسالة والتاريخ، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، ط 1، 2001، ص 174

(8)        حيرة مسلمة، نفسه، ص 148

(9)        عزيز العظمة: دنيا الدّين في حاضر العرب، نفسه، ص 15

(10)       حيرة مسلمة، نفسه، ص .205

(11)       نفسه، ص 58

(12)       نفسه، ص 56

(13)       "الحياة في سوء النيّة" فصل شيّق للفيلسوف زهير الخويلدي. انظره في: لزوميّة العود على بدء أو استراتيجيّات فلسفيّة، على نفقة المؤلّف، تونس، 2007، ط1. وراجع قراءتي للكتاب: مصطفى القلعي: الفلسفة الشاعرة، مجلّة كتابات معاصرة عدد 70 2008.

(14)       حيرة مسلمة، نفسه، ص 209

(15)       عبد المجيد الشرفي: الإسلام بين الرسالة والتاريخ، نفسه، ص 175

(16)       حيرة مسلمة، نفسه، ص 125

(17)       العبارة لمحمّد اليعلاوي: أدب أيّام العرب، حوليّات الجامعة التونسيّة، عدد20، 1981

(18)       حيرة مسلمة، نفسه، ص 128

(19)       اشتقاقا من لفظ "البهيمة"!!

(20)       الآية المقصودة هي: « وإن خفتم ألاّ تُقسِطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنًى وثلاثَ ورُباعَ فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألاّ تَعُولوا.» (النّساء 4/3)

(21)       حيرة مسلمة، نفسه، ص 132

(22)       نفسه، ص 134

(23)       نفسه، ص 135

(24)       نفسه

(25)       نفسه، ص 118

(26)       عبد المجيد الشرفي: الإسلام بين الرسالة والتاريخ، نفسه، ص 174

(27)       حيرة مسلمة، نفسه، ص 30

(28)       نفسه

(29)       نفسه، ص 42

(30)       نفسه، ص 208

(31)       عبد المجيد الشرفي: الإسلام بين الرسالة والتاريخ، نفسه، ص 175 – 176

(32)       حيرة مسلمة، نفسه، ص 134

(33)       نفسه، ص 57

(34)       نفسه، ص 91- 92

(35)       نفسه، ص 91

(36)       نفسه، ص 57

(37)       نفسه، ص 73

(38)       نفسه، ص 213- 214

(39)       نفسه، ص 224

(40)       لقد جرّبت المؤلّفة ممارسة التحليل النفسيّ في دراسة الحديث النبويّ. انظر: د. ألفة يوسف: ناقصات عقل ودين… فصول في حديث الرّسول (مقاربة تحليليّة نفسيّة)، دار سحر للنّشر، تونس، ط 1، 2003.

(41)       حيرة مسلمة، نفسه، ص 131

(42)       نفسه، ص 136

(43)       نفسه، ص 99

(44)       نفسه، ص 103

(45)       نفسه، ص 123

(46)       نفسه، ص 124

(47)       نفسه، ص 103

(48)       نفسه، ص 102

(49)       نفسه، ص 155