تكتب القاصة المصرية عن نماذج متباينة في همومها وأحلامها ورغباتها يجمعها شاطئ البحر كاشفة عن التناقضات المتصارعة التي تنتشر في المجتمع المصري والأسئلة التي تواجه مستقبله. وفي رصد القاصة شديد التكثيف لتلك النماذج تتلمس أعماقها وطرقها في الوجود.

شاطئ

سماح تمّام

الشاطئُ برماله، والبحرُ بأمواجه.. دنيا.

البائعُ الأسمرُ الآتي من جنوب البلاد لشمالها، يقطعُ الشاطئ عشرات المرات ليعودَ بعد أشهر الصيف حاملاً غلته ليُكمل دراسته ويحلم أن يأتي يومٌ يكون فيه هو الجالس على الشاطئ فلا تكتوي أقدامُ أطفاله برماله الساخنة، ويقصُّ عليهم كيف كان يوماً مثل ذلك الصبي الأسمر السائر أمامهم.

فتياتٌ صغيرات يرتدين لباس البحر بحرية قد لا تُتاح لهن بعد أعوام قليلة، وفتيانٌ صغار قد تخط شواربهم بعد سنوات فيصبحون أقبح، وكهلٌ يحلم بعودة الشباب وتكاد عيناه تلتهم المارات على الشاطئ حتى وإن ارتدين مايوهاً "شرعياً".

في غفلةٍ من الجميع شابٌ يواعدُ فتاةً بنظرة عينيه أن تقابله خلف الساتر، تتصنع الدلال والرفض، هواءُ البحر ينعشُ المشاعرَ ويوقظُ الرغبات، تتلفت وعندما تتيقن أن لا أحد يراها تذهب لتلبي النداء.

مجموعةٌ من الرجال ذوي اللحى الكثيفة يلهون ويمرحون في الماء، وأمامهم على الشاطئ قطيعٌ من النساء يقبعن في أماكنهن محظور عليهن أي شيء سوى إطعام الصغار وتمهيد المكان للسادة الرجال حيث اللهو والمرح والبحر حكر عليهم.

زوجان يتشاحنان وكأن البحر بجلاله لم يقو على إذابة الخلافات بينهما، وآخران من يراهما يتيقن أنهما مازالا حديثي عهد بالزواج، يدُه تحتضن يدها، يكادُ يعانقها في الماء، هل سيكرران المشهدَ نفسه بعد عام؟

صيادٌ يعرض بضاعته: سلحفاة مائية، تحرك زعانفها وتُصدر أصواتاً، يضحك الأطفال، والكبار يلتقطون لها الصور، ولا أحد يدري أنها لا ترقصُ فرحاً وإنما تفارقها الروح فترتعش. تُحْتَضر ولكن لا أحد يلتفت لأنينها. يضحكون ويساومون وينصرفُ الجميعُ بعد أن رقصتْ رقصةَ الموت الأخيرة.

وامرأةٌ تجلس بمفردها، تضع السماعات في أذنيها، فتزيد عزلتها عمن يحيطون بها، تستمع لأغنية حزينة: "يا عطارين دلوني"، ترتدي دبلتين في إصبعها، الشواهد كلها تنبئ أنها سيدةٌ رحلَ عنها شريكُ العمر ولم يعدْ.