يعود باب علامات في هذا العدد إلى عام 1954 ليقتطف من مجلة الآداب استفتاءاً أجرته مع عدد من الموسيقين والنقاد العرب. وفيه يبدو مفهوم الالتزام والملامح الثقافية للمرحلة واضحة الحضور في عموم الإجابات. ولقارئ الكلمة نترك الاستفتاء كي يعقد محاكمته الخاصة بين خطاب الأمس وخطاب اليوم.

الموسيقى العربية المعاصرة.. هل تعبر عن روحنا المتوثبة؟

أثير محمد على

يعود باب علامات في هذا العدد إلى عام 1954 ليقتطف من مجلة الآداب البيروتية استفتاءاً كانت أجرته مع عدد من الموسيقين ونقاد الموسيقى العرب، ووجهت فيه السؤال التالي:

أتعتقدون أن الموسيقى العربية المعاصرة تعبر تعبيراً صحيحاً عن الروح العربية المتوثبة؟ وما هي اقتراحاتكم في هذا الموضوع؟

جاءت الإجابات على التوالي لكل من نسيب الاختيار، عاصي الرحباني، منصور الرحباني، حليم الرومي، يحيى السعودي، محمد حسن الشجاعي، صبري الشريف، محمود الشريف، سلمان شكر، هشام الشمعة، كمال الطويل، أحمد عسه، محمد القبانجي، حكمة ممتاز.

من المؤكد أن السياق التاريخي لبداية ما بعد الاستعمار، إضافة لإعلان دولة اسرائيل شكل العامل المؤثر الأول الذي تحكم في طبيعة الآراء التي أرسلت إلى مجلة الآداب، والتي التقت جميعها عند خطاب الحاجة لربط الموسيقى بالفن والتاريخ والاجتماع والتأكيد على مفهوم الالتزام والحاجة إلى التربية الموسيقية، ولعل عموم هذه الرؤية هو ما جعل وجهة نظر البعض منهم تنحاز إلى نوع من الأخلاقوية ترى تناقضاً تقيمه بين فن الروح وفن الجسد، الأول هو المثال التربوي وله السمو والرفعة والثاني ترفيهي تطريبي وبهيمي حسي.

لقارئ الكلمة نترك استفتاء الآداب كي يعقد محاكمته الخاصة بين الأمس واليوم، ويجادل في إمكانية فن لا تناقض فيه بين الروح والحس، أو بين التهذيبي واللعبي.

الموسيقا العربية المعاصرة.. هل تعبر عن روحنا المتوثبة؟

 

جواب الأستاذ نسيب الاختيار (سوريا)

لو سئلت في موضوع الاستفتاء الذي وجهته مجلة "الآداب" الغراء، لقلت: أتعتقدون أن الموسيقى العربية المعاصرة، تعبر تعبيراً صحيحاً عن الروح العربية الحاضرة، بدلاً عن الروح العربية المتوثبة، ذلك لأنني أعتقد أن الوثبة التي أشارت إليها مجلة الآداب الغراء، ليست من القوة بمكان يؤهلها لبعث فني جديد، يتجاوب مع المدى المبدع لكل وثبة خلاقة، فإذا كان عالمنا الذاتي صورة مشاعر وأفكار عالمنا الخارجي، فإن موسيقانا المعاصرة، تعبر تعبيراً صحيحاً عن الروح العربية الحاضرة. إن شأن الموسيقى شأن سائر الفنون الجميلة، تتمشى مع الحياة الشعورية والفكرية للمجتمع الإنساني. فحينما يكون المجتمع في مستوى رفيع، تأخذ الموسيقى لنفسها طابع هذا المستوى، فتحف (بيتهوفن وشوبان أو موزار وفردي) ما كان في مقدورها أن تحتل المكانة السامية التي احتلتها في دنيا الفن، لو أن ثقافة المجتمع الذب عاش فيه هؤلاء العباقرة كانت دون ثقافتهم، فهذا التجاوب الذي قام بين الفنانين والمجتمع الذي وجدوا فيه، هو الذي ألف بين فنهم وعواطف الملايين من عالم الأحياء. فإذا كانت في العالم العربي ثمة وثبة، كان من الطبيعي أن يكون في العالم الموسيقي وثبة مماثلة، ولكن الغلالة الحريرية الناعمة الملساء التي نخعلها على دنيا وجودنا، لا تخفي الواقع الأليم الذي نتمرغ فيه، ولا الحقيقة المرة الجارحة التي نحياها، فالوثبة التي نطالع مظاهرها البراقة في العالم العربي، لا تنبثق من جذوره ولا تنبع من أعماقه، إنها وثبة سطحية لا تتصل مباشرة بحياة المجتمع العربي، ومن هنا كانت الموسيقى العربية المعاصرة، لا تتجاوب مع التطور التاريخي، لما يجب أن تكون عليه الموسيقى، في عصر تطورت فيه القيم والمثل والمفاهيم.

فالقضية إذاً قضية اجتماعية قبل كل شيئ، قضية لا تتوقف على مدى التجاوب أو عدمه، بين فئة معينة من الناس، وبين موسيقى معاصرة تفيء إلى ظل القرن العشرين، وما في هذا القرن من إمكانيات تحقق (معجزات النبوة) كما يقول فاليري، كما أنها لا تتوقف على الطريقة أو الشكل أو النوع الفني للألحان والأنغام، وإنما تتوقف على المجتمع نفسه، فالمجتمع الحي له موسيقاه الحية والميت له موسيقاه الميتة، والفنان المبدع، هو الفنان الذي يصور حياة مجتمعه الدافقة، ويدفع هذه الحياة إلى الأمام، فيما إذا كانت راكدة، إنه لا يعود بنفسه إلى نفسه، ليستمد منها إبداعه، ولا يشرأب بعنقه إلى العلاء ليستوحي إلهامه، وإنما يرتد بذاته إلى المجتمع، ومن المجتمع يتحرى عن الينابيع الأولية للفن.

ففي المجتمع مادة غنائية موفورة، وهذه المادة هي (الأغاني الشعبية) إنها بسيطة ساذجة، وجمالها في هذه البساطة والسذاجة، وهي إلى هذا أمينة صادقة، تعبر عن مشاعر الشعب أحسن تعبير، فنحن نجد فيها العاطفة الصافية، ونلمس في أطوائها الفكرة الواضحة، فهذه الأغاني الشعبية هي التي تتألف منها ثروتنا الغنائية الوطنية، فإذا أخرجت على أحسن وجه وأعدت على أفضل صورة، كان في الإمكان أن تتطور وتحتل المكانة اللائقة بها في عالم الموسيقى، كفن غنائي مصور ومعبر عن المادة الأولية لمجتمعنا العربي.

ونحن إذا ألقينا نظرة عامة على تاريخ تكون الموسيقى في الغرب، نلاحظ أن هذه الموسيقى لم تتحدر من مشاعر وأفكار الذين يتمثلون (الروح المتوثبة) في فئة معينة من الناس، وإنما تبعث من الشعب، فالشعب الذي برم بالألحان المقررة التي فرضتها عليه كنيسة القرون الوسطى، وبدأ الشعور الوطني ينمو فيه، ألقى بتلك الألحان خلف أذنه، فرفع عقيرته بأغانيه المحلية، ومع الأيام تطورت هذه الأغاني، إلى أغانٍ وطنية أكسبها سير الحضارة العالمي، صفة العالمية.

فالشعب هو الذي يصنع ألحانه، يستمدها من آماله وآلامه، وأشجانه وأحلامه، وليس في الإمكان أن يُمكَّن لموسيقى في وطن ما، فيما إذا لم تنبثق من دنيا شعب هذا الوطن، أما أولئك الذين لا يرون في موسيقاهم ظاهرة تتجاوب مع توثبهم، لأن أوضاعهم الاجتماعية مكنتهم من التزود بما لم يتزود به غيرهم من الناس، فهم غرباء عن الوطن الذي يعيشون فيه، ذلك لأن التوثب الفردي/ أشبه ما يكون بـ (نيزك) يتسع ويخبو، دون أن يخلف أثره غير الفراغ.

 

جواب الأستاذ عاصي الرحباني (لبنان)

الموسيقى العربية لا تعبر عن أماني الجيل الجديد. فنحن إذ نرى الفنون العربية الأخرى تجاري الروح الوثابة، ونحاول أن تسير في طليعة الموكب الفكري العالمي، نرى الموسيقى العربية ما تزال بدائية لا تختط لنفسها الطريق إلى الصيرورة الفنية، بل هي لا تحاول أن تكون موسيقى لأنها تتبع الشعر في تموجاته وأوزانه. وهنا نقول أنه مع الأسف لا موسيقى لدينا ولكن عندنا كلام ملحن، وهذا التلحين نفسه لا يساير الجمال الموسيقي بقدر ما يساير الانسياق الشعري، في حين أن الموسيقى عالم قائم بذاته له جمالاته ومقاييسه المستقلة، فأنت لو جردت أي لحن من ألحاننا العربية عن كلماته وعزفته لوجدت أنك تعزف جملاً تائهة لا معنى لها. وفي اعتقادي أن الطريق للارتفاع بالموسيقى العربية هو أن يكب الفنانون على العلم الموسيقي الصحيح وعلى إحراز ثقافات عامة، فما من فنان يستطيع أن يرضيك، إلا إذا كانت له مثل ثقافتك، وما من فنان يستطيع أن يقودك إلا إذا كان يملك من الثقافة وأكثر مما تملك من موهبة.

 

جواب الأستاذ منصور الرحباني (لبنان)

هنالك نوعان من الموسيقى: الموسيقى الآلية والموسيقى الصوتية، فإذا كان السؤال يريد بالموسيقى المفهوم العالي للكلمة، وجب علينا أن ننفي وجود الموسيقى العربية... إن كل ما عندنا ألحان مصاحبة للشعر. ثم أنه ليس لدينا حتى الآن موسيقى آلية علمية ذات قيمة جمالية.

وأما في الموسيقى الصوتية، فإن الكلمة من حيث هي كلمة في العمل الموسيقي لا قيمة مستقلة لها، إن هي إلا محور تدور عليه الحركة الموسيقية المقصودة، وقد تلبس هذه الكلمة في الوقت نفسه عدة أشكال لفظية حسب الانسياق النغمي، وقد يصعب على المستمع فهم بيت من الشعر بأكمله وهذا لا يهم هنا لأن المقصود هو كما قلت تطوير النغمة إلى أجمل، ورفع الخيال إلى ذروة تعبيرية مطلقة، كما أن المقطوعة الموسيقية ليست خطاباً وجب ألا يغيب عنا حرف منه.. ذها النوع من الموسيقى لا وجود له عندنا.. لعجزنا!

أما في الموسيقى الإلقائية فالكلمة أولا، غير أن للنغم حصة في مائدة المعنى، وهذا النوع أقل أهمية من الأول وهو الشائع عندنا. والحق أن غناءنا لا يعبر مطلقاً عن الروح العربية الحديثة.. بما فيها من الأدب والشعر والرسم وكافة العلوم والأعمال التي تخلق النهضة والآخذة بالصعود إلى الخط العالمي، مع ما يواكبها من ارتفاع في المشاعر وانبثاق آفاق عاطفية جديدة... الغناء العربي يقتصر حتى الآن على موضوع واحد هو الحب الباكي...

أما اقتراحاتي فتتلخص في تثقيف الملحنين، أدبياً وفنياً وأشعارهم. إن عملهم ناحية من نواحي النهضة الفكرية في البلاد وليس مجرد لهو أو طرب...

على دور النشر الموسيقية كالإذاعات وشركات الأسطوانات، والمسارح أن تقرر فيما بينها مستوى من الموسيقى لا تنزل عنه، مما يدفع الملحنين إلى الاجتهاد لبلوغ هذا المستوى، وحين تتوفر لدينا مؤلفات راقية وإن جاءت في البداية غريبة الوقع على أذواق الناس، فإنهم يتعودون سماعها بالتكرار، والتذوق الموسيقي حالة من حالات الثقافة لا تدرك بالفطرة...

 

جواب الأستاذ حليم الرومي (لبنان)

إن كل ما في الإنتاج الموسيقي-الغنائي العربي يدل دلالة أكيدة على أن هدف أكثر الملحنين هو إرضاء ميول الجماهير من حيث ترفيههم فقط وليس من حيث توجيه أذواقهم نحو الأغاني القوية المعاني ذات الألحان المتينة المعبرة تعبيراً صادقاً عن حقيقة الروح العربية المتوثبة والوعي القومي المتوقد والطفرة الوطنية الجامحة. والواقع أن سبب إعراض الملحنين عن ولوج باب (محاكاة الوعي) يعود إما لعجز الملحنين الفني، وأما لقلة ما يدرّه هذا الباب عليهم من كسب مادي جعلهم يتغاضون عن أهمية واجباتهم أمام الله والوطن والتاريخ. ولذلك ولكي يلوّن الإنتاج بألوان القومية التوجيهية إلى جانب مراعاة عنصر الترفيه، ولكن إلى الحد المعقول، فإني أقترح:

إثارة حملة صحفية بمطالبة الحكومات العربية فرض رقابة على الإنتاج الأدبي والموسيقي والغنائي فلا تستقل شركات الأسطوانات بما تقدمه من سخافات هدامة لنشاط الشباب وعنفوانه وطموحه في الحياة، والدعوة إلى تأليف لجان من المفكرين والأدباء وكبار الفنانين للإشراف على برامج الإذاعات وأحداث أركان يومية أو أسبوعية يذاع فيها من الأغاني الجديدة ما هو كفيل بإذكاء الشعور الوطني وبتذكير كل فرد بواجباته تجاه وطنه وأمته. على أن تتنوع الأغاني في هذه الأركان فلا تكون كلها من الشعر الخالص إذ لا بأس من نظم بعضها من الزجل الإقليمي الراقي، مراعاة لنسبة التعليم والأمية العامة.

وأما مراقبة برامج صالات الليل فأمر ضروري جداً لما تقدمه هذه الصالات من أغان لا تتفق والعزة القومية الوطنية التي نسعى إلى تحقيقها عن طريق الفن، فإذا تحققت لنا هذه الأحلام يصبح كل فنان عندها مجبراً على تثقيف نفسه أدبياً وعلمياً وفنياً ليضمن وجوده وبقاءه في دنيا جديدة، البقاء فيها دائماً للأصلح.

 

جواب الأستاذ يحيى السعودي (رئيس قسم الموسيقى بالإذاعة السورية)

إذا كان القصد من التعبير هو تصوير المعاني والخلجات النفسية فجوابي نفي تام.

فالموسيقى العربية مفتقرة إلى هذا النوع من التأليف. ولقد حاول بعض المؤلفين العرب تصوير المعاني والأفكار فنجحوا إلى حدٍ ما، ولكن هؤلاء لايزالون قلة في بلادنا مع الأسف.

ولمعرفة التطور الذي عانته موسيقانا لا بد من التفرقة بين شيئين: الغناء والموسيقى الصامتة. أما الغناء فلم يطرأ عليه إلا بعض التجديد، وأكثر المجددين يأخذون من الموسيقى الغربية بعض الجمل الموسيقية ويحشرونها في الموسيقى العربية. مما جعل الغناء العربي مشوهاً. أما فيما يتعلق بالموسيقى الصامتة فكان العازف العربي في الماضي لا يحسن إلا أداء التقاسيم ولكنه أدرك الآن أن العازف يجب أن يحسن العزف على آلته بشكل يمكنه من مرافقة المطرب، والعزف مع مجموعة المجموعة، وأن دوره في مجموعة الفرقة الموسيقية من الأهمية بمكان في تكوين المعزوفة الموسيقية، ولهذا فقد تقدمت الموسيقى المرافقة للغناء من حيث التأدية والتأليف تقدماً ملموساً.

أما اقتراحاتي فتتلخص في كلمة واحدة: العلم... العلم الصحيح، لأن الموهبة وحدها غير كافية لتجعل من الإنسان موسيقياً وملحناً وعازفاً في وقت واحد. ولا بد أن أذكر شيئاً أهمل في البلاد العربية، وهو أن الدول العربية لو تحاول بعد أن تقرر تدريس الموسيقى في مدارسها، أن تضع (ميتودات) للآلات الشرقية. بينما نجد في مدارس الغرب المئات منها لكل آلة موسيقية. ومن ثم وضع هذه (الميتودات) ونسق تعليم الموسيقى، فإن ذلك يساهم مساهمة فعالة في السمو بموسقانا إلى المكانة المرجوة.

 

جواب الأستاذ محمد حسن الشجاعي (مصر)

أعتقد أن العرب بصورة إجمالية لم يعرفوا الموسيقى الخالصة، وإنما عرفوا الغناء في ألوانه المعروفة في البلاد العربية، ولهذا فإن الموسيقى العربية لم توجد بمعناها الصحيح، وكل ما هو موجود منها الآن يتلخص في بعض محاولات بدائية لم تأخذ الطابع الصحيح للموسيقى الآلية. ففي مصر، تحاول قلة من الموسقيين وضع الأسس للمؤلفات الموسيقية في شتى صورها، ولست على يقين من أن هناك في البلاد العربية الأخرى من يحاول مثل هذه المحاولات، وإن كنت قد لاحظت في استماعي للإذاعات العربية المختلفة بعض الألوان الشرقية الخالصة، التي لا تدخل في عداد المؤلفات الآلية بمعناها الحقيقي. ولنرجع إذن إلى صميم السؤال، وهو: "هل تعبر الموسيقى العربية المعاصرة تعبيراً صحيحاً عن الروح العربية المتوثبة؟". وكما قلت أن الموسيقى العربية لم توجد بعد حتى تعبر التعبير الصحيح عن الروح العربية، وكل ما هناك هو ما أشرت إليه من محاولات نرجو لها التوفيق.

أما اقتراحاتي في الموضوع، فهر أن تهتم البلاد العربية قبل كل شيئ بإيجاد المعاهد الموسيقية المنظمة التي تتبع في برامجها دراسة الموسيقى الغربية من ناحية القواعد العامة والأساليب، وما إلى ذلك من التوزيع الموسيقي والقالب الموسيقي. وعند ذلك يمكن أن يكون عندنا موسيقى عربية آلية على أسس صحيحة تحمل في ثناياها الطابع الشرقي المميز كما تؤدي رسالتها في الحضارة الإنسانية. أما بغير التعليم، فكل ما نفعله في نظري يعد ارتجالاً لا معنى له ولا تعبير فيه. وفي محاولاتي التي مارستها في سبيل إيجاد موسيقى مصرية معبرة، انتهيت إلى وضع كثير من المقطوعات الموسيقية المصرية الموزعة آلياً. وأعتقد أني قد خطوت بعض الخطوات الصغيرة في هذا السبيل، ففيما كتبته للأفلام السينمائية كثير من الألوان الشرقية المعبرة التي ترتبط بالصورة الخالصة في كل فيلم، وفي المعزوفات الأخرى التي قمت بتأليفها كمعزوفة: (كيليوبطرة) و(تانيس) و(المولوية) و(الراعي الصغير) وافتتاحية (التائه) و(متتاليات وادي الملوك) غيرها ما يؤكد هذه النظرية التي أعمل لها وأرجو لها النجاح.

 

جواب الأستاذ صبري الشريف (لبنان)

إذا ما قررنا أن مفهوم (الموسيقى العربية المعاصر) يعني أنها موسيقية غنائية، أي أنها لا تستطيع التعبير عن نفسها إلا بمصاحبة الشعر أو الزجل المغنى أمكننا أن نجيب على الشطر الأول من السؤال بالنفي. إن الموسيقى العربية المعاصرة لا تعبر عن روح العصر المتوثبة ومعنى هذا أن الأشعار أو الأزجال التي تختار للغناء لا تملك على العموم، وكذلك الموسيقى التي تصحبها، أية قيمة جمالية ذاتية يمكننا أن نقارنها بالقيمة الجمالية التي يملكها الشعر المطلق أو الرسوم أو التماثيل أو المؤلفات الأدبية الأخرى التي ظهرت في نفس هذه الفترة من التاريخ، وإن كانت هذه الأغاني تملك قيمة نفعية أفاد منها منتجو مثل هذه الألوان إفادة تجارية مادية تفوق في حالات كثيرة الإفادة النفعية التي يجنيها الشعراء والرسامون والنحاتون والأدباء. ولسنا نقرر في نفس الوقت أن وضعنا الموسيقي وضع شاذ يستعصي علينا معالجته... فالفن الموسيقي في تاريخه الطويل تأخر بعض الشيئ في نضجه عن سائر الفنون ولكنه ما لبث أن انطلق في درب تطوره واستوى مع قيمة الفنون الأخرى...

والاقتراحات العملية البعيدة عن الأماني المجردة للانتقال من هذه المرحلة إلى المراحل المتقدمة كثيرة متشابكة متشعبة ولعل أقربها إلى التحقيق السريع اتفاق المؤسسات الثقافية، وأهمها دور الإذاعة على مستوى راق لما يعرض من إنتاج على المستمعين وحجب ما دون هذا المستوى من إنتاج. فإن تحقيق هذا التقرير الحيوي يفيد منه الجيل الطالع الذي يجب علينا أن نحدد له نقطة الانطلاق فنساعد على اختصار طريق التطور أمامه. ويفيد منه الجمهور الذي سيجد لذة عندما تستقر في نفسه أصداء أعمال راقية نتيجة تكرارها وتأكيد مزاياها.

ويفيد منها الفنان نفسه الذي سيؤثر هذا القرار على اعتباراته النفعية فلا يجد سبيلاً للصعود إلى المستوى المقرر إلا بصقل مواهبه بالعلم والتخصص والاطلاع الواسع.

ولا شك أن بيئة تحرص على تنمية مثل هذا المستوى الفني الراقي فترة من الزمن توازي الفترة التي أتيحت لنشر الإنتاج الغنائي المعاصر، لا بد أن تنشأ فيها موسيقى عالمية بما يعني مفهوم الكلمة العالمي، تعبر تعبيراً صحيحاً صادقاً عن روح العصر المتوثبة.

 

جواب الأستاذ محمود الشريف (مصر)

ليس في رأي موسيقى تعجز عن التعبير، فإن أي موسيقى تستطيع أن تعبر عن الخلجات الإنسانية، وأن تحمل الانفعالات النفسية المختلفة، ولا عبرة بعد ذلك بانتسابها إلى الشرق أو الغرب، فأنا لا أرى أن أستجيب لفكرة التماشي مع العصر لمجرد أن أكون "عصرياً" فإن موسيقانا غنية بالنغمات، والعيب عندنا ليس عيب الموسيقى، بل عدم وجود الأصوات التي تستطيع أداء الموسيقى على الوجه الأكمل. إن الأصوات عندنا ضيقة وليست قادرة على التعبير، وصوت نادر كصوت أم كلثوم مثلاً يستطيع أن يؤدي الموسيقى بل يخلقها، فحين وجد الملحن عندها "الصوت" القدير على الأداء استطاع أن يخلق لحن "مصر تتحدث عن نفسها" وهو لحن ممتاز نجد أم كلثوم فيه وكأنها لا تغني بل تخطب، وقد استطاع صوتها أن يؤدي الموسيقى أداء صالحاً مشحوناً بالانفعالات العميقة القوية، وأم كلثوم نفسها هي التي تستطيع أن تقف في وصلة غنائية لمدة ساعة ونصف: وهذا الزمن هو مدة "أوبريت" غنائية، ومع ذلك فأم كلثوم تتمكن في أثنائها من الاحتفاظ بوعي المستمعين وإعجابهم الشديد، ولكن صوتها كما قلت ذو مستوى نادر، والمستوى الشائع عندنا هو مستوى (شادية) و(شكوكو)، وهو مستوى صوتي ضيق غير قادر على التعبير أو أداء الموسيقى الرفيعة المشحونة بالانفعالات العميقة، ومن الظواهر البارزة أن الألحان انحدرت مع المستويات الصوتية الموجودة، إلى طريقة المنولوج السريع.

والمعاهد عندنا موجودة، والأصوات موجودة، ولكننا نفتقر إلى الخبراء في الأصوات، فنحن في الواقع لا نجد هذه الأصوات في المعاهد، بل نختطفها من الشارع، وإذا كان الصوت أولاً موهبة، فمن الضروري أن يحتضنه الخبراء للقيام بعميلة صقله وتربيته، فالصوت ما دامت قد توفرت فيه الموهبة كالآلة الموسيقية، ينبغي العناية به وإخضاعه للأسس والقواعد التي يحددها الخبراء، أما المعاهد الموجودة فلا فائدة منها، والدليل الواضح أنها لم تخرج صوتاً واحداً حتى الآن.

وبجانب إيجاد الخبراء في الأصوات، فأنا أرى أن تفد كل الأصوات الموجودة بالشرق إلى مصر، حتى تتم عملية المزج والتعاون، في إخراج فن عربي صحيح، إذ أن مصر غنية بالعازفين الآليين، وكذلك بالملحنين الممتازين، والاتجاهات الفنية الواعية، ولكن النقص راجع في الحقيقة كما قلت إلى الأصوات، وقد استمعت إلى أصوات عربية في مصر فملأت نفسي بالأمل والإعجاب، وأذكر من أصحاب هذه الأصوات (سعاد محمد) و(فيروز) و(صابر الصفح). ما دام عندنا موسيقيون وملحنون ممتازون وفي البلاد العربية أصوات غنية، فلماذا لا نمزج بين موسيقنا وأصواتهم، وسيخرج من هذا المزج ولا شك فن رفيع. أما إذا وقفنا على حدود وضعنا الراهن فستظل الموسيقى تنحدر وتنحدر حتى تصبح منولوجات (لشادية) و(شكوكو).

أما العلاقة بين الموسيقى والاتجاهات الاجتماعية المتوثبة، ففي رأي أن الموسيقى دائماً على استعداد للتجاوب مع المعاني الإنسانية، وفي حالة الموسيقى المصاحبة للأغاني نجد مهمة الملحن هي إخضاع موسيقاه للمعاني التي ستتضمنها تلك الأغاني، فيجب أولاً أن يفهم المؤلف الاتجاهات السائدة وينفعل بها ويتمثلها وسيقوم الموسيقيون/ وفي إمكانهم هذا، بدورهم في فهم معانيها وتأديتها وخلق الألحان المناسبة لما في تلك المعاني من انفعالات وخلجات.

أما عن الموسيقى الخالصة، ففي رأي أنها موجودة، وهذه الموسيقى تترجم ترجمة صادقة عن موضوعها، وتؤدي رسالتها تأدية صحيحة في حياتنا، ونستطيع أن نذكر هنا كنموذج مقطوعة (بنت البلد) لعبد الوهاب، والتي تنقل صورة صادقة معبرة عن هذا النموذج الإنساني المألوف في الشرق عامة، وفي مصر خاصة، ومقطوعة (ست الحسن) حيث كنت أرمز فيها لمصر، وأعبر عن تجربة إحساس بالاستعمار، وتمثلي لشخصيتي كشرقي. ومقطوعة (يابا لا لا ولا) للأخوين رحباني، وهنا لبنانيين، وهذه المقطوعة مشحونة بانفعال عميق لتجربة إنسانية صادقة.

 

جواب الأستاذ سلمان شكر (العراق)

إن الموسيقى الشائعة الآن في الوطن العربي لا تمت إلى الروح العربية الأصيلة بأية صلة. فالموسيقى المصرية المعاصرة مثلاً أخذت أكثر ألحانها من الموسيقى الغربية ومزجت بشكل شاءه ومستقبح بالموسيقى المصرية للجيل الفائت.

أما في العراق فالذي يفخرون به هو غناء (المقامات) التي يسمونها عراقية مع أنها ليست كذلك. ويمكن الاستدلال على هذا بأسماء المقامات نفسها، هذه الأسماء التي نجد أصولها في اللغة الفارسية أو التركية أو الكردية. ومهما يكن فإني أرى أن الاستعمار العثماني واحتكاك الفرس بالعراقيين هما اللذان أشاعا هذا الغناء الدخيل في العراق دون بقية الأقطار العربية، ومن حيث روحية هذا الغناء نجده يعبر عن الكسل والاستسلام والتخاذل والابتذال باعتماده بعض الكلمات الحسية العامية. إن حسية الموسيقى هذا الغناء كانت تصور الحالة الاجتماعية أثناء حكم (السلاطين) في الزمن العثماني حيث احتكر (نظام الحريم) وتبنى هذا النوع من الموسيقى. لقد انصب اتجاه الموسيقيين في الوطن العربي على تلحين الأغاني لأن كلماتها هي الوسيط بين الموسيقى والمستمع ولأنها هي التي تدل على الأغنية وفكرتها. أما الموسيقى وأما اللحن فهما أبعد ما يكونان عن الغاية، ولهذا فقدت الموسيقى المصرية المعاصرة (المتزعمة) أي عنصر فني للموسيقى (التعبيرية) وهي إن وجدت فتافهة ومسروقة. ولقد سارت النهضة الموسيقية في سوريا – بعد جلاء الاستعمار – في درب صاعد يبشر بالخير. إن تفاوتها وسموها وجمالها، المبنية على أسس قويمة وعلى دراسات مستفيضة، تستحق الفخر والتقدير. وبصورة عامة لم تولد حتى الآن تلك الموسيقى العربية التي يمكن ـن توازي موسيقى العالم الغربي.

نحن نريد موسيقى تعطي العالم فكرة عن التاريخ العربي بجوانبه الإنسانية، ونريد موسيقى نتنسم منها عبير الصحاري النقية الممتدة، نريدها صوراً وأفكاراً وتطلعاً يعبر عن الحركة الجياشة التي يتململ عبرها الشعب العربي في انتفاضاته وثوراته في سبيل الوحدة والحرية، ونريدها موسيقى حرة، أبية، ساحرة تعبر عن معارك الحرية التي خضناها ضد قوى الظلام والطغيان والتعفن، ولا نريدها موسيقى ذليلة، نائحة، خائرة تبكي وتندب الحظ العاثر، والخواء، ولا نريدها – إضافة – مجرد تمثيل للشهوات الجنسية الرخيصة واستثارتها.

ومن حيث الاقتراحات، أعتقد أن وضع الأسس للموسيقى العربية العامة والعمل الجاد على إيجاد (هارموني) لها وعقد المؤتمرات لذلك بيت الموسيقيين أنفسهم، وتربية أذواق الجماهير،.. سيكون لها الأثر الحاسم في ميلاد نهضة فنية موسيقية تعبر عن روح العصر، وعن تطلع الشعب العربي وتوقه إلى عالم إنساني أفضل.

 

جواب الأستاذ هشام الشمعة (سوريا)

لا نكران أن الموسيقى مرآة أمينة تتجلى فيها مدنيات الشعوب وحضارتها، فالشعوب الفطرية كل حظها من الموسيقى آلات أولية ونغمات بسيطة ضيقة، وكلما تدرجت الشعوب في معارج الحضارة سمت الموسيقى عندها تبعاً لدرجة تلك الحضارة؛ وهذه لا شك حقيقة واقعة نأبى إلا أن نتجاهلها.

وغير خاف كذلك أن الموسيقى تولد في النفس رقة الشعور وجمال العواطف وسلامة الذوق ودقة الإحساس، فالأمم الغربية التي بلغت شأواً بعيداً في مضمار العلوم والفنون، لم تكن عنايتها بالموسيقى عبثاً فهي أشد ما تكون حاجة إلى توفير ما تصرفه في شؤون الموسيقى لصرفه في الشؤون الحيوية الأخرى، فلولا يقينها إذن بما للموسيقى من مقام رفيع لما لأولتها اهتمامها الملحوظ.

موسقانا الآن في مفترق الطريق فأما أن نتركها تتخبط في أصول عقيمة وأساليب سقيمة يرعاها نفر ممن يجهل كل شيئ عن الموسيقى، فيقودها برعونته وجهله إلى شفا الهاوية، أو تأخذ بأسباب جديدة، هو ما أنادي به لنسير في ركاب الأمم الراقية. والنهضة الموسيقية في بلاد الغرب مدينة لموسيقييها العباقرة المبدعين، فقد دأبوا على الإنتاج الخصب ولم يتكلوا على تلك الكنوز الفنية التي خلفها لهم من سبقهم من رجالات الموسيقى، وقد قال الموسيقي فاغنر: "ليس فن المستقبل إلا يقظة حلم الحاضر، فمن يخشَ هذا الحلم ولا يؤمن بأن قوته كفيلة بإحالته إلى حقيقة راهنة، يظل دائماً في حلم".

إن موسيقى كل بلد مقياس صادق يدل على ما بلغه ذلك البلد من المدينة والحضارة. فالدول ذات الزعامة في الفنون وخاصة الموسيقى، هي الدول ذات الزعامة في سائر أسباب الحياة، وسبق أن قال شكسبير كلمته الخالدة: "الموسيقى مقياس رقي الأمم". والآن لنلق نظرة على واقعنا، فبلادنا أولاً بليت بالاستعمار وما يصحبه من الظلم والاستبداد والحد من حريات الأفراد، مما كان له كبير أثر في موسيقانا وغنائنا اللذين شاعت فيهما معاني الذي والضعف والانحطاط الخلقي، فنرى اليوم مغنياً يغني والمستمعين يتأوهون ويصرخون، ثم سرعان ما يستخف بهم الطرب، في معناه الضيق، فيأخذون بتحريك الأطراف الأربعة في حركات إيقاعية، فيضربون على الأرض ويصفقون، وهذه حركات تعرفها الأقوام البدائية، ونعرفها نحن بكل أسف. ومن هنا نرى سبب ولعنا الشديد بالألحان التافهة التي لا تحمل فكرة ولا تعبر عن معنى، بل تصل إلى درجة فهم الموسيقى على أنها أحد عناصر الطرب، لا الطرب كله، ذلك الطرب الذي نعرفه في "رهجة" لحن، و"هزة" بطن، و"شفة" كاس.

وأخلص من هذا كله إلى القول بأن موسيقانا المعاصرة لا شك تعبر تعبيراً صادقاً عن الروح العربية، المتوثبة إذا شئتم، إذ أني اعتبر سكوت الناس عنها دليلاً أكيداً على أنها تصادف عندهم رضى وقبولاً، فلأقل إذن إن هذا التوثب في الروح العربية، إذا كان هناك توثب حقاً، يقابله توثب في الموسيقى العربية، إذا كان هناك توثب حقاً.

ولا بد لي من الإشارة إلى أننا نتكلم عن موسيقانا ونصفها بالعربية تجاوزاً، أما الواقع فإن موسيقانا مجرد خليط عجيب من الموسيقى العربية والفارسية والتركية والبيزنطية وأخيراً الغربية، فسنوات الاستعمار الطويلة التي عانتها بلادنا كفيلة بإضاعة كل صلة لنا بموسيقانا الأصيلة، إلى جانب انقطاع الصلة بين الموسيقى والدين، تلك الصلة الوثيقة التي كان لها كل الفضل فيما بلغته الموسيقى الغربية من الرقي والازدهار.

ومع يقيني بأن الفنون لا تكسبها الشعوب بالتلقين وإنما تخلقها خلقاً، إلا أنني لا أستطيع، في وضعنا الحاضر، أن أقلل من شأن الحكومات وإمكانيتها فيما إذا صحت عندها العزيمة، فبالإمكان أولاً أن تولي الموسيقى عناية كبيرة في المدارس وخاصة الأولية، فيشب جيل جديد يتذوق الموسيقى الصحيحة، ويعي رسالة الموسيقى الخطيرة في الأمة.

والإذاعات كذلك تستطيع أن تؤدي بعض واجبها في هذا السبيل فتحاول رفع الشعب إلى مستوى ذوقي أرفع، لا أن تقصر مهمتها على إرضائه وتملق غرائزه، وبتشجيع الحكومات ورعايتها تنشأ معاهد ونواد موسيقية يقوم عليها مختصون، لا أن يكون وسيلة أخرى في سبيل إشاعة الفوضى. وعندها فقط أستطيع أن أقول بأننا قد بدأنا.

 

جواب الأستاذ كمال الطويل (مصر)

تسأل مجلة "الآداب" عما إذا كانت الموسيقى العربية المعاصرة تعبر تعبيراً صحيحاً عن الروح العربية المتوثبة. وليس من شك في أن الموسيقى العربية المعاصرة لا تعبر إلا عن روح الكسالى، ولا تهدف إلى أية قيمة من القيم التي تحرص الأمم الناهضة عليها، فالموسيقى العربية المعاصرة أشبه ما تكون بالرقص الشرقي، كلاهما تفرع عن الرغبات الشاذة التي سادت نهاية العصر الأموي وما بعده، هذا العصر الذي اتسم بالانحلال والتفرغ للملذات واتخاذ الموسيقى والغناء وسيلة لإثارة الغرائز وإيقاظ الشهوات. وبمرور السنين عرف العالم العربي ألواناً من العلوم والفنون تقف على قدم المساواة مع مثيلاتها في الأمم الناهضة، وبقيت الموسيقى والرقص على عهدها القديم: عهد الجواري والإماء.

ولما كان الرأي قد استقر على أن الموسيقى والغناء هما مرآة الشعوب وعنوان تقدمها، كان من الواجب بل من المحتم على الشعوب العربية، ولا أقول الحكومات، أن تدفع هذه السبة التي الصقها بها انسياق مؤلفي الموسيقى وراء رغبات رخيصة وشهرة زائفة. إن الشعب وحده هو الذي يستطيع أن يفرض إرادته ما دام قد وطد العزم على أن يرقى.

وفي رأي، أن الاعتماد على المؤلفين المعاصرين في النهضة المرجوة لن يؤدي إلى نتيجة حاسمة إذ أن غالبيتهم لم يدرسوا الفن دراسة صحيحة طبقاً للقواعد المعمول بها في كافة أنحاء العالم الناهض. إذن فيجب تربية جيل جديد يتعلم الموسيقى في معاهد تقوم على نظم صحيحة. وقد يرد قائل بأن المعاهد موجودة مثل المعهد العالي للموسيقى ومعهد فؤاد بمصر، ولكني أقرر أن هذين المعهدين لم يقدما لفن الموسيقى أية خدمة، بل الحقيقة أنه قد تخرج منها أنصاف متعلمين، هم أخطر على العلم من الجهلة.

والخطوة الثانية بعد إنشاء المعاهد الموسيقية هي الخروج عن نطاق التخت الشرقي إلى الأوركسترا. وقد يزعم زاعم أن في ذلك القضاء على التراث القديم، وكلمة "التراث القديم" أكذوبة ضخمة ابتدعها عجزة الفن حتى لا نتقدم ويندثروا هم، فالفن في رأي قبل أن يكون تراثاً نحرص على وجوده هو ضرورة اجتماعية نعبر بها عن الأمل في مستقبل أحسن ونصور واقعاً نحبه أو نكرهه، فالفن قد خرج عن فكرة تجميل الحياة إلى الشعور بالحياة والمساهمة فيها. ونعود إلى فكرة استبدال الأوركسترا بالتخت فنقول أن التخت بآلاته المحدودة وإمكانياته لا يمكن أبداً أن يعطينا الانفعالات الصادقة التي يريد أن يعبر بها المؤلف عن أحاسيسه وهو أمر مسلم به لا يحتاج إلى بيان. وحتى يحين الحين، فإننا لنرى بيننا مؤلفين على فهم ووعي وعلم يستطيعون أن يحدثوا انقلاباً وثورة نرى أن نمهد لهم الطريق بأن تأخذ دور الإذاعة على عاتقها – بوصفها أوسع وسائل النشر – تعويد المستمع على الفن الرفيع بإذاعة الأعمال العالمية عليه، وقد يغضب المستمع ويجد صعوبة في تذوق هذه الأعمال الخالدة، ولكن بالصبر والإيمان والإصرار سوف نعوده عليها حتى يبرأ من الاندفاع وراء أغان وموسيقى مسمومة تفعل بالشعوب ما لا يستطيع أن يفعله أشد أعدائها.

 

جواب الأستاذ أحمد عسه (المدير العام للإذاعة السورية)

إن موسيقانا العربية المعاصرة لا تعبر مع الأسف تعبيراً صحيحاً عن الروح العربية القوية، ذلك لأنها وريثة حياة صحراوية بدائية في الأصل، ومزيج من موسيقى شعوب مجاورة أثرت في روحنا الموسيقية الأصيلة تأثيراُ قوياً زمن الانحطاط. وإذا كانت الموسيقى ضرباً من التعبير عن المشاعر فإن المشاعر العربية المتوثبة اليوم ولا شك تختلف اختلافاً بيناً عن مشاعر وانطباعات بدوي الصحراء تثير في نفسه دمنة من الدمن الإحساس بالجمال. وفي رأي أن موسيقانا الغربية في التوزيع لتكون أقرب للتعبير عن خوالج وثبتنا، كما أنه لا بد أن ينظر المؤلفون الموسيقيون إلى الموسيقى نظرة جدية نختلف عن نظرتهم الحالية وأن يدركوا أن الموسيقى علم إلى جانب الذوق الفطري السليم، وأن الذوق الفطري السليم لا يصلح إلا لأن يكون نواة طيبة لمؤلفات موسيقية تستند إلى العلم.

أنا أعرف أن لهذه النظرية خصوماً كثيرين، ولا عجب في ذلك إذ أن الشعراء المحدثين الذين تأثروا بمحيطهم وواقعهم الإنساني وبآداب الأمم الحية الأخرى واجهوا مثل هذه المعارضة قبل اليوم، عندما كان يقال لهم أن الشعر الصافي هو شعر السليقة وأن الشاعر الأكبر هو المرتجل الأكبر، ومن حسن الحظ أن القائلين بهذه النظرية لم يعد يسمع لهم صوت مدو. وآمل أن يلحق بهم قريباً هؤلاء القائلون بأن أي تجديد في موسيقانا وجعلها معبرة عن أحاسيسنا وشعورنا يذهب بطابعها الأصلي. وأعتقد أن من واجبي هنا أن ألفت النظر إلى أن توثب الموسيقى العربية الجديدة أخذ يشغل بال الاستعماريين الذين يدركون أن تطور الموسيقى في شعب من الشعوب لا بد أن يؤثر تأثيراً أصيلاً في نفسية الشعب من ناحية، ويكون صدى تعبير صادق عما يحس به من توثب من ناحية ثانية. ولذلك فقد أخذنا نسمع دعاة الاستعمار يقولون اليوم أن موسيقانا يجب ألا تتأثر بموسيقى الغرب بحجة الاحتفاظ بصفائها. وبالأمس كان بعض هؤلاء الاستعماريين ينادون بأبعاد حتى آلة الكمان عن الدخول في مجموعة الآلات الموسيقية الشرقية محل آلة الرباب الابتدائية بحجة أن الكمان آلة غربية لا تصلح لأداء النغمات الشرقية. وأعتقد أن الكثيرين مازالوا يذكرون نظرية القائلين أن الموسيقى الشرقية موسيقى سماعية يجب ألا تدون وإلا فقدت كثيراً من خصائصها، وقد أثبتت التجربة أن تدوين موسيقانا قد سمت بها كما سمت الأبجدية بمعرفة الإنسان ولم تنحط بها.

وختاماً لا بد من أن أقول صراحة أن الطريق للنهوض بموسيقانا هي نفس الطريق للنهوض بالآداب والعلوم والفنون عندنا. وأعني بذلك تدارس ما أنتجته الحضارة الإنسانية عند مختلف الشعوب في الحقل الموسيقي والاقتباس منه والتأثر به وبالتالي الإبداع على غراره.

 

جواب الأستاذ محمد القبانجي (العراق)

من المعلوم أن الأمة العربية اليوم تجتاز أشق مرحلة لتكوين شخصيتها كأمة لها ما للأمم من حق في الحياة، وهي بذلك لا تعدم الوعي الذي يهيئ لها فكرة التضحية في سبيل تلك الغاية الخطيرة، وقد دفعها ذلك الوعي إلى المغامرة لتجربة الوسائل الناجعة لتحقيق ما تنشده وتتوثب إليه كيما تجتاز تلك المرحلة الشاقة، متطلعة إلى من سيأخذ بيدها في هذا الدور الامتحاني من زعماء حكيمة حازمة توجه قوتها إلى خير الطرق.

هذا أمر مسلم به، وأمر آخر لا تقل الجهود في تكوين شخصيته عنها في ذلك الأمر، هو الموسيقى العربية التي تعبر عن آلام الأمة وآمالها كسائر ما للفنون والعلوم من أثر في ذلك، فما هي درجة ملاءمتها لهذا الوعي الوثاب؟

إن الموسيقى العربية من حيث كونها موسيقى، وإن الغناء العربي من حيث هو غناء، إنما هما التعبير عن العواطف الإنسانية، ولهما ما لسائر الفنون من قواعد وأصول تتمشى عليها طبيعة كل فن جميل ويجددها منطقها الخاص. غير أن الطبيعة الإقليمية هي التي تجعل العواطف تنفرد بأذواقها وبذلك تختلف الأساليب في الفنون والآداب، وليس الأمر كذلك في العلوم التي هي حق مشترك بين جميع البشر. فالموسيقى العربية تختلف بأسلوبها عن الموسيقى الغربية اختلافاً ناتجاً عن الاختلاف بين العرف والغربيين في الشعور والروح والعواطف والأذواق. فنجد الموسيقى الغربية تعتمد قواعدها وأصولها على الرمزية في التصوير لا على الاندفاعات النفسية كما هي طبيعة الموسيقى العربية. على أن لكل منهما مزيتها الخاصة التي يستجليها الذوق، هنا بمرآة من العاطفة وهناك بمرآة من العلم. ثم أن النفوس لا تستهويها غير ما ألفته حياتها التي استوحتها من مهدها فهي لا تشعر إلا بشعورها الخاص، فالغناء العربي إنما هو صادر عن طبيعة الأمة العربية ولذلك فهو ملائم لروحها المتوثبة لأنه يحمل لها أسباب التغني بعواطفها كافة، وهو غني بجميع ما تصبو إليه اندفاعاتها النفسية فيه معاني البطولة المتوثبة وهواجس الحب والوله ومجالي الذكريات العاصفة ومرامي التطلع إلى المستقبل.

لا، ليس الغناء العربي حزيناً كما يزعمون، بل هو كالروح العربية التي تنطوي على كل قابلية في الحياة، تجد فيه كل نفس موضوعها، تجد حزنها إن اعتورها الحزن، وتجد فيه سرورها إن اكتنفتها مباهج الحياة، وتجد فيه مجالاً للأذكار بتاريخها المجيد، إن استهواها جلال ماضيها، وتجد فيه ميداناً واسعاً للتحفز إن مشت بها آمالها إلى تكوين مستقبلها.

هذا هو الغناء العربي مسايراً للروح العربية لأنهما من طبيعة واحدة بل هو وحي لهذه الطبيعة. غير أني لا أقصد أن الغناء العربي كامل لا يحتاج إلى تصفية، فليس هناك من شيئ كامل لا حاجة إلى تصفيته، فالغناء العربي الحاضر بجملته امتداد للغناء العربي القديم، ولكن حصلت فيه ترسبات جرفتها إليه أمواج الزمن، وفي هذه الترسبات ما هو صالح للحياة الفنية العربية، وفيها ما هو مناف لعصرنا العتيد، وربما كونتها حياة الخمول في العصور المظلمة، إنا بالركون إلى اللهو السمج، أو البكاء على الماضي المجيد. فلذلك أمسى الغناء في أكثره بين الميوعة وبين الحزن، ذاك يمثل نفسية الطائفة الخاملة المصرفة إلى النتع الرخيصة، وهذا يمثل دمعة الآسفين وحرارة اللوعة في نفوسهم. ثم أن هنالك من الغناء والموسيقى ما نسمعه اليوم في الأفلام السينمائية، وهو فن مادي رخيص، أقول: مادي لأنه يسعى للمادة. وأقول: رخيص لأنه مخدر لنفوس النشء يصرفها عن وعيها المتوثب وعن التغني بكرامتها إلى التغني بالمتع المبتذلة، وفي هذا قتل لنفسية الشباب وهو في الوقت نفسه قتل للفن الغنائي.

وقد يدافع عنه بأنه تجديد، وما هو إلا تمزيق ثم ترقيع، وخلط شائن بين أذواق متنافرة لا تجمعها طبيعة ولا تلتئم على أسلوب.

أما الاقتراح الذي أوجهه فهو أن نهذب موسيقانا ونصفيها من ذلك الكدر الذي لا يتفق والنفسية المعتزة بكرامتها. وهنالك دعوة إلى إحياء الأنغام العربية القديمة، متوخين ما لها من أثر قومي ومن احتفاظ بالكرامة، وما فيها من ملائمة للشعور العربي الناهض، وإني أشجع هذه الدعوة وأسعى إلى مؤازرتها ما استطعت. وأخيراً أقول: إن غريد الأمة إن هو إلا مصباحها، وهو متهيئ إلى من يوقده لينير سبلها الفنية، ولا يمكن أن يوقد هذا المصباح من يدعو إلى إطفائه، والمستقبل للأمة العربية رغم الساعين إلى إحباط مجهوداتها باسم أحيائها.

 

جواب الأستاذ حكمة ممتاز (العراق)

أود قبل الإجابة على السؤال، موضوع الاستفتاء، أن أحدد ما هو المقصود بتعبير (الموسيقى العربية المعاصرة). إذ أعتقد بأنه لا يوجد ما يسمى بالموسيقى العربية المعاصرة بالمعنى الفني الكامل لكلمة (موسيقى). فإذا كان المقصود بها هو هذا التراث الموسقي الشرقي المنتقل إلينا من الجيل الماضي وهو عبارة عن هذه البشارف والسماعيات والأدوار والتواشيح وما يماثلها ف‘ن هذه الموسيقى التي تغلب عليها الصنعة لا تعبر عن الروح العربية المتوثبة لأنها عبارة عن خليط من الأنغام التركية والفارسية والبدوية المقصود منها التطريب فقط دون أن تعبر عن أية فكرة أو تصور أو أية عاطفة. أما إذا كان المقصود بها هو الغناء الشعبي المحلي لكل بلد من البلاد العربية مع ما يصاحبه من موسيقى فإنني أرى أن هذا الغناء على درجة عجيبة من البدائية فهو بالتالي لا يصلح أن يكون ممثلاً للروح العربية المتوثبة ويعود السبب في ذلك إلى عاملين:

العامل الأول- عامل قديم يعود إلى نشأة الغناء العربي القديم والنظرة التي كانت تنظر بها إلى الفنون بصورة عامة. فقد ازدهر الغناء العربي وبلغ أوج القمة في العصر العباسي في عصور الخلفاء والأمراء والسراة أي ازدهر وسط الخمرة والمجون. بينما نلاحظ بأن الغناء الأوربي والموسيقى الأوربية ترعرعا وتكامل نموهما بين أعضاء الكنائس أي وسط جو مشبع بالروحية والسمو بالنفس الإنسانية إلى أعلى مراتب الوجدان. فالغناء العربي إذن والموسيقى التي تصاحبه – لأنه لا وجود للموسيقى التصويرية الصامتة – ليس الغاية منهما التعبير عن أفكار سامية أو تصوير لانفعال العواطف وإنما غايته إطراب السكارى وإثارة العواطف الحيوانية في المستمع بعكس الموسيقى الأوربية التي تخاطب أشرف العواطف في الإنسان وتعبر عن مختلف أحاسيسه وآماله ومشاعره وتوجهه نحو الخير والجمال.

أما العامل الثاني فيعود إلى الأمية الفنية التي يتصف بها معظم الذين يتصدون للتلحين والتأليف الموسيقي. فمعظم أولئك الملحنين تنقصهم الدراسة الفنية الكاملة للموسيقى فضلاً عن انعدام ثقافتهم العامة. بل إن الكثير من أولئك الذين يسمون أنفسهم ملحنين ظلماً وعدواناً لا يعرفون كتابة (النوتة الموسيقية، وإنما هم يلحنون شفهياً، إذا جاز التعبير) ثم يقصدون أحد الموسيقيين الملمين بكتابة النوتة ويعزفون أمامه ما ألفوا من ألحان ليسجله لهم على أوراق النوتة!! فهذه الأمية الموسيقية المعيبة وهذا الجهل الفني المطبق جعلا أولئك الملحنين يتجهون في ألحانهم إلى مجرد التطريب البدائي للسادة والأثرياء دون أن يحاولوا التعبير عن خلجات الشعب وآماله. ومن هنا كثرت سرقاتهم المفضوحة – ويدعونها ظلماً اقتباساً – من روائع الموسيقى الأوربية. من هنا جاءت ألحانهم لا تمثل الروح العربية المتوثبة للانعتاق من ظلمات الماضي ومن سيطرة الاستعمار الغاشم. لأنها لا تصور أو تمثل مشاعر أفراد الشعب من عمال وزراع ومثقفين. أجل، فلا يمكن بحال من الأحوال أن تكون هذه الألحان الركيكة المائعة المليئة بالخشونة والنواح معبرة عن آمال وأحاسيس الشعب. فأين هي الألحان والقطع الموسيقية التي تصور انفعال الشعب العربي نحو أكبر فاجعة أصيب بها في العصر الحديث؟ وأين هي الأناشيد والترانيم والأغاني التي تصف مأساة فلسطين الدامية؟ وما الذي سيكتبه المؤرخون بعد مائة عام عندما يؤرخون هذه الفترة ويجدون هذه الفاجعة التي  شردت مليون إنسان وخلفت وراءها ألوف الضحايا والحوادث الدامية التي ليس لها من أثر في الموسيقى العربية المعاصرة؟ فأين هذه الموسيقى المتخلفة من الموسيقى الأوربية التي تسجل الحوادث أروع تسجيل وتعبر عنها أصدق تعبير كما فعل بتهوفن إزاء شخص نابليون وحروبه، وكما فعل شوبان نحو كفاح بلاده بولندة ضد الغاصبين، وكما فعل حديثاً الموسيقار السوفياتي (ديمتري شيستا كوفيتش) الذي خلد في سمفونيته السابعة حصار لينينغراد وتحت وابل القنابل الألمانية فجاء لحناً حياً ينبض بالبطولة والمجد؟

ومجمل القول أن الغناء ومن ورائه الموسيقى غايته عندنا إطراب طبقة الأثرياء ومخاطبة العواطف البهيمية دون الالتفات إلى مشاعر الشعب وآلامه وآماله وهو لذلك لا يمكن أن يعبر عن الروح المتوثبة. وعلى ما تقدم أستطيع أن أبني اقتراحاتي في الموضع على النقطتين التاليتين:

1-   أن يتجه الفن العربي عامة بما فيه الموسيقى والغناء نحو الشعب، أي أن يعبر عن عواطف الشعب وانفعالاته تجاه الحياة والواقع، وأن يكون الفن موجهاً للشعب، أي أن يخاطب فيه أسمى عواطفه ويوجهها نحو أشرف الغايات.

2-   تعميم الثقافة الموسيقية الفنية الصحيحة، وهذا التعميم يشمل الموسيقيين كما يشمل الشعب نفسه، فلا يكفي أن نثقف الموسيقيين الثقافة الفنية الكاملة، وإنما يجب أيضاً أن نربي ذوق الشعب لكي يستطيع أن يتفهم الفن الموسيقي الصحيح ويستطيع بالتالي مواكبة الشعوب التي ضربت بسهم وافر في مضمار التقدم الفني.

وإذا لم نأخذ بهذين الاقتراحين فإن موسيقانا العربية – إن صح تسمية هذه الأنغام المهلهلة موسيقى – ستبقى كما هي – موسيقى ركيكة مفككة غايتها التطريب البدائي وإثارة الغرائز الدنيا في المستمع. وبالتالي فإنها لا يمكن أن تجاري وتعبر عن الروح العربية المتوثبة المباركة التي تزداد يوماُ بعد يوم لكي تبلغ ما نرجوه لها من عزة ورفعة وعلو شأن.

(الآداب، س2، ع3، بيروت، آذار/ مارس 1954)