هذه قصائد قصيرة لشاعر فلسطيني يقاسمنا تفاصيل قصيدته، نصوص شعرية تستأنس بالكينونة وصداها. تنصت للذات في كشفها الداخلي وفي بحثها عن أفكار جديدة كي تملأ هذا الفراغ الذي يحوم على الكل..

قصائد

نمر سعدي

بماذا أُواجهُ نفسي؟

بماذا أُواجهُ هذا الحنينَ

الذي يتوالدُ في الصدرِ مثلَ النجومِ الصغيرةِ

أو يختفي ما وراءَ جبالِ الأنينْ؟

بماذا أُواجهُ نفسي التي اندثرَتْ

في ابتساماتِ نيسانَ

مثلَ الفقاعاتِ..

واحتشدَتْ بالينابيعِ أو بالمزاميرِ

أو برياحِ السنينْ؟

أسُلُّ الصدى من دمي صارخاً

وأبُلُّ الضلوعَ التي يبسَتْ في براري الفراغِ

وأخلعُ عن كاهلِ القلبِ نهراً بنرجستينِ

وحلماً سفيهَ الرؤى والظنون.

 

 

رغوةُ الأحلام

ماذا ستفعلُ بالقليلِ من القصائدِ

والرمادِ العنبريِّ

وغابةِ الشرفاتِ

والرغباتِ

بعدَ شتاءِ نومكَ في الأعالي

أيُّها المنسيُّ...؟

قلبُكَ موغلٌ في الصخرِ والماضي

وفي ماءِ الحريرِ وفي الغيابْ

ماذا ستفعلُ بالربيعِ الحرِّ

بالحبرِ المدمَّى في فضاءِ عروقكَ الخضراءِ

بالصمتِ الجميلِ

بما تناسلَ منكَ أو من رغوةِ الأحلامِ

في يومِ الحساب؟

 

 

تحملينْ

تحملينْ

وجهَ عصفورةٍ دوَّختها العواصفُ

في وطنٍ غامضٍ كالأنوثةِ

أو كالسماءِ....

ووجهَ ملاكْ

فكيفَ تصبِّينَ ماءَ الهلاكْ

على نظراتِ التأمِّلِ أو مفرداتِ البكاء؟

تحملينْ

ما سيكفي بلاداً من المخملِ الرطبِ

يكفي شعوباً من الشعراءْ

تحملينْ

في خفايا دمائكِ

أكثرَ من ألفِ قنبلةٍ للحنينْ.

 

 

الرجوعُ حافياً

أمسِ كنتُ أبحثُ عن أفكارٍ جديدةٍ

لقصيدتي التي تخفقُ الآنَ فوقَ نصاعةِ الأوراقِ

كالوليدِ الغضِّ...

بحثتُ في قريتي البريئةِ

وفتَّشتُ الأرصفةَ والحدائقَ العامةَ

وناطحاتِ السحابِ في المدنِ الحديثةِ

فلم أجدْ إلاَّ أعقابَ سجائرِ الآخرينَ

وتفاهةَ أحلامهم المرميَّةِ

في الزمنِ القبيحِ كجبالٍ من القمامةْ

وفي النهايةِ لم أرجع حتى بخفَّيْ حُنينْ

أو حتى بخُفيَّ أنا.

 

 

كُلُّ هذا الفراغ

هل لكفَّيكِ زهوُ الخيولِ

وقسوةُ ما في الذئابِ؟

لعينيكِ أحزانُ آبٍ

وكُلُّ رمادِ البريقِ المعطَّرِ..؟

هل لخطاكِ نعاسُ الطيورِ المشجَّرُ

في غابةٍ من مياهٍ ومن قزَحٍ

غارقٍ في المساءِ المُقعَّرِ..؟

هل لفمي كُلُّ هذا الفراغِ الذي يتطايرُ

مثلَ الفراشاتِ من فجوةٍ في كلامي..؟

 

 

يذبحني فمُها كالهلال

كيفَ تُفلتُ أطرافُهُ من هسيسِ النمالْ؟

ودغدغةِ الموجِ أقدامَ حوريَّةٍ في بحارِ الخيالْ؟

شاعرٌ قابعٌ في مهبِّ المحالْ

كيفَ تُفلتُ أحزانُهُ من يدينِ شتائيَّتينِ

كآخرِ ما في دمائي من الشعرِ...

أوَّلِ ما في يدي من سؤالْ؟

قمحُها صارَ ينمو على جسدي كالطحالبِ...

يذبحني فمها كالهلالْ.

 

 

جسدٌ / نهرٌ

جسدٌ من الفوضى الأليفةِ...

قُدَّ من أعلى فصاحتها..

كما يتنفَّسُ الحبقُ المُجفَّفُ

في عروقِ الأرضِ

يشهقُ في أقاصي القاعِ

يبدؤني بأوَّلِ قُبلةٍ حجريَّةٍ بيضاءَ...

يختمنى بلعنتهِ ويختمُ

ما على قلبي من الأسرارِ...

نهرٌ مفعمٌ بحريركِ المنسابِ كالأفعى

على مائيَّةِ التفَّاحِ

مُكتملٌ كجيدِ الظبيِ فيكِ

وعنفوانِ الخيلِ

مُكتهلٌ كوجهِ الشمسِ

أو كحقيقةِ الأبنوسِ

مُنفصلٌ عن الأشياءِ والأسماءِ

ليسَ سواهُ في الدنيا

يُعيدُ ليَ اتِّزاني.

 

 

أُحدِّقُ في قلقٍ

أُحدِّقُ في قلقٍ ناصعٍ أوَّلَ الليلِ

يهربُ منِّي الكلامُ الخفيضُ كسربِ السنونو

أدورُ على عدمي

أتمزَّقُ مثلَ النجومِ الطريَّةِ

ينتفضُ البرقُ فيَّ...

هنا قلقٌ لا يؤدِّي إلى أيِّ أيقونةٍ

أو هواءٍ أخيرٍ

وحيداً أُفكِّرُ في آخرِ الليلِ

إنَّ الحياةَ هلاميَّةٌ في اعتقادي البسيطِ

وأكبرُ من أنْ تُفسَّرَ بالقولِ

لسعتُها أسفلَ القلبِ...

أو روحُها في الربيعْ.