يتناول الباحث الجزائري ظاهرة اللبس، ويؤكد على أهمية الدراسات التقنية التي تؤدي لتجاوز العقبات اللغوية، وتساعد على تخطي مشكلات اللبس، خاصة تلك التي تتسبب في إضعاف الكفاية التبليغيّة، وإهدار طاقة تمثيل المعنى.

تأثيرات ظاهرة اللبس في الكلام

على معرفيات النحو العربي وإحكامه

أحمد بلحوت

اللبس في الكلام البشري ظاهرة لسانية، والأصل في الكلام عدمه، لأنه يتسبب في إضعاف الكفاية التبليغيّة وإهدار طاقة تمثيل المعنى، ولهذين الأمرين يستعمل اللبس في الكلام عن وعي بهدف التشويش على السامع.

توطين القراءة

يحدث اللبس في الكلام على مستويات متعددة منه ومن هذه المستويات: التداولي والتخاطبي والدلالي والصرفي والنحوي والخطي graphique IDo وقد لاحظ علماء العربية هذا الحدث في سلوك مستعملي اللغة أو في اللغة ذاتها فعالجوا هذه الظاهرة بحسب ما هي عليه في المستوى الذي هي فيه أو في مستوى آخر من هذه المستويات أكانت متداخلة أو متفردة أو أن تتكون من زوجين أدنى أو أعلى. لا نناقش هنا ظاهرة اللبس في الكلام بل نبحث في كيفية تأثير هذه الظاهرة على الجوانب المعرفية والمنهجية في معالجة الظواهر الدلالية أو الصرفية والتركيبية في الكلام أو التداولية والتواصلية أو التخاطبية وتأثيرات هذه الظاهرة في المعالجة العلمية النحوية لتصنيفات المادة اللغوية وتحديد بابها من موضوع العلم، وحدودها، والتفرعات التي نتجت عن تلك الأصول بحسب الأصل الذي هو في بابه، وهو موضوعها. أو بحسب الأصل الذي ليس هو من بابها ولا هو موضوعها. 

تعريف اللبس

اللبس عموماً هو تداخل فرعين في أصل واحد هو لأحدهما دون الأخر.ووصف اللبس في الكلام هو عدم التمييز بين الفرعين الداخلين في الأصل المدخول، إلا بقرنية لفظية أو مقامية أو حالية. وشرط التمييز بين الفرعين لمن منهما هو للأصل تحقق خاصية الاستقلال لأحدهما عن الآخر في الأصل(1) وهذا المنحى من بيان خاصية الاستقلال يفرقه عن الاشتراك وهو غيره لأن من شرط الاشتراك الاستغناء بتميز الفرعين في أصلين متغايرين، فاستغني عن أصل وبقي الثاني مشتركاً بين الفرعين مع تمييزهما. يحدث التداخل بين الفرعين المتلابسين على الأصل في المستويات اللسانية.

المستوى الدلالي: وصفة حدوث التداخل فيه بألا يتميز معنيان لمعنى مقصود هو الأصل بذاته أو بالقصدية. وقد بنى علماء العربية كيفيات تحديد أصل المعنى عن طريق بناء الأدلة وحد مراتبها في الكلام على حسب الأصول المدرجة في الاستعمالات اللغوية في الكلام العربي(2).

المستوى الصرفي: عالج علماء العربية اللبس في الألفاظ باستعمالهم تقنيات غاية في الدقة لبيان الأصول والفروع منها، وكيفية صدور الفروع عن أصول قريبة أو بعيدة، كما حددوا بهذه الخاصة، ما يتصل بالأصل وهو ما ليس منه، وآتاهم ذلك أن يتنبؤوا إجرائياً بالمواقع التي يحدث فيها اللبس في الألفاظ من جهة صيغتها أو وزنها.

المستوى التركيبي: ويحدث التداخل في التركيب بين تركيبين لهما أصل واحد وهو لأحدهما دون الأخر فإن جرى الثاني منهما على الأصل وهو ليس منه حدث اللبس وفسد الخطاب وقد حل علماء العربية قديماً هذا الإشكال في جميع المستويات اللسانية بعمليات تقنية ومعرفية تدل على نضوج النظرية العلمية التجريبية في علم العربية.

تأثيرات اللبس على منهجيات المحتويات النظرية في علم العربية

يحدث اللبس في أغلب الأحيان عند إجراء حكم لا يجري على التركيب ولا يطرد في الكلام بصفة كلية. وهذه الظاهرة التي من صفتها التعميم المستغرق لجميع أمثله الصنف الذي وضع له الحكم، لا تعيّن حدود ما يستشكل فيه الكلام من تداخل مثلين، فيحدث التداخل بين وظائف الوحدات التركيبية أو الصرفية أو المعجمية فيلبس احد المثلين خصائص المثال الذي هو له ملتبس ،وخاصة في حال إجراء الحكم على غير المسموع من الكلام الذي وضع له الحكم وهذه الوضعية تسمح بتداخل الأحكام نحوية وصرفية أو دلالية فيجري وصفها على مضمون الأحكام لأنها ليست منتزعة اللبس. ولحل المشكلة أحدث علماء العربية معالجات عملية في نظام المصفوفة المنهجية لعلم العربية لتخليص الأمثال الملتبسة من اللبس، وفرضت هذه الظاهرة منهجياً قواعد جزئية خاصة باللبس في علم الصرف وعلم التركيب وعلم المعاني وعلم المقام وهذه الأحكام الجزئية تضمنت منهجياً:

أ- تقيد الحكم:

يمنع اللبس، بحدّ إطلاق الحكم ووصف صورة اللبس الذي حُد من الحكم، لمنع حدوثه في الكلام في أي مستوي من مستوياته مثل إبراز الضمير في ما جري الخبر المشتق على غير ما هو له(3)، لأن القاعدة المطلقة من غير تقييد تتضمن إعمال حكمين مختلفين. وهذا الإجراء لحكمين مختلفين، هما حال اللبس. أصلهما أن يجريا فيما لهما من تركيبين مختلفين ليس من الباب نفسه، وان كانا من الباب نفسه فهما ليسا من نفس الرتبة في منزلتهما من الحكم.

ب- العدول عن أصل الحكم:

ويمنع اللبس، بالعدول عن الوصف الأصل إلى وصف ما يحتمله الوضع الذي حدث به لبس إلى أصل مشابه أو مخالف يكون إما ناسخا للحكم الأول، أو مضيفا إليه ما يحتمله الكلام من وصف، لأن الأصل في الأوصاف اللغوية أن تجري على كل أمثلتها المقالية أو الافتراضية وتصنف في الباب نفسه. وشرط العدول عن الحكم انعدام مقتضاه ووجود المانع من تنفيذه مع لزوم المعني المقتضى للحكم المعدول إليه، وتحدث هذه العملية المنهجية في الوحدات التي لا تستقر في باب من الأبواب التي صممها علم العربية لمفردات العلم ك ما في العربية وغيرها مما لا يستقر من المفردات في الباب. كأسماء الأفعال ومما شابهها.

ت – منع إنفاذ الحكم:

اللبس يمنع إعمال الحكم بحسب صنفه، والمستوى الذي تندرج تحت الظاهرة التي هي في مدرج إجراء الحكم، والمنع هو تعطيل الحكم على المفردة أو التركيب أو الدلالة لمنع اللبس، ويجري المنع في تعطيل حكم على ظاهرة ما، مما يتضمن منه حكما مطلقا أو معدولا عنه، وشاهده الضميران المنصوبان إذا فصل أحدهما تقدم الأخص منهما أو تأخر، فكان هذا الحكم مجلبة للبس في التراكيب الذي ترد فيها تراكيب تتضمن الظاهرة، فمنعت بموجب قاعدة فرعية توجب تقدم الضمير غير الأخص، ومثله من الشواهد جواز الإضمار في بعض الكلام كان منفذا لظهور اللبس فيه، ولتعذر فهم المعنى المقصود ملبوس الكلام للمتداخل معه، ألغي حكم الجواز في ظهور الضمير واستبدل بحكم الوجوب في الفعل الذي لم يسم فاعله لمتعد إلى مفعولين، فالحكم الأول يقرر جواز إقامة الأول منهما نائب فاعل وجواز إقامة الثاني مفعولا ولما كان اللبس ظاهرا في بعض الكلام أعدم الحكم الأول وتقيد الحكم الثاني بالأصل مع وجوب إقامة الأول منهما مقام نائب الفاعل(4).

ث – الاستثناء في الحكم:

هذا التحديد المنهجي يحتوي ضمن الحكم العام حكما يستثني غير المشترك من الأمثلة اللغوية في الكلام، والحكم المستثني لغير الأمثلة المشتركة مستثني من الحكم الأصل الذي يتضمن الأصل في الكلام، ويجري الحكم المستثني على الكلام الذي لم تطرد فيه صورة الأصل، ومن شواهد هذه التقنية في تصميم المحتويات المنهجية لعلم العربية استعمال الندبة فيما أمن فيه اللبس، فإن خيف التباسه بغيره تقلب ألف الندبة فيه إلى أصل الحركة التي قبلها على الوجوب، فتقلب بعد الكسرة ياء وبعد الضمة واواً مثل وإغلامهوه أو واغلامكيه(5) وإطلاق الألف يلتبس المندوب المضاف إلى ضمير المخاطبة بالمندوب المضاف إلى ضمير المخاطب، والمندوب المضاف إلى ضمير الغائب بالمندوب المضاف إلى ضمير الغائب، ومثله في الصرف في تصغير الثلاثي المؤنث الذي لا يحوي علامة التأنيث، لحقته التاء في حاله، لكن اللبس منع إجراء هذا الحكم على التصغير للبس يحدث في الأصل فامتنع اقتران الثلاثي المصغر المؤنث من أن تلحقه تاء وشاهده من الكلام شجر تصغيره شجير وبقر بقير(6)، وهذه الحالة فرضت قاعدة استثنائية تجري على ما له شبيه من أمثلتها.

ج – تفريع حكم إلى مفردات جنسه:

يكون اللبس سبباً في تفريع الحكم في ما يجري في بابه، ولا يخرج عن أصله، لأن اللبس يحدث بين ظاهرتين جريانهما، على حكم مختلف في نفس صورة المحكوم عليه. ولهذه العلة تفرع القاعدة الأصل للتفريق بين المثلين وإدراجهما في أصلهما من مراتب الوظائف اللسانية حسب مستوى الظاهرة، ومثله إهمال إن المخففة، وإهمالها فرع عن الحكم أن يستتبع محتواه لزوم لام لخبر المبتدأ كي لا تلتبس بأن النافية(7)، فحدوث اللبس في هذه القاعدة، حكم قار لم يغير من مضمونها وإنما كان سببا في تفريعها ومثله في الصرف كسر الفعل الثلاثي المبني للمجهول المعتل العين المسند إلى ضمير المتكلم المخاطب أو الغائب أن يكسر إن كان واوي العين ووجوب ضمه أو اشتماله إن كان يائيا لئلا يلتبس الفعل المبني للمجهول بالفعل المبني للمعلوم(8).

– اللبس في الكلام في معرفيات علم العربية:

اللبس في الكلام من المنظور اللساني: اللبس ظاهرة طبيعية في اللغة إن كان اللبس ناتجاً عن أفعال كلام لغوي له ما يبرر حدوثه في ضوء معطيات اللسانيات، وهذا التصور حدا بعلماء اللسان أن يتنبهوا إلى طبيعة هذه الظاهرة في الكلام البشري إن لم يخرج عن المواضع المحتملة له في الكلام. فاحتملوا نظرياً الإمكانات التي يحدث عنها لبس في الكلام وحاولوا أن يفسروا ظواهره في داخل المستوى الذي يحدث فيه. وربطوا نتائج التفسيرات بالمعطيات المتوفرة في علم اللسان العام، واللسانيات المعرفية.

ولتحديد مضمون اللبس من جهة كونه حادثاً لغوياً متميزاً عن صورة النظام اللغوي المتناسق. فسروا اللبس في إمكانات لغوية داخل النظام اللغوي، فأجروه في باب فساد الملكة اللغوية لدي المتكلم ،أو كونه عاهة بسيكو – لسانية في بنية النظام أو في مخزون المتكلم للغة ما. عندما يخرج عن المقيد منه في النظام اللغوي لأن اللغة تحتفظ لنفسها بتقييد مواطن اللبس بها مع إدراك هذه المواطن وصورها بين المتكلمين. وكثيرا ما يحدث اللبس في استعمالات الأجانب عن اللغة الهدف في بداية إدماجهم اللغوي في محيط اللغة المتداولة، ويحدث كذلك عند ظهور قصور المتعلم في تحصيل الملكة اللغوية في بداية اكتسابه اللغة الثانية فالمتعلم للغة الثانية يستعمل صورة من النظام التواصلي استعمالاً محورياً أو بنية تركيبية محورية تترسب عليها جميع المكتسبات اللسانية فتصبح طبيعة ومضمون مرجعيات المتعلم من النظام التواصلي أو النظام البنوي للغة سبباً في حدوث اللبس في كلامه أثناء الاستعمال، وقد قام الديداكتيون بملاحظة هذه الظاهرة لدى العمال المهاجرين إلى فرنسا الذين لم يتلقوا أي تعليم في اللغة الفرنسية(9).

اللبس في علم العربية

ميز علماء العربية بين اللبس الناتج عن فساد في الملكة اللغوية، واللبس الناتج عن تداخل بين وحدتين في أحد المستويات اللسانية داخل منظومة النظام اللغوي. وسبب عدم تميز اللبس كحالة في نظام تصفيف محتويات المادة العلمية لعلم العربية، أي أن علماء العربية لم يخصصوا له باباً في أحد علوم اللغة العربية، بسبب عدم شيوعه وندرة حدوثه في الكلام لدى فصحاء المتكلمين(10).

المرجعيات المعرفية لظاهرة اللبس في علم العربية:

تأمين للغة: إن النظام اللساني في أي لغة من اللغات يحمي اللغة من ظهور اللبس فيها فمجموع الأوصاف المندرجة لنظام لغوي ما هو حماية اللغة وتأمينها منه لأن اللبس يقصي جميع الوظائف اللسانية للكلام، ولهذا السبب استعمل علماء العربية مفهوم أمن اللبس كمبدأ في محافظة الحكم على إصداره في جميع أمثلة لكلام التي ينجزها المتكلم، فالقواعد التي تصف اللبس تقدم حالة لتأمين للكلام من حدوث الالتباس، وتلك الحالة تتميز بكونها شاذة في مجموع الأحكام التي تشكل النظام في أي مستوى من المستويات اللسانية، لأنها من صور الشذوذ في الكلام فقواعد تأمين الكلام من اللبس هي نادرة في مجموع المحتويات النظرية في علم العربية، ووظيفة هذه القواعد تصنف في مستويات متعددة منها: المحافظة على توازن منظومة النظام للساني حيث تتساوى قيمة الكلام وقيمة الوظيفة اللسانية. وإن محتوى المخرجات في عملية التبليغ تتساوى أو تكون أعلى من المخرجات في تشكيل الكلام. وعدم تداخل الأحكام والقواعد الموضعة للكلام. وقد استعمل علماء العربية لتأمين الكلام نظرية الأصالة والفرعية بشكل دقيق وحددوا من خلال عمليات تجريبية الحالات التي ظهر فيها اللبس في الكلام العربي والحالات الافتراضية وقسموا لها إحكاماً كل في باب ما يحدث اللبس فيه.

حصر رقعة الشذوذ في النظام اللغوي

اللبس في المعني: وجريانه على أن يكون معنيان متلابسين، على المعنى في أصل مقول المتكلم أو أن يكون معنيان يتجاذبان المعني الذي هو لأحدهما فقط. وتتوخي في عملية تحقيق المعني الأصل بمواضع الدلالة والمعنى المقصود بمقتضى المقام(11). أو كالرفع في الماضي وعامل الإضافات التي ليست من بنية الوحدة، إنما أصلها حصر ظاهرة الشذوذ في النظام اللساني، وإعدام اطراد ما ليس بأصل في الكلام.

العمليات التقنية في معالجة ظاهرة اللبس في علم لعربية

إن علم العربية، مارس عمليات تقنية متعددة في معالجة اللبس في الكلام، قصد تفعيل الوظيفة الأساسية في التبليغ والتواصل، ومن البذاءة أن هذه التقنيات تتفق معرفيا وتختلف بنوياً، حسب المستوى الذي تمارس فيه، وتركز إجراء هذه العمليات في المستويات التالية:

1 – المعني:

وجريان اللبس فيه على أن يكون معنيان متلابسين على المعنى في أصل مقصود المتكلم ،أو أن يكون معنيان يتجذبان المعنى الأصل الذي هو لأحدهما فقط وتتوخي في عملية تحقيق المعنى الأصل مواضع الدلالة، وفي المعنى المقصود مقتضى المقام(12) في ملابسات وسياقات التخاطب ويمكن أن تحدد الأصول في المعاني بتطبيق تقنيات خوارزمية في حد مفهوم الدلالة في الكلام كالتفريع على المعنى والتفصيل في المعنى، وعموم المعنى، وخصوصه وكذا العمليات الدلالة المتصلة بمضمون الدلالة التركيبية، كالتعليل، والتفسير، والتأكيد، والحذف الدلالي وغيرها من العمليات المنتظمة في إجراءات محكمة ودقيقة(13).

2 – اللبس في التركيب:

وهو تداخل بنيتين على أصل واحد هو لأحدهما، ويعاد تأمين الأصل بالزيادة أو النقصان ويعود التركيب إلى صورته الأصلية من جهة المعنى أو التركيب، بفك التداخل بين البنيتين النحويتين.

وأجرى علماء العربية عمليات معقدة ومتشابكة لإخراج التركيب الملتبس بأصل التركيب، وهدف إحداث صورة غير ملتبسة بتركيب آخر، هو إحداث معاملات التمييز، وهي التي تخرج التركيب من دائرة اللبس وتعالج التراكيب في صورتها التي تتضمن معاملات التمييز، لتعاد إلى أصل الكلام تركيبيا والعمليات التي تستعمل لمنع اللبس أو معالجته في تركيب الكلام تظهر في عمومها في ثلاثة صور:

أولاً: خلو الكلام من اللبس، ويحدث بإجراء أصل الحكم على صورة التركيب الذي يتضمن لبسا تركيبيا، ويقتضي إجراء الحكم على التركيب الملتبس، استخدام التقدير كمعامل في إخراجه من صورة اللبس وإعادته إلى أصله في نظام التركيب، ووصفه بأصل الحكم أو إحداث ما يمنع اللبس كزيادة حرف الجر(14) للتفريق بين التمييز والحال وجعله خالصا للتمييز.

ثانياً: مخالفة أصل الحكم في التركيب، الملتبس بغيره إلى باب أخر غير الباب الذي هو للتركيب، ومخالفة الأصل في إلحاق الكلام الملتبس بغير بابه إلى باب غيره، حالة نادرة في عمل علماء العربية والقصد منه مخالفة الأصل لتخليص التركيب من اللبس كا لحاق ما النافية بما الموصولة.

ثالثاً: الزيادة في التركيب، لإخراج صورة التركيب الشكلية مما يخالف التركيب

الأصل، والتركيبان يجريان في الباب نفسه، لأن الزيادة فارقة بينهما ولهما نفس الحكم من الباب وتستخدم هذه العملية لتأمين التركيب من حدوث اللبس ومثله اسم الفاعل إذا ولي اسماً يزاد إليه الضمير حتى لا يلتبس، فعدم الزيادة في التركيب تجر إلى اللبس في الدلالة، أو اللبس في التركيب ومظاهر هذا الإجراء يحدث في المتتاليات التي يكون مجال الزيادة فيها مفتوح إلى ما لا نهاية(15) والزيادة في الكلام ممكن بعد تشكيل بنية المتتالية وهذه الإمكانية تخرج التركيب في المتتالية إلى صورتين بنويتين أو أكثر، ويغلق مجال الزيادة بإتباع التركيب مما هو أصل المعني في الكلام مثل إبراز الضمير في زيد عمرو ضاربة هو فالضمير هو أداة لغلق مجال المتتالية في صورة البنية النحوية زيد عمرو ضاربة.

اللبس في الصرف:

وهو من أخفى أنواع اللبس في العربية، وقد عولج بعمليات شديدة في الدقة ويحدث في مستويين:

أولاً: مستوى الصيغة: وهو تداخل فرعين في أصل واحد، ويكون الفرعان كل واحد متداخل مع مقابله حيث يمكن أن تعود صورتهما معا إلى أصل واحد. مثل أن يكون الفعل له صورتان في الماضي ويجيء مضارعه على مقتضى كل منهما، مثل فضل، وقنط، فالأول من باب فتح العين والثاني من باب ضم العين فتولد مضارع الأول من باب فتح العين وكسرها، وتولد مضارع ثاني من باب فتح العين وكسرها، فإن ثبت في الفعل الأول كسر عين الماضي، وضمها في المضارع أو فتحها، وفي الفعل الثاني بكسرهما أو فتحهما فإنه التبس أحد المضارع بالآخر في ماضيه، لأن فعل، بالضم، لا يأتي مضارعه إلا مضموماً. وحاصل اللبس عند علماء العربية في الصرف، أن يخرج عن الحكم المطرد أو القياس وقد وضع علم الصرف مقاييس دقيقة لتمييز حالات اللبس، وتصرف أوجهها في الألفاظ وإلحاق كل منها ببابه، سواء مقاسا أو غير مقاس.

ثانياً: مستوى مادة اللفظ

ويحدث اللبس في مادة المدونة اللغوية التي تستعمل في التخاطب مثل ما جرى من استحداث أحكام لتأمين الوحدة من اللبس في تصغير الثلاثي المؤنث الخالي من تاء لحقته في حال أمن اللبس، فإن لم يأمن حذفت منه التاء فلفظ شجر تصغيره على شجير وبقر

على بقير، فهذا الإجراء اتخذ لمنع التباس التصغير من الجمع، بالتصغير من المفرد من اللفظ في نفس المادة(16).

إن ظاهرة اللبس في الكلام البشري، ظاهرة تستوجب دراسات كل تقني لمساعدة الباحثين في التكنولوجيات اللسانية من تخطي العقبات التي تواجههم في عملية تنميط الظاهرة اللغوية، كما تساعد المهتمين بتعليم اللغات لمواجهة المشكلات التي تنجم من حدوث هذه الظاهرة في الكلام.

فقد استعمل علماء العربية تقنيات غاية في الدقة، لتجنب وقوعه في الكلام في مجموع المستويات وحددوا في كل مستوى من المستويات للسانية: محل اللبس، ومستواه في النظام اللساني، وقالب اللبس، وأعراضه ودوافعه، كما حددوا الخطوات الإجرائية في عملية تحليله ومعالجته.

 

أستاذ محاضر بالجامعة الجزائرية

 

الهوامش

(1) أوصاف الأصل: الكثرة والتجرد عن العلامة والشيوع والاستخفاف والتمكن والاسبقية في الوجود النحوي.

(2) - أبدع علماء اللسان العربي قديماً نظرية بناء الأدلة وتفرعاتها على الأصول والفروع بشكل ليس له نظير في الدراسات اللسانية الغربية.

(3) انظر شروحات ألفية ابن مالك.

(4) انظر سيبويه الكتاب تحقيق عبد السلام هارون علم الكتب ط 3 1983، ج 1، ص41.

(5) انظر ابن عقيل شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك ج 2، ص283.

(6) أنظرا بن حمدون شرح لامية لا فعال تغي الثلاثي، ص9.

(7) أنظر شرح ابن عقيل ج1، ص295.

(8) المرجع نفسه ج1، ص398.

(9) قام خبراء المركز العالي للأبحاث البداغوجية بباريس فرنسا بتحري ودراسة السلوكات التعلمية التلقائية داخل المجتمع الفرنسي، وأثار هذه الطريقة في تحليل ملكة لغوية سليمة، هذه ملاحظة فرنسيس دي بزارdebyser في إحدى لقاءاتي العلمية به في كان النورمندية جويلية سنة 2002.

(10) يتضح مفهوم الفصاحة عند علماء العربية من مضمون هذا التوجه في معالجة المفهوم.

(11) انظر شروحات عقود الجمان الجلال لدين لسيوطي دار الفكر واللباب الجوهر المكنون أحمد الدمنهوري.

(12) انظر شروحات عقود الجمان لجلال لدين السيوطي دار الفكر، والجوهر المكنون لأحمد الدمنهوري.

(13) سنقدم في مقالات قادمة موضوع الأبعاد المعرفية والتقنية وطرق إجرائها في تحليل الدلالة في الكلام البشري.

(14) هناك نظرية رائعة في اللسانيات العربية الرياضية في جبر التراكيب.

(15) يتوضح هذا التصور بتطبيق نظرية المجال في الرياضيات الجبرية المعاصرة.

(16) انظر شروحات لامية الأفعال.