بعد أن تحدد الأنواع المختلفة من الاشتراكية تتبع الباحثة التونسية مفهوم الاشتراكية في فكر البعث، منذ أعمال مؤسسه الأول ميشيل عفلق ومكونات هذا المفهوم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عنده، ثم تواصل تقصى المفهوم في مراجعات فكر البعث التالية له، وصولا إلى رصدها النقدي لتناقضات المفهوم الاشتراكي في هذا الفكر وإشكالياته.

مفهوم الاشتراكيّة في فكر البعث

فوزيّة الشّطّي

الْمقدِّمـــة
يَهدفُ بحثُنا «مفهومُ الاشتراكيّة في فكرِ البعث» إلى تفحُّص مصدرٍ رئيس من مصادر فكر البعث، وهو كتاب «في سبيل البعث». وغايةُ هذا التّفحُّص أن نستنبطَ مفهوما "بعثيّا" - إنْ جاز التّعبيرُ- للاشتراكيّة. هذا لأنّ البعثَ قد نشأ فكرا سياسيّا ثمّ صار حركة سياسيّة نشيطة فحزبا سياسيّا معارِضا فمشارِكا في الحكم فمنفرِدا بالسّلطة في دولتين عربيّتين (سوريا والْعراق). يمثِّل تجاورُ القوميّة والاشتراكيّة في اسمِ حركة البعث وفي دستورِها وفي مصادرِها النّظريّة (وأهمُّها كتاب "في سبيل البعث") خاصيّةً مُميِّزة ومُثيرةً لإشكالات كثيرة ولاعتراضات عديدة من قِبل الأنصار والخصوم على السّواء. فهذا التَّجاورُ الاصطلاحيّ أقربُ إلى تَجاور الأضداد منه إلى تَجاور التَّكامل.

يَسعى بحثُنا إذن إلى الإجابة، ولو نسبيّا، عن هذه الأسئلة:

1. هل أنتج فكرُ البعث مفهوما خاصّا به للاشتراكيّة؟

2. ما مظاهرُ خصوصيّة هذا المفهوم، إنْ وُجِد؟

3. ما مدى وفاء هذا المفهوم "الافتراضيّ" لمقاييس الصّياغة العلميّة للمفاهيم؟

4. ما مدى انسجام مفهوم "الاشتراكيّة البعثيّة" مع المفاهيم المجاوِرة: كمفهومِ القوميّة ومفهومِ الانبعاث؟

5. ما صلةُ اشتراكيّة البعث بالاشتراكيّة العلميّة (الماركسيّة)، خاصّةً وأنّ الأُولى قد استعارتْ بعضَ مكوّنات الجهاز المفهوميّ مِن الثّانية وقد جادلتْها جدالا صريحا أحيانا وضِمنيّا أخرى؟

لا نزعُم أنّنا سنُجيب عن كلّ الأسئلة المطروحة. فحسبُنا أن نطرح إشكالَ "الاشتراكيّة البعثيّة" طرحا مُحايِدا من النّاحية الإيديولوجيّة، مُراعيا لخصوصيّات الظّرف التّاريخيّ الّذي أنشأ البعثَ، متفهِّما قدرَ الإمكان للمنطق الدّاخليّ الّذي يَجمع "شتاتَ" فكره.

فـــــي التّعريفـــات
I
- الاشتراكيّة:
1)- لغةً :
"الاشتراكيّةُ": صرفيّا مصدرٌ صناعيّ يتّصلُ بالمصدر "اشْتِرَاكٌ" المشتقِّ من مادّة "شرك". جاء في "لسان العرب": "يُقال اشْتَرَكْنَا بِمعنى تَشارَكْنَا. وقدِ اشْتَرَكَ الرّجلانِ وتَشارَكَا وشَارَكَ أحَدُهما الآخرَ. وفي حديث مُعاذ أنّه أجَازَ بين أهلِ اليمَنِ الشِّرْكَ أي الاشْتِرَاكَ في الأرضِ، وهو أنْ يَدفعَها صاحِبُها إلى آخرَ بالنِّصفِ أو الثُّلثِ أو نحو ذلك. وفَرِيضَةٌ مُشْتَرَكَة: يستَوِي فيها المقتسِمون.و طَرِيقٌ مُشْتَرَك: يَسْتوِي فيه النّاسُ. واسْمٌ مُشْتَرَك: تَشترِكُ فيه مَعانٍ كثيرةٌ.

و رُوِيَ عنِ النَّبِيّ (ص) أنّه قال: "النَّاسُ شُرَكَاءُ في ثَلاَثٍ الكَلَإِ والماءِ والنَّارِ. وأَشْرَكَ بالله: جَعَلَ له شَرِيكا في مُلكِه.

2) اِصطلاحًا:
مصطلحُ "الاشتراكيّة" هو المقابلُ العربيّ للمصطلح الفرنسيّ (Socialisme). وقد جاءَ في "دائرة المعارف الكونيّة" ما يلِي: "تَتّخذ كلمةُ الاشتراكيّة في التّاريخ معانِيَ متعدِّدةً. هي متعدِّدةٌ حسْب التّيّارات حتّى ضمن اشتراكيّة أصليّة مّا. وهي متعدِّدةٌ حسْب الأزمنة ]أيضا[ "1. لكنّ الاشتراكيّاتِ على تنوُّعها تلتقي في كونها: "مذهبا يرفضُ استغلالَ الإنسان للإنسان والملكيّةَ الفرديّة للمؤسّسات الصّناعيّة والزّراعيّة والتّجاريّة. ويبني سعادةَ الإنسان على جعل الثّروات كلِّها مَشاعيّة."2

على هذا الأساس يُمكن أنْ نحدِّد للاشتراكيّة أنواعا، منها:

أ- الاشتراكيّةُ الْخياليّة أو الْمثاليّة أو الطّوباويّة: (Socialisme Utopiste)

أهمُّ رموزها الفيلسوفُ اليونانيّ "أفلاطون": Platôn ]427-347 ق.م [الّذي ربط العملَ السّياسيّ بالتّأمُّل الفلسفيّ في كتابه: "الجمهوريّةُ". واعتبرَ "فكرةَ الخير" هي المثالَ الأسمى لفلسفته. في هذا الكتاب وَضع أفلاطون برنامجَ تربيةٍ يُعِدّه الحكّامُ الفلاسفة الّذين يحقِّقون الخيرَ في المجتمع لأنّهم تأمّلوا مثالَ الخير.

أمّا الفيلسوفُ العربيّ أبو نصر الفرابيّ ]260-339 ه/ق9-10م[ فقد كان كتابُه "آراءُ أهل المدينة الفاضلة" معبِّرا عن آرائه الفلسفيّة المتأثِّرة فيما يبدو بأفلاطون وبفكرة الخير عنده. وعبارةُ "المدينة الفاضلة" تصوِّر النّموذجَ الأرقى للتّعايش الإنسانيّ.

و اشتَهر "توماس مور": ] Thomas More4781-1535م[ القدّيسُ والفيلسوف والسّياسيّ الأنكليزيّ بكتابه "يوتوبيا" الّذي وَصف فيه مدينةً خياليّة تَعمّ فيها اشتراكيّةٌ مثاليّة.

ب- الاشتراكيَّةُ ما قبل الْماركسيّة:( Socialisme Prémarxiste):

ظهر هذا النّوعُ مِن الاشتراكيّات في القرنِ التّاسعَ عشرَ (ق.19) إذ: "اقترنتِ الرّأسماليّةُ الصّاعدة بحرّيّة فكريّة. وساعد ذلك على التّنديد الصّريح بمساوئها"3. ومِن أهمِّ المفكِّرين الّذين وَصفوا أنفسَهم بالاشتراكيّة أو وَصفهم بِها غيرُهم، نجد:

- "كلود دو سان سيمون": Claude de Saint-Simone ] 1760-1825[ : هو فيلسوفٌ اجتماعيّ واقتصاديّ فرنسيّ، آمنَ بالتّضادّ بين "العامِلين" أي الطّبقةِ الْعاملة (العمّال المأجُورون، الصّناعيّون، الباعة، الصّيارفة...) وبين "العاطِلين" أي الطّبقةِ المنعَّمة العاطلة (النُّبلاء، الأكليروس، الجند: أي كلّ مَن يعيشون مِن مداخيلهم دون أن يُسْهِموا في الإنتاج والتّوزيع). واعتنى "سان سيمون" بمصير ما أسْماها "الطّبقةَ الأكثر عددا والأشدّ فقرا"4. وهو مصطلحٌ شائع لدى معظم الاشتراكيّين في تسمية ضحايا الاستغلال الرّأسماليّ مِن العمّال.

- "شارل فورييه": Fourier Charles ]1772-1837[: هو فيلسوفٌ واقتصاديّ فرنسيّ دعا إلى إصلاحٍ اقتصاديّ واجتماعيّ وإنسانيّ بإنشاء جمعيّات صغيرة مِن العمّال الّذين يعيشون في مجتمعٍ إنتاجيّ تعاونيّ ويحقِّقون انسجاما مكتمِلا. كان فورييه: "سبّاقا إلى المناداة بأنّ درجةَ تحرّر المرأة في مجتمع معيَّن هي المقياسُ الطّبيعيّ للتّحرّر العامّ."5  حسْب رأي "إنجلز".

- "روبرت أوين": Owen ] Robert1771-1858[: هو مصلِحٌ ومفكِّر اشتراكيّ بريطانيّ. كان صناعيّا، وأنشأ أوّلَ التّعاونيّات الاستهلاكيّة. يقول عنه "إنجلز": "لقد حوَّل عددا مِن السّكّان كانوا يتألّفون في الأصل مِن أشدّ الْعناصر تنوّعا، ومعظمُهم مُنحلّون حتّى درجة كبيرة، وقد زادوا تدريجيّا حتّى بلغ عددُهم (2500) شخصا (كذا)، إلى مُستعمرةٍ نموذجيّة كان السّكرُ والشّرطةُ والقضاةُ والدّعاوى والإغاثةُ الْعامّة والحاجةُ إلى الإحسان أمورا مجهولة فيها. ولقد حقَّق كلَّ ذلك بمجرّد وضْع النّاس في شروطٍ جديرة بالكائنات الإنسانيّة، وبالخاصّة (كذا) بتربيةِ الْجيل الصّاعد بكلِّ عناية"6.

 رغم اختلاف هذا النّوع الثّاني مِن الاشتراكيّة عن الأوّل، فقد اُعتُبرت هذه التّجاربُ الاشتراكيّة طوباويّةً هي أيضا حسْب تعبير العالِم الاقتصاديّ "جيروم بلانكي": Jérome Adolphe Blanqui [1798-1854] في كتاب "تاريخُ الاقتصاد السّياسيّ" (Histoire de l’économie politique) المنشورِ عام 1839. إذ: " كان الحلْمُ الّذي راود المجتمعاتِ الاشتراكيّةَ السّابقة للماركسيّة إقامةَ مجتمع الرّفاهيّة عن طريق تحسين الإنتاج وعدالة توزيع الثّروة بالاعتماد على التّبشير والإعداد التّربويّ والأخلاقيّ الصّالح، دونما إشارة إلى البروليتاريا أو إلى الصّراع الطّبقيّ".7

و قد سمّى "إنجلز" هؤلاء الاشتراكيّين بِ"الطّوباويّين الثّلاثةِ الْكبار"8 وسمّاهم "ماركس" بِ"الاشتراكيّين الأوَّلين"، وشَبّههم بفلاسفة الأنوار الفرنسيّين في القرنِ الثّامنَ عشرَ (ق 18). يقول عنهم: "لم يكونوا يطمعون، مثلهم مثل الفلاسفةِ الفرنسيّين، إلى تحرير طبقةٍ مخصوصة بل الإنسانيّةِ جمعاء. وكانوا مثلَهم يريدون أنْ يحقِّقوا مملكةَ العقل والعدالة الأبديّة"9. بيْد أنّ "ماركس" يفسِّر أحلامَ هؤلاء عن "المجتمع المثاليّ" بعدم تطوُّر "الشّروط الاجتماعيّة" تطوّرا كافيا10.

ج- الاشتراكيّةُ الْعلميّة أو الْماركسيّة: (Socialisme marxiste)

رائدا هذه الاشتراكيّةِ هما الفيلسوفان الألمانيّان "كارل ماركس": Karl Marx ]1818-1883[ و"فريديريك إنجلز": Friedrich Engels ]1820-1895[. ينضاف إليهما "فلاديمير لينين": Lénine Vladimir ]1870-1924[ باعتباره أحدَ كبار مُنظّرِي الماركسيّة ومؤسِّسَ الحزب الشّيوعيّ في روسيا السُّوفياتيّة وزعيمَ الثّورة الرّوسيّة.

الاشتراكيّةُ حسْب ماركس: "ليستْ دعوةً تُقبل أو تُرفَض. إنّما هي مرحلةٌ محتومة تَؤول إليها الرّأسماليّةُ بناء على تفاعل قوانين لا قِبل للأفراد بمعارضتها أو الوقوف في سبيلها".11 وقد نقد الاقتصادَ الرّأسماليّ في كتابه "رأسُ المال"، واعتَبر أنّ الصّراعَ بين الطّبقة العاملة "البروليتاريا" الّتي تبيع قوّةَ العمل وبين الطّبقة البرجوازيّة الّتي تملك وسائلَ الإنتاج هو صراعٌ حتميّ. وينتهي هذا الصّراعُ الطّبقيّ حسْب النّظريّة الماركسيّة إلى القضاء على الفوارق الطّبقيّة وإلى تحقيق "ديكتاتوريّة البروليتاريا". وإذا كان الصّراعُ الطّبقيّ يمرّ بمراحلَ محدَّدة مِن النّضج تُغذّيها تناقضاتُ الشّكل الرّأسماليّ لعمليّة الإنتاج، فإنّ الاشتراكيّةَ: "على اعتبارِها نظريّةَ الماديّة الجدليّة" 12 حسْب تعبير لينين، تتحقَّق وفق مراحلَ متطوِّرة نامية. لكنّ تحقُّقَها حتميٌّ لأنّ الرّسماليّةَ بعبارة لينين أيضا: "تَخلق بنفسها حفّارَ قبرها".13 وعن الفرق بين الاشتراكيّة والشّيوعيّة يقول "لينين" عن الأُولى إنّها :"ما سمّاه ماركس الدّورَ "الأوّلَ" أو "الدّورَ الأدنى مِن المجتمع الشّيوعيّ".14 أيْ هي الدّرجةُ الدّنيا مِن: "درجات نضج الشّيوعيّة الاقتصاديّ"15.

تَتمثّل أهدافُ الاشتراكيّة العلميّة في:

- استيلاءِ البروليتاريا على السّلطةِ السّياسيّة بعد انتصارها على البرجوازّية.

- إلغاءِ الملكيّة الخاصّة لوسائل الإنتاج وللأراضي، وإقرارِ الملكيّة الجماعيّة لها. (نعني انتزاعَ الملكيّات العقاريّة الكبيرة والمعامل والمصانع والرّساميل الماليّة).

- جعلِ العمل مشترَكا في خدمة جمهرة الشّعب.

- الحفاظِ على جهاز الدّولة لأنّ الرّأسماليّةَ الاحتكاريّة لدى الدّولة شكلٌ انتقاليّ ضروريّ مِن الإنتاج الرّأسماليّ الخاصّ إلى الإنتاج الاشتراكيّ.

- وضْعِ حدٍّ لكلِّ اضطهاد يصيب أيَّ قوميَة أو أيَّ عقيدة دينيّة.

- تحريرِ المرأة تطبيقا لمبدأيْ الحرّيّةِ والمساواة.

أمّا الشّيوعيّةُ فهي المرحلةُ الأعلى مِن هذا التّطوّر "الحتميّ"، فمِنها تختفي الدّولةُ البرجوازيّة نفسُها أي يزول "الحقُّ البرجوازيّ بكلّيّته"16 بعبارة لينين. وشعارُ هذه المرحلة، "مِن كلٍّ حسْب قدراته ولكلٍّ حسْب حاجاته"17. بناء على ما سبق يكون طرحُ المسألةِ القوميّة في النّظريّة الاشتراكيّة (الماركسيّة بالخصوص) أمرا نشازا.  في هذا السّياق يقول لينين حول العلاقة بين القوميّة والماركسيّة: "إنّ الماركسيّةَ مُتنافرةٌ مع النّزعة القوميّة، حتّى أحقِّها وأنقاها وأصفاها وأكثرها تحضّرا".18 فالأمميّةُ (أي انصهارُ جميع الأمم في وحدةٍ عليا متطوّرة) هي البديلُ الماركسيّ لأيِّ نزعة قوميّة. ويصل التّنافرُ حدَّ الصّراع بين ما يُسمّيه لينين "القوميّةَ البرجوازيّة" و"الأمميّةَ البروليتاريّة". مع هذا التّنافر يُقِرّ الماركسيّون بِ:"الشّرعيّة التّاريخيّة للحركات القوميّة"19.

ظهرت تيّاراتٌ اشتراكيّة معارِضة للماركسيّة ككلٍّ أو لبعض مبادئها. منها:

-د-الاشتراكيةُ التّطوُّريّة أو الدّيموقراطيّة: (Socialisme évolutionnaire)

نشأت في إنقلترا في أحضان "الجمعيّةِ الفابيّة" على يد  السّياسيِّ والاقتصاديّ البريطانيّ "سِدني واب":  Sidney Webb [1859-1947] وزوجتِه "بياتريس واب": Béatrice Webb [1858-1943] والكاتبِ الإيرلنديّ "جورج بارنارد شو":Bernard Shaw  George ]1856-1950[. وهي اشتراكيّةٌ: "ترفُض فكرةَ تنازع الطّبقات أو الاستيلاء على الحكم بالقوّة وتَرى وجوبَ اتِّباع الأساليب الدّيمقراطيّة وتُنادي بتأميم الصّناعات الرّئيسيّة وتخفيفِ الفوارق بين الطّبقات"20.

-ه- الاشتراكيّةُ النّقابيّة: (Socialisme Syndicaliste)

تَرفض حلولَ الدّولة محلَّ الأفراد في الملكيّة، وتَرى: "أنْ تؤُول ملكيّةُ المصانع وكافّة المشروعات إلى العمّال ممثَّلين في نقاباتهم".21  ومِن أعلام هذه الاشتراكيّة في فرنسا "جورج سوريل": Georges Sorel ]1847-1922 [. وهو  منظِّرٌ وسياسيّ  تأثّرت به الحركاتُ النّقابيّة الثّوريّة.

-و- الاشتراكيّةُ الْمسيحيّة: (Socialisme Chrétien)

هي اشتراكيّةٌ "تستمِدّ إلهامَها مِن آباء الكنيسة، وتعلِّق أهميّةً على إنسانيّة العمل وعدالة التّوزيع".22  نشأتْ في الثّلاثينات  والأربعينات مِن القرنِ التّاسعَ عشرَ (19). هدفُها المصالحة ُبين الطّبقات المتصارعة.

II- الْبعثُ:
1)     لغةً:
"البَعثُ": صرفيّا مصدرٌ مِن الفعل "بَعَثَ". جاء في "اللّسان" البَعْثُ هو الرَّسولُ والبَعْثُ: بَعْثُ الْجُندِ إلى الغزوِ. والبعثُ يكون للقوم يُبعثون إلى وجهٍ مِن الوجوه مثلَ السّفرِ والرّكبِ. والبعثُ في كلامِ العَربِ على وجهيْن: الإرسالِ وإثارةِ باركٍ أو قاعد. والبعثُ أيضا: الإحْياءُ مِن الله للموتى. وبَعَثَ المَوْتى: نَشَرَهُم لِيومِ الموتِ يومِ الْقيامة. وبَعَثَ البَعيرَ فَانْبَعثَ: حَلَّ عِقالَه فأرْسلَه أو كَان بارِكا فَهَاجَه. ويُمكِنُ حصْرُ المعانِي اللّغويّة في الإرسالِ والإثارةِ والتّحريرِ والنّشرِ والإحياءِ والتّحريك.

2)     اِصطلاحًا:
البعْثُ أوّلا: مصطلحٌ دينيّ يدلُّ على قيامِ الخلائق يومَ القيامة عند بَعْثِ الموتى مِن القبور بأنْ تُجمعَ أجزاؤُهم الأصليّةُ وتُعادَ إليها الأرواحُ. و:"البعْثُ له معنًى خاصٌّ في المسيحيّة. وهو قيامُ المسيح مِن القبر وقد مضَى أربعين (كذا) يوما عليه كما ورد في الإنجيل. وهو نقطةٌ للتّجربة المسيحيّة وعنصرٌ أساسيّ في العقيدة. وهذا البعثُ أو القيامةُ ضمانٌ لرسالة المسيح وخاتمةُ الفداء وعربونٌ لبعثِ جميع البشر، وهو البعثُ العامّ.23 "

و البعثُ ثانيا: مصطلحٌ سياسيّ. فهو تسميةٌ لحركة سياسيّة نَشأت بدمشقَ سنة 1940. ثمّ صارت الحركةُ حزبا قوميّا يحمل اسمَ "حزب البعث العربيّ" الّذي تأسَّس بصفة غيرِ رسميّة سنة 1947. واندمج هذا الحزبُ مع "الحزب العربيّ الاشتراكيّ" سنة 1954.  فنشأ باندماجهما "حزبُ البعث العربيّ الاشتراكيّ" الّذي نال التّرخيصَ الرّسميّ في نفس ذاك العام. والحقيقةُ أنّ التّأريخَ للبعث حركةً وحزبا أمرٌ مُختلَف فيه حتّى في مصادر البعث الرّئيسيّة24ِ.

كان "حزبُ البعث العربيّ" بزعامة "ميشيل عفْلق" و"صلاح الدّين البيطار". أمّا الحزبُ العربيّ الاشتراكيّ فبزعامة "أكرم الحورانيّ" (وُلد في حماة: 1912). وقد فُسِّر انْدماجُ الحزبيْن بأنّ: "حزبَ البعث هو أساسا تيّارُ فكرٍ ومفكِّرين دون جُند، بينما الحزبُ الاشتراكيّ تيّارٌ سياسيّ يرتكزُ على جماهير الفلاّحين، فيُمكن أنْ يتولاَّه حزبُ البعث بالتّأطير والتّنظيم 25."

صار حزبُ البعث مُشارِكا في الحكم منذ فيفري 1955. وهذا ما جعله العاملَ الرّئيسيّ في تحقيق الوحدة بين سوريا ومصرَ النّاصريّةِ في فيفري 1958. فتأسّستْ بذلك "الجمهوريّةُ العربيّة المتّحدة". لكنْ لم تَعش الوحدةُ طويلا. فقد قطع البعثيُّون السّوريُّون علاقاتهم بجمال عبد النّاصر رئيسِ "الجمهوريّة العربيّة" في ديسمبر 1959. وهذا ما سهَّل الانفصالَ الرّسميّ بين النّظاميْن في سبتمبر 1961 26.

اِنفرد البعثيُّون بالحكم في سوريا. وكان أوّلُ رئيس منهم هو "صلاح الدّين البيطار" بعد نجاحِ حركة "8 مارس- آذار 1963" الّتي: "قام بِها ضبّاطٌ قوميّون تقدُّميّون ذوُو اتّجاهات بعثيّة وناصريّة ومستقلّة"27 ضدّ حكم الانفصال. فإثرَ نجاح هذه الحركة تمركزت السّلطةُ في يد "المجلس الوطنيّ لقيادة الثّورة" الّذي ضَمّ غالبيّةً بعثيّة. سهَّل هذا التّفوّقُ العدديّ "إقصاءَ النّاصريّين والمستقِلّين الّذين شاركوا البعثَ في حركة 8 آذار"28. فانقَلب البعثيُّون على حُلفاء الأمس، واستأثَروا بالسّلطة. وصار البعثُ الحزبَ الحاكمَ في سوريا منذ 1963 إلى اليوم وفي العراقِ منذ 1968 إلى سقوط بغدادَ جرّاء الغزو الأمريكيّ: مارس- أفريل 2003.

لم يُسمحْ للحزب بإصدار صحيفةٍ ناطقة باسمه حتّى سنة 1946. وجاءتْ تحمل اسْمَه عنوانا. وانعقد المؤتمرُ الأوّل لحزب البعث سنة 1947 بين 4 و7 نيسان - أبريل. وصَدر دستورُ الحزب ونظامُه الدّاخليّ في النّصف الثّاني مِن سنة 1952. ولم يكد انْدماجُ هذا الحزب مع "الحزب العربيّ الاشتراكيّ" يُغيِّر شيئا مِن المبادئ التّأسيسيّة الأُولى، وأهمُّها الثّالوثُ: "وحدةٌ -حرّيّة- اِشتراكيّة".

أمّا هدفُ الحركة البعثيّة فهو: "بعثُ الأُمّة مِن سُباتها وانتشالُ الفكر القوميّ العربيّ مِن اغترابه وبعثُ الحضارة العربيّة مِن ركودها وجمودها."29  والاشتراكيّةُ، كما سنرَى، هي من وسائلِ هذا الانبعاث الحضاريّ العربيّ المنشود.

III-ميشيل عفلق:
وُلد ميشيل عفلق سنة 1910 بدمشقَ. وتُوفِّي في 24 حزيران- يونيو 1989 بأحد مستشفيات باريس. ثمّ نُقل جثمانُه إلى بغدادَ حيث جرت مراسيمُ دفنه وتأبينه. درس التّاريخَ في جامعة "السّربون" بين سنتَيْ 1928 و1933. في هذه الفترة اطّلع على الإيديولوجيّات الرّائجة في أوروبا، منها الماركسيّةُ والنّازيّة والقوميّة... زاول مهنةَ التّدريس في سوريا. لكن استقال منها سنة 1942  ليكرِّس مجهودَه للعمل السّياسيّ. وكان للأحداث "الّتي هَزّت سوريا (اِحتلالُ تركيا لواءَ الإسكندرون في 1939) والعراقَ (القضاءُ على ثورة رشيد عالي الكيلانِي في 1941)"30 دورٌ في تفرّغه للسّياسة.

منذ منتصف الثّلاثينات بدأتْ تَتبلور لديه ملامحُ نظريّة الانبعاث القوميّ. وكانت مقاومةُ الاحتلال الفرنسيّ والدّعوةُ إلى الوحدة العربيّة ونصرةُ الشّعب العربيّ في العراق والدّعوةُ إلى ربط الاشتراكيّة بحاجات النّهضة الحديثة هي الملامحَ الأساسيّة الّتي تعكسُ الهويّةَ الجديدة للحركة السّياسيّة الّتي انصرف إلى بنائها.

اُنتخِب عفلق أمينا عامّا لحزب البعث أثناء مؤتمره الأوّل سنة 1947. وتطوّع عام 1948 للدّفاع عن أرض فلسطينَ. واعتُقل عام 1949 بعد الانقلاب العسكريّ الأوّل في سوريا الّذي نفّذه "حسني الزّعيم". وهذا الأخيرُ ُقتل بانقلاب معاكس بعد (136) يوما من الحكم المطلق. ثُمّ اعْتُقل عفلق في عهد "أديب الشّيشكلي" الّذي عَزله انقلابٌ عسكريّ عام 1954. اُعتبِر عفلق "فيلسوفَ" حركة البعث في سوريا حتّى تصدّعِ علاقته بالرّئيس "حافظ الأسد" الّذي حاكمه ومجموعةً هامّة بتهمة "الخيانة". وحَكم عليه بالإعدام. ثُمّ خَفّف ذلك الحكمَ. لكنّه: "وجَّه أوضحَ إنذار مُمكن بأنّه ]...[ لنْ يَتسامح مع أيِّ ولاء لعفلق داخل الحزب السّوريّ."31 بعد ذلك غادر عفلق سوريا، وبقي زعيما للحزب ومنظِّرا له في العراق حتّى وفاته 1989.

IV- "في سبيلِ الْبعث":
هو أهمُّ مؤلَّفات ميشيل عفلق "لأنّه يُعتبر بيانَ حركة البعث، أمّا بقيّةُ الْمؤلَّفات فهي تنويعاتٌ على هذا الكتاب"32. سنَعتمده في طبعتِه الثّانيةَ عشرةَ (12) الصّادرةِ عن "دار الطّليعة للطِّباعة والنّشر" ببيروتَ في نيسان سنة 1974. وكان الكتابُ ظهر في طبعته الأُولى في تشرين الأوّل سنة 1959 عن نفس الدّار. الكتابُ ستّةٌ وخمسون (56) مقالا قُسّمت على ثمانية أبواب هي: (أفكارٌ وتأمّلات، حركةُ البعث العربيّ، البعثُ العربيّ والانقلاب، الرّسالةُ العربيّة الخالدة، في القوميّةِ العربيّة، حول وحدةِ النّضال العربيّ، في الاشتراكيّةِ العربيّة، نظراتٌ سياسيّة). كُتبت كلُّ المقالات بين سنتَيْ 1935 و1960. منها ستّةَ عشرَ (16) مقالا كانت في الأصل أحاديثَ أُلقِيت في مناسباتٍ متنوِّعة في مُدنٍ مُسمّاة كدمشقَ والقاهرةِ وطرابلسَ وبيروتَ وحمصٍ والدّارِ البيضاء والرّباطِ، أو في مُدنٍ أخرى غيرِ معيَّنة بالاسم. وبعضُ مقالات الكتاب مطبوعةٌ في كتابيْن آخريْن لعفلق هما: "البعثُ والاشتراكيّة" و"معركةُ المصير الواحد". أمّا المقالاتُ الّتي اعتنت بالاشتراكيّة بصفة مباشِرة فهي ثمانية : (ثروةُ الحياة، معالمُ القوميّة التّقدميّة، الطّبقةُ العاملة طليعةُ الكفاح العربيّ، أسئلةٌ وأجوبة، موقفُنا مِن النّظريّة الشّيوعيّة، معالمُ الاشتراكيّة العربيّة، العمّالُ والاشتراكيّة، دورُ العمّال في تحقيق الوحدة والاشتراكيّة، نظرتُنا للرّأسماليّة وللصّراع الطّبقيّ). لكن لم تَخلُ مقالاتٌ كثيرة أخرى مِن التّعرّض إلى مسألة الاشتراكيّة بشكلٍ عابر أو مختزَل أو عرَضيّ.

الفصل الثّاني: في مفهومِ اشتراكيّة البعث

I-      منزلةُ الاشتراكيّة في دستورِ البعث:

يُعتبر دستورُ البعث وكتاباتُ عفلق المصدرَ الأساسيّ للفكر البعثيّ. وحركةُ البعث كما يصفُها دستورُها هي: "حركةٌ قوميّة شعبيّة انقلابيّة تناضِل في سبيل الوحدة والحرّيّة والاشتراكيّة"33. وفي هذا الدّستور: "تَنصُّ المادّةُ الرّابعة من المبادئ العامّة ]المبادئُ الأساسيّة ثلاثةٌ وكلُّها قوميّة[ صراحةً على إلحاق الفكرةِ الاشتراكيّة بالفكرةِ القوميّة"34. تقول هذه المادّةُ: "حزبُ البعث الاشتراكيّ يُؤمن بأنّ الاشتراكيّةَ ضرورةٌ منبعِثة ]في مصدر آخر: "منبثِقة": الأحزابُ والحركات، ص221[ مِن صميم القوميّة العربيّة لأنّها النّظامُ الأمثل الّذي يَسمح للشّعب بتحقيقِ إمكانيّاته وتفتُّحِ عبقريّته على أكمل وجه، فيَضمن للأمّة نموّا مضطردا (كذا) في إنتاجها المعنويّ والماديّ وتآخيا بين أفرادها"35. نلاحظ أنّ عبارةَ "الاشتراكيّة" قد وردتْ في تعريف حركة البعث باعتبارها هدفا نضاليّا جاء ثالثا في التّرتيب بعد "الوحدة" و"الحرّيّة". وفي المادّة الرّابعة عبَّر هذا المصطلحُ عن مضامينَ اجتماعيّةٍ واقتصاديّة خاصّة بالشّعب العربيّ. واعتبارُ الاشتراكيّة "ضرورةً" يلمِّح إلى أنّها أداةٌ لتحقيق نموّ الأمّة. ثمّ إنّ وصْفها بِ"النّظام الأمثل" يَقبل التّأويلَ: أهو النّظامُ السّياسيّ الّذي يوجِّه الاقتصادَ والمجتمع؟ أم هو النّظامُ الاقتصاديّ والاجتماعيّ؟ أم هو النّظامُ الرُّوحيّ والأخلاقيّ - إن جاز التّعبيرُ- الّذي يؤسِّس "تآخيَ" أفراد الأمّة العربيّة؟ أم هو كلُّ هذا معا؟

نُعت حزبُ البعث بكونه عربيّا "اشتراكيّا". ومجيءُ هذه الصّفة في المرتبة الثّانية بعد صفة العروبة قد يُستنتج منه أنّ التّرتيبَ تفاضليٌّ: إمّا تفاضلُ الأهميّة أو تفاضلُ الأولويّة أو تفاضلُ الكلِّ على الجزء أو تفاضلُ الغاية على الْوسيلة أو غير ذلك.

II- مكوِّنات الاشتراكيّة في الْفكر الْعفلقيّ:
يعود تناولُنا لاشتراكيّة البعث من خلال كتابات عفلق إلى أنّ: "العفلقيّةَ كانت المصدرَ الأساسيّ لفكر البعث حتّى عام 1963 ]...[. ونَقصد بِ (العفلقيّة) "الفكرَ البعثيَّ الأصليّ" قبل أن تخترقه الماركسيّةُ واللّينينيّةُ ونظريّاتُ التّحرّر الشّعبيّةُ في العالم. وقد ساهم في هذا الفكر أشخاصٌ آخرون غيرُ عفلق ]...[ إلاّ أنّ عفلق يبقى هو الأوّلَ والأساس."36 بالعودة إلى "في سبيل البعث" نجدُ عفلق يَعتبر الاشتراكيّةَ مكوِّنا رئيسا مِن مكوِّنات النّظريّة القوميّة. ويردِّد الكاتبُ رايةَ "الثّالوث البعثيّ" أي: "الحرّيّة" و"الاشتراكيّة" و"الْوحدة" دون كبيرِ حرص على الْتزام ترتيب موحَّد لأجزائه. فالاشتراكيّةُ تأتي ثانيةَ الثّالوث غالبا، ولكن تأتي ثالثتَه أحيانا. ويراها عفلق ذاتَ شُحنةٍ واقعيّة (و هذا نقيضُ المثاليّة ) وذاتَ صبغةٍ ثوريّة (و هذا معادلٌ للانقلابيّة). إذ يقول: "اِتّخذت القوميّةُ العربيّة مضمونا واقعيّا ثوريّا عندما حُدِّدت بأنّها: الوحدةُ والحرّيّة والاشتراكيّة العربيّة."37 وفي موضعٍ آخرَ مِن الكتاب يعمِّم مفهومَ الاشتراكيّة، فيَعتبر "الحرّيّةَ والاشتراكيّة والوحدة" هي: "أهدافَ العرب الكبرى"38. وهي أهدافٌ قوميّة موحَّدة ومتداخِلة: "و تشكِّل كُلاّ لا يَتجزّأ ولا يجوز فصلُ بعضها أو تأجيلُه عن بعضها الآخر."39 ويَشرح عفلق تخصيصَ الاشتراكيّة بكونها "عربيّةً" في اعتباره إيّاها : "اِشتراكيّةً ملائِمة لظروف وحاجة المجتمع العربيّ (كذا)"40 أوّلا، وهي ثانيا: "مرتبطةٌ ارتباطا وثيقا بقوميّتنا العربيّة"41. بذلك يكون شرْطا "عروبةِ" الاشتراكيّة لدى عفلق هما: مراعاةُ خصوصيّات المجتمع العربيّ والارتباطُ بالقوميّة البعثيّة.

يَتبنّى عفلق المعنى المعجميَّ لكلمة "الاشتراكيّة" لأنّ كلَّ التّعريفات الاصطلاحيّة حسْبه تعود إليه. وهذا المعنى الأصليّ هو: " اشتراكُ المواطنين في موارد البلاد الّتي هُم منها"42. وغايةُ الاشتراك : "أنْ يُحسِّنوا حياتَهم وبالتّالي حياةَ أمّتهم"43 . فمصلحةُ المجموعة عند عفلق حصيلةٌ ضروريّة لمصلحة الأفراد.

      يَتبنّى عفلق أيضا التّفسيرَ الماركسيّ لظهور الاشتراكيّة تبنِّيا جزئيّا. فيُسقِط جانبَ الحتميّة من هذا التّفسير، ويُقِرّ بأنّ الاشتراكيّةَ رجوعٌ: "إلى الحالة الطّبيعيّة المشروعة"44 المتضادَّة مع ما سمّاه: "الوضعَ الشّاذَّ"45 الّذي يعني به حالةَ ما قبل تحقُّّق الاشتراكيّة (البعثيّة تحديدا). يمكن تحديدُ مكوِّنات الاشتراكيّة البعثيّة - العفلقيّة بثلاثة: المكوِّنُ الاقتصاديّ فالمكوِّنُ الاجتماعيّ فالمكوِّنُ السّياسيّ.

1-    المكوّن الاقتصاديّ:
تَردّدت عند عفلق المصطلحاتُ الماركسيّة مِن قبيل "الصّراعِ الطّبقيّ"46 و"الطّبقةِ المالكة لوسائل الإنتاج" و"الطّبقةِ المحرومة منها"47... بمعناها الأصليِّ أو "بالمعنى العفلقيّ". واعتبر الكاتبُ صراحةً "الإقطاعيّةَ" و"الرّأسماليّةَ" و"العصبيّاتِ العنصريّةَ والطّائفيّة والمذهبيّة": "عِلَلا" تعرقِل نموَّ المجتمعِ العربيّ ويزيدُها الاستعمار قوّةً ومناعة.48 تكرّرت عنده مصطلحاتُ "الطّبقةِ العاملة" و" الطّبقةِ الكادحة" و"البروليتاليا". وهي مُترادفاتٌ تسمِّي ضحيّةَ ما تَعتبره الماركسيّةُ - والعفلقيّةُ أيضا-: "الاستغلالَ الطّبقيَّ".49

عبَّر هذا المعجمُ عن رفضٍ صريح للنّظام الاقتصاديّ السّائد. فهو نظامُ تَرفِ القلّة وبُؤسِ الكثرة. ولكي تضمن القلّةُ مصالحَها تَتحالف مع القُوى الرّجعيّة والاستعماريّة، وتُسيطر بقوّةِ المال على السّلطةِ حتّى لا تُبقيَ للأكثريّةِ السّاحقة المسحوقة إلاّ "حقَّ بقاءِ الرّمق"50.

و يرى عفلق أنّ: "هذه الأوضاعَ الاقتصاديّة الجائرة المتأخِّرة"51 تقسِّم مجموعَ العرب إلى "سادةٍ" و"عبيدٍ". وهو أمرٌ يعرقِل "نضالَ العرب في الوقتِ الحاضر"52. ونَتساءلُ حول هذا: هل إنّ ما لا يجوزُ في "الوقتِ الحاضر" يجوزُ في وقت لاحِق ؟ ما هو النّظامُ الاقتصاديّ الاشتراكيّ الّذي يَعرضه عفلق حلاّ جذريّا أوحدَ؟ في سياق التّأكيد على انقلابيّةِ البعث يَرفض فيلسوفُ الحركة "الإصلاحَ التّدريجيّ" الّذي يَتبنّاه "أكثرُ السّياسيّين" لأنّ: "التّبديلَ العميق في الحياةِ الاقتصاديّة عندنا يعنِي مثلا انتزاعَ الأراضي مِن يد الإقطاعيّين وتوزيعَها على الفلاّحين"53 . كَتب عفلق هذا المقالَ سنة 1950. ثمّ بعد نشأةِ "الجمهوريّة العربيّة المتّحدة" القصيرةِ العمر: "أصدرَ عهدُ الوحدة في سبتمبر- أيلول 1958 قانونَ الإصلاح الزّراعيّ والعلاقات الزّراعيّة. وتَقرّر توزيعُ الأراضي المصادَرة من الملاّكين بالإضافة إلى أملاك الدّولة، على الفلاّحين"54. فحركةُ البعث وهي بعدُ فكرٌ، قد طالبت بإعادةِ توزيع الثّروة، ثمّ وهي حزبٌ قد تبنَّت مبادئَ الإصلاح الزّراعيّ النّاصريّ (نسبةً إلى الزّعيم جمال عبد الناّصر) وجسَّدتها على الميدانِ السّوريّ.

يدعو عفلق إلى "المساواةِ الاقتصاديّة" وإلى "تكافُؤ الفُرص" بين أفراد الشّعب دون أن يُحدِّد آليّات تطبيق هذه المساواة وهذا التّكافؤ. ويرى أنّ الخروجَ من التّخلف الاقتصاديّ يكون: "بتخطيط سياسةٍ اقتصاديّة تقوم على أسُسٍ شعبيّة تقدّميّة ثوريّة. فتُوجَّه معظمُ الجهود لرفع مستوى العدد الأكبر من أبناء الأمّة العربيّة، وتَنصبُّ على الأمور الجوهريّة ]...[ كإنشاء الصّناعات الأساسيّة لتحرير البلادِ من التّبعيّة الأجنبيّة"55. والاكتفاءُ الصّناعيّ المقصود هو العربيُّ لا القُطرِيّ. فهذا شرطٌ لازم لعروبةِ الاشتراكيّة لدى عفلق.

أمّا حقُّ الملكيّةِ الفرديَّة فإنّ اشتراكيّةَ البعث، على خلاف الماركسيّة، تُقِرّه. لكنّها تَحُدّ (أي تضع حدودا قصوى) ملكيّةَ الأفراد كما تفعلُ مع حقِّ الإرث: "فالمادّةُ 34 من دستور الحزب تقول: "التّملّكُ والإرثُ حقّان طبيعيّان مَصونان في حدودِ المصلحة القوميّة"56. ولم نَجدْ في كتاب "في سبيل البعث" ما ينفِي هذه المادّةَ. لكن دفاعُ عفلق عن "حرّيّةِ الفرد" ينطوِي على إقرارٍ ضمنِيّ بحقِّ الملكيّةِ الفرديّة وإنْ كانت مقيَّدةً. نجدُ عفلق أحيانا يَختزل الاشتراكيّةَ في جانبها الاقتصاديّ، حتّى ينفِيَ عمّا سَمّاه "الاشتراكيّةَ الصّحيحة الّتي يحتاجها العربُ" التّطابقَ مع الماركسيّةِ بما فيها من تحرّرٍ اجتماعيّ وديموقراطيّةٍ سياسيّة. فيقول: "الاشتراكيّةُ ليست أكثرَ من نظامٍ اقتصاديّ مرِن متكيِّف مع حاجات كلِّ أمّة. وليس بِعسير على العرب أن يَهتدوا إلى اشتراكيّةٍ عربيّة مُستمَدّة من روحِهم وحاجاتِ مجتمعهم ونهضتِهم الحديثة، تَقتصر على إيجادِ تنظيمٍ اقتصاديّ عقلانيّ عادل ]...[."57  لكنْ ظلَّ هذا الأمرُ اليسيرُ مسكوتا عنه. إنّ اشتراكيّةَ البعث، إذْ تحرص على الخصوصيّةِ وتنفِي التباسَها بالماركسيّة، تَضع نفسَها في "منزلةٍ بين المنزلتيْن" (بعبارةِ المعتزلة في حُكم مرتكِب الكبيرة). وفي هذا الاعتدالِ يقول بوعلي ياسين: "نَصّتْ السّياسةُ الاقتصاديّة على اشتراكيّةٍ وسطِيّة تَجمع بين حقِّ التّملّك والإرث للأفراد، وملكيّةِ الدّولة لوسائل الإنتاج الرّئيسيّة، وتحديدِ الملكيّة الزّراعيّة والصّناعيّة، واشْتراكِ العمّال في إدارة المعامل وأرباحها، وإشرافِ الدّولة على التّجارتيْن الدّاخليّة والخارجيّة"58.

2-    المكوّن الاجتماعيّ:
تَردّد في الكتاب المذكور الحديثُ عن العدلِ الاجتماعيّ باعتباره نتيجةً مباشِرة للعدل الاقتصاديّ. فهذا الأخيرُ كفيلٌ بأن: "يَحُول دون الأحقادِ والنّزاعات الدّاخليّة ودون استغلالِ طبقة لأخرى وما يَنتج عن هذا الاستغلال مِن فقرٍ وجهل وشلل لنشاط أكثريّة أفراد الشّعب".59 ويعرِّف عفلق "المجتمعَ العربيَّ المنشود" (أي المجتمعَ البعثيّ) بكونه ما: "يَتحقّق فيه العدلُ وسلامةُ التّركيب بين أفرادِ الأمّة وطبقاتها"60. في هذا المجتمعِ العادل السّوِيّ الّذي شُفِيَ من "أمراضِه" الكثيرة، بعبارة عفلق، تَتمتّع الأقلّيّاتُ الدّينيّة والمذهبيّة بحرّيّةِ المعتقَد. وضَرب على ذلك مثالَ الأقلّيّة المسيحيّة في لبنانَ61. وتحافِظ الأقلّيّاتُ العرقيّة على خصوصيّاتها الثّقافيّة، ومثَّل لذلك بالأكرادِ في العراق والآشوريّين والأرمنِ في سوريا62 والبربرِ في المغرب63 . ذلك لأنّ اشتراكيّةَ البعث لا تَعترف بالتّفريق الطّائفيّ ولا بِ"القوميّةِ المغلقَة المتعصِّبة"64 الّتي تَصل حدَّ العنصريّة كما هو حال النّازيّةِ الألمانيّة مع زعيمها الرّوحيّ والسّياسيّ "أودلف هتلر": Adolf Hitler  [1889-1945].

كلُّ هذه الملَل والنِّحل الموجودةِ في البلاد العربيّة تَدخل، إذن، بلا تَنافرٍ أو تصادمٍ في نسيج المجتمع العربيّ عامّةً والاشتراكيّ خاصّةً (أي البعثيّ) دون أن تَفقد خصوصيّاتِها. ويبرِّر عفلق الجمعَ المتآلِف بين الأقلّيّاتِ الدّينيّة والعرقيّة بكونها تَشترك جميعُها في نفس المعاناة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة. إذ يقولُ: "و الآن ليس هناك أقلّيّاتٌ مضطهَدة وطوائفُ مضطهَدة، وإنّما هناك أكثريّةُ شعب مضطهَد هو الشّعبُ العربيّ. وهناك أقلّيّةٌ مضطهِدة من المتآمرين مع الاستعمار. العربيُّ والكرديُّ والبربريُّ والآشوريُّ والمسلمُ والمسيحيُّ والدّرزيُّ إلخ... أفرادُ الشّعب الّذين يشكِّلون 90 بالمائة من أفرادِ الأمّة العربيّة مضطهَدون محرومون مِن قبل أقلّيّةٍ تَستغلّ الأوضاعَ الفاسدة وتَستفيد من وجود الأجنبِيّ"65. إنّ عفلق يُصالِح بين المذاهب والأعراق بواسطةِ الاشتراكيّة الّتي تَعدِل اجتماعيّا – واقتصاديّا - بين كلِّ مُواطني الأرض العربيّة. ولَشدّ ما يُذكِّرنا هذا الموقفُ البعثيُّ على ضِيق حيِّزه الجغرافيّ، بشعار الماركسيّة الأمَميّ: "يا عمّالَ العالَم اتّحدوا" ! ولأنّ اشتراكيّةَ البعث "مُؤمِنةٌ"، لم ترَ في الدّين "أفيونَ الشّعوب". بل اعتبرتْه سندا لها لمقاومة ما في المجتمعِ "ما قبل البعثيِّ" مِن "فسادٍ وظلم واستثمار" وحافزا على التّصدّي "للظّلمِ الاجتماعيّ".

كما اعترف البعثُ بالملكيّةِ الخاصّة، اعترف بحرّيّةِ الفرد المبدع الّذي يعود نفعُه على مجموع الأمّة ويُساهم في الخيرِ العامّ أو بالأحرى في خيرِ "المجتمع البعثيّ". وعن أهمّيّةِ هذا الفرد الموهوب يقول عفلق: "مُهمّةُ هذا التّنظيم ]يعني البعثَ ذا الطّابع الانقلابيّ[ هي ]...[ خلقُ الفردِ العربيّ الّذي هو أساسُ الجيل الجديد، الفردِ الواعي المسؤول المؤمن، ثمّ جعْلِ هذا الفرد أداةً فعّالة صادقة في الحركة الّتي ستُغيِّر تاريخَ أمّته" 66. والفردُ الّذي يَحظى بالعنايةِ الخاصّة فيُؤطَّرُ ليُؤطِّرَ هو "العضوُ البعثيّ". ولنا أن نَستنتج مِن هذا أنّ مُواطنِي البلاد العربيّة إن نالوا نفسَ الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة تقريبا، فلن ينالوا من الزّعامةِ البعثيّة نفسَ العنايةِ والاهتمام والمنزلة. أمّا مسألةُ تحرير المرأة، وهي قضيّةٌ اجتماعيّة عالَميّة صارت مطروحةً بإلحاح منذ الحرب العالميّة الثّانية، فلن نجدَ لها أثرا في مؤلَّف عفلق. هذا لأنّها كانت مسألةً خلافيّة أثناء المؤتمر التّأسيسيّ لحزب البعث. وكان الخلافُ أساسا "حولَ تحرير المرأة وهل يُثبَت في الدّستور أم لا".67 لقد آثر مؤسِّسُ الحركة أن يَتجاهل هذه المسألةَ حتّى كأنّها لم تكن، تَجنّبا لردود الفعل المحافِظة أو خوفا من الانشقاقِ داخل حزبه أو ربّما إنكارا للمسألةِ نفسها. فهل نَفهَم الحرّيّةَ الفرديّة الّتي نَظّر لها عفلق على أنّها حرّيّةُ الرّجالِ دون النّساء؟

3-    المكوّن السّياسيّ:
في سياسةِ الحزب الدّاخليّة تَنصّ المادّةُ الأُولى من مبادئ الدّستور العامّة على أنّ: "نظامَ الحكم في الدّولة العربيّة هو نظامٌ نيابيّ ودُستوريّ والسّلطةُ التّنفيذيّة مسؤولةٌ أمام السّلطةِ التّشريعيّة الّتي يَنتخبها الشّعبُ مباشرةً"68. أمّا عفلق فقد اعتنى بالعلاقة بين أطرافِ الثّالوث المتحكِّم في النّشاط السّياسيّ: وهي النّظريّةُ السّياسيّة والزّعامةُ والقاعدةُ الجماهيريّة. ويرى أنّ مبدأَ "الطّاعةِ"  ]وهو مصطلحٌ دينِيّ بالأساس[  هو الواصلُ بين هذه الأطراف. فيقول: "القادةُ الحقيقيّون هم الّذين يعرفون أن يُطيعوا الفكرةَ، كما أنّ الأعضاءَ المخلصين هم الّذين يُطيعون الفكرةَ من خلال توجيه القادة"69. ويُوغِل عفلق في المقارنة بين الأفراد: "الّذين يَحتفظون بحرّيّتِهم باستقلالِ تفكيرهم بصفاءِ نفوسهم"70 وبين المجموعِ "المدفوعِ بطبيعته، بغريزته إلى تَمجيد الظّواهر والشّكليّات والعناوين والألفاظ والصّفات العامّة"71. وهي مقارنةٌ ضِدّيّة تكاد تُطابِق الثّنائيّةَ العربيَّة التّراثيّة: العامّة (الرّعاع) والخاصّة (النُّخبة).

حسْب عفلق يفكِّر الزّعيمُ بالنّيابة عن الجماهيرِ الكادحة بالسّاعد لا العقل، هذا إنْ حَقّ له أن يفكِّر فعليّا في النّظريّةِ البعثيّة. فهذه الأخيرةُ من اختصاص"خاصّةِ الخاصّة". ويُبرِّر عفلق إقصاءَ الجماهير مِن "حقِّ المشاركةِ في التّفكير" بِ: "وجودِ أكثريّةٍ ضعيفة جاهلة مُستعبَدة لا تُقدِّر مسؤوليّاتِها ولا تَعي وجودَها على حقيقته. لذلك تبقى الأقلّيّةُ هي الّتي يمكن أن يَتوفَّر فيها الوعيُ والشّعورُ بالمسؤوليّة ]...[. فالمشكلةُ في مجتمعنا إذن هي مشكلةُ القيادة، مشكلةُ الأفراد الّذين تَتوفّر فيهم الشّروطُ لقيادة المجتمع"72. وبمعجمٍ أخلاقيّ يُميِّز عفلق بين "القادةِ الصّادقِين" و"القادةِ الكاذبين". أمّا معيارُ الصِّدق والكذب فهو مدى الولاء "للفكرة" أي النّظريّة. ويَحتجُّ عفلق لهذه الوصايةِ الفكريّة والسّياسيّة على عامّة الشّعب بِ"أوْزَارِ عصور الانحطاط والتّأخُّر"73 الّتي أضعَفت العقلَ الْجَمْعيّ العامّ.

أمّا مقاييسُ اختيار القيادات البعثيّة فيلخِّصها عفلق في أن تكون: "العناصرَ الأسلمَ مِن غيرها والأقلَّ مرضا وتشويها والأقدرَ مِن غيرها على التّفاهم والتّعاون والأكفأَ للعمل المنظَّم الواعي"74.  ويَرى في توفُّر هذه الزّعامات بهذه الشّروط "البعثيّة" سبيلا إلى :"تبديلِ حياة الشّعب بكاملها..."75 يَرى عفلق أنّ الدّولةَ يجب أن تكون عَلمانيّةً (فصلُ الدّين عن الدّولة). ويَعتبِر ذلك تحريرا للدّين وحفاظا عليه من "ظروفِ السّياسة وملابساتها"76. ثمّ إنّ هذا الأمرَ يسهِّل انسجامَ الأقلّيّاتِ الدّينيّة والمذهبيّة مع المحيطِ الإسلاميّ العامّ.

في السّياسةِ الخارجيّة مثَّلت وحدةُ سوريةَ مع مصرَ تجسيدا لكونِ اشتراكيّة البعث قوميّةً: يُطلَب تَحقّقُها على المستوى العربيّ لا القُطريّ ولا العالَميّ (بالمعنى الأمميِّ الماركسيّ). وإن كان رفضُ عفلق للماركسيّة يعود بالأساس إلى تعارُضِ هذه الأخيرة مع الخصوصيّةِ العربيّة، فإنّه عائدٌ بنسبة هامّة أيضا إلى النّمطِ الاشتراكيّ الّذي تَطرحه الاشتراكيّةُ العلميّة: هو نَمطٌ يسعى - نظريّا على الأقلّ -إلى صَهْرِ الفرد داخلَ المجموعة وإلى نَفْي الدّين وإلى تفكيكِ جهاز الدّولة تدريجيّا. ثمَ إنّ "دكتاتوريّةَ البروليتاريا" الّتي تنظِّر لها الماركسيّةُ وتبشِّر بتحقّقِها الحتميّ، تَتعارض مع ما يشرِّع له عفلق مِن "دكتاتوريّةِ الزّعامة والقيادة" إن جاز التّعبيرُ. وقد تَطوَّر التّعارضُ النّظريّ بين العفلقيّة والماركسيَّة إلى صراعٍ إيديولوجيّ وسياسيّ عنيف بين حزبِ البعث والشّيوعيّين العرب الّذين وصفَهم عفلق بكونهم: "حركةً زائفة مُصطنَعة "77.

في حدود مفهوم الاشتراكيّة البعثيّة
I
-الْجوانب الإيجابيّة:
لا تخلو اشتركيّةُ فكر البعث مع ميشيل عفلق مِن جوانبَ إيجابيّةٍ أجْملناها في ما يلِي :

1)     مسألةُ الخصوصيّة العربيّة:
يُحسَب لعفلق أنّه تبيَّن مسألةَ الخصوصيّةِ بمعانيها المتعدِّدة: الاجتماعيّةِ والاقتصاديّة والثّقافيّة والدّينيّة والذّهنيّة... حتّى وهو يَنهل من اشتراكيّةِ "ماركس". وإدراكُ الخصوصيّة يَدلّ بقطعِ النّظر عن مدى الخطإ والصّواب فيه، على الوعي بضرورة تجنُّب الإسقاط المتعسِّف للنّظريّةِ "المستورَدة" وعلى توفُّرِ الحسّ النّقديّ السّياسيّ لديه، مهما يكنْ نسبيّا.

2)     مراجعةُ النّظريّة البعثيّة:
اِعترف عفلق في كتابه الّذي اعتمدناه بالتّقصير في صياغةِ الاشتراكيّة العربيّة. كان ذلك سنة 1960 في مقاله "الدّورُ التّاريخيّ لحركة البعث" الّذي جاء فيه: "بقيَ لنا أن نقولَ أنّ المجالَ الّذي قصَّر فيه الحزبُ هو البحثُ الاشتراكيّ المنظَّم ووَضعُ نظريّةٍ مفصَّلة للاشتراكيّة العربيّة. فلقد كان يكفِي الحزبَ في السّنوات الأُولى أن يعلِن عن مبدإ استقلال الطّريق العربيّ الاشتراكيّ، وأنّ الأمّةَ العربيّة تبنِي لنفسها اشتراكيّةً مستمَدّة من روحِها وحاجاتها وظروفها. إلاّ أنّه كان مِن الواجب أن نَتجاوز هذه المرحلةَ الابتدائيّة ونطوِّر فكرتَنا ونعمِّقَها ونغنيَها بتجارب البلدان الأخرى. وهذه إحدى مسؤوليّاتِ البعثيّين الرّئيسيّة في المستقبل القريب"78.

مع هذا الاعترافِ بالتّقصير التّنظيريّ اعتَرف عفلق ببعض الأخطاء العمَليّة. وكان أهَمُّها الصّدامَ بين البعث والشّيوعيّين . وهو صدامٌ إيديولوجيّ أساسا. لكنّه شَرَخ الحركةَ النّضاليّة العربيّة وأفقدَها وحدةَ جناحيْها الأساسيّيْن. وفي هذا راجَع عفلق نفسَه. فقال سنة 1976: "كيف نكون ثوريّين اشتراكيّين مجدِّدين، وفي الوقت نفسِه نَرى في الشّيوعيّة خصْما فكريّا بدلا من أن نَرى فيها صديقا وحليفا ؟ !"79. ودعا عفلق في سياقاتٍ أخرى إلى التّحالُفِ السّياسيِ بين جميعِ القوى التّقدّميّة: "لإنْهاءِ أنواع الاستغلال الطّبقيّ والاستعماريّ"80.

3)     الْعلاقة مع الْماركسيّة:
رغم التّناقضِ الإيديولوجيّ الصّريح بين الاشتراكيّةِ الماركسيّة والاشتراكيّةِ البعثيّة الّذي يبلغ حدَّ الصّراع، وَجدنا عفلق يستفيد من هذه النّظريّة علنا ويجتهد في فهْم الظّروفِ التّاريخيّة الّتي أنشأتْها ويَعترف بسلبيّاتِها كما بإيجابيّاتِها. إذ أَسند إليها أحيانا: "النّواحيَ الإيجابيّة الخطيرة"81 وإن كان قد توسَّع أكثرَ في سلبيّاتِها الكثيرة، وأهمُّها حسْبه عدمُ ملاءمتِها للبيئة العربيّة.

4)     التّفكير الْمرحليّ:
كثيرا ما خصَّص عفلق الزّمانَ وهو يصُوغ اشتراكيّتَه، كأن يُقِرّ أمرا ويجعل صلاحيّتَه مشروطةً بزمانٍ محدَّد. مِن ذلك قولُه: "صالِحٌ في وقتِنا الحاضر" و"اليومَ" و"المستقبل القريب" و"في السّنواتِ الأُولى" وغيرُ هذا كثيرٌ. ويدُلّ هذا التّحديدُ الزّمنيّ، مبدئيّا على الأقلّ، على أنّ نظريّةَ عفلق متفاعِلةٌ مع التّاريخ تتغذّى به وتُراجِع نفسَها على أساسه وأنّها تسعى إلى أن تكون واقعيّةً.

II-     الْجوانبُ السّلبيّة:
وَجدناها أكثرَ مِن الجوانبِ الإيجابيّة وأعمقَ أثرا ونتيجة:

1)     الطّابعُ المثاليّ:
اِشتراكيّةُ البعث كما عرضَها عفلق مثاليّةٌ في الأغلب، تُذكِّرنا باشتراكيّات القرنِ التّاسعَ عشرَ. فمؤسِّسُ البعث لا يراها: "إلاّ كعطاءٍ دائم سخيّ، بأن نُعطيَ الحياةَ أضعافَ ما بذلتْه لنا"82 هي إذن اشتراكيّةٌ قوامُها الاستعدادُ النّفسيّ والذّهنيّ أوّلا والشّحنةُ الأخلاقيّة القِيميّة ثانيا. وهي: "دِينُ الحياة وظَفَرُ الحياة على الموت"83. ويَصلُ عفلق حدَّ اعتبارها الوسيلةَ الوحيدة لضمان إنسانيّة الإنسان. وقد سَيطر معجمٌ "رومانسيٌّ انفعاليّ"84 على تعريفاتِ الاشتراكيّة وعلى تَعدادِ مزاياها وخياراتها.

2)     غيابُ الجهاز النّظريّ:
لم يُؤسِّس فكرُ البعث جهازا نظريّا يَحُدّ المصطلحاتِ ويرتِّبها في نسقٍ متكامل. لذا وجدنا مصطلحَ "الاشتراكيّةِ" مُرادِفا أحيانا لمصطلح "القوميّة". وفي ذلك يقول عفلق:" يُمكننا أن نُقرِّر بأنّ القوميّةَ العربيّة مُرادِفةٌ للاشتراكيّة في الوقت الحاضر"85. وفي نفس الصّفحة يُعلِن أنّ "]الاشتراكيّة[ فرعٌ خاضع للأصل الّذي هو الفكرةُ القوميّة"86. وتبدو الاشتراكيّةُ أحيانا أداةً لتحقيق غاية كبرى هي القوميّةُ. وفي ذلك يقول عفلق: "إنّ مصلحةَ القوميّة وبقاءَ الأمّة ومُجاراتَها للأمم الرّاقية وصمودَها في تيّار التّنافس بين الدُّول متوقِّفٌ على تحقيق الاشتراكيّة"87. لقد جاءت مصطلحاتُ  اشتراكيّةِ البعث في أغلب السّياقات غامضةً ضبابيّة قابلة للتّأويلِ وضدِّه، بل أتت أحيانا مناقِضةً لما بعدها أو لما قبلها.

3)     عدمُ تكافؤ مكوّنات الاشتراكيّة:
 نال الجانبُ الاقتصاديّ من الاشتراكيّةِ البعثيّة نصيبَ الأسد من التّنظير. إذ آمنَ عفلق بأنّ تحقيقَ الشّروطِ المادّيّة الضّروريّة كافٍ لحلِّ الأزمات الاجتماعيّة كلِّها. وفي هذا الفهم تكريسٌ نسبيّ "للمفهومِ المادّيّ للتّاريخ" الّذي تنظِّر له الماركسيّةُ والّذي يفسِّر كلَّ الظّواهر الإنسانيّة بالشّروط الاقتصاديّة. وكان عفلق  قد نَقد "الجدليّةَ المادّيّة" مِرارا. ثمّ إنّ الوضعَ الاقتصاديّ لا يستطيعُ أن يَحُلّ مشاكلَ البنية الاجتماعيّة كلِّها أو يَحُلّ تناقضاتِ التّركيبة الذّهنيّة. فالإنسانُ أعْقد من أن يُختزَل في حاجاتِه الاقتصاديّة المباشِرة. ورغم الاعتناءِ بالاقتصادِ فإنّ: "متابعةً جادّة للخطابِ الاقتصاديّ في كتاب عفلق لا تقف بنا على مفاهيمَ دقيقةٍ للاشتراكيّة العربيّة ولا على رصدٍ علميّ لخصائص  الواقع العربيّ ."88 لم يكنِ الجانبُ الاجتماعيّ مستقلاّ بذاته. إنّما بدا تابعا للشّروطِ الاقتصاديّة. ثمّ إنّ غيابَ الحديث عن انتشارِ الأمّيّة وعن وضْع المرأة العربيّة وعن التّقاليدِ الظّالمة وغيرِها من مظاهر البنية الاجتماعيّة الممعِنة في التّخلُّف، يُوحِي بأنّ مؤسِّسَ البعث يَهربُ من الإشكال عوض أن يُواجهه. وهذا من قَبيل الهروب إلى الأمام والقفز على الهَنات.

أمّا الجانبُ السّياسيّ فجاء أقلَّ الجوانب "ثوريّةً" و"انقلابيّةً" وأبعدَها عن الاشتراكيّة الدّيمقراطيّة. فقد جَمع عفلق بين مبدإ "عَلمانيّةِ الدّولة" ومبدإ "طاعةِ الزّعيم" جمْعَ متآلفيْن، حتّى كأنّ القائدَ البعثيّ إمامٌ شيعيّ معصوم من الخطإ ! ويَتدعّم الحرصُ على الطّاعة بمصطلح "العقيدة": فنظريّةُ البعث وُضِعت في مرتبة العقيدة الدّينيّة الّتي كانت أُبعِدت مِن مراكزِ النّفوذ السّياسيّ مع فكرِ البعث ودولتِه. واعتبارُ النّظريّة عقيدةً يكلِّسها ويَجعلها تعيش أزماتٍ داخليّةً تَخنقها أكثرَ مِمّا تطوِّرها. وهذا - على ما فهمْنا- قد أدركَه عفلق لاحقا.

4)     سيطرةُ الْخطابة:
نسبةٌ هامّة من مقالات "في سبيل البعث" كانت في الأصلِ شفويّةً أي خطاباتٍ وأحاديثَ أُلقِيت أمام جمهور مّا. وقد حافظت هذه المقالاتُ على اللّغة الخَطابيّة الحماسيّة الّتي تلهِب الخيال الحماسيّ كثيرا ولا تُقنِع إلاّ قليلا. لقد اجتَمع في هذه الكتابات عفلق الخطيبُ الدّاعيةُ وعفلق المنظِّرُ السّياسيُّ وعفلق المتحزِّبُ الّذي يُناضِل لنُصرةِ حركة سياسيّة على غيرها من الحركاتِ المنافِسة والمتناحِرة.

الخاتمـــــــة
رغم ما في فِكر البعث من ارتباكٍ تنظيريّ ومن تناقضاتٍ داخليّة، فإنّ هذا الفكرَ قد مثَّل عنصرَ حيويّة في السّاحة السّياسيّة العربيّة. فقد اشتَغل ميشيل عفلق بما توفَّر من أدواتِ عمل فكريّة، فعبَّر بنقائصِه كما بإيجابيّاته عن الظّرف التّاريخيّ العامّ. وفي هذا الشّأنِ لا يختلف مفهومُ الاشتراكيّة عن مفاهيم القوميّة أو الوحدة أو الحرّيّة. فكلُّها متداخِلةٌ مع بعضها بعضا، وإن كنّا نُقرّ لميشيل عفلق بالرّيادةِ في كونه اجتهد لتأسيسِ "فكر سياسيّ" عربيِّ النّشأة والملمَح والمقصَد.

نخلُص من هذا إلى طرحِ بعض التّساؤلات:

1- إلى أيِّ مدًى عَبّر ميشيل عفلق عن التّلقّي العربيّ للنّظريات الاشتراكيّة الغربيّة الوافدة على البلادِ العربيّة في الأربعينيّات والخمسينيّات والستينيّات من القرنِ العشرين؟

2- ألا يكون تمادِي البعث في معاداةِ الشّيوعيّة العربيّة والعالميّة أثناء التّنافسِ على الرّيادةِ الإيديولوجيّة والسّلطةِ السّياسيّة سببا من أسباب تصلُّب النّظريّة البعثيّة، إذ وَضعت نفسَها في مواقعِ الهجوم والدّفاع أكثرَ مِمّا وَضعتْها في مواقع التّأسيس النّظريّ والبناء الفكريّ؟

3- هل يكون ارتباكُ التّطبيقات السّياسيّة في الحكومات البعثيّة عائدا في جزء منه إلى ارتباك التّنظير؟

4- هل يكون الانقسامُ السّياسيّ الحادّ بين البعثِ السّوريّ والبعثِ العراقيّ انعكاسا مّا لضبابيّة النّظريّةِ الأمّ؟

إنّ هذه الأسئلةَ تَصلح موضوعَ بحث آخرَ. فالفكرُ السّياسيّ العربيّ، والبعثُ منه، يحتاج المراجعةَ والتّحليلَ والإثراءَ حاجةً مُلحّة أمس والآن وغدا.

 

باحثة تونسية

 

الهوامـش

1-         «  Le mot ‘‘ Socialisme’’ revêt dans l’histoire des significations multiples. Multiples, au sein même d’un socialisme authentique, selon les écoles. Multiples, Selon les époques.» Encyclopaedia Universalis.

2-         « Doctrine qui rejette l’exploitation de l’homme par l’homme, la propriété individuelle des entreprises industrielles, agricoles, commerciales, et qui fonde le bonheur de l’homme sur la mise en commun de toutes les richesses ». Larousse : Dictionnaire Encyclopédique illustré.

3-           الْموسوعة الْعربيّة الْميسَّرة، المجلّد الثّاني، فصل "اشتراكيّة"..

4-         « La classe la plus nombreuse et la plus pauvre »   كتاب:" الشّيوعية الْعلميّة"، ص (13) 

5-            الشّيوعيّة الْعلميّة،ص (14).

6-            ن.م، ص (17)

7-           الْموسوعة الْفلسفيّة الْعربيّة، ص (76).

8-           الشّيوعيّة الْعلميّة، ص (8).

9-           ن.م، ص (8).

10-       ن،م، ص (18).

11-       الْموسوعة الْعربيّة الْميسَّرة، الْمجلّد الثّاني، فصل "اشتراكيّة".

12-       الشّيوعيّة الْعلميّة، ص (76).

13-       ن.م، ص (76).

14-       ن.م، ص (482).

15-       ن.م، ص (483).

16-       ن.م، ص (482).

17-       ن.م، ص (482).

18-       ن.م، ص (409).

19-       ن.م، ص (409).

20-       الْموسوعة الْعربيّة الْميسَّرة، فصل "اشتراكيّة".

21-       ن.م.

22-       ن.م.

23-       الْموسوعة الْعربيّة الْميسَّرة، الْمجلّد الأوّل، فصل "بعث".

24-       أرّخ عفلق "للحركة" بـ1942 (ص47) و"للبعث العربيّ" بـ1940 (ص 164) و"للتّيّار الشّعبيّ" بـ1940 (ص176) و"للحزب" بـ1941 (ص241) و(ص317).

25-       الأحزابُ والْحركاتُ الْقوميّة الْعربيّة، ج (1)، ص (227).

26-       Grand Larousse universel, Tome (II), p (950), « Baath ».

27-       الأحزابُ والْحركاتُ الْقوميّة الْعربيّة، ج (1)، ص (289).

28-       ن.م، ص (306).

29-       الْخطابُ الْقوميُّ الْعربيّ الْمعاصر، د.الطاهر المنّاعيّ، ص (75).

30-       ن.م، ص (73).

31-       الأحزابُ والْحركاتُ الْقوميّة الْعربيّة، ج (1)، ص (398).

32-       الْخطابُ الْقوميُّ الْعربيّ الْمعاصر، ص (74).

33-       دراساتٌ في الاشتراكيّة، ص (193).

34-       الأحزابُ والْحركاتُ الْقوميّة الْعربيّة، ج (1)، ص (221).

35-       دراساتٌ في الاشتراكيّة، ص (203).

36-       الأحزابُ والْحركاتُ الْقوميّة الْعربيّة، ج (1)، صص (237-238).

37-       في سبيل الْبعث، ص (180).

38-       ن.م، ص (237).

39-       ن.م، ص (237).

40-       ن.م، ص (229).

41-       ن.م، صص (229-230).

42-       ن.م، ص (314).

43-       ن.م، ص (313).

44-       ن.م، ص (315).

45-       ن.م، ص (315).

46-       ن.م، ص (322).

47-       ن.م، ص (323).

48-       ن.م، ص (168).

49-       ن.م، ص (213).

50-       ن.م، ص (314).

51-       ن.م، ص (317).

52-       ن.م، ص (308).

53-       ن.م، ص (71).

54-       الأحزابُ والْحركاتُ الْقوميّة الْعربيّة، ج (2)، ص (75).

55-       في سبيل الْبعث، ص (265).

56-       دراساتٌ في الاشتراكيّة، ص (203).

57-       في سبيل الْبعث، ص (302).

58-       الأحزابُ والْحركاتُ الْقوميّة الْعربيّة، ج (1) ،ص (219).

59-       في سبيل الْبعث، ص (302).

60-       ن.م، ص (66).

61-       ن.م، ص (175).

62-       ن.م، صص (173-175).

63-       ن.م، ص (173).

64-       ن.م، ص (171).

65-       ن.م، ص (174).

66-       ن.م، ص (68).

67-       الأحزابُ والْحركاتُ الْقوميّة الْعربيّة، ج (1)، ص (221).

68-       ن.م، ج (1)، ص (221).

69-       في سبيل الْبعث، ص (36).

70-       ن.م، ص (41).

71-       ن.م، ص (41).

72-       ن.م، ص (79).

73-       ن.م، ص (41).

74-       ن.م، ص (94).

75-       ن.م، ص (94).

76-       ن.م، ص (167).

77-       ن.م، ص (135).

78-       ن.م، صص (51-52).

79-       الْماركسيّةُ بين الأمّة والأمميّة، ص (13).

80-       ن.م، ص (14).

81-       في سبيل الْبعث، ص (213).

82-       ن.م، ص (8).

83-       ن.م، ص (9).

84-       الْخطابُ الْقوميُّ الْعربيّ الْمعاصر، ص (86).

85-       في سبيل الْبعث، ص (307).

86-       ن.م، ص (307).

87-       ن.م، ص (316).

88-       الْخطابُ الْقوميُّ الْعربيّ الْمعاصر، ص (86).

الْمصادر والْمراجــع

* الْكتب:

- باروت (محمّد جمال ومن معه): "الأحزابُ والْحركاتُ الْقوميّة الْعربيّة"، الْمركز الْعربيّ للدّراسات الاستراتيجيّة، جزآن، 1995.

- خليل غريب (حسن): "الْماركسيّةُ بين الأمّة والأمميّة"، دار الطّليعة، ط1، بيروت، 2002.

- عفلق (ميشل ومن معه): "دراساتٌ في الاشتراكيّة"، دار الطّليعة للطّباعة والنّشر، ط1، بيروت، 1960.

- عفلق (ميشيل): "في سبيل الْبعث"، دار الطّليعة للطّباعة والنّشر، ط12، بيروت 1974.

- ماركس (و إنجلز ولينين): "الشّيوعيّةُ الْعلميّةُ"، ترجمة: د.فؤاد أيوب، دار دمشق، ط1، 1972.

- الْمناعي (الطّاهر): "الْخطابُ الْقوميّ الْعربيّ من خلال أبحاثِ مركز دراسات الْوحدة الْعربيّة (1975-1990)"، أطروحة مرقونة.

*الْموسوعات والْمعاجم:

- "لسان الْعرب" للعلاّمة ابن منظور، دار صادر، بيروت، ط1، 1997.

- "موسوعةُ السّياسة"، الْمؤسّسة الْعربيّة للدِّراساتِ والنّشر، ط3 ،1995.

- "الْموسوعةُ الْعربيّة الْميسّرة"، دار إحياء التّراث الْعربيّ، بيروت، 1965.

- "الْموسوعةُ الْفلسفيّة الْعربيّة"، معهد الإنماء الْعربيّ، ط 1، مجلّدان: الأوّل 1986 والثّاني 1988 .

-  "الْمنجدُ في اللّغة والأعلام"، دار دمشق، بيروت، ط 35، 1996.

- Encyclopaedie Universalis, S.A, France, 1996.

- Larousse : Dictionnaire encyclopédique illustré, Larousse, Paris, 1992.