لاتزال صورة الشاب التونسي محمد البوعزيزي ماثلة أمام أعين الشعب التونسي وهو يرسم لون ثورته بالياسمين. هذه قصيدة لشاعر تونسي يعيد من خلالها لملمة شظايا الصورة، ومعها نكتشف أن هذه الأمة لا زالت «ولادة» للأفق الجميل الذي نحلم به: أفق الأمل والحياة، أفق الديمقراطية والتحرر والحداثة.

نـــاري موقد الجائعين

محمد علي القارصي

إلى روح الشاب التونسي الرمز محمد البوعزيزي.

 

حـظـُّـكِ الآنَ، مـَدينـتي، أن تـَـقـِفـي

بـَيـْنَ  الطـَلْقـَةِ  وَالطـَلْقـَه

بــَيْنَ جـَحِيم المَسَاءِ

   وَمِرْوَحِيـَاتِ الصَّبَـاح

والصُّور المُسـْتـنكِرَةِ

    المَاكِرَه.

بـَينَ حُروف "النّا تِ"

وَ خُدَعِ "الفـَايس بُوك".

تـَهـْزئين بِأصْوَاتٍ مُلـَفـَقـةٍ

بخُيوط الضَّغـِيـنـَه.

لم يـَبـْقَ مِنَ المَدِينـَةِ مَا تـَخـَافُ مـِنـْه

أو تـَخـْشَى عـَلـَيْه.

مـَدِيـنـَتِي الغـَالِيَة:

سـَافـَرَ مُحَمَّدُ عـَلى أجْنِحَةِ

 اللَّهَـــب

أطـلـَقَ جـَنـَاحًا لـَم يـُسْعـِفـْهُ

جـَنـَاحْ

طـَافَ حوَلَ نـَفـْسَهُ

ثـُمَّ غـَاب

تلقته أسْرَابُ الـطـُّيور قـَانِيَّة

وَ تَـوَّزَعَـتْ عـَلى جـَسَـدِ

الخـَرِيطـَةِ.

نـَطـَقَ الوَاعِـظ ُ

      وَ السَّاحِرُ

      وَ أصْوَاتُ مُعَّطـَلـة أتَـتْـنـَا

      مِنَ الـزَّمِن الضَّائِعِ.

بـَلـَغَ اللَّهَـبُ أرْضَ مِصْر

وَحَطَّ بِأَرْجـَاءِ عَـمَّان

ثـُمَّ دَعـَتـْهُ بـِلاَد شـنـقـيط إليها.

          هذَا جَسَدِي 

مَا يُجدي أن تـَتـَفَكَّـك

أعْضَاؤُهُ مِن أقـْبيةِ السُّجُون

بـِقـَامِعِ الحَدِيد

وَتـَبـْقىَ الخُطـبُ بأطـْيـَافـِهَا

المُتـَوَعَّدَه ؟

نـَارُهُم بـَرْدٌ وَ سـَلاَم

               وَنـَارِي؟

لـْم اقـْتـِبسْهَا مِنْ أحَدٍ

نـَارِي مَوْقـُدُ الجَّائِعـِين

وَ مِدْفـَأةُ مَنْ شَرِّدَتْ آمَالـُهُ

أنـَا ،رِفْقـَتِي، مِنْ مـِتـَاع دُنْيَاهُم

صِفْرُ اليـَديـْن وَ الفُؤادِ

وَأنـْتُم ضُيُوفِي.

هـَذا جَسَدِي

    هـَذِي أصَابِعِي وَ الزِّنَاد

    هـَذِي يَدِي

    هذَي ذِرَاعِي

جـَسَدِي طَعَامٌ لـَكـُم

دَعُوا الخُضَارَ وَ العَرَبَة

وَكـِلابُ العَسَس

نَحْنُ فـِي حُرمَةِ الجَسَدِ رِفـْقـَةً

كـَاهِلي لاَ يَـقْدِرُ عـَليْهْ اللَّهَبْ

وَ الفـُؤَادُ غـَيْرَ مَوْقـِعِه ُفـَلـَنْ يُصَاب

أنـَا مـِن دِنياهُم صِفـْرُ اليَدَيْنِ

أيّ شـَيئّ أحَبُّ إليَّ من نـَفـْسِي ؟

      أيَّ شَيئ أحَبُّ إلى جـَسَدِي مِنَّي ؟

      أيَّ شـَيئ أحَبُّ إلى الحَيَاة مِنْ جَسَدِي ؟

مـَاذا أقـُولُ لِصَحْرَاءَ تـَكـَفَّنـَتْ

بـِقـُشُورِ الوَهَمِ المُؤَبَّدِ؟

حـَنـَوت عَلى جَسَدِي مِنْ خِدَاعِ

الكلام

احْتـَضَنـْتُ حَبَّات الخُضَارِ

دَفـَعْتُ العَرَبه وَ نـَادَيتُ :

"يَا جـَسَد النُّجْعـَةِ وَالارْتـِحَال

وَ رَبـِيعَ الحُقـُولِ الجَّائِعَة

حَسَدُ القـَواِرِبِ الحَّارِقـَة

وَ الأفـْئـِدَة ِالمُحْتـَرِقـَة

فـَضَاءَ الرّغبات وَوَقـُودُ المِطـحَـنـَة

أنـْتَ حِلـَّي وَ تـِرْحَالِي

عـَلى تـَضَارِيـسَك َكـَتـَبَ التَّاريـِخُ

مِحْنـَتـهُ وَ رَدَّدَ جُوعُ السَّبَاسِبْ

حـَنـوت عَلى جـَسـَدِي

فـِي غـَفـْلـَةِ الوَطـَن

حَمَلـت جَسَدِي عـَلى جَنـَاح

مَحـَبَّتِي

 طـُفْتُ بـِأرْجَاء المَدِينـَة

أيُّ الـبُيوتِ أدْخـُلْ

أسْتبدِلُ الجَسَدَ بِالجَسَدْ ؟

 

بنزرت (15-17) جانفي 2011

جامعي وشاعر من تونس

 

 

محمد البوعزيزي شاب تونسي بائع خضار أضرم في  جسده نارا يوم 17 ديسمبر 2010 بمدينة سيدي بوزيد بالجنوب التونسي بعدما تعرض إلى مضايقات متكررة مهينة من أعوان التراتيب البلدية. هبت في كل أرجاء تونس حركة إحتجاج شعبية عارمة تحولت إلى ثورة بعد هذه الحادثة.