يكتب الشاعر الفلسطيني كما يرسم، يخط بورتريها مهدى الى الأديبة الإنجليزية التي انتصرت للضمير الإنساني الخلاق. يستدعيها الشاعر كي يخط ثورة "النص الهادئة" كأي امرأة أو قصيدة أو حياة.

مفخَّخةٌ بالحجارةِ والوَرد

إلى فرجينيا وولف

نمر سعدي

(1)

أراكِ تحملينَ خلفَ خرَزِ الظهرِ هلالاً من فراشاتٍ

وباقاتٍ من الأزهارِ والخبزِ.. وتذهبينَ كالعروسِ

نحوَ النهرِ والبياضِ

يا شفَّافةَ الخطى كتقبيلِ الطيورِ بعضها لبعضها

هناكَ كنتِ تلمعينَ تحتَ سرِّ الماءِ كالزمرُّدِ المهتاجِ

في ظُفرِ ذئابِ الموتِ أو في قلبِ ماءِ الليلِ..

 

هل أكملتِ في الصباحِ شربَ الشايِ؟

أو كتابةَ الوصيَّةَ السريَّةَ

القصيدةَ / العنقاءَ؟

هل أعددتِ كوكباً صغيراً سابحاً هناكَ في مجرَّةٍ عمياءَ

لاستقبالكِ المنظورِ والمكسورِ مثلَ شهوةِ النارنجِ الرخامِ؟

هل أحرقتِ في مدفأةِ الصقيعِ أضلاعَكِ؟

هل غزَلتِ من دفءِ شرايينكِ معطفاً يُذيبُ الثلجَ

وانتعَلتِ جمرَ الحبِّ في متاهةِ القطبِ ؟

وهل روَّضتِ أحلامكِ في نهايةِ المنامِ

أو غفرتِ للحياةِ

أو كتبتِ ذنبَها على المياهْ؟

 

(2)

يصرخُ الماءُ فرجينيا ما الذي تفعلين

في الصباحِ المشَبَّعِ حتى أصابعِ أقدامهِ بعبيرِ النعاسْ؟

كانَ عشبٌ حبيبٌ يُتوِّجُ حلمَكِ أو كاحليكِ

وأنتِ مفخَّخةٌ بالحجارةِ والوردِ مثلَ الهلالِ المقدَّسِ

منذورةٌ لضحى المستحيلْ

قيلَ ما قيلَ عنكِ بأنَّكِ كنتِ تمدَّينَ روحكِ

فوقَ الضبابِ الكثيفِ كحبلٍ من القلَقِ المعدنيِّ

وتحضنكِ الهاويةْ

 

(3)

يصرخُ الماءُ فرجينيا والسماءُ خلاسيَّةُ الجلدِ

والماءُ مشتعلٌ بتلابيبِ قلبكِ حتى الجنونْ

آهِ فرجينيا ما الذي تفعلين؟

صرختي في الليالي غبارٌ مضيءٌ على شجَرٍ واضحٍ

ودمي آخرَ النهرِ يُقعي كذئبٍ قتيلٍ

وأحلامُ جسمي وحولْ

تعرِّي كحوريَّةٍ من ذنوبِ الكتابةِ والندمِ المشتهى

ودعي الماءَ يجري إلى المنتهى

ثُمَّ غوصي إلى قاعِ عقلكِ وانتظري سمَكاً طيِّباً

في الظهيرةِ يأتي لكيْ يصطفي شمسَ عينيكِ

كالدُرَّةِ الذاويةْ

 

(4)

يصرخُ الماءُ بي في المنامِ

وفي يقظةِ الدمِ عندَ حدودِ الكلامِ

فيهرعُ قلبي بأوتارهِ كرياحِ السنونو

يُبلِّلها مطرُ القافيةْ

 

(5)

الهواءُ النظيفُ يعذِّبُ روحَكِ بالذكرياتِ

ويستنبتُ العشبُ دمعَ أصابعكِ المخمليَّةِ

فوقَ الطريقِ المؤدِّي إلى موتكِ العبثيِّ كفخِّ الطيورِ..

سماؤكِ عيناكِ

أرضُ الخطيئةِ تنبتُ مثلَ السنابلِ فوقَ خطاكِ

ويبزغُ نجمٌ وحيدٌ لبسمتكِ الصافيةْ

على صفحةِ الماءِ

أيتها المرأةُ / اللغزُ

أيتها القبلةُ الحافيةْ

 

(6)

تتنفَّسينَ هواءَكِ المنقوعَ مثلَ سفرجلِ الإسفنجِ

بالأوهامِ والرؤيا

فتأخذكِ الإشارةُ نحوَ حبٍّ ما.. وتخذلكِ العبارةُ

في الكتابةِ عن شتاءٍ مرَّ مثلَ البرقِ في عينيكِ

ثُمَّ طفا على أطرافِ روحكِ

مثلَ جسمكِ في البحيرةِ...

 

أينَ تأخذكِ الكتابةُ من دخانِ اليأسِ

وهيَ حقيقةٌ بيضاءُ نورانيَّةُ المعنى؟

وأينَ وراءَ هذا الليلِ يحملكِ الضبابُ

أو الجنونُ أو الحنينُ إلى سماءِ اللهِ؟

كيفَ تضمِّدينَ بقبلةٍ عمياءَ روحَكِ في الصباحِ؟

 

بنجمةٍ مشقوقةٍ كالأقحوانةِ فوقَ خصركِ

تَنهضينَ من الرمادِ وتُكملينَ روايةَ الأمواجِ...

 

ما أبهاكِ نائمةً

كأنَّكِ في المياهِ فراشةٌ بيضاءُ يصرعُها النعاسُ..

 

تأمَّلي فرجينيا ما حلَّ بالقَمرِ المريضِ

وبالرخامِ القُرمزيِّ حيالَ صمتكِ

كيفَ في الريفِ البعيدِ تفتَّحتْ أزهارُ موتكِ..

يصرخُ الماءُ الوحيدُ الآنَ

لا تُلقي بنفسكِ في سراجِ حقيقةٍ بيضاءَ

لا تُلقي بنفسكِ في السرابْ

 

(7)

تمشينَ هادئةً على جمرِ الصقيعِ

تمسِّدينَ هناكَ أطفالاً هلاميِّينَ.. هادئةً

وتحتشدينَ بالنورِ الخفيفِ

وتهبطينَ إلى فضاءٍ غائمٍ بالزرقةِ الخضراءِ

تنحلِّينَ في النهرِ العظيمِ كذَّرةٍ من فضَّةٍ

وتواصلينَ الحلمَ هادئةً...

وهادئةً كحبَّةِ حنطةٍ بخميرةِ الأشواقِ تندلعينَ

 

آهِ كأنَّ روحَكِ لم تزَلْ فينا..

كأنَّكِ لم تذوبي في خضَّمِ اللهِ..

ضلعُكِ مهدُ آلامِ النساءِ

المثقلاتِ بحبرهنَّ وعطرهنَّ وصخرهنَّ إلى القيامةْ

 

(8)

تمشينَ هادئةً وحالمةً بحبٍّ ما

فتخذلكِ العبارةُ في الكتابةِ عن شتاءٍ مرَّ

مثلَ البرقِ في عينيكِ

ثُمَّ طفا على أطرافِ روحكِ

مثلَ جسمكِ في البحيرةِ...

ها هنا تتوزَّعينَ إلى نساءٍ أخرياتٍ واثقاتٍ

بالجمالِ وبالحياةِ بالصدودِ

تأمَّلي فرجينيا ما حَلَّ بالقَمرِ المريضِ

وكيفَ في الموتِ البليغِ تفتَّحتْ أزهارُ صمتكِ

كيفَ تنسلِّينَ من طُهرِ الرمادِ الآنَ

ساحرةً كعنقاءٍ وعابقةً برائحةِ الطيورِ أو البحارِ..؟

 

الآنَ تكتملُ الأنوثةُ فيكِ

حتى لا نرى امرأةً تعذِّبها المحبَّةُ في ثيابكِ...

بلْ حمامةْ.

 

كانون ثاني 2011

شاعر من فلسطين