أبناء الليل

وليد خازندار

يرونّ الأبّدّ في لحظة
الأفقّ والحواجزّ.
دونّ حماية، فرادي
يذهبونّ إلي أقاصي الخيال.
حين لا يرجعونّ يبقي كّلامهم
خطفة، في نعمةِ الليل.

1
خطفة لتنكشفّ الأرض
غيمها، وجهاتها
صباح العشيٌاتِ الوئيدةِ
الدروب التي تلتقي
تعتم إذ تنحني، وتختلف.

شّجّر البراعمِ التي تتأهٌّب
ثورة الريحِ والأوراقِ
الهدأة الخبيئة بين العصفِ والمطرِ.

ثمٌّ الخفيض، دائما علي غِرٌّة
يعلِن ثمرة قد هّوّتْ:
الصوت الأكثر زلزلة منذ الينابيع.

2
الأرض التي في كلامِهم
يرونّها كاملة كما يحبونّها
مِنْ مجازِ النهرِ، في ومضة
إلي مجازِ البحرِ والأشرعةْ.

ومضة تظلٌ في ليلِهم
تكبو ثمٌّ ترتدٌ.
شاردة وتأخذ العمرّ جانبا
مؤنِسّة جارحة، نّجْوة أو هّلاك.
مّنْ رأته استدلٌّ
امتلكّ، في خطفة، أرضّ حيرتِهِ كلٌّها.
تاهّ الذي أرادّ حّسْب أن يصل.

3
لكنٌّهم خطاهم
في مذاهبِ الأرضِ، في جهاتِها.
وهي أرضهم
الظلٌ المديد للغيمةِ الكبيرة.

الوّتّر الخفيض خّلْفّ أبوابِها
الريبة في شوارِعِها
الصمت الثقيل بّعْدّ كلٌِ صيحةي
كله جاءّ نذيره في كلامِهم.

لكنٌّها عالية ضجٌّة الأعراس.

4
في كلامِهم وّقْع المنازلِ التي هّوّتْ
والتي تبدأ، والتي تتساند
عطش الزهورِ تشرب مِنْ ألوانِها
رجفة الماءِ القصيٌِ الذي يريد أن يّصِل.

كأنٌّهم رّجْع الجهاتِ كلٌِها:
في الغربِ الذي يعْتِم
في الشرقِ الذي يتصدٌّع.
ما الخبيء لّكمْ في رياحِ الشمالِ، إذّنْ
أيها الأمراء علي ما تبقٌّي؟

كأنٌّكم بلا جِهّةي مِنْ كثرةِ الألمِ.

5
اكتشفتم الغيابّ فاحتجتم إلي الكّلام.
كتبتم قلقّ الجذرِ في محابسِهِ
تّوّتٌرّ البراعِمِ في غيرِ موسمِها.
وحينّ الأشجار فّتّحّتْ لّكمْ أوراقّها
أردتم أن تكتبوا كلامّ الرعدِ
نوايا العاصفة.

كّمْ شمسي وقمري وما تغيٌّرّ ما تسألون:
لماذا الجهات لا تصل؟
لماذا السماء غامضة؟
لماذا تسرع الأرض منزلا منزلا
والزمان واقف يتململ؟

لّمْ يتٌّفقْ عّمّل الأرضِ، بعد، ووقع الأغنية
ما يزال بّشّر دونّ رجعة
يعيشونّ علي كلامِكم.
ما يزال أطفال يكْسّرونّ تحتّ سماءي ثقيلة

6
كتبتم طفولتّكم، نّجّتْ وما نجوتم
نوافذّكم
الفجرّ والدربّ والعشيةّ
النبعّ الذي لأجلِ الزنبقة.

ما كّفٌّ عشْب في كلامِكم
يجرٌِب صخرة
ياسمين يقاوم الطقسّ عليّ السياج
بذرة، في عنادِها
تّشقٌ معبرا نحو السماء.

هوذا الخلود الشيخ ينظر في أوراقِكم.

7
لا مائدةّ في انتظارِ عودتِكم
ما مِنْ غفوةي لأجلِكم عندّ المخدٌات.
الوصول، في كّلامِكم، ذريعة الطريق.

لأنٌّكم في وِجْهّة لا مقصدا.
ما أردتم شيئا لأنفسِكم:
الحقول، في كّلامِكم، للسواعدِ
السماء للأجنحةِ
الصباح لفورةِ البراعِمِ
لفورةِ الأولادِ والبناتِ
الليل للأغنية.

ما أوسعّ ما يملك الشعراء:
كلٌ ما لّمْ يتحقٌّق
كلٌ ما عّلّتْ بِهِ النار، مسّجٌّل بأسمائِهم.

8
فرادي لأنٌّهم آخر الطرائدِ.
كأنٌّ مسارّهم صيحة
كتيم، في الأزّل.
كأنٌّهم نّبْر والزمان كّلام.

مقامهم رّيْث
يتعرٌّفونّ بهِ، لّمْحا، مصائرّهم
ويتركونّ علامة
في كلٌِ مفْتّرّقي، خّيال.

ما أشقٌّ دروبّهم وأرهفّ سعيّهم
كلٌّما أدركوا
مِنْ قّبْلِهم أثرا، زادتْ متاهتهم:
دروبهم محجوبة لّهم.

9
والليل يحرسهم، فرادي
كأبناءِ طّيْشِهِ.
لكنٌّهم، مِنْ شبهةي في عيونِهم
مِن ابتسامِهم
يعرفونّ بعضّهم، في أخوٌّةِ الليل.

والليل يأخذهم بأجنحةي
خِفافا، دونّ أسمائِهم.
من قلبِهِ، لا مِنْ قلوبِهم
يحبٌونّ ويّكرّهون.

قلوبهم مليئة شّغّفا
يظلٌ في أسمائِهم، بّعْدّهم.

10
والليل هذا ليسّ لّهم وحدّهم.
إنٌّه ليل الجميع
لكنٌّهم يّلبسونه في حِراسةي.

في مشيئةي، أيضا:
يكتبونّ ما تأخٌّرّ، لعلٌّه يجيء.
كأنٌّ في كلامِهم مغازلّ
يستدرجونّ بها خروجّ الخيطِ إلي العيد.

العتمة الأحلك، العصف الأشدٌ
الومضة، شاردة، في ليلِهم
تحميهِم مِنّ النهارِ الذي لا فّجْرّ فيه.

11
وتطول بِهم، إلي جذوةِ الليلِ، نشوتهم.
ساهرون مِنْ ريبةي
مشدودونّ علي قوسِ أحلامِهم.
سديدونّ:
لا حدٌّ لرشقةِ الفجرِ في خيالِهم.

أيحرسونّ في الليلِ جّذْرّ الضوءِ
أم يحرسونّ الليلّ مِنْ صباحي بلا جذور؟
أتلكّ أخيلة في العّتْمِ
أم أنٌّ الأطفالّ عادوا
ليستطعموا قليلا مِنْ حلاوةِ الروح؟

يرسلونّ هواجسّهم طلائعّ
يذهبونّ إلي الأقصي مِنّ الليلِ
بالمصابيحِ الأخيرةِ.

12
ما أقلٌّ عدٌّتّهم وأبعدّ أرضّهم
لكنٌّهم يصلونّها في ومضةي
ويلْمِحونّ، قبلّ ذهابِهم، إلي غامِضي
ليسّ مِنْ أملي سِواه.

لكنٌّهم يتركونّ بّعْدّهم كِلْمّة:
لن يمضي بعيدا
مّنْ كانّ يعرف دّرْبّ عودتِهِ.

يغادرونّ إلي الفجرِ
واحدة، في نعمةِ الليلِ، واحدا
ثمٌّ يصبحونّ مِنْ خيوطِهِ.