يكتب القاص المصري عن حدث يبدو صغيرا ومعتادا: شجار بين رجل وطفل لكن ردود أفعال العابرين في الشارع تحيل هذا الحدث إلى مرآة تعكس مستويات عديدة للعلاقات الاجتماعية والمسكوت عنه خلالها.

المشكك الأخير

محمود عبد الوهاب

انتبهت على صوت الرجل وهو يصيح من خلفى بصوت عال:
- تعال هنا يا ولد

التفت خلفى فوجدت رجلا ضخما يجرى باتجاه باب المول، ثم يقبض بيديه على طفل ربما كان فى الخامسة أو السادسة من عمره. الطفل يقاوم بضراوة غير معهودة ويتملص طول الوقت صارخا بأعلى صوت ممكن، بينما يضربه الرجل ويسحبه على الأرض باتجاه السيارة. عندما أصبح الرجل ورائى صرخ الطفل بشجاعة يحسد عليها ثم شتم الرجل بأقذع سباب يمكن أن أسمعه:
- يا ناس يا....

والرجل ما إن سمع الشتيمة حتى جن جنونه لأن صوت الطفل كان عاليا بصورة بدت متعمدة. الطفل يريد أن يفضح الرجل على أوسع نطاق ممكن، وبالفعل فإن جميع من كان واقفا بجوار باب المول الكبير قد التفت ينظر للرجل والطفل وتسمر الجميع فى أماكنهم. الرجل ضرب الطفل ضربتين فى منتهى القوة وبدا واضحا حرصه على أن تكون تلك الشتيمة آخر ما ينطق به الطفل. حمل الرجل الطفل بعد ذلك حملا إلى السيارة. كنت قد انتهيت من شريحة البيتزا التى اشتريتها من داخل المول وأخذت أمسح يدى فى الطبق ثم بدأت أنظر حولى باحثا عن سلة مهملات. وجدتها بالقرب من الباب الرئيسى فاتجهت إليه. وضعت الطبق الكرتون فى السلة ثم استدرت أنظر للمشهد من جديد. كانت الناس تقف أمام الباب وتتحدث فى الموضوع:
- ده باين عليه أبوه
- آه شكله كده
- خدت نمرة العربية؟

كان تفسيرى أنا أيضا أن الرجل أبو الطفل. لكن أن يضربه بهذه القسوة فهذا يحتاج إلى تفسير. أيضا أن يشتمه الطفل بهذه الطريقة المذهلة فهذا يحتاج إلى تفسير أكبر. قد لا يكون الرجل هو الأب بل زوج الأم مثلا؟

لكن لماذا يشتمهم الطفل جميعا؟ كان قد شتم الرجل وحده. الطفل ناقم على الجميع.

كان الرجل قد أصبح نصف جسمه داخل السيارة مائلا به على هيئة حرف ستة. لا ندرى ماذا يفعل. لكننا لم نعد نسمع صوت الطفل. لا يوجد صوت على الاطلاق. كيف سكت الطفل فجأة بعد الضرب؟ وما الذى يفعله الرجل بالداخل؟ هل يكتم صوت الطفل؟ هلى يحتاج الأمر إلى تدخل الناس؟ كان الموقف محيرا ففى الغالب هو أبوه وبالتالى لن يؤدى التدخل إلى شىء اللهم إلا إهانة المتدخلين. كان هذا رأى معظم الواقفين ماعدا شخص واحد اتخذ موقف التشكيك فى التفسيرات السابقة وأخذ يحرض الناس على التدخل.
- طب يا جماعة ما نروح ونسأله

حدث بهذا الرجل الواقف إلى يسارى لكنه لم يلتفت إليه. وأنا بدأت فى الدخول إلى المول قبل أن يلتفت إلى هذا المشكك الأخير، فقد كان رأيى مثل رأى معظم الواقفين هذا أولا. وثانيا كان على أن أغسل يدى من أثر أكل البيتزا.

 

8 فبراير 2010