الثقافة في الأردن...هل تخرج من نموذج "مثقف الدولة"؟

رسالة الأردن الثقافية

طارق حمدان

قوانين ومشاريع وميزانيات... و وعود تنتظر التنفيذ. تساؤلات كثيرة تطرح من قبل المثقفين والمراقبين للوضع الثقافي، في ظل تصريحات ووعود من قبل الجهات الرسمية الأردنية، بوضع خطط جادة للتنمية الثقافية والعمل على تفعيل الحياة الثقافية في الأردن. أخبار عن عشرة ملايين دينار وضعها الملك لاستحداث صندوق للتنمية الثقافية، تم إقراره في الجلسة التي جمعته مع رؤساء ومديري بعض المؤسسات والدوائر الثقافية، وموازنة جديدة لوزارة الثقافة تبلغ ثلاثة أضعاف الموازنة التي كانت تحصل عليها، في الوقت الذي يرى فيه الكثيرون أن المشكلة ليست مشكلة موازنات وتمويل وبنية تحتية، بقدر ما هي مشكلة إدارة ورؤية واهتمام.

تصريحات كثيرة من قبل الوزارة عن خطط تنمية، من بينها إعادة المديريات الثقافية في المحافظات الأردنية، ونظام التفرغ الإبداعي، ومشروع المدينة الثقافية، والتأمين الصحي وتوفير فرص عمل مناسبة للمثقف ... الخ، كلها عناوين عريضة تحتاج إلى ترجمة حقيقية. سؤال كبير في الواجهة يطرح نفسه بقوة، حول ما إذا كانت تلك التصريحات والوعود هي من شاكلة تلك الأمور الموسمية التي اعتاد ومل المثقفون سماعها عند بداية كل عام، والتي كانت تأتي في معظم الأحيان كمطعوم تخديري، لايلبث أن ينتهي مفعوله في آخر العام لتعاود ذات الجهات ضخ لقاحها كتصريحات ووعود جديدة تؤدي دورها الكامل كمطعوم تخديري ( وقائي )، أم هي فعلا رغبة جادة في تغيير الوضع الثقافي وتحسينه نحو الأفضل، بتوفير المناخ الملائم للإبداع،ونبذ التعصب والانغلاق، والدعوة إلى احترام حرية الرأي التعبير والإبداع ؟ ويبدو انه من العسير التنبؤ في هذا الوقت بحركات المؤشر الثقافي في الأردن، هل هو آخذ في الارتفاع ؟ هل هو آخذ في الهبوط ؟ أم انه سيظل يراوح مكانه ؟.

نترك تلك الأسئلة للأسابيع والأشهر القليلة القادمة فهي وحدها الكفيلة بالإجابة عن هذا السؤال.

نظام التفرغ الإبداعي و (المقدر له)
"نظام التفرغ الإبداعي" مشروع جديد لعام 2007 وافق عليه مجلس الوزراء، وينتظر المشروع الموافقة الملكية عليه، لكي يتم العمل به. "التفرغ الكامل لمدة عام مدفوع الأجر" هذا ما جاء في "مشروع نظام التفرغ الإبداعي والثقافي الأردني لعام 2007" خطة مشجعة وذات حضور يثير الأمل في نفوس المثقفين، بأن تأخذ الثقافة مكانها المفروض في المشهد الرسمي الأردني. كثير من الفنانين والمثقفين في الأردن وجدوا أن هذا القرار سيكون من أهم البرامج المدرجة في خطة الوزارة لهذا العام، والذي سيكون له التأثير الايجابي على تنشيط الحركة الثقافية وعلى خلق بيئة ملائمة للكاتب و الفنان لتقديم إنتاجهم الإبداعي، وذلك إذا تم العمل على المشروع بشكل منصف وحقيقي. وكثيرون من هم قلقين بان يتم التعامل مع هذا المشروع بشكل غير صحيح، وان يقتصر نظام التفرغ على طوابير المشتغلين في الإنشاء والإطراء، أو على من قضوا جزءا كبيرا من عمرهم في العمل (الثقافي) وأنجزوا عشرات الكتب متدنية المستوى التي لم يحدث أي منها أي أثر يذكر محلياً أو عربياً، والذين من الواجب عليهم أيضا أن لايعطلوا على المبدعين الحقيقيين فرصة التفرغ للعمل الإبداعي.

يذكر أن الساحة الأردنية عانت كثيرا ولازالت تعاني من المحسوبية والواسطة والشللية، ويبدو ذلك واضحا في جميع مناحي الحياة سواء كان ذلك في فرص العمل والوظيفة أو في فرص التعليم والبحث العلمي اوفرص العمل الثقافي التي يفوز فيها غالبا من لا يستحقها، الأمر الذي أدى إلى آثار سلبية على مجتمع بأكمله وضاعف من تدني المستوى الثقافي.و يرى الكثير بأن على الساحة أن تكون مفتوحة للجميع دون (بطاقات عضوية)، وان يطال الأمر أولئك الذين يحول مستواهم الثقافي والإنساني دون طرق الأبواب وإسالة اللعاب، وان لا تقتصر تلك المنح على مثقف السلطة الذي هو أصلا ليس بحاجة إلى أي دعم مادي كونه عثر منذ فترة طويلة على من يمده بالبروتينات اللازمة (لمواصلة عمله) على أكمل وجه.

يذكر أن المادة الخامسة من قانون التفرغ الإبداعي تنص على:
أ- يرفع الوزير لمجلس الوزراء الأسماء المنسب بها لمنح إجازة التفرغ إذا كانوا من موظفي الدولة

ب- تقدّم الوزارة دعماً مالياً للمتفرغ مقداره (15000) دينار عن سنة التفرغ وتدفع على النحو التالي: 25% عند توقيع الاتفاقية, 35% بعد مرور ربع مدة التفرغ, 40% عند تسليم المشروع كاملاً. ومن بعض الأحكام التي تم إقرارها في القانون :

تعديلات قانون المطبوعات والنشر.. " التفاف وترويع "

إحباط وخيبة أمل انتابا الكتاب والصحفيين والمثقفين الأردنيين من "المولود المشوه" الذي خرجت به الجهات الرسمية الأردنية المتمثل في ( تعديل قانون المطبوعات والنشر). استخفاف بعقول الكتاب و الصحفيين بلغ مراحله القصوى، عندما كان الهدف المصرح به من تعديل قانون المطبوعات والنشر وفق ماجاء من طرف الحكومة الأردنية هو " إلغاء المعيقات لحرية الصحافة، وإلغاء العقوبات السالبة للحرية والتي تتعلق بموضوع الرأي وحرية التعبير " والمثير للسخرية والبكاء في نفس الوقت، أن هاذين البندين لم يتحققا بل تمت عملية تعديل القانون بصورة ضيقت أكثر على الكتاب والصحفيين، وذلك بالإبقاء على عقوبة الحبس والتوقيف، وبرفع قيمة العقوبات المالية ( الغرامات )،ففي القانون الساري كانت العقوبات المالية لا تزيد في معظمها عن 100 دينار، أما في تعديلات القانون الجديد فتصل العقوبات المالية إلى 1000 دينار و5000 دينار، وتصل في بعض البنود إلى عشرين ألف دينار، وللذين ارتكبوا ( جرم الكتابة ) و لم يستطيعوا الدفع، عليم مواجهة عقوبة الحبس يوم عن كل دينارين، فمثلا الذي يغرم بألف دينار ولم يستطع دفع الغرامة عليه البقاء في السجن مدة تقارب السنة والنصف، ولا ندري ماهو المبرر الذي لجأت إليه الجهات الرسمية في رفع العقوبات المالية بهذه الطريقة، إلا إذا كانوا يرجعون ذالك إلى ظاهرة التضخم و الغلاء المعيشي ! التفاف واستخفاف، وما أعطي باليمين سيؤخذ بالشمال، هذا حال القانون المعدل الجديد والذي يشطب عقوبة الحبس والتوقيف من الشطر الأول للمادة 30 ليعود ويثبتها بصورة أقوى في الشطر الثاني الذي ينص على " وجوب مراعاة أحكام التشريعات والقوانين النافذة " مما يعني أن عقوبة الحبس والتوقيف مازالت موجودة عبر قوانين كثيرة ومتنوعة، كقانون امن الدولة وقانون العقوبات وقانون حماية الأسرار، وغيرها.. وهو ما يعني أيضا أن أي كاتب اوصحفي يمكن أن يتعرض لعقوبة الحبس استنادا لقانون محكمة امن الدولة أو قانون العقوبات.

ممارسات أعادت الجسم المثقف إلى الخطوات الأولى في الدفاع عن حرية الرأي والتعبير، بوجه المؤسسات الرقابية والتي تعد "دائرة المطبوعات والنشر" من أكثر تلك المؤسسات التي تمارس المصادرة والترويع بحق الكتاب والصحفيين، والتي تقوم أيضا بدور الوصي على ذوق القارئ وعلى عقله الذي لم يصل النضج الكافي، مما يبرر لتلك المؤسسة مشروعية العقوبة والمنع والمصادرة، تلك الأمور التي هي بكل بداهة نتاج تدخل تعسفي من الجهات الرسمية على الجسم الثقافي والصحفي. التعديلات الجديدة سيتم تطبيقها عند عرض المشروع من قبل الحكومة على مجلس النواب، ليتم اتخاذ القرار بشأنه، ويبدو أن حالة التوتر والارتباك التي سادت في الفترة الأخيرة بين الصحفيين والنواب قد تركت أثرا سلبيا على موقف النواب من حرية الصحافة والتعبير، وخصوصا بعد الحادثة التي جرى فيها الاعتداء الجسدي على صحفيين تحت قبة البرلمان، ليس من قبل مواطنين عاديين بل من قبل ( نواب ) من المفترض أنهم انتخبوا ليمثلوا طموحات الشعب وصوته !!!.

يذكر أن العاصمة الأردنية تشهد في الفترة الحالية بداية تحرك من قبل بعض المثقفين والصحفيين، لمواجهة قانون المطبوعات والنشر الذي أقرته لجنة التوجيه الوطني، وسعيا منهم لدرء الخطر الذي تعرضوا له دوما ( خطر أن يكونوا محل التفكير الدائم للجهات الرسمية التي تفكر في أنهم يتناولوها.. ) الأمر الذي أوضحه توماس برنار قبل عشرين عاما عندما تحدث في كتابه " معلمون قدامى " عن " مدرسة الدولة، وكائنات الدولة، ومعلميها، وأبالستها ".

tarikil@yahoo.com