تقرير من الإمارات

المهرجان الأول للمسرح المدرسي في الشارقة

إشاعة القيم الحقوقية والتربوية

سالم اكويندي

1. نظمت مجموعة مسارح الشارقة المهرجان الأول للمسرح المدرسي بتعاون مع المكاتب التعليمية في دولة الشارقة والفجيرة مؤخراً، وقد كان عدد العروض المسرحية المدرسية سبعة عشر عرضا مسرحيا موزعة بين الشارقة والمنطقة الوسطى والشرقية.
بالإضافة إلى تقديم عروض مسرحية للطفل موازية مؤطرة بندوة حول رؤية مستقبلية للمسرح المدرسي شاركت فيها مجموعة من الأساتذة المختصين في المسرح المدرسي وبحضور كل الفعاليات المشاركة بعروض في هذا المهرجان وفعاليات أخرى والذي يعتبر مهرجانا مسرحيا نوعيا نظرا لفعاليات الطلاب والطالبات المشاركين في الأداء التمثيلي تحت إشراف الأساتذة والأستاذات العاملين في ميدان التدريس. وبما أن المسرح المدرسي في دولة الشارقة يعتبر نشاطا موازيا أي أنه نشاط لا صفّيّ حسب ما تقتضيه ممارسة مثل هذه الأنشطة التربوية، رغم أن هناك موجهين مختصين يشرفون عليها خاصة في مجال المسرح المدرسي، فإن العروض المسرحية المقدمة لا تخلو من ألعاب تربوية ومدرسية في إطار مسرحة المناهج، حيث كانت هذه الأبعاد مكملة لما يتم تدريسه في الوحدات الدراسية، وهذا يعطي للبرامج التعليمية في الشارقة مفهوم المنهاج الدراسي المتكامل والمعتمد على الجانب التعليمي بدل التعليمي، كما أن نوعية هذا النشاط المسرحي يندرج في ما يعرف ببيداغوجيا التحكم، علما بأن المسرح المدرسي يلعب دور تنظيم الموارد الدراسية وإعطائها معنى الوحدة التربوية، والتي تعتبر وكأنها وحدات دراسية متكاملة، فضلا عن كون ممارسة المسرح المدرسي داخل المدرسة يصبح بمثابة البيداغوجيا التطبيقية أي أنه ملتقى لنتائج كل علوم التربية.

إن نهج معنى النشاط المسرحي في المدرسة يجعل المدرسة أكثر انفتاحا على المجتمع ومن خلاله تتم بلورة تمثلات أكثر واقعية على الحياة، زيادة على كون الطالب الممارس فيه يجعله أكثر قدرة على التعبير عن ذاته وأكثر ثقة بنفسه ويمنحه الجرأة في النقد وإبداء الرأي وأكثر تحكما في قدراته النفسية والتعبير بحرية عن ميوله والتشبع بقيم مجتمعه والتعرف عليها. كما أن الجانب المعرفي والعلمي المقدم منهجيا في مسرحة المنهاج الدراسي يكون أكثر وضوحا ورسوخا في باقي مناولاته التعليمية، خاصة إذا ما تمت برمجة المسرح المدرسي كمادة دراسية لتلعب دور العلاج والتصحيح وتقويم الذات والتعرف عليها أكثر، فيما يعرف بدراما العلاج النفسي والاندماج الاجتماعي، وهذا المعنى هو ما نجده في بعض البيداغوجيات ذات البعد التصحيحي والتعويضي انطلاقا من بيداغوجيا أشمل هي البيداغوجيا الفارقية.

إن العروض المسرحية المدرسية المقدمة في هذا المهرجان قاربت وبشكل متفاوت في منجزاتها الأدائية والفنية ومؤطراتها التقنية والفنية القيم المجتمعية المرتكز عليها بناء المنهاج الدراسي المعتمد في كل المراحل التعليمية في النظام التربوي المعتمد بالشارقة رغم أن بعض هذه الأبعاد لوحظ عليها عدم الاكتمال خاصة في مجال الكتابة الدرامية / النصوص والتي وإن اعتمدت بعض الأفكار النيرة والقمينة بالتنويه لجدتها وعمقها في ما طرحته من قضايا تتعلق بالقيم المروّجة في ثقافة حقوق الإنسان، والدعوة إلى المواطنة الصادقة بلغة تتمايز فيما بينها من حيث شاعريتها وفصاحتها البلاغية وعدم الاكتمال. هذا ما يلاحظ على مستوى البناء الدرامي والحبكة الدرامية وغياب ناظم بينها في النسيج الدرامي العام، علما بأن مجموعة من الورشات قدمت وبشكل مؤطر من قبل أفراد الطاقم الفني المشرف على هذا المهرجان والمنتمين في غالبيتهم لمجموعة مسارح الشارقة فإن هذه الجهود تعتبر بداية مؤسسة في مسار التأطير والتكوين، والذي يجب أن يقدم للأساتذة والأستاذات المشاركين في هذه التظاهرة، ومن خلالها، للطلبة والطالبات خاصة وأن جل المؤسسات التعليمية تتوفر على بنيات شبه متكاملة.

2. وما يمكن رصده في هذه التظاهرة نجمله وبتركيز من خلال:
2
ـ1. القيم المروّجة في عروض المهرجان:
إن المواضيع التي تم تناولها في جل العروض المسرحية المدرسية المقدمة في هذا المهرجان تعتمد تيمات تحمل قيما تنتمي إلى ثقافة حقوق الإنسان مثلا:
-
عرض مسرحية 'المدرسة للجميع'، والتي ترتكز على حق التعليم وهو حق من الحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الطفل.
وعرض 'مملكة القراء' التي تمجد قيمة القراءة كآلية في اكتساب العلم والمعرفة بالتركيز على اللغة العربية في هذا المجال وابراز الوسائط التي تمكننا من فتح تيمة القراءة والاستمتاع بما تفتحه للإنسان من آفاق معرفية.
وأيضاًعرض مسرحية 'خدعة الألوان' التي تعتمد كقيمة محورية نبذ الميز العنصري وهذا المبدأ هو كذلك من الحقوق المنصوص عليها في الإعلانين السابقين إضافة لكون دولة الإمارات العربية المتحدة تتعايش فيها مجموعة من العرقيات والجنسيات المختلفة.
أما عرض مسرحية فإنها موجهة لذوي الاحتياجات الخاصة، مما يعني الاحترام وتقديرهم في كفاءاتهم وعدم اعتبار اعاقتهم نقصا بل هي حاجة ناقصة يعملون على تعوضيها بما يبذلونه من جهد مما يفرض تقديرهم ومساعدتهم على الاندماج الاجتماعي من خلال هذا الاعتراف.
ـ اما قيمة القناعة فيحملها عرض مسرحية 'الكنز' الذي ينطلق في ترسيخ هذه القيمة بتمجيدها ودعم الطمع في الاستيلاء على متاع الغير واعتبار العمل من اجل الكنز والربح المشروع خير مجال للامتلاك والغنى والسعادة.

3. ان ادراج هذه القيم ضمن هذه العروض هو ما يجعل المسرح المدرسي عموما ومسرح الطفل خاصة مسرحا للقيم أو مسرحا قيميا بامتياز، باعتبار النماذج الحية التي تقدم بها القيم المراد ترويجها لانها تعتمد في توظيفها وبثها للتشبع بها من خلال تمريرها بوسائط فنية وتقنية من اهمها المحاكاة أي ذلك التمثل الايجابي للواقع (الحياة) وكما ينبغي ان تكون لأن الاساسي في المحاكاة هو انتقاد الواقع المعاش وتجاوزه، كما أن الطلبة والطالبات يستوعبون ما يقدم اليهم على شكل حكاية او قصة تبنى وقائعها (الاحداث) الدرامية على مواقف وحالات تتناقض في صراعها المقدم بشكل درامي على الخشبة بين شخصيات رامزة لافعال الخير ونقيضها، مما يجعلها اكثر قابلية للتشخيص وتفاعل الأدوار المؤدية في النهاية الى اقتراحات وبدائل عملية يتطلب تقبلها البناء المنطقي الذي تكون عليه الحبكة المسرحية، سواء كانت حبكة خطية بداية ووسط ونهاية او على شكل لوحات ينسج فعلها الدرامي خيط رفيع يؤدي بالتالي الى إمعان النظر واعمال العقل لتمثلها والتشبع بها، حيث يكون هذا التمثل والتشبع اكثر إقناعا من تلقيها والتعامل معها من خلال الدروس اليومية كأنها واجب مدرسي. وهنا تتجلى قوة وفعالية المسرح في الاقناع بالمعرفة والمتعة في تملكها خاصة اذا كانت بعض القيم المراد بلوغها اكثر تجريدا، كما أن بناء المعرفة بالمسرح شبيه ببناء النمو والنضج لدى المتعلم منذ نعومة أظفاره الى المراحل المتقدمة من عمره من اجل حصول التعلم، وهذا ما يؤكده علم النفس عامة وعلم نفس الطفل والنمو بالخصوص وهو مجال تجلي آليات التفاعل هاته بما يساعد على التنشئة المتوازنة لشخصية الطفل والاستجابة لحاجياته التي منها اشباع ميوله في التعلم باللعب والفرجة والتسلية النابعة عن الرغبة وبكل حرية وتلقائية، وهذه المعطيات كلها تصب في اتجاه النماء المعرفي والقيمي والسلوكي المهاراتي من خلال مناولات ذاتية لا تحصر امكانات المتعلم الذاتية في إنماء هذه القدرات فقط.

وهذه القيم كما نلاحظ جاءت مبثوثة ضمن المواد الدراسية في المنهاج المدرسي المتبع كما ان صيغة الأنشطة ولو بصيغتها اللاصفية تساعد امتداد التعلم وتراكم مكتسباته وجعلها اكثر قدرة على الاستمرار عندما يصير التشبع بها وتمثلها في الحياة الخاصة كرابط بينها وبين المجتمع، وهذه النتيجة هي التي تجعل للمدرسة جدوى في المجتمع ومجرد التعاطي معها كما رأينا يساعد على الاندماج الاجتماعي وخلق مواطنين على مستوى ما ينتظر منهم .

4. قنوات الاتصال المعتمدة في العروض المسرحية المدرسية:
ـ إن أهم ما يميز المسرح المدرسي عموما، ومسرح الطفل خاصة هو قنوات الاتصال المعتمدة فيه، وهي قنوات يراد من ورائها تبليغ الصور المماثلة للحياة في توظيفاتها المحاكاتية لأن هذه القنوات تكون أكثر إثارة وتشويقا، بإضفائها طابعا جماليا وشاعريا يثير انتباه المتلقين من الطلاب. ويمكننا حصر هذه القنوات في ثلاثة أصناف كما يلي:
4
ـ 1. قنوات الانسنة وهي إعطاء صفة الإنسان لها من كلام وحوار وتجادل، ويتجلى هذا في المسرحيات المعتمدة في شخصياتها على الحيوانات، وهذا ما رصدنا توظيفه بتفوق وامتياز خاصة في عرض مسرحيتي 'المدرسة للجميع'، و' خدعة الالوان'.
4
ـ 2. قنوات الإيحائية وتعني إضفاء الحياة على الجمادات والأشجار وجعلها بمثابة شخصيات تمر من خلالها حوارات دالة والتي وظفت بشكل صامت، أي باعتبارها خلفيات جدارية، الشيء الذي جعلها في بطاقة التزيين الذي أعطى بعدا مكانيا في فضاء الخشبة.
4
ـ 3. الخوارق والتي تمثل شخصيات خارقة وفوق الطبيعة، كما قد تكون لها قوة سحرية وهذه القناة لم يتم توظيفها، رغم أن بعض المسرحيات المقدمة كانت تحتمل مثل هذا التوظيف والذي اقتصر على بعض المسرحيات الموازية في هذا المهرجان، خاصة عرض مسرحية 'الحواس الخمس'.

5. التقنيات والمؤثرات الموسيقية:
لم تعتمد العروض المسرحية المقدمة في هذا المهرجان على الموسيقى الحية، بل الموسيقى المصاحبة والتي كلها تقريبا موفقة في توظيفاتها واختياراتها، وحبذا لو تم استثمار دروس الموسيقى في إنجاز مثل هذه التقنيات وجعلها أكثر فاعلية، عندما تكون حية، بالاضافة لكون العروض المسرحية المدرسية تعـتـمد كلها الأناشيد الملحنة، وبعض اللوحات الراقصة وهذه التقنيات مرغوب فيها في المسرح المدرسي عموما ومسرح الطفل خصوصاً، وقد اتضح من التوظيف الموسيقي المشار إليه أعلاه، أن الأساتذة والأستاذات المؤطرين لهذه العروض يملكون حسا موسيقيا جيدا.
أما المؤثرات الضوئية فرغم اعتمادهم على الألوان وتحديد تموقعات الممثلين من الطلاب فإنها لم تكن عامة، ولم تكن بالشكل الذي جاءت عليه تأطيرات الموسيقى والغناء.
وأهم ميزة اتسمت بها عروض المسرح المدرسي في هذا المهرجان هي التركيز على الأداء التلفظي باللغة العربية الفصيحة وجعلها تحظى بمقدار تسعين بالمئة من العروض المقدمة، حيث كان الإلقاء والنطق بها جيدين، وهذا ما يبشر بالاطمئنان على اللسان العربي الفصيح، والدور الإيجابي الذي تلعبه المدرسة في هذا المجال في الشارقة.

6. الزي وصناعة الملابس:
إن الزي واللباس يعتبران محددين للشخصيات المسرحية سواء زمانيا (تاريخيا) أو نفسيا واجتماعيا كما أنهما (الزي واللباس) يضيفان جمالية نوعية على الشخصية والدور الذي تؤديه على الخشبة وفي تفاعلها مع باقي الشخصيات الأخرى بما أنهما يكونان جذابين ومثيرين للانتباه ويعملان على إشباع البصر والإحساس بالمتعة البصرية. وقد جاءت أغلب العروض المسرحية المقدمة باجتهادات موفقة في هذا الجانب مما زاد العروض بهاء ورونقا ينمان عن ذوق رفيع واختيارات نابعة من فهم عميق للشخصيات المسرحية في هذه العروض.

7. أما مؤثر المكياج / التقيين فإنه لا يلعب دور تغيير ملامح الشخصية فقط بل يعطيها دلالتها الرمزية والاعتبارية وفق الملمح الذي يراد للشخصية أن تكون عليه إضافة لكونه يلعب دور القناع الشبه الطبيعي ما دام المكياج تعبيرا جسديا بالدرجة الأولى، وهو شيء محبذ في المسرح المدرسي ويعطيه معنى فيما يرمي إليه من التركيز على بعض القيم والتي هي هنا قيم منتصرة للخير وإشاعة الجميل وتجليه فيما يقدم أمام الطلبة على خشبة المسرح.
8. مجمل القول في هذه العروض المسرحية أنها عروض المسرح المدرسي في منزعها التعليمي التعلمي، وعندما نقول التعليمي فإننا نقصد ذلك البعد الإيحائي فيها والقصدي من أجل التعليم، كما أننا عندما نردف التعلمي في هذه الصفة لهذه العروض المسرحية فإننا نشير إلى ذلك النشاط الذاتي والجهد المبذول من قبل المتعلمين للتواصل معها أداء وفرحة ومتعة من أجل التعلم والتحصيل المعرفي وإدراك عوالمها المتخيلة.

9. ندوة المهرجان: والتي جاءت موسومة بالدعوة لما بعد أي تلك الرؤية المستقبلية لممارسة المسرح المدرسي في الشارقة انطلاقا مما هو مقدم أمام أعضاء لجنة التحكيم في هذا المهرجان، لأنهم هم الأساتذة المتدخلون فيها بمشاركة الفعاليات المسرحية المشاركة في هذا المهرجان.