يواصل الناقد والقاص المغربي سلسلة دراساته وتقديمه للنصوص القصصية الصادرة حديثا ضمن محور القصة المغربية القصيرة الأخرى، ويقدم في هذا العدد مجموعة مشتركة صدرت السنة الماضية تحتفي بالقصة القصيرة جدا وبالهم الاجتماعي اللافت في المجموعة.

نقش في الحرف

عبدالرحيم مؤدن

تطرح هذه المجموعة القصصية بعض الأسئلة الشائكة نجملها على الشكل التالي:

1- ما دلالة اشتراك خمسة كتاب في المجموعة الحاملة للعنوان أعلاه؟

2-بالرغم من تجنيس هذه النصوص في سياق  القصة القصيرة – مع سبق الإصرار- فإن معظم نصوصها تنتمي إلى متن ما يعرف، الآن، بالقصة القصيرة جدا، مع استثناء نصوص الكاتب(إبراهيم أبويه) – من ص 59ـ73ـ التي تنتسب إلى القصة القصيرة النموذجية كما وكيفا.

3- بالرغم من  خضوع المجموعة لعنوان مشترك، يعكس، بالتأكيد، حدا أدنى من المشترك الأجناسي، والفكري، بين أصحاب المجموعة، فإن ذلك لا يمنع من إثارة الإنتباه إلى افتقاد العنوان الخاص بكل كاتب على حدة، داخل المجموعة.

 

عود على بدء:

لعل أهم ما يميز هذه النصوص  طغيان الهم الإجتماعي، بشكل بارز، الذي التصقت به هذه النصوص- والتصق بها أيضا- من خلال مظاهر

التمايز المجتمعي الظالمة.وطبيعة السرد ،في هذه النصوص، تتخذ الأساليب التالية:

 أ-المزج بين الفردي والإجتماعي، بين الذاتي الموضوعي.

ب- وطبيعة المزج خضعت لطبيعة النص السردية أيضا ، من خلال مستويين:

·        مستوى القصة القصيرة جدا الذي تقدم فيه القضية الإجتماعية بأسلوبها الخاص المستند إلى "التشظي" و" التبئير"و" الترميز"و" الشعرنة"...

·        مستوى القصة القصيرة- خاصة القسم الأخير- الذي تعالج فيه القضية الإجتماعية بواسطة "اللمحة الدالة" ، "والمفارقة الساخرة"، و"البعد الإنساني" للشخصية... الخ.

ج- استنادا إلى ما  سبق، تصبح الثيمات الكبرى، في هذه النصوص، على الشكل التالي:

o       الأقنعة/التمسك بالقيم المنهارة

o       التشييئ/ الدناصير المستبدة بالإنسان

o       المجتمع/الهزيمة المتواترة/المقاومة

o       الرمزية/الإستشهاد/الزمن القاتل/الحنين إلى الزمن الرخي/الكوابيس/الرعب/تبادل الأوهام/ فلسطين/الحلم الدائم/

o       إشكالية الكتابة/الوجود والعدم/

o       القدر المرسوم مسبقا/المفاجأة غير المنتظرة/الهجرة نحو المنافي البعيدة سواء تعلقت بالذات، أو بالأمكنة القصية/المفارقة المبكية المضحكة/ المكان الأليف.

د-يتوزع هذه النصوص أسلوبان سرديان ،يقوم أولهما على  المزج بين الواقعي والمتخيل، بين الأفقي (رصد وضع معين وصفا وسردا) والعمودي(الرؤية الذاتية المخترقة لهذا الوضع). واستطاعت نصوص "القصة القصيرة جدا" أن تستفيد من هذا المزج ـ بين الواقعي والمتخيل ـ محققة نماذج دالة من اللحظات "العجائبية" التي سايرت طبيعة هذه النصوص المكثفة بحكم اقترابها من " الحكمة" ،أحيانا، ومن المثل ، حينا آخر. النماذج التالية تقدم بعض مظاهر هذا المزج:

o       (نثروا شلوه الموزع على كل الخرائط. ذات فجر.. انبعث شامخا ينحت صخرة التاريخ). عبد الغني صراض: تجذر.ص،21.

o       ( كلفوه بمنع  الماء عن شجر الزيتون..قضى ليلته الأولى في تنفيذ المهمة.. في الغد وجدوه غارقا في زيتها..) محمد أكراد الورايني: مهمة مستحيلة.ص،30.

o       (اجتث قلبه.. عصره من الدم.. ركنه.. لما تحجر.. صار يعبده) مصطفى طالبي: وثنية.ص،39.

o       (حينما تغرد البلابل في أقفاصها، يرقص بائعها فرحا. كان بلبل ينفث ريشه، مشيرا أن لتغريده رأيا آخر). كمال دليل الصقلي: بلبل.ص،52.

أما بالنسبة للأسلوب الثاني، فإن الصياغة السردية تستمد عناصرها من المرجعية الواقعية  المشتعلة بأحداث بارزة:

ـ (إبراهيم أبويه: فلسطين.ص،72/استشهاد الأطفال في سياق الانتفاضات المتواترة. قصة. ذكرى لم تمت.ص.73) أو المستوحاة من الشخصيات المميزة ذات الطبيعة الإشارية (قصة الذوبان والإهداء إلى روح المهدي بنبركة التي استعصت على  التذويب الجهنمي للجسد من طرف زبانية الإستبداد.ص،64.

 

 

 

1- عبدالغني صراض/ محمد أكراد الورايني /مصطفى طالبي /كمال دليل الصقلي/ إبراهيم أبويه: نقش على الحرف. قصص.دار التنوخي. الرباط.2010.